الصفحة الرئيسية

الكتب والمؤلفات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الكتب والمؤلفات PDF (9)
  • عرفان آل محمد (ع) (17)
  • الإلحاد في مهب الريح (12)
  • قبسات الهدى (14)
  • الثالوث والكتب السماوية (6)
  • الثالوث صليب العقل (8)
  • أنوار الإمامة (6)
  • الوديعة المقهورة (6)

المقالات والأبحاث :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التوحيد والعدل (13)
  • سيد الأنبياء محمد ص (13)
  • الإمامة والأئمة (28)
  • الإمام عين الحياة (16)
  • أمير المؤمنين عليه السلام (24)
  • السيدة الزهراء عليها السلام (48)
  • سيد الشهداء عليه السلام (47)
  • الإمام المنتظر عليه السلام (9)
  • لماذا صرتُ شيعياً؟ (7)
  • العلم والعلماء (15)
  • الأسرة والمرأة (8)
  • مقالات اجتماعية (19)
  • مقالات عامة ومتنوعة (58)
  • الموت والقيامة (24)

إتصل بنا

أرشيف المواضيع

البحث :




جديد الموقع :


 شَهيدُ الهُدى.. الحُسَينُ بنُ عَليّ (عليه السلام)
 287. الإمام الجواد.. والشيعة في زمن الغيبة!
 286. هَل يُغلَبُ رُسُلُ الله وحِزبُه؟!
 285. هل أراد الله بنا (شرَّاً) فحَجَبَ عنَّا (النَّصر)؟!
 284. لن يُمحَقَ دينُ محمد (ص)!
 283. ما حُكمُ (الجِهَادِ) في أيامنا؟!
 282. الجواد.. إمامٌ يعلمُ ما في النفوس!
 281. ما من خالقٍ.. إلا الله!
 280. هل بينك وبين الله قرابة؟!
 279. المَهديُّ إمامٌ.. تبكيه العيون!

مواضيع متنوعة :


 155. ولاية الزهراء.. بشارة السَّماء
 234. ما السرُّ في فاطمة المعصومة؟!
 159. يومَ يأتي المقتولُ بقاتِلِه!
 268. (أخوة إبليس).. في لباس الوعظ والإرشاد!
 283. ما حُكمُ (الجِهَادِ) في أيامنا؟!
 217. هل (يخافُ) الإمام الغائب؟
 48. شياطينٌ.. على باب الزهراء!
 فصل1. معرفةُ الله بين العقل والنقل
 56. مَجدُ الزهراء.. فوق مجدِ الأنبياء!
 مقال2: الإلحاد في مهب الريح!

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2
  • الأقسام الفرعية : 22
  • عدد المواضيع : 356
  • التصفحات : 694709
  • التاريخ :



















  • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
        • القسم الفرعي : الموت والقيامة .
              • الموضوع : 232. ما أفظَعَ.. غَمَرَات الموت! .

232. ما أفظَعَ.. غَمَرَات الموت!

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ! أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا! (نهج البلاغة الخطبة 221).

كلمةٌ عجيبةٌ لأمير المؤمنين عليه السلام، يصفُ فيها (غَمَرات الموت)، وهي شدائِدُه وأهوالُه، وأنَّها (أفظع) من أن توصفَ بصفةٍ.. والفظاعة أيضاً هي الشدَّة والشَّنَاعة..

شدائدُ الموتِ إذاً لا توصَفُ حقَّ وصفها.. أو لا تجتمعُ في صفةٍ واحدةٍ.. بل لو أمكن وَصفُها لما أمكن لعقولنا أن تُدرِكَ تلك المعاني الموصوفة، فهي لا تعتدلُ على عقول أهل الدُّنيا!

العقلُ الذي جعله الله تعالى رسولاً داخل الإنسان، وحجَّةً بينه وبين العباد، وميزاناً يُمَيِّزُ به رسل السماء ومَن تَبِعَهم مِنَ الكَذَبة، والذي به تُنال الجنان.. يعجزُ عن أن يُدرِكَ غمرات الموت!

وههنا سؤالان: أوَّلهما: ما هو الموت؟ وثانيهما: ما هي غمراته؟

1. ما هو الموت؟

إنَّ الموت خَلقٌ من خلق الله، فكلُّ ما في الوجود سوى الله مخلوقاته تعالى، قال عزَّ وجل: ﴿الَّذي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ (الملك2).

