الصفحة الرئيسية

الكتب والمؤلفات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الكتب والمؤلفات PDF (9)
  • عرفان آل محمد (ع) (17)
  • الإلحاد في مهب الريح (12)
  • قبسات الهدى (14)
  • الثالوث والكتب السماوية (6)
  • الثالوث صليب العقل (8)
  • أنوار الإمامة (6)
  • الوديعة المقهورة (6)

المقالات والأبحاث :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التوحيد والعدل (13)
  • سيد الأنبياء محمد ص (13)
  • الإمامة والأئمة (28)
  • الإمام عين الحياة (16)
  • أمير المؤمنين عليه السلام (24)
  • السيدة الزهراء عليها السلام (48)
  • سيد الشهداء عليه السلام (47)
  • الإمام المنتظر عليه السلام (9)
  • لماذا صرتُ شيعياً؟ (7)
  • العلم والعلماء (15)
  • الأسرة والمرأة (8)
  • مقالات اجتماعية (19)
  • مقالات عامة ومتنوعة (58)
  • الموت والقيامة (24)

إتصل بنا

أرشيف المواضيع

البحث :




جديد الموقع :


 شَهيدُ الهُدى.. الحُسَينُ بنُ عَليّ (عليه السلام)
 287. الإمام الجواد.. والشيعة في زمن الغيبة!
 286. هَل يُغلَبُ رُسُلُ الله وحِزبُه؟!
 285. هل أراد الله بنا (شرَّاً) فحَجَبَ عنَّا (النَّصر)؟!
 284. لن يُمحَقَ دينُ محمد (ص)!
 283. ما حُكمُ (الجِهَادِ) في أيامنا؟!
 282. الجواد.. إمامٌ يعلمُ ما في النفوس!
 281. ما من خالقٍ.. إلا الله!
 280. هل بينك وبين الله قرابة؟!
 279. المَهديُّ إمامٌ.. تبكيه العيون!

مواضيع متنوعة :


 113. ويبقى العلماء.. بدوراً في السماء !
 239. كيف نموت؟!
 فصل4: ألوهية عيسى في الكتب السماوية
 عودٌ على بدء
 125. لَوْ وُلِّينَا.. لَعَدَلنَا !
 1. عاشوراء.. سرُّ الله !!
 الفصل الأول: ولادتها وفضائلها
 الفصل الرابع: ذكرى المعصومين
 232. ما أفظَعَ.. غَمَرَات الموت!
 222. الإمام والعصبية.. وحَمِيَّة الجاهلية!

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2
  • الأقسام الفرعية : 22
  • عدد المواضيع : 356
  • التصفحات : 694780
  • التاريخ :



















  • القسم الرئيسي : الكتب والمؤلفات .
        • القسم الفرعي : الثالوث صليب العقل .
              • الموضوع : عودٌ على بدء: ثمرة الكتاب .

عودٌ على بدء: ثمرة الكتاب

عودٌ على بدء: ثمرة الكتاب

شَعْبٌ لاَ يَعْقِلُ يُصْرَعُ(1): عبارةٌ من الكتاب المقدّس، بها كان بدء الكلام وبها ختامه.

لقد أورث الاعتمادُ على العقل في باب التوحيد رَفضَاً للقول بتعدُّد الآلهة، اشتركَ في ذلك المسلمون والنصارى، فقال الشماس الإكليريكي د. سامح حلمي: العقل يرفض وجود أكثر من إلهٍ.. يمكننا منطقياً وعقلياً رفض القول بوجود أكثر من إلهٍ واحد(2).

وقد ثبت بحكم العقل أيضاً توحيد الله لا في العدد ولا في الجنس والنوع، بل بتنزيهه عن مشابهة خلقه وعن الانقسام والضعف والجهل وما سواها.

لكنّ عقيدة النصارى لم تقل بتوحيد العدد، بل قالت بتثليث العدد، فخالفت البديهيات والمُسَلّمات، ودخلت في المحظورات العقلية.

لذا وجدنا أن العقل يرفض وجود أقانيم أو أشخاصٍ أو تعيُّناتٍ في الذات الإلهية، ولذا يمكننا منطقياً وعقلياً رفض القول بالثالوث.

