الصفحة الرئيسية

الكتب والمؤلفات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الكتب والمؤلفات PDF (9)
  • عرفان آل محمد (ع) (17)
  • الإلحاد في مهب الريح (12)
  • قبسات الهدى (14)
  • الثالوث والكتب السماوية (6)
  • الثالوث صليب العقل (8)
  • أنوار الإمامة (6)
  • الوديعة المقهورة (6)

المقالات والأبحاث :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التوحيد والعدل (13)
  • سيد الأنبياء محمد ص (13)
  • الإمامة والأئمة (28)
  • الإمام عين الحياة (16)
  • أمير المؤمنين عليه السلام (24)
  • السيدة الزهراء عليها السلام (48)
  • سيد الشهداء عليه السلام (47)
  • الإمام المنتظر عليه السلام (9)
  • لماذا صرتُ شيعياً؟ (7)
  • العلم والعلماء (15)
  • الأسرة والمرأة (8)
  • مقالات اجتماعية (19)
  • مقالات عامة ومتنوعة (58)
  • الموت والقيامة (24)

إتصل بنا

أرشيف المواضيع

البحث :




جديد الموقع :


 شَهيدُ الهُدى.. الحُسَينُ بنُ عَليّ (عليه السلام)
 287. الإمام الجواد.. والشيعة في زمن الغيبة!
 286. هَل يُغلَبُ رُسُلُ الله وحِزبُه؟!
 285. هل أراد الله بنا (شرَّاً) فحَجَبَ عنَّا (النَّصر)؟!
 284. لن يُمحَقَ دينُ محمد (ص)!
 283. ما حُكمُ (الجِهَادِ) في أيامنا؟!
 282. الجواد.. إمامٌ يعلمُ ما في النفوس!
 281. ما من خالقٍ.. إلا الله!
 280. هل بينك وبين الله قرابة؟!
 279. المَهديُّ إمامٌ.. تبكيه العيون!

مواضيع متنوعة :


 فصل8. كيف يكون الإمام وجه الله؟
 فصل3. استحالة الإحاطة بالذات الإلهية
 140. لعَنَ الله.. مَن روَّع فاطمة !
 204. الأئمة المَحسُودُون!
 166. عليٌّ.. قرآنٌ الله المهجور!
 الفصل الثاني: ظلامَتها وقَهرُها
 فصل3: الثالوث: وحدة الجوهر وتعَدّدُ الأقانيم
 100. علماءٌ زنادقة.. في يوم المباهلة !!
 214. ما أسرع الملتقى!
 42. الإمامُ عليّ.. بين (بطرس) و(الخلفاء)!

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2
  • الأقسام الفرعية : 22
  • عدد المواضيع : 356
  • التصفحات : 694734
  • التاريخ :



















  • القسم الرئيسي : الكتب والمؤلفات .
        • القسم الفرعي : الثالوث والكتب السماوية .
              • الموضوع : عَودٌ على بدء .

عَودٌ على بدء

عَودٌ على بدء

في زَمَنٍ تُستَبدَلُ فيه سُبُل الحوار بالمتاريس، فتحلُّ محلّ الحوار الهادف البنّاء.

في زَمَنٍ تُستَعمَلُ فيه كلُّ أسلحة الدّمار لتخريب الآراء والأفكار وتشتيتها، وتسقط فيه كل المحرمات.

لا بدّ للحقّ الذي يُرشد إليه العقلُ أن يُدلي بدلوه، ويُبقي على سُبُل التواصل بين الخَلق مُشرَعة، لأن في إغلاقها خسارَةٌ لا تُعَوَّض.

والناسُ كالرَّعيّة صنفان كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته للأشتر: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ الله مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِهِ(1).

في هذا الكتاب مُحاولةٌ للأخذ بيد النصارى نُظَرَاؤنا في الخَلق، لنكون عوناً لهم على صعوبات الأيام التي اختلط فيها الحقُّ بالباطل، ودعوتنا لهم هي دعوةُ القرآن الكريم: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾(2).

