بسم الله الرحمن الرحيم
﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ﴾ (النساء54).
لقد روينا عن إمامنا أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام في تفسير الآية قوله: نَحْنُ النَّاسُ المَحْسُودُونَ عَلَى مَا آتَانَا الله الإِمَامَةَ دُونَ خَلْقِ الله (بصائر الدرجات ج1 ص35).
لقد صار الأئمة هم المحسودون على عظيم المنزلة التي آتاهم الله، والإمامة من أعظم المنازل التي خَصَّهُم بها تعالى.
والحسد هذا هو من دواعي التقحُّم في الذنوب، وهو أصلُ الكفر، لأنَّ الحاسد ساخطٌ لنعم الله تعالى، جاحدٌ لفضله عزّ وجل، وقد دَبَّ في أمَّتِنَا كما دَبَّ في الأمم السابقة.
وكلما تعاظمت النِّعمُ تَعَاظَمَ حسد الحسّاد.. فمن زادت نِعَمُه زاد حُسّاده..
ولمّا جُمِعَت النِّعَم والفضائلُ كلُّها في المعصومين، صاروا هم المحسودون في الآية الشريفة، على ما آتاهم الله الإمامة.
فلم يكن في حسدهم ذنبٌ فقط، بل كان (مجمع الذنوب)! لاجتماع الفضائل فيهم.. فاجتمع كلُّ حسدٍ عليهم..
والجريمة تعظم بِعِظَم من تقع عليه، فليس قاتل الكافر كقاتل المؤمن!
إنَّ الجرائم التي يرتبكها الإنسان كثيرةٌ، وكذا التي ارتكبها أقوام الأنبياء..
حيواناتٌ كثيرةٌ تُقتلُ كلّ يوم.. لكنَّ عَقرَ الناقة صار سبباً في نزول العذاب على قومٍ لأنها ناقةٌ نُسِبَت لله تعالى..
فكيف بجريمةٍ تقع على (خليفة الله) في أرضه وسمائه؟ وحجَّته على عباده؟
عن النبي صلى الله عليه وآله: يَا أَبَا ذَرٍّ، لَا تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِ الخَطِيئَةِ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى مَنْ عَصَيْتَ (الأمالي للطوسي ص528).
مَن هو الذي عُصي حينما حُسِدَ الأئمة عليهم السلام؟
لم يكن المحسود إلا إمام الأمّة، وخليفة الله تعالى.. ومن عُصي في خليفته هو ربُّ السماء والأرض.
فأيُّ ذَنبٍ أعظم من هذا؟
إن الاعتداء على الإمام اعتداءٌ على البشرية قاطبةً، بل تجاوزٌ على حق الله تعالى في لزوم احترام خليفته وطاعته.
وللاعتداء على حقّه صور متكثرة.. مِن تَمَنِّي زوال النعمة عنهم، الى السعي في إزالتها قولاً وفعلاً.. وهو ما يجرّ الى محاربتهم وقِتَالِهم وقَتلِهِم.. حتّى وقع عليهم من الظُّلم ما لا يحصيه الا الله تعالى.
وقد قُتلوا بأصناف القتل:
1. قَتلُ أشخاصهم بسلب أرواحها..
2. وقَتلُ شخصياتهم بإسقاط مكانتهم وتحريف دورهم والكذب عليهم..
لقد قال الإمام عليه السلام: حَسَدَتنا الأمّة بعد رسول الله (ص).
فمن هم حُسَّادُ الأئمة والإمامة في هذه الأمة؟
هل هم من جاهر بالعداوة فقط؟ أم أنّ ممَّن يُظهِر لهم المودة أيضاً من قد يكون لهم حاسداً؟
إنّ حُسّادهم على أصنافٍ وفئات وإن تَداخَلَ بعضها، ومنها ثلاثة:
1. حُسَّادُ النبيّ في حياته
الفئة الأولى: التي حسدت النبيّ وعترته في حياته.
لقد دلت الروايات أن النبي كان محسوداً، ففي الحديث الشريف: فَلَمَّا جَاءَهُمْ كَفَرُوا بِهِ حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ (الغارات ج1 ص118).
ولهؤلاء مشاربُ شتّى، فمنهم اليهود، كما في التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام: قَالَ الله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جاءَهُمْ﴾ جَاءَ هَؤُلَاءِ اليَهُودَ ﴿ما عَرَفُوا﴾ مِنْ نَعْتِ مُحَمَّدٍ (ص) وَصِفَتِهِ ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾ وَجَحَدُوا نُبُوَّتَهُ حَسَداً لَهُ وَبَغْياً عَلَيْهِ (ص393).