وقال الباقر عليه السلام:

الحَيَاةُ وَالمَوْتُ خَلْقَانِ مِنْ خَلْقِ الله، فَإِذَا جَاءَ المَوْتُ فَدَخَلَ فِي الإِنْسَانِ لَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْ‏ءٍ إِلَّا وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ الحَيَاةُ (الكافي ج3 ص259).

وسواءٌ كان الموتُ أمراً وجودياً.. حقيقياً.. كما هو ظاهرُ الحديث..

أو كان أمراً تقديرياً.. عَدَمياً.. ﴿نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ المَوْتَ﴾..

وسواءٌ كان مجيء الموت ودخوله واقعياً.. أم على سبيل التمثيل والتصوير..

فمِنَ الواضح أنَّ اكتناه حقيقة الموت أمرٌ عسير..

لكنّ هناك نُتَفَاً من النصوص تُبَيِّن شيئاً حوله..

منها: أنَّه خُلِقَ بعد الحياة، فعن الباقر عليه السلام: وَخَلَقَ الحَيَاةَ قَبْلَ المَوْتِ (الكافي ج8 ص145).

ومنها: أنَّ الإنسان خُلِقَ مِن شأن الدُّنيا والآخرة، فاذا اجتمعا معاً كانت الحياة، وإذا افترقا وخرجت الروح من الجسد، صارت الفُرقة الموت، فتُرَدُّ الروح ويُترك الجسد (تحف العقول ص355).

ومنها: أنَّ النَّوْمَ أَخُو المَوْتِ (مصباح الشريعة ص44)، وقد قال تعالى: ﴿الله يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حينَ مَوْتِها وَالَّتي‏ لَمْ تَمُتْ في‏ مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتي‏ قَضى‏ عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرى‏ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ في‏ ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الزمر42).

فالنَّوم والموتُ من بابٍ واحد، لكنَّ النَّوم سَهلٌ يسير عند كلِّ أحد، والموت شديدٌ عسيرٌ على غير المؤمن..

وإنَّ المُؤْمِنِينَ إِذَا أَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ أَصْعَدَ الله بِأَرْوَاحِهِمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَضَى لَهُ عَلَيْهِ المَوْتَ جَعَلَهُ فِي رِيَاضِ الجَنَّةِ، فِي كُنُوزِ رَحْمَتِهِ، وَنُورِ عِزَّتِهِ.

وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ عَلَيْهِ المَوْتَ، بَعَثَ بِهَا مَعَ أُمَنَائِهِ مِنَ المَلَائِكَةِ إِلَى الأَبْدَانِ الَّتِي هِيَ فِيهَا (المحاسن ج1 ص178).

والموتُ عند الباقر عليه السلام: هُوَ النَّوْمُ الَّذِي يَأْتِيكُمْ كُلَّ لَيْلَةٍ، إِلَّا أَنَّهُ طَوِيلٌ مُدَّتُهُ، لَا يُنْتَبَهُ مِنْهُ إِلَّا يَوْمَ القِيَامَةِ.

فَمَنْ رَأَى فِي نَوْمِهِ مِنْ أَصْنَافِ الفَرَحِ مَا لَا يُقَادِرُ قَدْرَهُ، وَمِنْ أَصْنَافِ الأَهْوَالِ مَا لَا يُقَادِرُ قَدْرَهُ، فَكَيْفَ حَالُ فَرَحٍ فِي النَّوْمِ وَوَجَلٍ فِيهِ؟ هَذَا هُوَ المَوْتُ، فَاسْتَعِدُّوا لَهُ (معاني الأخبار ص289)

لو نامَ أحدُنا ساعاتٍ طويلة.. تزيدُ عمّا اعتاد، لقام متألِّماً.. منزَعِجاً.. مستوحِشاً..

ثمَّ تنتقل الوحشةُ إلى أهل بيته وساكني داره.. إن قضى أياماً من عمره نائماً.. وهو لا يزالُ حياً.. فأيُّ وحشةٍ وغُربَةٍ تصيبُه وتصيبهم عند الموت؟ وهو نومٌ طويلٌ حتى الساعة؟!