فبعدما ثبت أن للعقل دوره المحوريّ، وفرضنا أنه قد جاءنا إعلان سماويٌّ بأن هناك أكثر من إله، أو بأنّه إلهٌ واحدٌ له ثلاثة أقانيم، لم يخل الأمر من أحد احتمالين:

الاحتمال الأول: أن يكون هذا الإعلان غيرَ قطعيٍّ، فلا يعارِضُ الدليلَ القطعيَّ العقليّ، فيسقط الإعلان السماوي، ولذا لو جاءنا كتابٌ يُحتمل كونه من عند الله يتضمن إعلاناً بأن هناك إلهان، لعلمنا بأنه ليس من عند الله.

الاحتمال الثاني: أن نقطع بصحة هذا الإعلان، فحينها لا بدّ من تأويله لأنّه يتعارض مع دليلٍ عقليٍّ قطعيّ.

ودليلنا العقليُّ القطعيُّ الذي دلّنا على لزوم وجود إلهٍ واحد، دلّنا بنفسه على لزوم أن لا يكون لهذا الإله (أقانيم) أو (أشخاص) أو (تعيّنات) متعددة.

فالنصارى بين خيارين:

أوّلهما: أن يكون الكتاب المقدّس:

  • ظنيَّ الصدور والدلالة على الثالوث.
  • أو ظنيّ الصدور.
  • أو ظنيّ الدلالة على الثالوث.

وفي هذه الصور الثلاث لا يعارِضُ الكتابُ المقدّس حكمَ العقل القطعيّ من لزوم القول بالوحدانية المطلقة، فتسقط عقيدة الثالوث.

ثانيهما: أن يكون الكتابُ المقدّس قطعيَّ الصدور، وقطعي الدلالة على الثالوث، ويتفرّع عنها صورتان:

الصورة الأولى: أن يكون تأويل هذه الدلالة ممكناً، برفع اليد عن دلالتها الحقيقية وحملها على معنىً مجازيّ، كما بيّنا ذلك في كتاب (الثالوث والكتب السماوية) وأقمنا الشواهد على لزوم ذلك، على فرض التسليم بقطعية الدلالة، وهو أوّل الكلام.

والوجه في ذلك أن القطع بالشيء ونقيضه غير ممكن، فينكشف بالقرينة العقلية الدالة على التوحيد المطلق أن ما كان قطعيّ الدلالة بَدواً ليس كذلك حقيقةً لامتناع التعارض بين القطعيّين.

الصورة الثانية: أن يكون التأويلُ غير ممكن، فيقع التعارض بين حكم العقل وبين الكتاب المقدّس، فيما من شأن العقل الحكم فيه، والأولويةُ لِحُكمِ العقل القطعيّ، لأنّه يلزم من إسقاطه إسقاط كلِّ حجّةٍ وبرهانٍ عقليّين، ولا يمتاز حينها الإنسان عن سائر المخلوقات غير المُدرِكة، بل يصير أسوأ منها.

وبهذا يسقط الكتاب المقدس والثالوث معاً، ويكشف ذلك عن عدم كونه قطعياً من الأساس، أو على عدم كون دلالته قطعية.

ولئن لمس القارئ الكريم في طيّات الكتاب نوعاً من توبيخٍ لعقيدةٍ باطلة، فإنما كان ذلك عملاً بما أرشد إليه الكتاب المقدّس من أنّ طريق الحكمة أحياناً يكون بالعصا والتوبيخ حين قال: اَلْعَصَا وَالتَّوْبِيخُ يُعْطِيَانِ حِكْمَةً، وَالصَّبِيُّ الُمطْلَقُ إِلَى هَوَاهُ يُخْجِلُ أُمَّهُ(3).

ومع أن القارئ غير المسيحي قد يجد بعض ما نقلنا من معتقداتٍ طُرفةً لا تستحق عناء الوقوف عندها، أو في بعض شواهدها ما يثير الضحك أو التعجُّب! فإنّا قد تعاملنا معها بجدية تامّة لأنّ هناك شريحةً كبيرة تؤمن بهذا المعتقد وتُقَدِّمُ عليه الأدلة والبراهين.

