بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ الله هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ (المائدة17).
لقد ذهب النصارى إلى أنّ الله هو المسيح ابن مريم، فحكم عليهم القرآن الكريم بالكفر، وبرّأ ساحة عيسى عليه السلام حين قال: ﴿وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ (المائدة72).
لقد دعا عيسى عليه السلام الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد لكنهم عبدوه هو، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ (المائدة72).
المسيح نبيٌّ من أنبياء الله تعالى، مؤمنٌ بربِّه، موحدٌ يدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله الواحد الأحد.
فيرفض النصارى دعوته، ويجعلوه إلهاً وربّاً، أقنوماً من أقانيم الله، تنزّه ربنا عز وجل عن ذلك.
لقد شكّلَ عيسى عليه السلام شخصية لها فرادتها، فكانت صفاته وأفعاله محل تَعَجُّبٍ من أكثر الخلق: إحياؤه للموتى، وشفاؤه للمرضى، وخلقه من الطين كهيئة الطير.. والخلق وإن كان خلق تقدير لا خلق تكوين.. إلا أن المعجزات والكرامات التي ظهرت على يديه جعلته إلهاً في عيون قومه! فكفروا بذلك.
قلّما عبد الناس شخصاً كما عبد النصارى عيسى، ولو فتّشت كتب التاريخ وسبرت أغواره لترى هل لعيسى بن مريم من شبيه، لوجدت أنه يشبه آدم في التولُّد من غير أبٍ، حتى ضرب الله تعالى مثلاً بهما: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ (آل عمران59).
لقد مثّل الله تعالى عيسى بآدم تارة، وبشخصية أخرى لا تُضَاهى في عظمتها..
روينا أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالساً ذات يوم:
إِذْ أَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (ع) فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله (ص): إِنَّ فِيكَ شَبَهاً مِنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَلَوْ لَا أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، لَقُلْتُ فِيكَ قَوْلًا لَا تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ، يَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ البَرَكَةَ.
ما هو الشبه بين عيسى وعليّ؟ هل هو تأليه فئة من الناس لكلٍّ منهما؟ أم أن هناك اشتراكاً في الصفات بينهما؟ في خَلقهما؟ في خُلقهما؟ في تواضعهما؟
ما السرُّ فيك يا عليّ اذ تقدَّستَ كالمسيح، فغالى من غالى فيك، والنبيُّ لم يقل بعدُ ما أحجم عن قوله؟! خوفاً من أن يجعلوك الله كما جعلوا المسيح!
أيُّ سرٍّ فيك هذا يا علي؟! أيُّ صفاءٍ وطهارة وإخلاص قدّمتَه بين يدي الله تعالى فقدّم الدنيا بين يديك؟! فقلت لأهلها إنَّ ولايتهم لا تساوي عندك عفطة عنزٍ إلا أن تُقيمَ حقاً؟!
لقد أثار قول النبيّ صلى الله عليه وآله (إِنَّ فِيكَ شَبَهاً مِنْ عِيسَى) حفيظة الأعرابيان اللذان تلمّسا ورأيا بالعين ما ظهر من كراماته الباهرة، وما اتّبعا الحق أبداً!
تقول الرواية: فَغَضِبَ الأَعْرَابِيَّانِ، وَالمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَعِدَّةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ.
هؤلاء هم الصحابة الذين يزعم المخالفون عدالتهم! ويرفعونهم الى أرفع المراتب، لقد غضبوا لكلام النبي صلى الله عليه وآله، فَقَالُوا: مَا رَضِيَ أَنْ يَضْرِبَ لِابْنِ عَمِّهِ مَثَلًا إِلَّا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ! (الكافي ج8 ص57).
هؤلاء لا يؤمنون بقول الله سبحانه وتعالى ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ (النجم3-4).
يظنُّون أنَّ هذا من سحر محمدٍ وكيده لإبقاء الخلافة في بني هاشم، فأنزل الله تعالى بعد قولهم هذا على نبيّه آية مباركة: ﴿وَلمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّون﴾.
