الصفحة الرئيسية

الكتب والمؤلفات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الكتب والمؤلفات PDF (9)
  • عرفان آل محمد (ع) (17)
  • الإلحاد في مهب الريح (12)
  • قبسات الهدى (14)
  • الثالوث والكتب السماوية (6)
  • الثالوث صليب العقل (8)
  • أنوار الإمامة (6)
  • الوديعة المقهورة (6)

المقالات والأبحاث :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التوحيد والعدل (13)
  • سيد الأنبياء محمد ص (13)
  • الإمامة والأئمة (28)
  • الإمام عين الحياة (16)
  • أمير المؤمنين عليه السلام (24)
  • السيدة الزهراء عليها السلام (48)
  • سيد الشهداء عليه السلام (47)
  • الإمام المنتظر عليه السلام (9)
  • لماذا صرتُ شيعياً؟ (7)
  • العلم والعلماء (15)
  • الأسرة والمرأة (8)
  • مقالات اجتماعية (19)
  • مقالات عامة ومتنوعة (58)
  • الموت والقيامة (24)

إتصل بنا

أرشيف المواضيع

البحث :




جديد الموقع :


 شَهيدُ الهُدى.. الحُسَينُ بنُ عَليّ (عليه السلام)
 287. الإمام الجواد.. والشيعة في زمن الغيبة!
 286. هَل يُغلَبُ رُسُلُ الله وحِزبُه؟!
 285. هل أراد الله بنا (شرَّاً) فحَجَبَ عنَّا (النَّصر)؟!
 284. لن يُمحَقَ دينُ محمد (ص)!
 283. ما حُكمُ (الجِهَادِ) في أيامنا؟!
 282. الجواد.. إمامٌ يعلمُ ما في النفوس!
 281. ما من خالقٍ.. إلا الله!
 280. هل بينك وبين الله قرابة؟!
 279. المَهديُّ إمامٌ.. تبكيه العيون!

مواضيع متنوعة :


 45. الريحاني.. تلميذ (الصحابة) النصراني!
 43. الجُمُعة.. (براءةٌ) بعد الولاية!
 مقال6: شريعتي وأخطاء النبي الكثيرة!
 273. ما بالنا ندعو فلا نُجاب؟!
 257. إنَّ الله لا يُحبُّ الفَرِحين! قارون نموذجاً!
 الإلحاد في مهب الريح
 مقال7: لماذا ظل الملحد منبوذاً؟
 231. ما أوحش.. الموت!
 182. عيدُ الغدير.. قَمَرٌ بين الأعياد!
 148. يوم لم يؤذن لعليٍّ.. بِحَصدِ الرؤوس !

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2
  • الأقسام الفرعية : 22
  • عدد المواضيع : 356
  • التصفحات : 694704
  • التاريخ :



















  • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
        • القسم الفرعي : الموت والقيامة .
              • الموضوع : 235. لا غائبَ.. أقرَبُ منَ الموت! .

235. لا غائبَ.. أقرَبُ منَ الموت!

بسم الله الرحمن الرحيم

قال أميرُ المؤمنين عليه السلام:

لَا غَائِبَ أَقْرَبُ مِنَ المَوْتِ.. وَلِكُلِّ ذِي رَمَقٍ قُوتٌ.. وَأَنْتُمْ قُوتُ المَوْتِ (التوحيد للصدوق ص74).

الموتُ غائبٌ.. عن الحيِّ.. لكنَّه غائبٌ.. قَريب!

إذ لا يعرفُ الحيُّ أوانَ موته.. فقد يكون هذه اللحظة.. أو التي تليها.. أو أيّ لحظةٍ أخرى.. وَالمَوْتُ أَقْرَبُ الأَشْيَاءِ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَهُوَ يَعُدُّهُ أَبْعَدَ! (مصباح الشريعة ص172).

إنَّ الموتَ يقتاتُ على النّاس!

هو لا يأكلُ أرواحَهم كما يأكلون الطعام، لكنَّ هذه الأرواح تُمسَك وتُحفَظ عند الله تعالى، فتحصل الفرقةُ بينها وبين الأجسام.. ويقع الموت..