ونحن وإن كنّا نرى الحقّ المطلق في التوحيد المطلق لله تعالى، إلا أنّ مقتضى الحوار بالتي هي أحسن أن ننطلق من قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾(4) كما فعلنا، لنُثبِتَ بعد ذلك أن الهُدى في التوحيد المطلق، وأنّ ما سواه ضلالٌ مبين.

وبما أن الثالوث هو أهم عقيدةٍ نصرانية، تبتني عليها الديانة كلّها، وبما أنهم يرونها عقيدةً سماويةً وإن كانت غير قابلة للإدراك، ولاختلاف كلمات علماء النصارى في بيانها، فقد استرسلنا في نقل كلماتهم وفي توضيحها وبيان أدلتهم عليها، وأجبنا بإجاباتٍ مختلفة من حيث الصيغة والأسلوب، وإن تشابهت في المضمون لزيادة الإيضاح وإتمام الحجة.

فإن قيل بعد كلّ هذا: إنكم تثيرون الفتنة وتفتحون أبواباً مغلقةً بين الأديان لا تُعرَفُ عواقبها.

قلنا: لنا في الجواب على هذا الكلام وجوه:

الوجه الأول: أنه ما عرضناه هو بحثٌ علميٌّ محض، نناقش فيه بالعقل والمنطق مسائل عقائدية بكلّ هدوءٍ ورويّة، سالكين منهج العقلاء في عرض الأدلة ومناقشتها للوصول إلى الحق.

ومن لا يرتضي هذا البحث كمن يحجُرُ على الفكر والمنطق والعقل، فيخالف بذلك العقل نفسه والكتب السماوية كلّها، وليس ديننا دين الظلم، وقد أوصى نبينا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصيّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): وَائْتِنِي مَظْلُوماً، وَلَا تَأْتِنِي ظَالِماً(5).

الوجه الثاني: لو صدرت منّا إساءةٌ غير مقصودة، إو فهم بعض الناس بيانَ الحقّ على أنّه إساءة، فإنّا نعتمد على أن يقابلنا هؤلاء إن كانوا نصارى بالهدوء والمحبة، حتّى لو كان فِعلُنَا شرّاً برأيهم، فإنهم قد نسبوا لعيسى (عليه السلام) قوله: لا تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً(6).

بل نسبوا له أنّه قال: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ(7).

وقد روي عنه (عليه السلام) قوله: أَحْسِنُوا إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكُمْ، وَاعْفُوا عَمَّنْ ظَلَمَكُمْ، وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْكُمْ(8).

فإنّ غَرَضَنا هو البحث عن الحقّ فقط، وإن فُهِمَ كلامُنا أنّه عداوةٌ نلنا محبّة النصارى، وإن فُهِمَ أنّه بغضٌ نلنا إحسانهم، وإن فُهِمَ أنّه إساءةٌ ربحنا صلاة النصارى لأجلنا، وقد قال القديس يوحنا ذهبي الفم: عندما نُهانُ ويُبصَقُ علينا، عندما نتعرّضُ لكلِّ مذلّة، عندما نُحتَقَرُ ويُزدرى بنا، لنحتمل كل هذا ونكون سعداء(9).

الوجه الثالث: أنّ صاحب الفتنة هو من يرمي الموحدين لله بالوثنية! فقد عدَّ بعضُ قساوسة النصارى جحودَ كلمة الله وروحه بمعنى إنكار الثالوث كالوثنيّة في الرداءة!

يقول الأسقف بولس البوشي: لا نكونُ مع قولنا نعبُد ثلاثةَ آلهة، لئلا نكون كالوثنيين الذين يقولون بكثرة الآلهة. ولا نكون أيضاً كمثل الجاحدين كلمةَ الله وروحه. لأن الرداءة في هاتين المقالتين متساوية، وإن كان قولهما مختلفاً(10).

فهو يرى أنّ الله تعالى كان قد أمَرَ نبيَّه موسى (عليه السلام) بأن ينشر ما يساوي الوثنيّة في الرداءة! لأنّه لم يأت بالتثليث، ولمّا كان موسى رسولاً أي مكلّفاً بهداية كل الناس كان دوره هداية البشرية قاطبةً إلى مقالة تساوي الوثنية!

