مقال10: الدين.. فوق شبهات الملحدين
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
روي عن باقر علوم الأولين والآخرين (عليه السلام) أنه قال:
إِنَّ الكَذِبَ هُوَ خَرَابُ (خرَّاب) الإِيمَانِ(2).
لقد ابتُلِيَ المؤمنون بفئة من الناس لا تعرف الخصام بشرف، وتسلك الكذب والإفتراء وسيلة لحربٍ غير نظيفة ضد الأديان، تُستباح فيها كل سُبُل الإسقاط والتشويه، على قاعدة أن (الغاية تبرّر الوسيلة)..
وهي نفسها النظرية التي اتّبعها المنافقون ولا يزالون..
ومن هؤلاء (المفترين) طوائف من (الكافرين) و(الملحدين)، وصفهم تعالى في سورة المائدة: ﴿لكِنَّ الَّذينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾(3).
فالمُفترَى عليه هو (الله تعالى)! من قبل قوم أكثرهم (لا يعقلون).. وغرض المفترِي كما في سورة الأنعام: ﴿لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْم﴾(4).
حتى صاروا مصداقاً لمن (يكذب على نفسه)! قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾(5).
وبما أن الأديان السماوية سلسلة متكاملة نزلت بشكل تدريجي على لسان الأنبياء كما نعتقد، فمن المناسب اعتماد نصوص الإسلام آخر الأديان السماوية وأكملها في مقام الإجابة على افتراءات هؤلاء (الملحدين) بحق الأديان قاطبة.. بغض النظر عما طاول كلّ دين من تشويه ولا يزال، فإن المحاكمة تكون للأصيل دون البديل الدخيل، والجواب من لسان النبع الصافي دون الملوث.
1. الدين أصل الشرور! ولا يعتمد الدليل!
فرية أطلقها جملة من الملحدين المعاصرين وعلى رأسهم د. ريتشارد دوكنز Richard Dawkins بقوله مراراً أن:
الدين هو أصل الشرور... الإيمان هو أحد أعظم شرور العالم، وإنه مثل فايروس يصعب استئصاله... الإيمان كمفهوم مجرد يعني ببساطة أن تتقبل شيئاً لا يدعمه الدليل، وحين أقول (دليل) فأنا أعني ما نستخدمه في حياتنا اليومية من منطق(6).
ويقول:
فهناك فرق كبير وشاسع بين من يتعصب لفكرة يظن بأنه تلقى ما يكفي من الأدلة لاعتبارها فكرة مثبتة، وبين من يتعصب للتمسك بإيمان لا يدعمه سوى الظن، وسوى الموروث والإيحاءات المتخيّلة.. فرق كبير بين هذين السلوكين(7)..
أما كون الدين والإيمان شراً، فهو ما تدحضه دعوة الدين نفسها: ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَالله واسِعٌ عَليمٌ﴾(8).
وتأمر الأديان بأداء الامانات والحكم بالعدل، وهو أساس كل استقامة في المجتمع:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَميعاً بَصيراً﴾(9).
وقد اشتهر عن رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاق(10).
وأما الأديان فإنها تمنع من اتباع الظن في أصل الايمان والاعتقاد، وتنفي افتراء دوكنز بقوله (من يتعصب للتمسك بإيمان لا يدعمه سوى الظن)..
قال تعالى: ﴿وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني مِنَ الحَقِّ شَيْئاً﴾(11).
وهتفت بذلك آيات وروايات كثيرة.. ففي قرآن المسلمين عشرات الروايات التي تحث على التعقل والتدبر والتأمل والتفكر لتحصيل العلم والإيمان..
وعلى هذا جرى المسلمون في لزوم تحصيل القطع واليقين في الاعتقاد.. وأين هذا من افتراءات الملحدين؟! الذين يقرّون بجهلهم ثم يجحدون الله تعالى..
إنهم لم يبلغوا مرحلة الظن حتى.. بل ظلوا في ظلمات الوهم والجهل..
2. الدين يهاجم التكامل والنمو والإزدهار!
