بسم الله الرحمن الرحيم
الماء والحياة
قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ المَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ (الأنبياء30).
لقد جعل الله تعالى عِبرةً في فَتقِ السماوات والأرض، وفي إحياء كلّ شيء بالماء.. وكان الإنسان هو المُخاطَب الذي يؤمّل منه الإعتبار، وهو الذي يعيش على الأرض، وتظلّه سماؤها، وهو الذي يتلمّسُ مضمون الآية فيرى أن كل شيء يحيا بالماء.
وللإنسان صِلةٌ لا تنفكّ عن الماء، الذي جعل الله به كلَّ شيءٍ حيٍّ، وقد صار الإنسان حياً بالماء منذ تكوينه ولا يزال.. حيث كان خليط الإنسان الأول من طينٍ وماء، وكان قِوَامُ حياة الإنسان بالماء.. منذ اليوم الأول لخلقه، وإلى آخر ساعات حياته.
ولمّا عَجِزَ غاصبُ الخلافة عن إجابة سؤال رأس الجالوت عن أصل الأشياء، أجاب أميرُ المؤمنين عليه السلام بأنَّ أصل الأشياء هو الماء، واستشهد بهذه الآية المباركة المتقدّمة.
وَسَأَلَهُ (ع) رَأْسُ الجَالُوتِ بَعْدَ مَا سَأَلَ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَعْرِفْ: مَا أَصْلُ الأَشْيَاءِ؟
فَقَالَ (ع): هُوَ المَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَجَعَلْنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ﴾ (مناقب آل أبي طالب عليهم السلام ج2 ص358).
من آثار الماء
لقد ذكر الله تعالى الماء في آياتٍ مباركة مختلفة، وذكَرَ أنّ به حياة الأرض بعد موتها: ﴿والله أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ (النحل65).
وأنَّ به إخراج الثمرات والنبات:
﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ﴾ (البقرة22).
﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْ﴾ (الأنعام99).
والماء يغطي اليوم أكثر من ثلثي الأرض، ويتكوَّنُ أكثر من ثلثي جسم الإنسان من الماء حسب ما يقول العلماء، ويقولون أيضاً أن الماء هو الوسيط الرئيسي في جميع الكائنات الحيّة.
يقال أيضاً أن اكتشاف سحابة هائلة من بخار الماء في الكون مؤشرٌ على أن الماء موجود في الكون منذ بداية نشأئه.
كل هذه مؤشّراتٌ علميةٌ تتطابق مع ما ورد في الشريعة المقدسة، سواءٌ في الكتاب الكريم أو على لسان أمير المؤمنين عليه السلام.
وبهذا يتبين أنّ الماء قد اقترن بالحياة، فحيث وُجِدَ الماء وُجِدَت الحياة.
طعم الماء طعم الحياة
لكن سؤالاً يُطرح ها هنا: ما هو طعم الماء يا ترى؟
كلنا يتذوق الطّعم الحلو والحامض والمالح، ويتفنَّنُ الناسُ في ألوان الطعام وأذواقه، وكلنا يشرب الماء أيضاً، وللماء طعمٌ بلا شكٍّ ولا ريب، وله نكهةٌ خاصة، لكنها لا تُعرَفُ بالحلاوة ولا بالحموضة ولا بشيءٍ مما تُعرَف به سائر الأطعمة، وقد لا يرتوي الانسان بغير الماء أبداً.
يقول العلماء المعاصرون أن الماء عديم اللون والرائحة والطعم!
لا طعم للماء إذاً عندهم.. لأنَّه خلا من الحلاوة والحموضة والملوحة، فهو عديم المذاق لديهم!
لكنّ مفارقةً لطيفةً تُسَجَّلُ هنا.. وهي سؤالٌ غريبٌ طرحه رجلٌ غريبٌ على إمامنا الصادق عليه السلام حينما سأله عن (طعم الماء).