وللقدّيس الشهير الذي يفتخر به النصارى يوحنا ذهبيّ الفمّ كلامٌ شديدٌ في من خالف عقيدتهم، وقال باختلاف الجوهر الإلهيّ، يحكم فيه على مخالفيه بالهلاك والكفر فيقول: هيا، لندخل الميدان ثانيةً من أجل منازلة الزنادقة القائلين باختلافٍ في الجوهر. وإذا ما كانوا يغتاظون لدى سماع مناداتهم بالزنادقة، فليغيّروا مسلكهم أبدّل أنا من لهجتي، وليُحجِموا عن أفكارهم الكافرة أحجم أنا عن تسمية التقريع هذه. ولكن، إذا لم يأووا إلى جحورهم، بينما هم يحقِّرون الإيمان بأعمالهم، فيمتلئون هم أنفسهم خجلاً، لماذا يحنِقون علينا نحن الذين نقرِّعُهم بأقوالنا على ما يُبدون هم بأعمالهم؟(11).

فلماذا يعطي النصارى ومنهم القديس يوحنا الحقّ لأنفسهم في تقريع من خالفهم ورميه بالكفر، بينما يستنكرون وصف القرآن الكريم لهم بالكفر؟!

لقد وقع علماء النصارى المتقدمون منهم والمتأخرون في مشكلتين:

المشكلة الأولى: أنّ النار اشتعلت في بيتهم فلم يطفؤوها حتى امتدّت الى سائر البيوت، وقد حذّر عيسى (عليه السلام) من ذلك، فقد روينا عنه قوله: بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الْحَرِيقَ لَيَقَعُ فِي الْبَيْتِ الْوَاحِدِ فَلَا يَزَالُ يَنْتَقِلُ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ حَتَّى تَحْتَرِقَ بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ، إِلَّا أَنْ يُسْتَدْرَكَ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ فَيُهْدَمَ مِنْ قَوَاعِدِهِ، فَلَا تَجِدَ فِيهِ النَّارُ مَعْمَلًا، وَكَذَلِكَ الظَّالِمُ الْأَوَّلُ لَوْ يُؤْخَذُ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ بَعْدِهِ إِمَامٌ ظَالِمٌ فَيَأْتَمُّونَ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ تَجِدِ النَّارُ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ خَشَباً وَأَلْوَاحاً لَمْ تُحْرِقْ شَيْئاًً.

بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ نَظَرَ إِلَى الْحَيَّةِ تَؤُمُّ أَخَاهُ لِتَلْدَغَهُ وَلَمْ يُحَذِّرْهُ حَتَّى قَتَلَتْهُ فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ شَرِكَ فِي دَمِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَظَرَ إِلَى أَخِيهِ يَعْمَلُ الْخَطِيئَةَ وَلَمْ يُحَذِّرْهُ عَاقِبَتَهَا حَتَّى أَحَاطَتْ بِهِ فَلَا يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ شَرِكَ فِي إِثْمِه‏(12).

فلو أن الأوائل منهم قد أطفؤوا حريق الثالوث لَأَمِنَ جميع النصارى من نارِ الشرك بالله تعالى، ولَسَلِمَ لهم دين الله تعالى الذي أتى به عيسى (عليه السلام): هذه كانت مسؤولية المتقدمين منهم.

المشكلة الثانية: أن المتأخرين منهم شَمَخُوا ولم يتواضعوا فشُجَّ رأسهم بعدما تَلَفت الحكمة في سهلٍ لم يحتضنها، كما قال عيسى (عليه السلام): بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ الزَّرْعَ يَنْبُتُ فِي السَّهْلِ وَلَا يَنْبُتُ فِي الصَّفَا، وَكَذَلِكَ الْحِكْمَةُ تَعْمُرُ فِي قَلْبِ الْمُتَوَاضِعِ وَلَا تَعْمُرُ فِي قَلْبِ المُتَكَبِّرِ الْجَبَّارِ، أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ شَمَخَ بِرَأْسِهِ إِلَى السَّقْفِ شَجَّه(13).‏

إن قيل: عليكم أن تنظروا أيها المسلمون إلى الآخرين بعينهم لا بعينكم لتروا أنهم موحّدون برأيهم، وحينها لا يصحّ وصفهم بالكُفر، وهي دعوةٌ تتعالى في أيامنا هذه على المنابر وفي المنشورات.