موتٌ قَريبٌ جدّاً.. نحسبه عنّا بعيداً.. فلا نُنصِفُه، ولا ننصفُ أنفسنا!

قال النبيُّ صلى الله عليه وآله: مَنْ عَدَّ غَداً مِنْ أَجَلِهِ فَقَدْ أَسَاءَ صُحْبَةَ المَوْتِ! (تحف العقول ص49).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: مَا أَنْزَلَ المَوْتَ حَقَّ مَنْزِلَتِهِ مَنْ عَدَّ غَداً مِنْ أَجَلِهِ! (الزهد ص81).

فالعاقلُ هو الذي يحسبُ اليوم الذي هو فيه آخر أيامه.. فيجعله أحسنها..

ومَن فَعَلَ ذلك كان مُكثِراً لذكر الموت..

النّاسُ اليوم يكرهون الموت.. بل يكرهون ذكره.. مع أنَّ لذكره آثاراً عظيمة، وثماراً ومنافع جليلة!

لقد روي عنهم عليهم السلام أنَّ: ذِكْرَ المَوْتِ أَفْضَلُ العِبَادَة (الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام ص339).

وأنَّ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ أَحَبَّهُ الله (الكافي ج‏2 ص122).

فما السرُّ في ذلك؟!

إنَّ الناس يكرهون ذكرَ الموت لأنَّه ينغِّصُ عليهم حياتهم.. ويقطع عليهم لذَّاتهم.. فلا تتمُّ لهم..

ينظرون إلى اللحظة التي هُم فيها.. ولا ينظرون إلى آثارها..

لقد كان الإمامُ السجاد عليه السلام يدعو في جوف الليل إذا هدأت العيون فيقول:

إِلَهِي، إِنْ ذَكَرْتُ المَوْتَ، وَهَوْلَ المُطَّلَعِ، وَالوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيْكَ، نَغَّصَنِي مَطْعَمِي وَمَشْرَبِي، وَأَغَصَّنِي بِرِيقِي، وَأَقْلَقَنِي عَنْ وِسَادَتِي، وَمَنَعَنِي رُقَادِي! (مصباح المتهجد ج1 ص133).

بذكر الموت.. لا تبقى هناءةٌ في المطعم ولا في المشرَب.. بل قد يغصِّصُ ذكرُ الموتِ المرء بِرِيقِه!

لا نوم ولا رُقاد! فأيُّ لذَّةٍ من ملذّات الدّنيا تبقى مع ذكر الموت؟!

هذا ما يفرُّ منه أكثرُ النّاس.. إنَّهم يريدون لذَّةً عاجلةً ولو أغضب ذلك ربَّ السماوات.. ولا يكتفون بما أحلَّ لهم من الطيِّبات!

ولو ذكروا الموت لزَجَرَهم ذلك عن المعاصي.. لكنَّهم يهوونها ويرفضون الكفَّ عنها.. فيغمضون عن ذكره.. وكأنَّهم بهذا سيفرُّون منه!

يَنَامُ العَاقِلُ وَمَلَكُ المَوْتِ لَا يَنَامُ! لَا بِاللَّيْلِ وَلَا بِالنَّهَارِ!

يطلبُ قبض روحهم: بِالبَيَاتِ، أَوْ فِي آنَاءِ السَّاعَاتِ!

هكذا.. يسيرُ النّاسُ إلى القبور.. يُدَلُّون الأموات في قبورهم.. ثمَّ ينسونَ الموتَ ويضحكون!

ولقد تبعَ أميرُ المؤمنين عليه السلام جنازةً فسمع رجلاً يضحك! الميِّتُ إمّا على الأكُفّ لم يوارى الثرى.. أو صار تحت أطباقها.. والرَّجُلُ يضحك!

قال له عليه السلام:

كَأَنَّ المَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ؟

وَكَأَنَّ الحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ؟

وَكَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ الأَمْوَاتِ سَفْرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ؟

نُبَوِّئُهُمْ أَجْدَاثَهُمْ، وَنَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ، كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ بَعْدَهُمْ (نهج البلاغة الحكمة122).