لقد كانوا يعرفون وصفه في كتبهم، وكانوا يترقّبون ظهوره، لكنّهم كفروا به حسداً.. بعدما تمنّوا أن تكون النبوّة فيهم لا في بني هاشم.
ومن الحُسّاد من كان قريباً للنبي (ص)، كأبي جهل، وهو القائل: اللهمَّ إِنْ كانَ هذا الَّذِي يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ (ص) هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ، حَسَداً لِرَسُولِ الله (ص) (تفسير القمي ج1 ص277).
ليس أبو جهل باحثاً عن الحقيقة، فهو يتمنى نزول العذاب إن كان محمدٌ رسول الله، لا يريد الحياة التي يكون فيها محمدٌ مرسلاً من الله تعالى، لعجزه عن إبطاله دعوته وسلبه نعمة النبوة.
وهو نموذجٌ معبِّرٌ من نماذج الحسد مع الإقرار بفضل المحسود.
2. حساد الأئمة بعد النبي (ص)
الفئة الثانية: التي حسدته في حياته وحسدت عترته بعد وفاته.
وقد تُرجِمَ سوءهم وخبث سريرتهم بأوضح صُوَرِهِ بعد وفاته (ص) وإن ظهر قبل ذلك في مواطن عدة..
وأبرز نماذج هذه الفئة رموز الخلافة وأعوانهم وأتباعهم.. السالبين لحقّ الإمامة، والظالمين للأئمة، والقاتلين لهم.. فهؤلاء ظَلَمَةُ قريشٍ وجُهَّالُ العرب وطغاتهم، كما وصفهم النبيّ (ص) حينما قال:
يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ مِنْ بَعْدِي مِنْ ظَلَمَةِ قُرَيْشٍ وَجُهَّالِ العَرَب وَطُغَاتِهِمْ تَعَباً وَبَلَاءً وَتَظَاهُراً مِنْهُمْ عَلَيْكُمْ، وَاسْتِذْلَالًا وَتَوَثُّبَا عَلَيْكُمْ، وَحَسَداً لَكُمْ وَبَغْياً عَلَيْكُمْ، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي (كتاب سليم بن قيس الهلالي ج2 ص907).
جُهَّالِ العَرَب: عنوانٌ فضفاضٌ واسعٌ يندرج تحته الكثير منذ زمانهم وحتى أيامنا هذه، مَن ظَلَمَ النبي (ص) والعترة ومَن اتبعهم وسار على نهجهم، فظلم شيعتهم إلى يومنا هذا..
ووصيّة النبي (ص) هي الصبر على ذلك حفظاً للدين والنفس: فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي.. هي عينها وصية الحجّة الغائب لشيعته في زمن الغيبة، الصبرُ حتى ظهوره عجل الله فرجه.
ما أكثر أهلَ هذه الفئة، التي كان من أبرز مصاديقها من غصب الخلافة بعد وفاة النبي (ص)، الذي كان أحسد قريشٍ بحسب كلام شريكه الثاني، حتى أنّ حسده امتدّ إلى منع الحقوق المالية لآل محمد عليهم السلام، فقد جعل الله تعالى لهم نصيباً في خمس الأموال، لكنّه منعهم إياها حسداً، ففي الحديث الشريف:
قد فرض الله في الخمس نصيباً لآل محمد (ص)، فأبى أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم حسداً وعداوة، وقد قال الله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ (تفسير العياشي ج1 ص325).
حَسَدَهُم وعاداهم فصار عدوّاً لله تعالى، فمن عاداهم عادى الله.
أما الثاني، فله تاريخٌ أسود مظلم مع العترة الطاهرة، مع عليّ والزهراء عليهما السلام، بضعة الرسول ومهجة قلبه، ولقد تحدَّثَ يوماً عن هجومه على الدار فقال:
وَأَخَذْتُ سَوْطَ قُنْفُذٍ فَضَرَبْتُ، وَقُلْتُ لِخَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ:
أَنْتَ وَرِجَالُنَا هَلُمُّوا فِي جَمْعِ الحَطَبِ، فَقُلْتُ: إِنِّي مُضْرِمُهَا.
فَقَالَتْ: يَا عَدُوَّ الله وَعَدُوَّ رَسُولِهِ وَعَدُوَّ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، فَضَرَبَتْ فَاطِمَةُ يَدَيْهَا مِنَ البَابِ تَمْنَعُنِي مِنْ فَتْحِهِ، فَرُمْتُهُ فَتَصَعَّبَ عَلَيَّ، فَضَرَبْتُ كَفَّيْهَا بِالسَّوْطِ فَأَلَّمهَا، فَسَمِعْتُ لَهَا زَفِيراً وَبُكَاءً، فَكِدْتُ أَنْ أَلِينَ وَأَنْقَلِبَ عَنِ البَابِ، فَذَكَرْتُ أَحْقَادَ عَلِيٍّ وَوُلُوعَهُ فِي دِمَاءِ صَنَادِيدِ العَرَبِ، وَكَيْدَ مُحَمَّدٍ وَسِحْرَهُ..