قلنا: لو كان هذا هو المنهج القويم لَلَزِمَ على القدّيس يوحنا ذهبي الفم وسائر علمائهم إذاً أن ينظروا لهؤلاء الذين يقولون باختلاف جوهر الله تعالى عن جوهر عيسى (عليه السلام) على أنهم مؤمنون لا كفار وزنادقة، لأنّهم يصرحون بأنهم على التوحيد الحق، فلم لم ينظر ذهبيّ الفم لهم بعينهم هم لا بعينه؟

ولهذا القول لازمٌ باطلٌ لا يمكن الالتزام به، حيث أنّ مَن عَبَدَ سوى الله واتّخذه ولياً إنما قال: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى﴾(14)، ولازم هذا القول هو الحكم بإيمان هؤلاء الكفار الذين يعبدون غير الله تعالى، ولا قائل به.

وليس هذا المنهج في التقريع مقتَصِراً على الاسقف البوشي والقدّيس ذهبيّ الفم، فهما من نماذج المتقدمين، ومن نماذج المتأخرين ما ذكره القسّ بسام مدني بقوله: إن الهالكين هم الذين لا يرون ولا يؤمنون بأن يسوع هو الله المتجسد(15).

ما اكتفوا بذلك، بل استهزؤوا بنبيِّنا وقد أكرَمْنَا نبيَّ الله عيسى (عليه السلام)، لأنّنا لا نُفَرِّقُ بين رسل الله كما يفعلون، ومن كلمات كبار علمائهم في ذلك، قول القديس يوحنا الدمشقيّ: قام في ما بينَهُم نبيٌّ منتحل (النبوة) اسمه محمد! والذي قد أنشأ هرطقته الخاصة بعد أن تعرَّف بالصدفة على العهدين القديم والجديد، وبعد أن تحاور كما يبدو مع راهب آريوسي. وبعد أن أحرز لنفسه حظوةً لدى الشعب عبر تظاهره بالتقوى كان يلمِّحُ بأن كتاباً آتياً من السماء قد أوحي به إليه من الله. وفي إنشائه لبعض المعتقدات المثيرة للضحك في كتابه نقل إليهم هذه الطريقة في عبادة الله!(16).

فهو قد نسب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه منتحل النبوة، وحاشاه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وزعم أنّ دعوته هرطقة، وأنّه أخذها من بعض النصارى، وزعم أنّه متظاهرٌ بالتقوى، وسَخِرَ من معتقدات المسلمين التي ذكرها القرآن، وفي كلّ هذا لم يرُفَّ له جفنٌ.

فأيُّ سخريةٍ قد يلومنا عليها النصارى؟! وأيُّ فتنةٍ يحذّروننا منها؟! إنّ جلّ ما عرضناه هو حوارٌ ونقاشٌ وفق أسس العقل والمنطق.

لا يكتفي القدّيس الدمشقيُّ بهذا، بل يزعم أن كلَّ من لا يعترف بعقيدة الثالوث هو مسيحٌ دجّال! يقول: إنه لمسيحٌ دجّالٌ كل من لا يعترف أنّ ابن الله قد أتى بالجسد، وأنّه إلهٌ كاملٌ، وأنّه قد صار إنساناً كاملاً بعد أن كان إلهاً(17).

فهل التزم هؤلاء العلماء بتعاليم الكتاب المقدس السالفة؟ وكيف كان تعاملهم حتى مع أبناء جلدتهم إن اختلفوا معهم في عقيدتهم؟

من نماذج أسلوبهم موقفُهم من آريوس المنكر للثالوث، وهو من لم ينكر توحيد الله تعالى، يقول القديس الكبير أثناسيوس الرسولي: الهرطقة الأخيرة التي ظهرت الآن.. التي تسمى الآريوسية.. باطلةٌ وخبيثةٌ وماكرة.. ليس فيها شيء من الصواب(18).. صار ضرورياً أن أفتِّتَ قوّة درع هذه الهرطقة الدَّنِسَة، وأن أكشف عن نَتَانَةِ حماقَتِها، وعَفَنِ وقاحتها، لكي يتجنّبها الذين ما زالوا بعيدين عن هذه البدعة(19).

انظر أيها المنصفُ الى أوصاف كِبار القدّيسين للعقائد المخالفة لهم، وتشنيعهم علينا عند وصفنا لهم بالكفر!