ثمَّ إنَّ مِنَ النّاس من يستيقظ فَرِحاً مسروراً لشيء رآه في نومه، فينعكس ذلك على أيامه الحاضرة، وحياته التي يحيا، وهو نموذجٌ مصغَّرٌ عن فرح الموت وسروره..

ومنهم من يرى شيئاً مهولاً، فيستيقظ خائفاً مرعوباً وَجِلاً، تتنغَّصُ عليه ساعاته وأيامه لأجل لحظةٍ من الأهوال رآها! فما حاله لو عاشَ الأهوال أيامه إلى قيام الساعة؟!

إنَّ ما يلفت النَّظر حول الموت هو التعبيرُ عنه بتعابير شتَّى في الآيات المباركة..

فهو تارة يتوفّى العباد: ﴿حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ﴾ (النساء15).

وتارة يحضر عند الناس: ﴿حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ﴾ (النساء18).

وتارة يجيء الموتُ الرَّجُلَ فتتوفاه الرُّسُل: ﴿حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ﴾ (الأنعام 61).

وتارة يُدرك الموتُ الناس: ﴿أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ﴾ (النساء 78).

ثمَّ هو موصوفٌ بأن نزوله مصيبةٌ تارةً: ﴿فَأَصابَتْكُمْ مُصيبَةُ المَوْتِ﴾ (المائدة 106).

وأنَّ لهُ سَكرةً ثانيةً: ﴿وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ﴾ (ق19).

وغشيةً ثالثةً: ﴿يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ﴾ (محمد20).

وغمرات رابعةً: ﴿وَلَوْ تَرى‏ إِذِ الظَّالِمُونَ في‏ غَمَراتِ المَوْتِ وَالمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْديهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الهُونِ﴾ (الأنعام93).

وكلُّها تُشير إلى الشدائد المَخُوفة المهولة.. فهل يُعرَفُ شيءٌ من ذلك؟!

2. ما هي غَمَرَاتُ الموت؟

لا يقدرُ أحدُنا على تخطِّي سكرات الموت وغمراته ثمّ العود إلى الدُّنيا، ليخبر أهلها بما رأى.

ولا تقدرُ كلُّ الأدوات والآلات التي عَرَفَها الإنسانُ يوماً أن تكشف له شيئاً من ذلك.

لكنَّ الله تعالى أعادَ أقواماً للحياة، فأخبروا عن ذلك خَبَراً يُنذِرُ بالشدَّة الشديدة، والأمر الخطير، الذي يستحقُّ سَعياً دؤوباً لاجتنابه.

ومِن ذلك ما قاله النبيُّ صلى الله عليه وآله لسلمان رحمه الله: يَا سَلْمَانُ، سَيُكَلِّمُكَ مَيِّتٌ إِذَا دَنَتْ وَفَاتُكَ!

ولمّا كان سلمان في مرضه، حُمِلَ إلى مقبرةٍ، فخاطب أهلها، وأقسم عليهم بالنبيِّ صلى الله عليه وآله أن يكلِّمَه أحدهم إن كانت قد دنت وفاته.

فَإِذَا هُوَ بِمَيِّتٍ قَدْ نَطَقَ مِنْ قَبْرِهِ..

كان هذا الميِّت: مِمَّنْ أَنْعَمَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ وَكَرَمِهِ، وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ بِرَحْمَتِهِ.

طلبَ منه سلمان أن يصف له الموت، كيف وجده، وماذا لقيَ منه ورأى وعاين..

كان جوابُ هذا الميِّت مَهولاً مُرعباً.. ذاك حين قال:

مَهْلًا يَا سَلْمَانُ، فَوَ الله إِنَّ قَرْضاً بِالمَقَارِيضِ، وَنَشْراً بِالمَنَاشِيرِ، لَأَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ غُصَصِ المَوْتِ!

وَلَسَبْعُونَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ نَزْعَةٍ مِنْ نَزَعَاتِ المَوْتِ! (الفضائل لابن شاذان القمي ص87).