لقد سلكنا في هذا الكتاب مَسلَكَ من يعتقدُ بصحّة الكتاب المقدَّس، وسَبَرنَا أغوارَه لنرى هل أن دعوَتَهُ توحيديةٌ أم تثليثيةٌ أم جامعةٌ لهما، فوجدنا التوحيدَ فيه صريحاً لا لبس فيه، والتثليثَ فيه غامِضَاً مُبهَماً في أحسن أحواله، خَفيَّاً غير ظاهر، معارِضاً للتوحيد في جوهره، ولم نجد للجمع بينهما وجهاً، رغم ذلك أفردنا كتاباً آخر للبحث في موقف العقل من الثالوث، وإمكان الجمع بينهما، أسميناه (الثالوث صليب العقل).

في كتابنا هذا دعوةٌ للنصارى للعودة إلى الكتاب المقدس وقراءته قراءةً جديدةً خاليةً من الأحكام المُسبَقة، فليست عقيدة آريوس في التوحيد بدعاً في القول بين المتقدّمين، ولا عقيدة شهود يَهوَه وأتباع الكنيسة التوحيدية القائلون بإلهٍ واحد لا أقانيم له ببعيدةٍ عن الكتاب المقدّس، وليس ملايين المسيحيين المعاصرين المنكرين لأزليّة عيسى (عليه السلام) بأعداء لهذا الكتاب.

إن القائل بالتثليث يضرب بالجدار كلّ نصوص التوحيد في الكتاب المقدّس، ويُخَالف أصرح النصوص التي تنفي ان يكون الله إنساناً أو ابناً للإنسان، ففي سفر العدد: لَيْسَ اللهُ إِنْسَانًا فَيَكْذِبَ، وَلاَ ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَلْ يَقُولُ وَلاَ يَفْعَلُ؟ أَوْ يَتَكَلَّمُ وَلاَ يَفِي؟(3).

عيسى إنسانٌ وابنُ إنسانٍ، فكيف صار هو الله؟!

وليسَ لعاقِلٍ أن يُوكِلَ مهمّة الفهم إلى غيره! إلا أن يكون هذا الغيرُ معصوماً بلا ريب، فيستعينُ به حينها على الفهم والتعقُّل والإدراك.

تفسير الكنيسة

ولعلّ قائلاً يقول:

لقد أخطأتم حين فسّرتم الكتاب المقدّس بغير ما فسّرته به الكنيسة، وسلبتموها حقاً إلهياً لها واعتَدَيتُم عليه، فإنّ: مهمة تفسير كلمة الله، المكتوبة أو المنقولة، تفسيراً أصيلاً، عُهِدَ فيها إلى سُلطة الكنيسة التعليمية الحية وحدها، تلك التي تمارس سلطانها باسم يسوع المسيح (4).

وإنّ: كلّ ما يتعلق بطريقة تفسير الكتاب هو في النهاية خاضعٌ لحكم الكنيسة التي تقوم بالمهمة والرسالة(5).

فنجيبه:

أن هذا القولَ منقوضٌ بأمور:

أوّلها: أنه لا دليل عليه. فليس في الكتاب المقدس (على فرض صحته) ما يدلّ على ذلك، ويُفتَرَض بأتباع عيسى (عليه السلام) أن يتّبعوا الدليل، وحَصْرُ تفسير الكتاب بالكنيسة دون دليلٍ من الكتاب نفسه أو من عيسى (عليه السلام) أو من العقل هو تَسَلُّطٌ فكريٌّ لا يمكن الموافقة عليه.

ثانيها: أن النصارى أنفسهم غير متفقين على ذلك، فأحدُ مفردات الخلاف بين المذاهب الثلاثة الأساسيّة هو صلاحية ممارسة الكنيسة لسلطانها باسم يسوع المسيح، بما في ذلك عصمة البابا التي صارت محلّ خلاف عندهم.