إن القدّيس أثناسيوس قد وصف من ذهب إلى عقيدة آريوس من المسيحيين بأنهم مجانين الأريوسية(20)، ولما كان آريوس قد أنكر أزلية عيسى (عليه السلام) وألوهيّته الحقيقية وعَدَّهُ مخلوقاً من المخلوقات، عبّر أثانسيوس عن أقواله بأنها: مليئةٌ بكل أنواع الإلحاد والكفر!(21)، ووصف قوله بالنجاسة والنتانة!

أمّا القدّيس كيرلّس فإنّه يصف بعض من يختلف معه حول طبيعتي المسيح الإلهية والبشرية بأنهم: مختلّين في عقولهم(22).

وفيما تحصر البابوية الكاثوليكية الخلاص بأتباعها: تقول روما: لا خلاص خارج الكنيسة الرومانية، قال البابا بونيفاس الثامن، في خطابه البابوي يوم 18تشرين الثاني عام 1302: نحن نصرح ونقول ونعزم ونؤكد أنه من الضروري لكلّ مخلوقٍ أن يخضع للسلطة البابوية لينال الخلاص(23).

يذمّ أتباعها سائر المذاهب، ففي مقدمة الكتاب المقدس للدار الكاثوليكية المصرية: لا يخفى أن جماعة المبتدعين من الشيعة البروتسطانية منذ دخلوا البلاد السورية.. لفّقوا في الدين كتباً شتى.. ثم انهم لم يكتفوا بذلك حتى مدّوا أيديهم الى الاسفار الالهيّة بالتحريف والحذف، وترجموها الى اللسان العربي.. وزيّنوها في عيون الناس(24).

فيما يرى مخالفو الكاثوليك عبادة الكاثوليكي عبادة أوثان، يقول صموئيل بندكت: قال الله: "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً.. لا تسجد لهنّ ولا تعبدهن".. هناك كثيرٌ من التماثيل والصور التي تمثّل يسوع ومريم والقدّيسين في الكنيسة الكاثوليكية، والشعب يقبل هذه التماثيل والصور ويركع لها ويصلّي أمامها.. تقول الكنيسة الكاثوليكية بأنها لا تعبد التماثيل والصلبان والصور، إلخ، ولكنها تعبد الربّ الذي يمثله الصليب. وهي باستعمالها لهذه الرموز إنما ترفع من قيمة القدّيسين وتزيدهم شرفاً. قد غاب عنها أن هذا العذر قد استعمله الوثنيون قبل عام 788، وقالوا أنّهم لا يعبدون الأصنام الحجرية أو المعدنية، ولكنهم يعبدون الشخص الذي تمثّله هذه الأصنام. ولكن مهما تكن التعليلات النظرية من هذا النوع، هي بنظر الله، وبمفهوم ممارسة الناس لها، عبادة أوثان(25).

وهكذا تتبادل الفرق الاتهام بالبِدَعِ وعبادة الأوثان، ويصف بعضها تقديم البخور والصلوات للقديسين، ومسألة الصلبان والأيقونات في الكنيسة الأرثوذوكسية بأنها: عبادة أصنام(26).

والخلاصة، أنّ من حاجَّنا في ما ذكرنا في كتابنا، تَمثّلنا في جوابه بكلام الكتاب المقدّس: وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟(27).

نحنُ أهل الدعوة للحق بالتي هي أحسن، نمتثل قول الله تعالى:﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾(28).

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾(29).

في كتابنا هذا: دعوةٌ لعبادة الله الواحد الأحد، خالق موسى (عليه السلام)وعيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر الأنبياء (عليهم السلام)، وجدالٌ بالتي هي أحسن فيه: قَطْع عُذْرِ الْكَافِرِينَ وَإِزَالَة شُبَهِهِم(30).

وهذه دعوة القرآن لا تزالُ ماثلةً بين أيدي القوم، فإن رأوا الحقّ فيما هم عليه، كانت ساحة الحجّة والبرهان في انتظارهم، وقد قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾‏(31).

وقال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ﴾‏(32).

ومسكُ الختام:

كلام أئمة الخلق (عليهم السلام)، ليرى المنصف أيُّهما أحقُّ أن يُتّبع، من ضحى بالعقل على مذبح الصليب! أم من رفع العقل فعدَّهُ زينةً من الله لعباده؟!