ليس هذا من المؤمنين بالله طرفةَ عين، ولا من المؤمنين بنبوة النبي صلى الله عليه وآله، بل من الطامعين الحاسدين أصحاب الكتاب الملعون..
يقول:
فَرَكَلْتُ البَابَ وَقَدْ الصَقَتْ أَحْشَاءَهَا بِالبَابِ تَتْرُسُهُ، وَسَمِعْتُهَا وَقَدْ صَرَخَتْ صَرْخَةً حَسِبْتُهَا قَدْ جَعَلَتْ أَعْلَى المَدِينَةِ أَسْفَلَهَا، وَقَالَتْ:
يَا أَبَتَاهْ!
يَا رَسُولَ الله!
هَكَذَا كَانَ يُفْعَلُ بِحَبِيبَتِكَ وَابْنَتِكَ.
آهِ يَا فِضَّةُ! إِلَيْكِ فَخُذِينِي فَقَدْ وَالله قُتِلَ مَا فِي أَحْشَائِي مِنْ حَمْلٍ (بحار الأنوار ج30 ص294).
هو وصاحبه ومن كان معهم أصحابة السقيفة الملعونة الذين قالوا بعدما قرن النبي بين الثقلين: كتاب الله وعترته، قالوا:
يُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ يَجْعَلَ الإِمَامَةَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ.
فَخَرَجَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنْهُمْ إِلَى مَكَّةَ وَدَخَلُوا الكَعْبَةَ وَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا وَكَتَبُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ كِتَاباً: إِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ أَوْ قُتِلَ أَنْ لَا يَرُدُّوا هَذَا الأَمْرَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ أَبَداً.
هذا أثرُ الحسدُ، التواطؤ منذ حياته على سلب الخلافة أهلَها من بعده.
وتستمر سلسلة الحُسّاد الطويلة، حتى يرسل عليٌّ عليه السلام كتاباً إلى معاوية يقول فيه:
تَبَوَّأْ مَقْعَدَكَ مِنْ جَهَنَّمَ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً، نَحْنُ آلُ إِبْرَاهِيمَ المَحْسُودُونَ وَأَنْتَ الحَاسِدُ لَنَا (الغارات ج1 ص117).
فئة هؤلاء الحُسّاد عريضةٌ، يجمعُ أفرادها ومصاديقها عنوانان:
أ. من زعم أنه إمام
الأول: من زعم أنه إمامٌ وليس بإمام. فهي تشمل كل رموز الجَور وأئمتهم.
لقد روينا عن الصادق عليه السلام: مَنِ ادَّعَى الإِمَامَةَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَهُوَ كَافِرٌ (الكافي ج1 ص372).
وعن الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿يَوْمَ القِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾، قال: مَنْ قَالَ إِنِّي إِمَامٌ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ..
يقول الراوي: قلت: وَإِنْ كَانَ عَلَوِيّاً؟
قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَلَوِيّاً (الكافي ج1 ص372).
فهذا مشركٌ بالله سواء نفى إمامة الأئمة، أو أثبتها وأثبت معها إمامة غيرهم، علوياً كان أم غير علويّ، فليس بين الله وبين أحدٍ قرابة، والكاذب على الله ممّن يسودّ وجهه يوم القيامة.
وعن الصادق عليه السلام:
مَنْ أَشْرَكَ مَعَ إِمَامٍ إِمَامَتُهُ مِنْ عِنْدِ الله مَنْ لَيْسَتْ إِمَامَتُهُ مِنَ الله كَانَ مُشْرِكاً بِالله (الكافي ج1 ص373).
ب. من ائتم بهم
الثاني: من زعم أن الله أمره بالائتمام بهؤلاء.. وهم عموم هذه الأمة المتعوسة، الكارهة للحق، الجاهلة بمقام الإمام والإمامة..
فلو لَم يكُن للأول مُتَّبِعٌ وناصرٌ لم يتمكن ومَن معه مِن سلب الخلافة أهلها، ومِن ظُلمِ علي عليه السلام، ولو وقفت الأمة موقف الحق إلى جوار وليّها لما كان لأولئك حظٌّ فيما فعلوا.