يزعم الملحدون ومنهم الكاتب والصحافي الأمريكي الناقد للأديان كريستوفر هيتشينز Christopher Hitchens أن:
الدين في واقعه يهاجم التكامل الأساسي الذي نحتاجه في البحث العلمي والتجارب وتوسعة المعرفة، وكل ما يساعد على النمو والازدهار(12).
لكن هؤلاء الملحدين لا يكلفون أنفسهم عناء إبراز الدليل على مزاعمهم، فلا يأتون بشاهد واحد على كون الدين يهاجم العلم وتوسعة المعرفة!
لأنهم لو راجعوا النصوص الدينية لوجدوها على نقيض ما يزعمون تماماً..
فهي تحث على طلب العلم وتعده فريضة على الكبير والصغير..
وهذا القرآن الكريم يذم الجهل والجهلة بقوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمُون﴾(13).
﴿وَتِلْكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ العالِمُونَ﴾(14).
إن المؤمنين يعتقدون تبعاً لما روي عن صادق العترة الطاهرة (عليه السلام) أن العلم هو الطريق الوحيد الذي ينبغي سلوكه في هذه الدنيا: وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَالطَّاعَةُ بِالْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالتَّعَلُّمُ بِالْعَقْلِ يُعْتَقَد(15).
وعنه (عليه السلام): وَأَنَّ الظُّلْمَةَ فِي الجَهْلِ، وَأَنَّ النُّورَ فِي العِلْمِ فَهَذَا مَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ العَقْل(16).
إنها سقطات الملحدين مجدداً..
3. الإيمان يغلق العقل ويعادي الناس ويذلهم أمام السلطة!
يقول بروفيسور الفيزياء والفلك الملحد فيكتور ستينغر Victor Stenger:
فالأديان تشرّع القيم القبلية: الولاء لقبيلتنا، والعداء لسائر القبائل، الإيمان المُغلِق للعقل، والطاعة المذلّة للسلطة(17)..
أما فريته الأولى.. فيدحضها قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ﴾(18).
فأين مفهوم الولاء لقبيلتنا والعداء لسائر القبائل؟! والقرآن الكريم يبين أهمية التعارف ويجعل ميزان القرب من الله تعالى هو التقوى بما تشمل حسن العشرة مع الناس وحسن الخلق والاستقامة وترك الظلم وأمثالها من الفضائل الإنسانية السامية؟!
وأما فريته الثانية.. فتدحضها آيات الكتاب الكريم التي حثّت على التعقّل والتفكر والتدبّر، وما اشتهر في روايات المسلمين من أن العقل أحسن خلق الله تعالى، وأنه مدار الثواب والعقاب(19).. وقد تقدمت بعض النصوص في ضرورة العلم وأن طريقه العقل.. فأي إغلاق للعقل رآه ستينغر في أديان السماء؟!
وأما فريته الثالثة: الطاعة المذلّة للسلطة.
فيردها ما اشتهر عن رسول الإنسانية (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله: لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ(20).
جناحها الآخر قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهجه: لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ الله حُرّا(21)..
فهذه مدرسة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) برموزها الأئمة الأطهار تنير درب البشرية ولا تقرّ بلزوم طاعة السلطة الفاسدة..
4. الدين مسؤول عن المذابح عبر العصور!
يقول الملحد فيكتور ستينغر Victor Stenger:
لم يكن تسعة عشر مسلماً ليقدموا على إلحاق الدمار في 11 سبتمبر 2001 مدمرين أنفسهم إضافة لثلاثة آلاف آخرين، لو لم يكونوا مؤمنين، لا أحتاج هنا لتفصيل كل المذابح التي جرت باسم الله عبر العصور(22)..
لقد أكثر هؤلاء من تحميل الدين مسؤولية (معظم) الجرائم والمذابح التي حصلت عبر التاريخ.. وإلى يومنا هذا.. وأنه رائد القتل والذبح..
وبعدما تقدّمت حقيقة موقف الأديان.. يتضح أن هؤلاء قد غفلوا عن أن هناك فرقاً بين الدين ودعوته، وبين المستغلين المغرضين الذين يتلبسون بلباس الدين..