لقد كان هذا الرجُّلُ من أهل الخير في الدُّنيا، ومن أهل الجنة والنّعيم في الآخرة، لكنَّه خَلَطَ عملاً صالحاً بآخر سيئاً، فإنَّه لمّا نظر إلى كتاب الحسنات سَرَّه، ولمّا نظر إلى كتاب السيئات ساءه وأبكاه.

ولكن..

ماذا أصابَ هذا الرَّجُل.. حتى صار القرضُ بالمقاريض، والنَّشرُ بالمناشير أهون عليه من غُصَص الموت؟!

هذا ما لا يعتدلُ على عقول أهل الدّنيا شِدَّةً وصعوبةً..

ثمَّ كيف صارت النَّزعة الواحدةُ من النَّزعات أشدَّ من سبعين ضربةً بالسيف؟!

يُعرَفُ شيءٌ من شِدَّة ذلك مما روي عن الباقر عليه السلام أنَّ فتيةً من أولاد ملوك بني إسرائيل، كانوا متعبِّدين، وأرادوا أن يعتبروا، فمرُّوا بقبرٍ ليس يَبينُ منه إلا رَسمُه، فدعوا ربَّهم أن ينشر لهم هذا الميت، فخرج من قبره فَزِعاً شاخصاً بصره إلى السماء، فسألوه عن (طعم الموت).

أجابهم قائلاً: لَقَدْ سَكَنْتُ فِي قَبْرِي تِسْعاً وَتِسْعِينَ سَنَةً، مَا ذَهَبَ عَنِّي أَلَمُ المَوْتِ وَكَرْبُهُ!

وَلَا خَرَجَ مَرَارَةُ طَعْمِ المَوْتِ مِنْ حَلْقِي! (الكافي ج‏3 ص261).

ههنا معادلةٌ يترقى فيها العذاب، وتشتدُّ فيها الصعوبة.

ففي الحياة مصاعبُ شتَّى، ومن أصعبها القرضُ بالمقاريض، والنشر بالمناشير، والضرب بالسيوف.

لكنَّ هذه كلُّها تَهونُ أمام شدَّة الموت!

وإنَّ للموت أوصافاً في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام، تُشيرُ كلُّها إلى الهَول والشدائد والظُّلُمات.. والله أعلمُ بكيفيَّتها..

يقول عليه السلام: يُوشِكُ أَنْ تَغْشَاكُمْ دَوَاجِي ظُلَلِهِ، وَاحْتِدَامُ عِلَلِهِ، وَحَنَادِسُ غَمَرَاتِهِ، وَغَوَاشِي سَكَرَاتِهِ، وَأَلِيمُ إِرْهَاقِهِ، وَدُجُوُّ أَطْبَاقِهِ، وَجُشُوبَةُ مَذَاقِهِ! (نهج البلاغة الخطبة230).

لكنَّ شدَّة الموت هذه، تهونُ على عظمتها.. أمام شدَّة عذاب النّار!

حيث روي عن الباقر عليه السلام أنَّه لما يُدخِل الله تعالى أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار: جِي‏ءَ بِالمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ!

ينادي حينها منادٍ لأهل الدارين: هَذَا هُوَ المَوْتُ الَّذِي كُنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا!

سيكونُ جوابُ أهل الدُّنيا مألوفاً لو سمعوا هذا النداء اليوم، حيث يسألون الله تعالى أن لا يُدخل عليهم الموت.

لكنَّ جواب أهل النار محلُّ استغرابٍ منّا ونحن نعيشُ في الدُّنيا، ونخافُ من الموت، حيث يطلبون من الله تعالى أن يدخِلَ عليهم الموت!

وما ذلك إلا لشدَّة عذاب النار.. فإنَّهم يرون أنَّ الموت مع كلّ شدائده وغمراته بابٌ للنجاة من النّار!

لكن.. هيهات هيهات..

ذاك يوم الخلود في الجنة.. وفي النار..

أمَّا الموت.. فله مصيرٌ آخرُ ذاك اليوم، حيثُ: يُذْبَحُ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ!

حينها: يَفْرَحُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَرَحاً لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يَمُوتُ مِنْ فَرَحٍ لَمَاتُوا! .. وَيَشْهَقُ أَهْلُ النَّارِ شَهْقَةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَمُوتُ مِنْ شَهِيقٍ لَمَاتُوا! (الزهد ص101).