يُسأل الإمام عليه السلام عن الآية الشريفة: ﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَالله أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ الله لا يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى الله ما لا تَعْلَمُونَ﴾، فظاهر الآية لا ينسجم مع ما ينقل عن الأمم السابقة، إذ لم نسمع مَن زعم أنَّ الله تعالى أمره بالفاحشة، لذا يقول الإمام عليه السلام:
إِنَّ هَذَا فِي أَئِمَّةِ الجَوْرِ، ادَّعَوْا أَنَّ الله أَمَرَهُمْ بِالائْتِمَامِ بِقَوْمٍ لَمْ يَأْمُرْهُمُ الله بِالائْتِمَامِ بِهِمْ، فَرَدَّ الله ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا عَلَيْهِ الكَذِبَ، وَسَمَّى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَاحِشَةً (ٍالكافي ج1 ص373).
فالفاحشة هي الكذب على الله تعالى في أمر الإمامة، حينما يزعم المخالف أن الله تعالى أمره باتباع هؤلاء الخلفاء.
من لا إمام له فهو ضال
يضاف الى هؤلاء وهؤلاء مَن جَهِلَ الإمام.. ولم يتخذ إماماً.. والفارق بينه وبين المتقدمين أنَّ أولئك اتخذوا أئمة الجور أئمة، أو اتخذوا أئمة الحق والجور أئمة معاً، وهؤلاء لم يتخذوا أئمة أصلاً.
يقول الباقر عليه السلام:
كُلُّ مَنْ دَانَ الله بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ وَلَا إِمَامَ لَهُ مِنَ الله فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَهُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ، وَالله شَانِئٌ لِأَعْمَالِه.. (الكافي ج1 ص375).
الإمامة طريقُ الله تعالى، وهو تعالى يريد أن يُعبَد كما يريد، فمن ردّ على الأئمة فقد ردّ على الله، ومن جهلهم فقد جهل الله، ومن مات من هذه الأمة ولا إمام له من الله مات ميتة كفرٍ ونفاق.. وإن كان على ظاهر الإسلام، وحَرُمَ دمُه ومالُه وعرضه في الدُّنيا.
3. حُساد مؤالفون
الفئة الثالثة: يطيب لنا أن نسمي أهلها (الحُسَّاد المؤالفون)!
وإن كان إِلفُهُم في الظاهر، فإن المحبّ لا يحسد حبيبه..
يريد هؤلاء الحساد إنكار علوم آل محمد، فيسعون أولاً لقتل رواة علومهم!
عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) أَنَّهُ قَالَ يَوْماً لِحُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ : ..إِنَّ مِنَ العِلْمِ صَعْباً شَدِيداً مَحْمِلُهُ، لَوْ حَمَّلْتَهُ الجِبَالَ عَجَزَتْ عَنْ حَمْلِهِ، إِنَّ عِلْمَنَا أَهْلَ البَيْتِ سَيُنْكَرُ وَيُبْطَلُ وَتُقْتَلُ رُوَاتُهُ، وَيُسَاءُ إِلَى مَنْ يَتْلُوهُ بَغْياً وَحَسَداً لِمَا فَضَّلَ الله بِهِ عِتْرَةَ الوَصِيِّ، وَصِيِّ النَّبِيِّ (ص) (الغيبة للنعماني ص142).
يُبَيِّنُ الحديث أنَّ هناك من يقتل حَمَلة علم آل محمد عليهم السلام، وما ذلك إلا حسداً لما فضل الله به عترة الوصي (ع).
ولمّا عجز هؤلاء عن أن يبلغوا مرادهم لجؤوا إلى أساليب المكر والخداع، فقد تحدّث الإمام العالم بما أطلعه الله من الغيب عمّا سيجري، حينما روي عنه قوله:
وَمِنْهُمْ قَوْمٌ نُصَّابٌ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى القَدْحِ فِينَا، يَتَعَلَّمُونَ بَعْضَ عُلُومِنَا الصَّحِيحَةِ، فَيَتَوَجَّهُونَ بِهِ عِنْدَ شِيعَتِنَا.. ثُمَّ يُضِيفُونَ إِلَيْهِ أَضْعَافَهُ وَأَضْعَافَ أَضْعَافِهِ مِنَ الأَكَاذِيبِ عَلَيْنَا، الَّتِي نَحْنُ بِرَاءٌ مِنْهَا، فَيَتَقَبَّلُهُ (المُسْلِمُونَ) المُسْتَسْلِمُونَ مِنْ شِيعَتِنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ عُلُومِنَا فَضَلُّوا وَأَضَلُّوهُمْ.