وهذا الاتهام ظالم من جهتين:
الجهة الاولى:
لو (فرضنا) أن بعض الاديان او المذاهب كذلك فعلاً فإن هذا لا يسوغ تعميم الكلام وإطلاقه على عواهنه، ليستوي القاتل والمقتول.
فلو كان السني السلفي قد قتل الشيعة على مر التاريخ واضطهدهم وارتكب بحقهم أبشع الجرائم (لأن دينه يأمره بذلك أو لأنه حرف دينه وأساء استغلاله) فما ذنب الشيعي الذي ما سلّ سيفا الا للدفاع عن نفسه ودينه؟
إذا كان الكاثوليك (على ذمة نقلة التاريخ) (ولنفرض أن ذلك كان بدافع ديني) قد شنوا حرب الثلاثين عاماً في القرن السابع عشر وقتلوا الاف البروتستانت فهل يستوي القاتل والمقتول حينها؟
إن إطلاق الكلام بهذه الطريقة فيه مساواة بين الضحية والجلاد.. وهو بعيد كل البعد عن المعايير العلمية.
الجهة الثانية:
ان توجيه الاتهام للأديان في كل ما يصدر عن المتدينين هو مجازفة في غير محلها، فإن المتدين لا يتحرك دائماً من خلفية دينية، وإن كان حراكه من خلفية دينية فلا يلزم ان تكون صحيحة وفق دينه.
فكم نجدُ من قاضٍ يخالف دوره الطبيعي في تطبيق القانون لمصلحته الشخصية.
وكم من محامٍ ينحرف عن دوره الأساسي في الدفاع عن البريء فيورط المظلوم لينقذ الظالم.
وكم من زعيم يستغل منصبه وشعبه وقوانين بلاده في سبيل مصالحه الخاصة. مؤمناً كان أم ملحداً..
وكم من قائد عسكري يستغل جيشه في سبيل السطوة والسلطة والبطش..
لو أراد هؤلاء الإنصاف لوجهوا التهمة لكل اكتشاف بشري مذهل..
كيف ذلك؟
لقد توصل الانسان الى اجراء تفاعلات ذرية فأطلق البشر القنبلة النووية وأبادوا البشر والحجر..
واكتشف الانسان تقنية الاقمار الصناعية فوجهها البشر للتحكم بالصواريخ واصابة الاهداف بدقة وقتل الاطفال والنساء.
واخترع الانسان السيارة فعمد بعض الناس الى دهس الأبرياء عمداً ظلماً وعدواناً..
وبنى الإنسان ناطحات السحاب فانتحر بعض الناس عنها..
وأشعل الانسان النار ليستفيد منها فأحرق البشر بعضهم بها..
الإنصاف يقتضي (إن أدينت الأديان بمثل هذه الأفعال) أن تصدر قوانين تمنع قيادة السيارات وركوب الطائرات وبناء البنايات وإشعال النيران.. لماذا؟
لأن بعض الناس قد استغلها لغير ما وجدت له!
أو حرفوها عن مسارها إلى مسارٍ آخر!
لماذا لم نسمع دعوة من الملحدين لوقف الابحاث العلمية لان الجيوش تستخدمها في الإبادة الجماعية؟
ولماذا لم نسمع دعوات لتجريد الجيوش كلها من سلاحها لان هناك جيوشاً قد ارتكبت الفظائع.. إنها ازدواجية المعايير..
وكما لم يكن من الإنصاف المطالبة بمنع كل ذلك.. ولا يصح تحميل مخترع السيارة مسؤولية من يدهس الناس بسيارته..
كذلك ليس من الإنصاف المطالبة بمحاربة الأديان.. ولا يصح تحميل الدين مسؤولية ما يرتكبه هؤلاء..
لقد رأينا الله بنور الإيمان! وأثبتته العقول إثبات العيان!
وإذا كانت شبهات الملحدين زائفة تماماً، وكانت الأديان الأصيلة أشرف من هذه الشبهات..