كان للإمام كلامٌ آخر مغايرٌ لكلام هؤلاء العلماء.. جوابٌ مُحَيِّرٌ.. قال له عليه السلام: سَلْ تَفَقُّهاً وَلَا تَسْال تَعَنُّتاً.
كأنّ الامام رأى في سؤال السائل تعنُّتاً لا تعلًّماً، رغم ذلك أجابه عليه السلام فقال له: طَعْمُ المَاءِ طَعْمُ الحَيَاةِ (الكافي ج6 ص380).
هي كلمةٌ عظيمة تحتاج إلى تأمُّلٍ وتدبُّر.
وقد سئل الإمام السؤال نفسه في مجلس آخر: ما طعم الماء؟
فظن الحاضرون أن السائل زنديق، فصار الصادق عليه السلام يتأمل بالرجل، ينظر إلى أعلاه وأسفله، ثم قال له: «وَيْلَكَ، طَعْمُ المَاءِ طَعْمُ الحَيَاةِ، إِنَّ الله جَلَّ وَعَزَّ يَقُولُ: ﴿وَجَعَلْنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ﴾ (قرب الإسناد ص116).
كيف يكون طعم الماء طعم الحياة؟
هل أنَّ طعم الماء طعم الحياة بمعنى أن الماء هو أصل الحياة؟
أم بمعنى أنّ كلَّ شيء يحيا بالماء؟ فالماء سببُ الحياة في الكائنات، فإذا شرب الإنسان الماء تذوق طعم الحياة بنفسها؟
هل هذا مراد الامام عليه السلام؟ أم أنّ له أبعاداً خلف هذا؟
هل سيتمكن أحدنا من سَبرِ أغوار هذه الكلمة الجميلة للإمام عليه السلام؟ طعم الماء طعم الحياة.
ماذا عن ماء الأنفس والأرواح؟ ماذا عن حياة النفوس في شهر الله تعالى؟ كيف تكون حياتها؟ أبالماء أيضاً؟
إنّ المؤمن والكافر يشتركان في التنعُّم بنعمة الحياة عبر الماء، لكن ماءً من نوع آخر يشير إليه إمامنا الرضا عليه السلام في حديثه حين يقول:
الإمام السحاب الماطر
الإِمَامُ السَّحَابُ المَاطِرُ (الكافي ج1 ص200).
هل هو تشبيهٌ للإمام بالسحاب الذي يأتي لنا بالمطر؟
إنَّ المطر ماءٌ ينزل من السماء، فكيف يكون الإمامُ هو السحاب الماطر؟ ما هي آثار المطر الذي يتأتى من سُحُبِ الإمام الثقال؟! هل هو علم الإمام؟ أم بركة وجوده؟ أم رعايته لنا؟ أم أخذه بيد محبيه إلى الله تعالى؟! أم أن حياة المحبين تكون ببركة الإمام عليه السلام؟
كلُّ هذه المعاني قد يتضمنها هذا الحديث، لكنّ الله تعالى يصف السحاب في القرآن الكريم ويذكر آثارها فيقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾.
تُبَشِّرُ الرياح بالرحمة، ثم تأتي الرحمة بعدما تقل الرياحُ السحاب فيقول تعالى:
﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ المَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (الأعراف57).
لقد ضرب الله تعالى مثلاً للسحاب الذي ينزل منه الماء فيخرج به من كل الثمرات، ثم جعل إخراج الموتى نظيراً له.. كان البلد ميتاً فأحياه الله تعالى كما يحيي الموتى.
أتى السحاب بالماء فبُثَّت الحياة.. هذا كلُّه في جانبٍ، وفي الجانب الآخر: الإمام السحاب الماطر.