فتعتقدُ الكنيسة الكاثوليكيّة التي تمثل الشريحة الأكبر من المسيحيين اليوم بعصمة البابا، يقول عالم اللاهوت الهولندي د. هيرمان بافينك: إن كان الأنبياء والرسل قد نالوا عطية الوحي، فإن البابا أيضاً عندما يتحدث بصفته الرسمية بِحُكم وظيفته البابوية ينالُ تأييداً خاصاً من الروح، وبذلك يكون معصوماً(6).. تبلغ الرئاسات الكنسية قمتها في البابا الذي أعلنت كنيسة روما رسمياً في مجمع الفاتيكان المنعقد بروما عام 1870 أنه معصومٌ من الخطأ، فهو أبو الكنيسة كلها (البابا: الأب) ورئيس الكهنة خليفة بطرس، وهو وكيل المسيح في السلطة على الكنيسة(7).

لكن هذا القول لم يبق بلا ردّ عند سائر المذاهب المسيحية، يقول صموئيل بندكت: إن الكتاب المقدس لم يذكر كلمة بابا أبداً، ولا يذكر رتبةً أو مركزاً آخر كمركز البابا. والمسيح لم يعلن عن بطرس أنه "البابا"، ولا التلاميذ ولا بطرس نفسه أعلن أنه البابا. لذلك فلا سلطة للباباوات ولا هم أولياءُ عهدٍ، لأنّ بطرس لم يكن له أتباعٌ أبداً(8).

ويقول: الكائن الوحيد المنزّه والمعصوم عن الخطأ هو الله. ولكنّ الكنيسة الكاثوليكية تقول أنّ البابا عندما يتكلم وهو جالس على عرشه عن أمور الإيمان والأخلاق يكون معصوماً من الخطأ. إن مفهوم هذه العقيدة هو أن البابا لا يخطئ في أي كلمة يقولها في الإصدارات الرسميّة المختصة بعقائد الكنيسة وبالأمور الأخلاقية، وكلامه حقٌّ، ولا يحتوي سوى الحق لأنه لا يستطيع أن يخطئ، ومن ثم فهو معصومٌ ومنزّه عن الخطأ.. إن الباباوات أنفسهم لم يعرفوا بأمر عصمتهم إلا بعد 1800 عام، أي حين أُعلِنَ الأمر كقانون للإيمان في مؤتمر الفاتيكان المنعقد في روما عام 1870. وقد حدث في هذا المؤتمر نزاعٌ وجدالٌ طويل حول العقيدة التي نحن بصددها(9).. إن الاختلافات والتناقضات التي يُظهرها التاريخ بين الباباوات، تكاد لا تُعَدُّ ولا تُحصى من كثرتها. ولعل هذا يرينا أنه إذا تناقض اثنان من الباباوات، أفلا يكون أحدهما غير معصوم؟(10).

بناءً على حكم العقل القطعي هذا، من أنّه لو حصل الخلاف او التناقض بين طرفين أو جهتين أو نصين، لا يمكن الحكم بعصمتهما أو صحتهما معاً، ولمّا كان القول بالتوحيد والتثليث معاً هو جمعٌ بين المتناقضين، كان لا بُدَّ من طرح أحدهما، إما معنىً أو نصاً، والأول هو ما فعلناه في هذا الكتاب، حيث رفعنا اليد عن ما يُدَّعى دلالته على الثالوث للتحفُّظ على أدلة التوحيد القطعية، والتَخَلُّص من المعارضة بين نصوص الكتاب المقدس في هذا الباب.

وأمّا رفع اليد نصَّاً فهو يقتضي عدم صحة الكتاب المقدس رأساً، وقد بنينا في هذا الكتاب على مناقشة النصارى على فرض صحة كتابهم.