فهل من سبيل لإثبات التوحيد وفق ما اعتمده هؤلاء الملحدون وزملاؤهم اللا أدريون من أدلة؟
نستعرض بعض كلماتهم لنرى ما هي الأدلة المعتمدة عندهم:
1. القضايا غير الملموسة!
يقرّ الملحد دوكنز Dawkins بقبول العقل للقضايا (غير الملموسة وغير المحسوسة) بقوله:
وهنا أقول إنه لشيء عظيم أن تكون لأدمغتنا القدرة على فهم قضايا بأبعاد غير ملموسة ولا محسوسة، لو جرت مقارنتها مع حجم الأشياء التي يتعامل معها الإنسان يومياً(23)..
فلا مجال إذاً لإنكار ما لم نتمكن من تلمّسه ولا الإحساس به إحساساً مادياً.
2. منافع لا يمكن تعليلها بالمنطق!
يستشهد الفيزيائي الفلكي اللا أدري نيل ديغراس تايسون Neil deGrasse Tyson بكلام الفيزيائي والرياضي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل يوجين ويغنر Eugene Wigner بقوله:
إن للرياضيات إمكانيات ومنافع لا يمكن تفسيرها أو تعليلها بالمنطق، وقد ظهرت هذه الإمكانيات لحظة اختراع الإنسان لها ووضعها خارج دماغه(24)..
وهو هنا يؤكد على أن بعض الأمور التي يتيقن منها الإنسان ويعيشها يوماً فيوم مما لا يمكن تفسيره أو تعليله بالمنطق، ولكن لم يكن العجز عن التفسير سبباً للإنكار أبداً بعد الجزم والقطع بوجودها.
فكيف لو كان لها تفسيرات منطقية عقلية بحدود يدركها أغلب الناس فيما لا يتنبه لها من غفل عنها لسبقِ شبهةٍ.
ولماذا ساغ له الاعتقاد بمنافع رياضية لا يمكن تفسيرها ولم يسغ الاعتقاد بوجود الخالق إن لم يتمكن من تفسير بعض جزئيات هذا الاعتقاد بعقله؟
إنها قسمة ضيزى..
كان ينبغي أن يكون حالهم كالتلميذ النبيه، الذي يدخل الى محاضرة الأستاذ المفوه.
يفهم أول مسألة معقدة فيدرك سعة علم استاذه وقوة بيانه واحاطته.
ثم يعجز عن فهم المسألة الثانية فيدرك أيضاً مقدار علم استاذه حيث أدرك ما لم يتمكن هو بعد من إدراكه..
فإن عرفت تفسير ظاهرة عظيمة أوصلك ذلك لله، لأنه أعظم من مخلوقاته هذه..
وإن لم تعرف تفسيرها أوصلك له أيضاً لعظمة من صنعها حيث لم تتمكن بعقلك بعد من إدراك حقيقتها..
3. الحواس قد تخدعنا!
إن تايسون Tyson يصرح بعد ذلك بقوله:
وأهم ما أنتجته الرياضيات هي أنها علمتنا أن نغادر حواسنا، لماذا؟ لان الرياضيات تخبرنا ببساطة كيف أن حواسنا يمكن أن تخدعنا بسهولة. ويمكن لهذه الحواس أن تخبرنا بأن شيئاً ما هو حقيقي ولكنه في الواقع ليس كذلك(25)..
ليصل إلى قوله:
ولا ينفع أن نقول: إن هذه الفكرة العلمية مثلاً لا تبدو حقيقية لأنها تبدو (غير منطقية)، خاصة إذا ربطنا المنطق فقط بما تتمكن حواسنا من لمسه أو التعرف عليه، لأنه لا أحد سيأبه لما تحسّه وتلمسه حواسك(26)..
وهنا يظهر جلياً أن علماء الفيزياء والرياضيات يؤكدون على أهمية المنطق الذي يوصلك إلى ما لا تتمكن حواسك من إدراكه، ثم يكون أمراً علمياً محضاً يعول عليه في كل المسائل العلمية.