لقد ابتُليَ الإنسانُ بالطُّغيان، وقال: مَنْ أَشَدُّ مِنِّي قُوَّةً؟

فَخَلَقَ الله لَهُ المَوْتَ فَقَهَرَهُ، فَذَلَّ الإِنْسَانُ.

لكنَّ الموت نفسه عادَ وفَخَرَ في نفسه، فَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ لَا تَفْخَرْ، فَإِنِّي ذَابِحُكَ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ: أَهْلِ الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ لَا أُحْيِيكَ أَبَداً فَتُرْجَى أَوْ تُخَاف‏ (الكافي ج8 ص149).

هي معادلةٌ غريبة.. المؤمنُ كان يخافُ من الموت في حياته، فيتَّقي الله ربَّه، ففرِحَ في الجنة لما قَهَرَ اللهُ الموتَ، وبشَّرَه الله بنعيمٍ أبديّ.

والكافرُ الذي لم يكُن يخشى من الموت، ولم يحسب لربِّه حساباً، تألَّمَ لمّا ذُبِحَ الموت، فإنَّه سبيلُه الوحيد للخلاص من نارٍ سَجَّرها الجبّارُ لغضبه.

لقد كتب الله تعالى لكلٍّ منا أجلاً، وستره عنّا: ﴿وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتاباً مُؤَجَّلاً﴾ (آل عمران145).

وسُرعانَ ما يصيرُ المؤجَّلُ معجَّلاً حينما تحينُ الساعة..

ولقد كان في سِترِ ساعة الموت حكمةٌ عظيمةٌ.. فإن الإنسان: لَوْ عَرَفَ مِقْدَارَ عُمُرِهِ وَكَانَ قَصِيرَ العُمُرِ، لَمْ يَتَهَنَّأْ بِالعَيْشِ، مَعَ تَرَقُّبِ المَوْتِ وَتَوَقُّعِهِ لِوَقْتٍ قَدْ عَرَفَهُ.

وكيف يأنس بالحياة من يرى أياماً معدودةً محدودةً قصيرةً أمامه، بل كيف لا يقنط وهو كلّ يومٍ يحسبُ الساعة الموعودة.. هو وأهلُ بيته وأحبابه؟!

ولو كان الله قد كتب له عمراً طويلاً وأطلعه عليه: وَثِقَ بِالبَقَاءِ، وَانْهَمَكَ فِي اللَّذَّاتِ وَالمَعَاصِي..

فَكَانَ خَيْرَ الأَشْيَاءِ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُسْتَرَ عَنْهُ مَبْلَغُ عُمُرِهِ، فَيَكُونَ طُولَ عُمُرِهِ يَتَرَقَّبُ المَوْتَ، فَيَتْرُكَ المَعَاصِيَ، وَيُؤْثِرَ العَمَلَ الصَّالِح‏ (توحيد المفضل ص82).

لقد رحمَ الله الخلقَ بأن سترَ عنهم مدَّة عيشهم، وتلطَّفَ بهم، فكانَ سِترُ ساعة الموت بنفسه نعمةً تستحقُّ الشُّكر الجزيل.

لكنَّ كثيراً منَّا لا يزال يطغى في دُنياه! والموتُ ماثلٌ أمامه.. قادرٌ على قهره كلَّ حين.. لا ينتظر إلا الكتاب المؤجل..

فأيُّ عاقلٍ هذا الذي لا ينظر لغده؟!

ثبَّتَنا الله على طريقه المستقيم، وأصلح حالنا، ودفع عنا سكرات الموت، وغمراته، وحرارته، ومرارته، بمحمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

والحمد لله رب العالمين.

الجمعة، اليوم الثاني من شهر رمضان المبارك 1444 هـ، الموافق 24-3-2023م

بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2023/05/11  | |  القرّاء : 1295



للإنضمام إلى قناة العلم والإيمان (أنقر على الرمز الخاص) ->
| تلغرام | واتساب | يوتيوب | فيسبوك | انستغرام |


كتابة تعليق لموضوع : 232. ما أفظَعَ.. غَمَرَات الموت!
الإسم * :
الدولة * :
بريدك الالكتروني * :
عنوان التعليق * :
نص التعليق * :
 

تصميم، برمجة وإستضافة :
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net