لقد سَلَبتَ ألبابَ الخليقة أيُّها المسيح العظيم! وحيرت العقول.
لقد رأى الناس منك ما أطاح ألبابَهم.. إذ أحييت الموتى يا نبيّ الله بحرفين من أحرف اسم الله الأعظم!
فماذا كان عند عليٍّ من هذا الاسم؟
لقد روينا عن أبي عبد الله عليه السلام قوله:
إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ اسْمَهُ الأَعْظَمَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ حَرْفاً.. أَعْطَى عِيسَى مِنْهَا حَرْفَيْنِ وَكَانَ يُحْيِي بِهِمَا المَوْتَى، وَيُبْرِئُ بِهِمَا الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ، وَأَعْطَى مُحَمَّداً اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ حَرْفاً، وَاحْتَجَبَ حَرْفاً.
وعن الباقر عليه السلام: وَعِنْدَنَا نَحْنُ مِنْ الِاسْمِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَرْفاً (بصائر الدرجات ج1 ص208).
فما عند محمد صلى الله عليه وآله عند الأئمة عليهم السلام.
هذا مقامُ عيسى من مقام الامام..
لقد حَيَّرتَ الألباب يا عيسى بحرفين من اسم الله الأعظم، وعند محمد وعلي والأئمة اثنان وسبعون حرفاً!
حمداً لك يا رب العباد، أن حافظت لنا على عقولنا لئلا تطيح كما طاحت ألباب كثيرٍ من خلقك بعيسى حيث صار مَعثَرَةً لهم.
فكيف لم يصر الامام عليٌّ معثرةً للخلق وهو أعظم من عيسى؟
نعم، لقد عثر به المغالون، لكنّ أتباعه وأشياعه عرفوا الحق فاتبعوه.
عليٌّ يا حيرة الألباب.. أيُّ مقامٍ جعلك الله فيه فصيّرك إماماً وبنيك من بعدك؟
هذا هو منصب الإمام، وهذا محله، ولمّا كان عيسى قد سلَبَ الألباب، وكان منصبُ الإمامة أجلُّ شأناً، تُطرح تساؤلات حول الإمامة..
وههنا تساؤلان حول مقامها ودور العقل:
فهل يُستدلُّ على الإمامة بالعقل؟ وهل تُدرَك حقيقتها؟
التساؤل الأول: هل يدلُّ العقلُ على لزوم الإمامة؟
حيث نزعم أن الإمامة حاجةٌ ضروريةٌ، وأنّ العقل يدلُّ على لزومها.
فلسامعٍ أن يقول: إنّ زعمكم كون الإمامة حاجةً وضرورة عقليةً ينافي كمال الله تعالى، وعظمته وجلاله.
ويقول:
ألا يعني ادّعاء ضرورة الإمامة نسبة النقص لله تعالى؟ إذ يقدرُ الله تعالى على أن يُعرِّفَ الناس بنفسه دون توسُّط الإمام، وإن فرضتم أيها الشيعة لزوم الحاجة إلى الإمام لزم من ذلك احتياج الله تعالى، والله تعالى منزه عن الحاجة.
فنقول:
إن قولنا بحتمية الإمامة وضرورتها ليس أمراً خارجاً عن الإرادة الإلهية والحكمة الربانية، بمعنى أن الله تعالى وإن كان قادراً على أن تكون هدايته قهرية جبرية، أو أن تكون بلا واسطة، كأن يزرع في الإنسان إلى جانب الفطرة ما يجعله ملزماً بالمعرفة والطاعة، أو يخلق الإنسان كالملائكة بحيث لا يسبقونه بالقول.