ثالثها: أنّ ما تذهب إليه الكنيسة هو اجتهادٌ خاصٌّ بها، لا يمكن إلزام الآخرين به، فإن: الكنيسة تجتهد أن تفهم، عبر هذا التاريخ وهذه النصوص، كلمة الله التي تحملُها(11). فكيف ساغَ للكنيسة أن تُلزِمَ المؤمنين بالتثليث الذي اجتهدت لاثباته؟ وقد دلّهم العقل والكتب السماوية على التوحيد؟

رابعها: أنّه ليس للكنيسة ولا لسواها حتى لو أتت قساوستها بالآيات والأعاجيب أن تدعو الناس للتثليث، لأنّ هذه الدعوة أوصلت لعبادة المخلوق دون الخالق، وقد نهى الكتاب المقدّس عن الاستماع لكلّ دعوةٍ أوصلت للإله الذي لم يُعرَف أيام أنبياء العهد القديم، وألوهيّة عيسى مصداقٌ لذلك، ففيه: «إِذَا قَامَ فِي وَسَطِكَ نَبِيٌّ أَوْ حَالِمٌ حُلْمًا، وَأَعْطَاكَ آيَةً أَوْ أُعْجُوبَةً، وَلَوْ حَدَثَتِ الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ الَّتِي كَلَّمَكَ عَنْهَا قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا وَنَعْبُدْهَا، فَلاَ تَسْمَعْ لِكَلاَمِ ذلِكَ النَّبِيِّ أَوِ الْحَالِمِ ذلِكَ الْحُلْمَ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ لِكَيْ يَعْلَمَ هَلْ تُحِبُّونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ(12).

بل حَكَمَ الكتاب المقدّس على صاحب هذه الدعوى بالقتل: وَذلِكَ النَّبِيُّ أَوِ الْحالِمُ ذلِكَ الْحلْمَ يُقْتَلُ، لأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالزَّيْغِ مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ(13).

إن رسالة الكتاب المقدّس تفيدُ أن أيّ آية أو معجزةٍ أو كرامةٍ أتى به داعٍ أو نبيٍّ يرشد إلى آلهة أخرى لم يعرفها بنو إسرائيل ينبغي ردّها وتكذيبها، ولعلّ في تلك الدعوة امتحانٌ إلهيّ ينبغي على النصارى أن يتنبهوا له.

ودعوى التثليث لم يعرفها بنو إسرائيل بإقرار النصارى، الذين يعتقدون أن الثالوثَ إعلانٌ سماويٌ ما عرفته البشرية إلا على يد عيسى (عليه السلام).

ومقتضى العمل بالكتاب المقدَّس تكذيبُ هذه الدعوى وعدم الذهاب وراء آلهة أخرى لم يعرفوها، ومقتضى العمل بهذه الآيات هو لزوم قتل صاحب هذه البدعة كما ينص عليه الكتاب المقدّس.

بل جعل الكتاب المقدَّس هذا الحكم شاملاً حتى للاخ والأولاد وغيرهم إن روّجوا لعقيدةٍ باطلة في عبادة غير الله حين قال: «وَإِذَا أَغْوَاكَ سِرًّا أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ، أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ أَوِ امْرَأَةُ حِضْنِكَ، أَوْ صَاحِبُكَ الَّذِي مِثْلُ نَفْسِكَ قَائِلاً: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلاَ آبَاؤُكَ.. فَلاَ تَرْضَ مِنْهُ وَلاَ تَسْمَعْ لَهُ وَلاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَرِقَّ لَهُ وَلاَ تَسْتُرْهُ،  بَلْ قَتْلاً تَقْتُلُهُ. يَدُكَ تَكُونُ عَلَيْهِ أَوَّلاً لِقَتْلِهِ، ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ الشَّعْبِ أَخِيرًا(14).

وإنّ النصرانية قد دعت لعبادة عيسى (عليه السلام) والروح القدس، ولم يَعرِف ذلك بنو إسرائيل في زمن موسى (عليه السلام)، فيكون تكليفهم هو البراءة من هذه العقيدة: وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيُّ (15).