عن صادق آل محمدٍ، أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: إِنَّ أَوَّلَ الْأُمُورِ وَمَبْدَأَهَا وَقُوَّتَهَا وَعِمَارَتَهَا الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْ‏ءٍ إِلَّا بِهِ الْعَقْلُ الَّذِي جَعَلَهُ الله زِينَةً لِخَلْقِهِ ونُوراً لَهُمْ، فَبِالْعَقْلِ عَرَفَ الْعِبَادُ خَالِقَهُمْ وَأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ وَأَنَّهُ المُدَبِّرُ لَهُمْ، وَأَنَّهُمُ المُدَبَّرُونَ، وَأَنَّهُ الْبَاقِي وَهُمُ الْفَانُونَ(33).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

محمد مصطفى مصري العاملي

24 رجب 1441 للهجرة، الموافق 19-3-2020 للميلاد.

 


(1) هوشع 4: 14.

(2) إيماننا المسيحي صادق وأكيد ص42.

(3) الأمثال29: 15.

(4) سبأ24.

(5) المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام ص610، هذا وفي بلدتنا أنصار بيوتات من النصارى من أسرة (الحداد) يعيشون فيها منذ ما يزيد عن قرنين من الزمن، دون أن يتعرّض لهم أحدٌ أو يظلمهم، وهكذا في سائر قرى جبل عامل. ولهم مقبرة خاصة كانت في طرف البلدة ولا تزال إلى يومنا هذا، حتى أنّ أهل القرية قد تكفّلوا دفن أحد الأموات منهم فيها لعدم وجود من يقوم بذلك من النصارى أثناء الحرب الأهلية، وكان صوت القرآن الكريم يصدح في البلدة كما هو الحال عند دفن المسلمين، ولاقى هذا ثناء الخوريّ الذي حضر عند الدفن، ولعلّهم قاموا بذلك بناء على الرأي الفقهي القائل بجواز غسل وتكفين ودفن المسلم لهم ذاتاً لا تشريعاً.

(6) متى5: 39.

(7) لوقا6: 27-28.

(8) تحف العقول ص503.

(9) مساوٍ للآب في الجوهر ص57.

(10) مقالة في التثليث والتجسد وصحة المسيحية ص170.

(11) كتاب: في ان الله لا يمكن ادراكه ص73.

(12) تحف العقول ص504.

(13) تحف العقول ص504.

(14) الزمر3.

(15) المسيح في الوحي الإلهي ص73.

(16) الهرطقة المئة ص49-50.

(17) المئة مقالة في الايمان الارثوذكسي ص273.

(18) الشهادة لألوهية المسيح ص11.

(19) الشهادة لألوهية المسيح ص12.

(20) الشهادة لألوهية المسيح ص15.

(21) الشهادة لألوهية المسيح ص25.

(22) رسائل القديس كيرلس إلى نسطور ويوحنا الانطاكي ص37.

(23) صموئيل بندكت في العقائد الكاثوليكية في الكتاب المقدس ص39.

(24) الكتاب المقدس: العهد العتيق: الدار الكاثوليكية المصرية 1937 ص5.

(25) العقائد الكاثوليكية في الكتاب المقدس ص33.

(26) د. حنين عبد المسيح: شماس وواعظ سابق بالكنيسة الأرثوذوكسية، في كتابه: بدعة تأليه مريم وعبادتها في الكنيسة الارثوذكسية ص34.

(27) متى7: 3.

(28) النحل125.

(29) العنكبوت46.

(30) كما عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي) ج‏1 ص22.

(31) البقرة111.

(32) الأنعام148.

(33) الكافي ج1 ص29.

بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2022/07/26  | |  القرّاء : 1571



للإنضمام إلى قناة العلم والإيمان (أنقر على الرمز الخاص) ->
| تلغرام | واتساب | يوتيوب | فيسبوك | انستغرام |


كتابة تعليق لموضوع : عودٌ على بدء: ثمرة الكتاب
الإسم * :
الدولة * :
بريدك الالكتروني * :
عنوان التعليق * :
نص التعليق * :
 

تصميم، برمجة وإستضافة :
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net