إلا أن إرادة الله تعالى وكماله وحكمته وعدله التي اقتضت أن يخيِّر الإنسان بين طريقين، فيثيب المطيع ويعاقب العاصي، اقتضت أن لا يُعَرِّفَ الله تعالى العباد بنفسه.. وأن لا يباشرهم حتى بمثل الوحي جميعاً، وإن كان أقرب إليهم من حبل الوريد..
وهو ما يقتضي حينها لزوم وجود خليفةٍ لله في الأرض، وليس سوى الإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله.
وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: .. إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَوْ شَاءَ لَعَرَّفَ العِبَادَ نَفْسَهُ، وَلَكِنْ جَعَلَنَا أَبْوَابَهُ وَصِرَاطَهُ وَسَبِيلَهُ وَالوَجْهَ الَّذِي يُؤْتَى مِنْه (الكافي ج1ص184).
هي ضرورةٌ عقليةٌ ليس فيها ما ينازع الله سلطانه، لأنه إله عادلٌ اختار أن لا يعرّف العباد نفسه كمعرفة الملائكة.. بل أراد أن تجري الأمور معهم بأسبابها، كما قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: أَبَى الله أَنْ يُجْرِيَ الأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (الكافي ج1 ص183).
الإمامُ ذاً كالنبيّ حاجةٌ عقليةٌ بضميمة عدم إرادة الله تعريف الناس بنفسه، ولا الإيحاء لهم جميعاً.
هكذا كانت كلمات المعصومين، تَعَلَّمَهَا منهم تلامذتهم، فأقرّ الصادق عليه السلام قول هشام بن الحكم: إِنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّ لَهُ رَبّاً فَيَنْبَغِي لَه أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ لِذَلِكَ الرَّبِّ رِضًا وَسَخَطاً، وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ رِضَاهُ وَسَخَطُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ أَوْ رَسُولٍ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِهِ الوَحْيُ فَقَدْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الرُّسُل (الكافي ج1 ص 169).
ههنا لا فرق بين النبي والإمام في ذلك، فهم خلفاء الله تعالى في أرضه، وأمناؤه على دينه..
إذا تبين هذا عُلِمَ سبب قول الصادق عليه السلام: الحُجَّةُ قَبْلَ الخَلْقِ، وَمَعَ الخَلْقِ، وَبَعْدَ الخَلْقِ (الكافي ج1ص178).
لا بدّ إذاً من تمامية الحجة الإلهية، دلّ على ذلك العقل بنفسه بعد إيمانه بالله الواحد الكامل الذي لم يباشر الناس بنفسه، فثبت بهذا أن الامامة لها دليلٌ عقليٌّ قطعيٌّ لا يتخلّف.
التساؤل الثاني: هل تُدرَك حقيقة الإمامة؟
اذا كان عليٌّ قد حَيَّرَ العقول كما حيرها عيسى..
وإذا كان العقل قد دلّ على لزوم الإمامة وضرورتها، أفليس لهذا العقل أن يدرك حقيقة الإمامة ومراتبها وعظمتها؟
قد يظنُّ ظانٌّ أنَّ هناك تلازماً بين ضرورة الامامة وبين إدراك حقيقتها وكنهها وجوهرها ومراتبها.
وها هنا لا بدّ من التمييز بين الامرين، فكما أنّ العقل يدلّ على وجود الله سبحانه وتعالى، وعلى اتصافه بصفات الكمال والجلال، ثم يدلُّ على أن الله سبحانه وتعالى منزَّهٌ عن الاحاطة والإدراك، كذلك يدل العقل على أنّ الإمامة وإن كانت ضرورية إلا أنّ حقيقتها فوق حدّ الإدراك.
وإن عجز العقل عن ذلك، أرشده حديث المعصوم من آل محمد عليهم السلام، وفي ذلك يقول الإمام الرضا عليه السلام:
إِنَّ الإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً، وَأَعْظَمُ شَأْناً، وَأَعْلَى مَكَاناً، وَأَمْنَعُ جَانِباً، وَأَبْعَدُ غَوْراً، مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ، أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ، أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ.