فلا ينبغي تصديق كل من زعم أنه ينقل عن الله تعالى حتى لو كان نبياً، وذلك بحسب أوامر الكتاب المقدّس، وجمعاً بين هذه النصوص فإنّ كلّ من يزعم أنه نبيٌّّ ناقلٌ عن الله تعالى ويُعَرّفُنَا على آلهةٍ لم نعرفها يُرَدُّ كلامه ويُرجَم.

لذا فإن حكم القائلين بالتثليث من آباء الكنيسة الأولى كان القتل رجماً بحسب الكتاب المقدّس، ولعلّه لهذا السبب لم يقبل كثيرٌ من بني إسرائيل هذه الدعوى في أيّامها وحاربوا المعتقدين بها، إذ كان ذلك امتثالاً حرفياً لوصايا سفر التثنية من الكتاب المقدس.

بطرس يحذِّرُ من التحريف

لقد حذّر الإنجيل من التعاليم الغريبة، ولَفَتَ النصارى إلى ضرورة التنبُّه لعدم الانسياق خلفها، فقال: لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ، لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ الْقَلْبُ بِالنِّعْمَةِ، لاَ بِأَطْعِمَةٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا الَّذِينَ تَعَاطَوْهَا(16).

وليس أغرب من القول بالثالوث عقيدةً: إما متناقضة! أو عَسِرَة الفهم! أو يلزم منها التركُّب في الله أو التعدُّد! وجلّ تعالى عن كلّ ذلك.

إن القول بالثالوث استناداً إلى الانجيل يَصيرُ مِصداقاً لكلام بطرس عن: أَشْيَاء عَسِرَة الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ، كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ(17).

فكلُّ قولٍ ينافي التوحيد هو تحريفٌ لنصوص الإنجيل، واضحة الفهم كانت أم عسرة الفهم، لأن المُعتَقِدَ بالإنجيل يراه كلام الله، ولا ينبغي نسبة التناقض لكلام الله، وقد ثبت التناقض بين التوحيد والتثليث، وخلوّ الكتاب المقدس عن أيّ نصٍّ صريحٍ يدلُّ على التثليث..

إنما حُرِّفت هذه النصوص عن مواضعها على فرض صحتها، وقد حرّفها غير العلماء الذين ينبغي الحذر منهم.

والعودةُ إلى تعاليم الإنجيل تُبيّن أن عيسى (عليه السلام) كان نبيّاً مرسلاً من الله تعالى، يعمل مشيئةَ الله عز وجل: قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ؟(18).

وقال الناس عنه: هذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ(19). فلم يستنكر قولهم لأنه الحق من ربهم.

وإذا كان الكتاب المقدس يطلق على الله لفظ الآب، فإن عيسى (عليه السلام) ليس هو الله جزماً، لأن الله أعظم منه: لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إِلَى الآبِ، لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي(20).

كرامة عيسى نبيّ الله

عيسى نبيُّ الله هذا قال يوماً بحسب الإنجيل: لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ(21).

لقد ذبحوا كرامته حين جعلوه الله، فأيُّ كرامةٍ أكرموه بها حين رفعوه إلى مصاف الألوهية وجعلوه شريك الله في سلطانه؟!

ونحن نتصوّر ما نَسَبَه له إنجيل برنابا، ونرى بعضه محتملاً جداّ ولو لم يَثبُت هذا الإنجيل، لموافقته للعقل والمنطق وما جرى في التاريخ، حينما خاف عيسى من تأليه الناس له، فقال مخاطباً الله تعالى: خذني من العالم يا ربّ. لأن العالم مجنونٌ وكادوا يدعونَني إلهاً(22). وفي نسخة أخرى: أخرجني من الدنيا يا ربّ، لأن الدنيا مجنونةٌ، فعمّا قليل سَيُسَمُّوني الله(23).

وقال: إني أقشعرُّ لأن العالم سيدعوني إلهاً.. إني رجلٌ فانٍ كسائر الناس(24).