ليس كلُّ أحدٍ يتمكن من أن يقدح في محمد وآل محمد، فيأتي المراوغون ليمزجوا الحقّ بالباطل ويلقونه إلى الشيعة.
وَهُمْ أَضَرُّ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا مِنْ جَيْشِ يَزِيدَ عَلَى الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ يَسْلُبُونَهُمُ الأَرْوَاحَ وَالأَمْوَالَ..
وَهَؤُلَاءِ عُلَمَاءُ السَّوْءِ النَّاصِبُونَ، المُشَبِّهُونَ بِأَنَّهُمْ لَنَا مُوَالُونَ، وَلِأَعْدَائِنَا مُعَادُونَ، يُدْخِلُونَ الشَّكَّ وَالشُّبْهَةَ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا (التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام ص301).
هناك فئة اذاً تدّعي وتزعم وتُظهر محبة محمدٍ وآله وموالاتهم، وتأتي بشيءٍ من علومهم الحقّة، وتبثها بين الشيعة ممزوجة بالكذب..
ويُدركُ الشيعة أنَّ عليهم البراءة من هؤلاء، حُسّاد الإمامة، ولو تمظهروا بمظهر الولاء، وزعموا حبّ آل محمد، وتشبّهوا بهم في ظاهر أمرهم.
البراءة منهم
ورد في الحديث حولي أعداء آل محمد وظالميهم:
العَجَبُ لِمَا قَدْ أُشْرِبَتْ قُلُوبُ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ حُبِّهِمْ وَحُبِّ مَنْ صَدَّهُمْ عَنْ سَبِيلِ رَبِّهِمْ وَرَدِّهِمْ عَنْ دِينِهِمْ.
كيف يصدُّ هؤلاء الأمةَ عن دينها، ويحرفونها عن مسيرها، فيسلبونها أعظم ما أعطاها الله سبحانه وتعالى بعد النبوة، ثم يبقى حبُّ هؤلاء في قلوب الأمة؟!
يقول عليه السلام:
وَالله لَوْ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَامَتْ عَلَى أَرْجُلِهَا عَلَى التُّرَابِ، وَوُضِعَتِ الرَّمَادُ عَلَى رُءُوسِهَا، وَتَضَرَّعَتْ إِلَى الله، ودَعَتْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ أَضَلَّهُمْ وَصَدَّهُمْ عَنْ سَبِيلِ الله.. لَكَانُوا مُقَصِّرِينَ فِي ذَلِكَ (كتاب سليم بن قيس ج2 ص703).
نحنُ كلُّنا إذاً مقصّرون في الدعاء على هؤلاء، وكيف لا ندعو عليهم ولا نبرأ منهم وهم سبب بلاء الأمة ومصيبتها!
يقول الإمام الصادق بعدما ينقل أمر النبي (ص) باتباع الثقلين: فَلَمَّا خُولِفَ رَسُولُ الله (ص)، وَنُبِذَ قَوْلُهُ، وَعُصِيَ أَمْرُهُ فِيهِمْ (ع)، وَاسْتَبَدُّوا بِالأَمْرِ دُونَهُمْ، وَجَحَدُوا حَقَّهُمْ، وَمَنَعُوا تُرَاثَهُمْ، وَوَقَعَ التَّمَالِي عَلَيْهِمْ «أي الاجتماع والتعاون» بَغْياً وَحَسَداً وَظُلْماً وَعُدْوَاناً، حَقَّ عَلَى المُخَالِفِينَ أَمْرَهُ، وَالعَاصِينَ ذُرِّيَّتَهُ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لهُمْ، وَالرَّاضِينَ بِفِعْلِهِمْ مَا تَوَعَّدَهُمُ الله مِنَ الفِتْنَةِ وَالعَذَابِ الأَلِيمِ (الغيبة للنعماني ص55).
لقد حقّ العذاب عليهم وعلى من رَضي بفعلهم واتّبعهم..
هي فتنةٌ في الدين، قوامها العمى عن سواء السبيل.. وثمرتها التشتّت والخبط والجهالة، وهو حال أمتنا اليوم.
وقد حَقَّ للشيعة أن يبرؤوا ممن يزعم الموالاة ولا يتبرأ من الأعداء.
اللهم إنا نبرأ إليك ممن ظلم عترة نبيك، ومن التابعين لهم، ومن الراضين بفعلهم.. ومن المعظّمين لأئمتهم، وإن تسربلوا بالخشوع، وأظهروا المودة لنبيك وعترته الطاهرة، فإنهم أهل النفاق والشقاق..
والحمد لله رب العالمين
الأربعاء 5 شهر رمضان 1441 هـ