فهل يحيينا الإمامُ كما يحيي الماءُ الأرض الميتة؟ أم أننا بالغنا في المقابلة بين الآية والرواية؟
فَضلُنَا كفضل الماء
إنّ خير دليلٍ على مراد الإمام عليه السلام يذكره خيرُ خلق الله تعالى، النبي العظيم محمد صلى الله عليه وآله، حينما حاوره يهوديٌّ فسأله عن فضله على النبيين وفضل عشيرته على الناس.. وكان مما أجاب به صلى الله عليه وآله جوابٌ يسلبُ الألباب، ذاك حين قال صلى الله عليه وآله: وَأَمَّا فَضْلُ عَشِيرَتِي وَأَهْلُ بَيْتِي وَذُرِّيَّتِي كَفَضْلِ المَاءِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
بِالمَاءِ يَبْقَى كُلٌّ وَيَحْيَا كَمَا قَالَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى ﴿وَجَعَلْنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ﴾ (الإختصاص ص37).
التشبيهُ في محلّه إذاً، إذ أنَّ فضلهم عليهم السلام على كل شيء كفضل الماء: بالماء يبقى كل شيء ويحيا، وبهم يبقى كل شيء ويحيا.
هل من حياة دون الماء؟ هل من حياة دون الإمام؟
أيُّ حياةٍ وأيّ نورٍ يمشي به من لا يعرف الإمام؟
لقد روينا أن الخضر شَرِبَ من عين الحياة، ولا يزال حياً إلى يومنا هذا، تمرُّ الأيام ويموت أقوامٌ، وتتقلب الدنيا بين الأمم، ولا يزال الخضر حياً لمَّا شرب من هذه العين.
كان ذاك الذي شربه الخضر ماءً، لكنه ليس ككلِّ ماء، إنّه ماء الحياة الدائمة.
فالماء الذي نعرفه يبث الحياة في الإنسان أمداً، ثم يحتاج إلى سواه..
أما ماء الحياة الذي شربه الخضر.. من عين الحياة، فقد بثَّ الحياة الدائمة فيه عليه السلام.
والسؤال:
ماذا نفعل نحن للحصول على عين الحياة ومائها؟ وهل هناك عينٌ أخرى بمعنىً آخر تُدعَى عين الحياة تكون بها حياتنا الدائمة؟ فتبقى أرواحنا حيّة بها كما بقي الخضر حياً بجسده؟
نحن عين الحياة
لقد ذُكِرَت عين الحياة عند إمامنا الصادق عليه السلام فقال:
أ تدرون ما عين الحياة؟
قلنا: الله وابن رسوله أعلم.
قال: نحن عين الحياة، فمن عرفنا وتولّانا فقد شرب عين الحياة، وأحياه الله الحياة الدائمة في الجنة وأنجاه من النار (شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام ج3 ص494).
إنّ عين حياة الخضر قد أحيته في الدنيا فلا يموت حتى يأخذ الله الأرض ومَن عليها، أمّا الإمام والعترة الطاهرة فهم عين الحياة.
الغَرفة منها تعني معرفتهم وولايتهم، الشراب منها لا سبيل له الا باتباعهم، فينال المُتَّبِعُ الحياة الدائمة التي لا انقطاع لها.
إنّ عين الحياة التي شربها الخضر ينقطع أثرها عندما يُفني الله الأرض ومن عليها، ثم يعود الخضر مع المؤمنين بالإمام، الذين شربوا من عين حياته عليه السلام، يعود الجميعُ إلى جنان الله تعالى بعين حياتنا.. بالإمام المعصوم عليه السلام.
ولايتنا أعظم نعم الله
هذه هي الولاية.. وهذه أبعادُها.. وبهذا صارت أعظم نعم الله تعالى على خلقه.
لقد أمرنا الله تعالى بذكر آلائه ونِعَمِهِ التي لا تُعدُّ ولا تحصى، فكان أعظمها عين الحياة، ولمّا كانت ولايتهم هي عين الحياة، صارت أعظم نِعَم الله.
قال الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا آلاءَ الله﴾:
هِيَ أَعْظَمُ نِعَمِ الله عَلَى خَلْقِهِ، وَهِيَ وَلَايَتُنَا (بصائر الدرجات ج1 ص81).