بماذا صارت الإمامة أجلّ من أن تُدركها العقول؟
أليس الله تعالى هو خالق الإمام وخالق العقل؟
لماذا ليس للناس أن ينصبوا إماماً باختيارهم؟
إنَّ الإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِرْثُ الأَوْصِيَاءِ: هل اختار الناس أنبياءهم؟ كي يختاروا أوصياءهم وأئمتهم؟
لماذا سلّمت البشرية بأنّ النبي لا بدّ أن يكون مختاراً من الله سبحانه وتعالى، منتجباً ومرسلاً من قبله عزّ وجلّ، ثم لم يشترطوا هذا في الإمام، أليس هذا كيلاً بمكيالين؟
إذا كانت الإمامة منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء، فلا بدّ أن تكون أيضاً بتنصيبٍ من الله سبحانه وتعالى.
وإذا كان العقل يدرك نبوّة النبي لمكان الإعجاز.. أفهل يبلغ مقامَ النبوّة والإمامة لمجرد إدراكه للمعجِز؟ إنَّ الكافر يعرف إعجاز المعجز لكنه لا يتمكن من أن يسبر أغوار النبوة والإمامة.
إِنَّ الإِمَامَةَ خِلَافَةُ الله:
أننازع الله في سلطانه؟ فيختار الله إماماً ونختار إماماً سواه؟! هنا لبُّ النزاع ومحلُّ الخلاف وبيت القصيد:
هل هي خلافة الله أم خلافة الأهواء؟
الإمام خليفة الله، وتريد الأمة أن تسلب الله حقه في اختيار الإمام! ثم تقرّر الأمة بالعقول الناقصة مَن يكون إماماً! فتقدم المفضول على الفاضل! فيصيرُ أمرها سفالاً كما هو حال أمتنا اليوم، أمّةٌ هوت إلى الحضيض، وستبقى الى ظهور الحجة عليه السلام كذلك، لأنّ الإمام هو الوحيد الذي يقيم شأنها، هو الوحيد الذي يمثل الله في أرضه.
وَخِلَافَةُ الرَّسُولِ (ص)، وَمَقَامُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (ع)، وَمِيرَاثُ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ ع..
.. فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الإِمَامِ؟ أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟
كلماتٌ ذهبية نقف عند شيء يسير منها، وهي بنفسها دليلٌ على عصمة الإمام وعلى عظمته، بل هي بنفسها دليلٌ على عظمة الله سبحانه وتعالى، فالله القادر على أن يخلق إماماً بهذه العظمة وبهذه البلاغة وبهذه الفصاحة والعلم والعمق والدقة هو إلهٌ جديرٌ بالعبادة..
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ضَلَّتِ العُقُولُ وَتَاهَتِ الحُلُومُ وَحَارَتِ الالبَابُ!
عليٌّ يا حيرة الألباب..
العقل طريق الإدراك، قد ضلَّ فيك يا عليّ..
الحِلم .. التَّثَبُتُ والأناة.. العقل.. كلُّه لم يتمكن من الغوص في بحارك يا عليّ!
وَخَسَأَتِ العُيُونُ، وَتَصَاغَرَتِ العُظَمَاءُ، وَتَحَيَّرَتِ الحُكَمَاءُ، وَتَقَاصَرَتِ الحُلَمَاءُ، وَحَصِرَتِ الخُطَبَاءُ، وَجَهِلَتِ الأَلِبَّاءُ، وَكَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَعَجَزَتِ الأُدَبَاءُ، وَعَيِيَتِ البُلَغَاءُ: عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ..
نحن لا نريد معرفة حقيقة أمير المؤمنين عليه السلام، بل نريد وصف شأنٍ من شأنه أو فضيلةٍ واحدة من فضائله، فنعجز جميعاً كما يقرّ هؤلاء بالعجز والتقصير، وهم نخبة البشرية وصَفوَتُها، عظماؤها وحكماؤها وألبّاؤها وأدباؤها وبلغاؤها.