وعليه فإن أوصلنا البحث المنطقي إلى حقيقة وجود الله تعالى دون أن تتمكن حواسنا من لمسه والتعرف عليه كان علينا أن نقرّ بهذه الحقيقة، ومن أنكرها بحجة أن حواسه لم تثبتها وأنها غير خاضعة للاختبار فلنا أن نلتزم بما قاله تايسونTyson: لن نأبه لما تحسه وتلمسه حواسك.
ساغَ لنا إذاً أن نفتخر بأننا أتباع القائل:
رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَأَثْبَتَتْهُ الْعُقُولُ بِيَقَظَتِهَا إِثْبَاتَ الْعِيَانِ، وَأَبْصَرَتْهُ الْأَبْصَارُ بِمَا رَأَتْهُ مِنْ حُسْنِ التَّرْكِيبِ وَإِحْكَامِ التَّأْلِيفِ ثُمَّ الرُّسُلُ وَآيَاتُهَا وَالْكُتُبُ وَمُحْكَمَاتُهَا، اقْتَصَرَتِ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا رَأَتْ مِنْ عَظَمَتِهِ دُونَ رُؤْيَتِه(27)..
والفطرة تشهد بذلك كما يقرّ الملحدون، حيث يقول أحد أبرز رموزهم ريتشارد دوكنز Richard Dawkins:
الأطفال بالأخص أكثر ميلاً لافتراض لكل شيء غاية... الأطفال غائيون بالفطرة والعديد لا تنمو معه هذه الفكرة مع تقدم العمر..
الغائية الطفولية تهيؤنا للتدين. إذا كان كل شيء له هدف، فلمن ترجع هذه الأهداف؟ الله طبعاً..
حتى الآن حساباتي عن المثنوية الفطرية افترضت أن الإنسان يلد مثنوياً غائياً بطبيعته(28)..
لكنهم شوهوا هذه الفطرة وحرفوها عما أريد لها..
لقد أنقذنا أمير المؤمنين من مسلك هؤلاء حين قال في نهجه: فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ المَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ المُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً(29)..
فلئن لهى الملحدون عما يراد بهم.. أو ظنوا أنهم تركوا سدى.. فإن الفطرة تُكذّب ذلك، والعقل يفنّده.. ونور الإيمان يضيء بصائر المؤمنين.. فتراهم يتمثلون بقول نوحٍ مخاطبين الملحدين: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُون﴾(30)..
سخريتكم هي سخرية تهكّم وجهل وقذارة.
وسخريتنا هي سخرية الحق على الباطل بعد إتمام الحجة.
سخريتكم تفتقر للأدب والأخلاق.
سخريتنا تقوم على أدب رد القبيح إلى أهله.
والحمد لله رب العالمين.
(1) نشر هذا المقال في الخامس من ربيع الأول 1439 للهجرة الموافق لـ 24-11-2017.
(2) الكافي ج2 ص339.
(3) المائدة 103.
(4) الأنعام 144.
(5) الأنعام 24.
(6) حوارات سيدني ص109.
(7) حوارات سيدني ص211.
(8) البقرة 268.
(9) النساء 58.
(10) مكارم الأخلاق ص8.
(11) يونس 36.
(12) حوارات سيدني ص185.
(13) الزمر 12.
(14) العنكبوت 43.
(15) الكافي ج1 ص17.
(16) الكافي ج1 ص29.
(17) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص241.
(18) الحجرات 13.
(19) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: لَمَّا خَلَقَ الله الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ، فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ، فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحْسَنَ مِنْكَ إِيَّاكَ آمُرُ وَإِيَّاكَ أَنْهَى وَإِيَّاكَ أُثِيبُ وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ (الكافي ج1 ص26).
(20) من لا يحضره الفقيه ج4 ص381.
(21) نهج البلاغة ص401.
(22) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص237.
(23) حوارات سيدني ص97.
(24) حوارات سيدني ص98.
(25) حوارات سيدني ص98.
(26) حوارات سيدني ص98.
(27) عن الصادق (عليه السلام) في الإحتجاج ج2 ص336.
(28) وهم الإله ص182.
(29) نهج البلاغة ص418.
(30) هود 38.