وإمامتهم هذه فيها تمام كل الفرائض.. كما قال الرضا عليه السلام:
بِالإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالحَجِّ وَالجِهَادِ وَتَوْفِيرُ الفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ.. (الكافي ج1 ص200).
بدّلوا نعمة الله كفراً
إنّ مقتضى قانون المقابلة، وقاعدة التنافر والتنافي، يكشف حال من تَنَزَّهَت عين الحياة عن أن يقربوا منها.. الذين أنكروا الإمامة أو جحدوها، وصاروا مصداقاً لكلمات أمير المؤمنين عليه السلام:
مَا بَالُ أَقْوَامٍ غَيَّرُوا سُنَّةَ رَسُولِ الله (ص) وَعَدَلُوا عَنْ وَصِيِّهِ، لَا يَتَخَوَّفُونَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمُ العَذَابُ؟!
ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ الله كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ البَوارِ﴾..
ثُمَّ قَالَ: نَحْنُ النِّعْمَةُ الَّتِي أَنْعَمَ الله بِهَا عَلَى عِبَادِهِ، وَبِنَا يَفُوزُ مَنْ فَازَ يَوْمَ القِيَامَةِ (الكافي ج1 ص217).
هي نِعمَةٌ تُحَلِّقُ بالإنسان عالياً في سماء القرب من الله تعالى، وتنقله من حياض البهيمية والحيوانية إلى مراقي القدس والجلال، بابٌ فتحه الله لأوليائه لينزّههم عن صفات البهيمية.. وقد قال إمامنا الحسن الزكي عليه السلام:
وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَالأَوْصِيَاءُ مِنْ وُلْدِهِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) كُنْتُمْ حَيَارَى كَالبَهَائِمِ، لَا تَعْرِفُونَ فَرْضاً مِنَ الفَرَائِضِ، وَهَلْ تُدْخَلُ قَرْيَةٌ إِلَّا مِنْ بَابِهَا (الأمالي ص655).
نظرةٌ عابرةٌ سريعةٌ في أيامنا هذه.. كم من الخلق لم يؤمنوا بالله رباً؟ وكم منهم لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله نبياً ورسولاً؟ وكم منهم لم يؤمنوا بأمير المؤمنين والإثني عشر أولياء؟
كل هؤلاء بمقتضى حديثه عليه السلام لا زالوا حيارى كالبهائم!
لهذا كانت الامامة! ولهذا اهتم الشيعة بها، وشكّلت عندهم محوراً ومفصلاً وأصلاً من أصول دينهم، فمهما عرف المسلم من فروض دينه كانت معرفته منقوصة لولا الإمامة، إذ بالإمام تمام الصلاة والصوم وسواهما..
أحيا الناس جميعاً
يتساءل بعض الأعزاء في شهر الله تعالى عن أهم الفرائض وأسماها.. ما الذي يأخذ بيدنا إلى مراتب القرب من رب العباد؟ ما الذي يصفي نفوسنا؟
ولماذا القيل والقال وكثرة المقال في أبحاث الإمامة؟
إذا كانت الحياة بالإمام أيها الأحبة، فكم هو عظيمٌ إحياءُ نفسٍ بإخراجها من عمى جهل الإمام إلى حياة معرفة الإمام؟
وهل من نفسٍ أعظم عند الإنسان من نفسه؟! إن هي إلا نفسٌ واحدة يعيشها أحدنا..
أفلا يكون التعرُّف على الإمام أو الزيادة في معرفته غوصَاً في عين الحياة؟! ونوعاً من التقرُّب الى الله تعالى في أعظم ما يحب؟!
إنّ المؤمن إذا شرب شيئاً من هذه العين الطاهرة، لم ينس إخوته المؤمنين، ولم ينس نظراءه في الخلق المتعطشين للانتقال من الظلمات، ظلمات الجهل، إلى النور، نور الإمامة والعلم والمعرفة.