لقد وُصَفَ أمير المؤمنين عليه السلام بكثيرٍ من الاوصاف، فكيف تقولون أنّ هؤلاء جميعاً يعجزون عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله؟!
إننا نسمع فضائله عليه السلام ونتلمّس شيئاً منها ونحوم حولها، لكننا لا ندرك حقيقتها لأنّ لها بُعداً لا ندركه ينبع من عظمة فاعلها، فعظمة فعل عليٍّ عليه السلام بمقدار عظمته هو، وبمقدار قربه من الله سبحانه وتعالى، لذا تكون ضربةٌ واحدةٌ منه معادلةً لعبادة الثقلين، فمن يدرك عبادة الثقلين؟! كي يدرك ضربةً من ضربات عليٍّ عليه السلام.
وَكَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ أَوْ يُفْهَمُ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيُغْنِي غِنَاهُ؟
لا يقوم أحدٌ مقامه، فقد وصل إلى مقام النبي.. هناك حيث قاب قوسين أو أدنى.. المنتهى من غايات القرب من الله عز وجل، فلا دنوّ بعد هذا ولا اقتراب..
لَا، كَيْفَ، وَأَنَّى، وَهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمُ مِنْ يَدِ المُتَنَاوِلِينَ، وَوَصْفِ الوَاصِفِينَ.
من منا يتمكن من تناول النجم في السماء؟
عليٌّ.. بحيث النجم من يد المتناولين!
فَأَيْنَ الِاخْتِيَارُ مِنْ هَذَا، وَأَيْنَ العُقُولُ عَنْ هَذَا، وَأَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا، أَتَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ آلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ (ص)؟
كَذَبَتْهُمْ وَالله أَنْفُسُهُمْ وَمَنَّتْهُمُ الأَبَاطِيلَ فَارْتَقَوْا مُرْتَقًى صَعْباً دَحْضاً تَزِلُّ عَنْهُ إِلَى الحَضِيضِ أَقْدَامُهُمْ..
أيُترَكُ محمدٌ وآله ويُتّبع فلانٌ وفلان الأعرابيان؟
تعيش أمتنا اليوم في الحضيض لأنها تركت آل محمد، الذين لا يوجد مثلهم في غير آل الرسول.
الإمام الماء العذب على الظما!
بعيداً عن هذا الخلق المنكوس المتعوس، الذي أعرض عن إمامه وذهب يُمنةً ويسرةً، ما حال الإمام بالنسبة لشيعته ومحبيه وأتباعه؟
يقول الإمام عليه السلام عبارة تسلب الألباب والقلوب والعقول: الإِمَامُ المَاءُ العَذْبُ عَلَى الظَّمَإِ، وَالدَّالُّ عَلَى الهُدَى، وَالمُنْجِي مِنَ الرَّدَى.
ما هَمَّنَا ظمأ الصوم في هذه الأيام يا مولاي.. فإنّا لظهورك نترقب.. وأنت الماء العذب على الظمأ..
أبغيرك نحيا يا سيدي؟ لا ورب الكعبة..
فيك وبك الحياة.. يا منوّر قلوب المؤمنين..
مَتَى نَرِدُ مَنَاهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَرْوَى، مَتَى نَنْتَفِعُ مِنْ عَذْبِ مَائِكَ فَقَدْ طَالَ الصَّدَى.
هذا لسان حال الشيعة يا سيدي ومولاي..
عذب مائك الذي يروي الظما يتلهف له كلّ مؤمنٍ..
يا مولاي، يا صاحب العصر والزمان.. يا حامل إرث النبيين والوصيين..
عجل الله فرجك. وسهل الله مخرجك، وجعلنا من أشياعك واتباعك والذابين عنك.. بحق هذه الأيام المباركة..
والحمد لله رب العالمين
الإثنين 3 شهر رمضان 1441 هـ