ونحن نستحضر حالَه وهو الذي فتح الله له باباً من علم الغيب، فَعَلِمَ ما يجري بعده حتى قال: ليكن ملعوناً كلُّ من يُدرج في أقوالي أني ابنُ الله(25).

وقال: إنكم قد ضللتم ضلالاً عظيماً أيها الاسرائيليون لأنكم دعوتموني إلهَكم وأنا إنسان.. لُعن الشيطان الذي أغراكم بهذا ألفَ لعنة(26).

كم تألم نبيُّ الله عيسى (عليه السلام) حينما نسبوه للألوهية وهو بشرٌ مثلهم! وكم كانت حسرته عليهم حينما فَهِمُوا الكلام مغلوطاً، فقال: إنّه في الأنبياء مكتوبٌ أمثالٌ كثيرة لا يجب أن تأخذها بالحرف بل بالمعنى(27).

إن الذي حَفِظَ كرامة أنبياء الله ورسله وملائكته هو القرآن الكريم الذي جعلهم عباداً مكرمين لله تعالى: ﴿قَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾(28).

ومسكُ الختام، مع آيات القرآن الكريم، التي تُبيّن عَظَمَة هذه الفرية على الله تعالى ونبيّه عيسى (عليه السلام): ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً﴾(29).

وفي نهج البلاغة لإمام البلاغة وأمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ (عليه السلام) الذي يُجِلُّه جُلُّ من قَرَأَ نهجَهُ من الباحثين المسيحيين كلماتٌ تدخل العقل قبلَ القلب، حينما يصف الله تعالى بأنّه: لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْأُفُولُ، لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْلُوداً، وَلَمْ يُولَدْ فَيَصِيرَ مَحْدُوداً، جَلَّ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَبْنَاء(30).

والحمد لله رب العالمين

محمد مصطفى مصري العاملي

8-3-2020 للميلاد

13 رجب 1441 للهجرة، ذكرى ميلاد أمير المؤمنين (عليه السلام).

 


(1) نهج البلاغة ص427-428.

(2) آل عمران64.

(3) العدد23: 19.

(4) التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ص31 فقرة85، عن الوحي الإلهي 10، المجمع الفاتيكاني الثاني.

(5) التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ص36 فقرة119.

(6) بين العقل والإيمان ج1 ص180.

(7) بين العقل والإيمان ج1 ص182.

(8) العقائد الكاثوليكية في الكتاب المقدس ص7.

(9) العقائد الكاثوليكية في الكتاب المقدس ص8.

(10) العقائد الكاثوليكية في الكتاب المقدس ص10.

(11) مقدمة الكتاب المقدس: الترجمة اليسوعية الجديدة ص56.

(12) التثنية13: 1-3.

(13) التثنية13: 5.

(14) التثنية13: 6-9.

(15) التثنية18: 20.

(16) العبرانيين13: 9.

(17) بطرس الثانية3: 14-16.

(18) يوحنا4: 34.

(19) متى21: 11.

(20) يوحنا14: 28.

(21) متى13: 57 ومثله في مرقس6: 2-4.

(22) إنجيل برنابا47: 9-10، ترجمة الدكتور خليل سعادة.

(23) كما في ترجمة الخوري بولس فغالي.

(24) إنجيل برنابا52: 10-12.

(25) إنجيل برنابا53: 35.

(26) إنجيل برنابا93: 2و4.

(27) إنجيل برنابا17: 20.

(28) الأنبياء26-27.

(29) مريم88-93.

(30) نهج البلاغة ص273.

بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2022/07/26  | |  القرّاء : 1644



للإنضمام إلى قناة العلم والإيمان (أنقر على الرمز الخاص) ->
| تلغرام | واتساب | يوتيوب | فيسبوك | انستغرام |


كتابة تعليق لموضوع : عَودٌ على بدء
الإسم * :
الدولة * :
بريدك الالكتروني * :
عنوان التعليق * :
نص التعليق * :
 

تصميم، برمجة وإستضافة :
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net