لقد روينا عن أبي عبد الله عليه السلام لمّا سئل عن قول الله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾.
فَقَالَ: مَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ ضَلَالَةٍ إِلَى هُدًى فَقَدْ أَحْيَاهَا، وَمَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ هُدًى إِلَى ضَلَالٍ فَقَدْ قَتَلَهَا (المحاسن ج1 ص232).
فهل هناك هدايةٌ أعظم من التَّعَرُّف على إمامنا عليه السلام؟ ومعرفة مواطن رضاه ومحالها، فمن سواه يكون في رضاه رضا الرحمان؟
الطهارة بالإمام
أليست طهارة النفوس بالإمام عليه السلام؟
ألم يقل تعالى:
﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾ (الأنفال11).
إنَّ ماء المطر طاهرٌ مطهّر، لكن هل يذهب ماء المطر برجز الشيطان وحده؟ أم أننا بحاجة للإمام لتطهر نفوسنا كما تطهُر أجسادنا بماء المطر؟!
لقد سأل جابر إمامنا الصادق عليه السلام عن هذه الآية المباركة، فقال عليه السلام: السماء في الباطن رسول الله، والماء عليٌّ (ع)!
الامامُ هنا لا يتحدَّث عن ظاهر الآية، بل عن باطنها، فان ظاهر القرآن أنيقٌ وباطنه عميق، يعلمه آل بيت النبوّة والعترة، ولهم فيه وجوهٌ شتى.
ثم يقول عليه السلام:
جعل الله علياً من رسول الله (ص) فذلك قوله: ﴿ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾: فذلك عليٌّ يطهر الله به قلب من والاه (تفسير العياشي ج2 ص50).
أيُّ طهارة في شهر الله تعالى أعظم وأفضل من التعرف على باب الطهارة، على ماء الله عزّ وجل الذي ينزله تعالى ليطهّر به النفوس والقلوب، قلوب الشيعة والمؤمنين.
بِعليٍّ، بالماء، برمز الإمامة، يربُطُ الله على قلوبنا ويطهرها ويدفع عنا رجز الشيطان.
فلا غرابة إذاً أن يكون الإمام عين الحياة، وأن يكون الإمام الماء الذي به نحيا، وأن تكون طهارتنا مقرونةً بمعرفتنا لإمامنا.
العيونُ الكَدِرَة والعيون الصافية
في مطلع شهر الله تعالى، نتوسل إلى الله تعالى بأوليائه وأحبائه وأصفيائه وخير خلقه، أن يأخذ بيدنا لنغوصَ في عين حياتهم، وننهل من معينهم، فلا نكون كالذين ذهبوا إلى عيونٍ كدرةٍ.. بل ممن ذهب إلى عيونٍ صافية تجري بأمر ربها، لا نفاد لها ولا انقطاع.
سلام الله عليك يا أمير المؤمنين.. يا عين الحياة..
السلام عليكم يا أئمة الهدى..
لا نفاد لعيونكم الصافية ولا انقطاع، فمن أغنى من شيعتهم في هذه الأيام المباركة؟ حيث طرقوا باب الله تعالى.
مَن طرق بابهم فقد طرق باب الله سبحانه وتعالى، وليس علينا الا التوسل بهم، والتوجه نحوهم، والتعرف على مقاماتهم، والتشرف بقربهم، والامتثال لأوامرهم، والانتهاء عن نواهيهم، ثم مع هذا كلّه البراءة من أعدائهم، والحذر من العيون الكدرة حتى في هذا الشهر المبارك.
إنّ إبليس وإن صُفِّدَ فيه وغُلَّت أياديه.. إلا أنَّ بذور النفاق والخبائث التي زرعها في نفوسٍ أمّارة بالسوء لا تزال عصيّة على الإقرار بالإمامة الكبرى وباب الله الذي منه يؤتى.
والحمد لله رب العالمين.
أوَّل أيام شهر رمضان المبارك 1441 للهجرة.