إنَّ ذكرَ الموت يدفع الإنسان إلى الحذر، والاعتبار، فالاستقامة، وهو ما يُقَرِّبُهُ من الله تعالى.

وفي نصوصِ آل محمدٍ كلماتٌ كثيرةٌ، تُظهرُ آثاراً عديدة لذلك، منها ما روي عن الصادق عليه السلام حين قال:

ذِكْرُ المَوْتِ:

1. يُمِيتُ الشَّهَوَاتِ فِي النَّفْسِ.

2. وَيَقْطَعُ مَنَابِتَ الغَفْلَةِ.

3. وَيُقَوِّي القَلْبَ بِمَوَاعِدِ الله تَعَالَى.

4. وَيُرِقُّ الطَّبْعَ.

5. وَيَكْسِرُ أَعْلَامَ الهَوَى.

6. وَيُطْفِئُ نَارَ الحِرْصِ.

7. وَيُحَقِّرُ الدُّنْيَا (مصباح الشريعة ص171).

أمورٌ سبعةٌ إذا اجتمعت استقامَ أمرُ العبد أيُّما استقامة.. فمَن ماتت الشهوات في نفسه وانكسرَت أعلام الهوى لديه تخلَّصَ من جُلِّ المعاصي.. ومَن انقطعت منابتُ الغفلة فيه كان يَقِظاً ذاكراً لله تعالى في مختلف أحواله.. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: إِنَّ المَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ، وَمُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ (نهج البلاغة الخطبة230).

ومَن قَوِيَ قلبه وتيقَّنَ بما وعده الله جَدَّ واجتهد، وعمل بما يُقَرِّبُهُ لله تعالى.

ومَن رقَّ طبعه حَسُنَت فِعالُه، وأنِسَ به أهلُه وإخوانُه، واستبشَرَ به كلُّ من يراه.

ومن انطفأت نار الحرص فيه وحقَّرَ الدُّنيا زَهِدَ فيها، وأحسن البذلَ والعطاء حيث ينبغي..

وهكذا يكونُ ذِكرُ الموت قد نقلَ العبدَ من ذُلِّ المعصية إلى عِزَّ الطاعة، وهو باب الشَّرَف العظيم..

بل إنَّ ذِكرَ الموت يُنسي الإنسان ما يُحزِنُهُ ويهمُّه ويؤلمه..

فإن كان أَلمُهُ للدُّنيا تخلَّصَ منه.. واستعاضَ عنهُ بِهَمٍّ ينفعه في الآخرة.

وقد أرشَدَ الإمامُ الصادق عليه السلام أبا بصير إلى ما ينبغي فعله عند الحزن والهمّ والألم فقال عليه السلام:

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْكَ، فَاذْكُرِ المَوْتَ، وَوَحْدَتَكَ فِي قَبْرِكَ: ماذا يفعل ذِكرُ الوحدة في القبر؟!

إنَّ الوحدة مذمومةٌ في الدُّنيا، ولا ينبغي لأحدٍ أن يبيتَ في منزلٍ وحده، ولا أن يخرج في سفرٍ وحده.. لكنَّه ساعة موته، وفي قبره، سيكونُ وحيداً مستوحِشاً، يُسلِمُهُ أهلُه وأحبَّتُه إلى مصيره، ويقفلون عائدين إلى بيوتهم.. يبكونه آناً.. ويندبونه زمناً.. لكنَّهم لا ينزلون معه في قبره! ولا يرفعون عنه وحدته! فكلٌّ منهم ينتظر ساعته وأجله..

وَسَيَلَانَ عَيْنَيْكَ عَلَى خَدَّيْكَ: آهٍ من تلك الساعة..

لطالَما اهتمَّ أحدُنا بعينيه.. فالعيون هي التي تكشفُ لنا صورة كلِّ ما نأنس به في الدُّنيا.. وهي شديدة الحساسية والتأثُّر.. لذا خلقها الله تعالى وجعل لها ما يحفظُها ويحميها.. ويدفع عنها ما يؤذيها..

لكنَّها هناك (تَسيلُ) على الخدَّين! كيف يكون حالُ الخدَّين تحت التُّراب؟! كيف تَسيلُ هذه العيون؟!

أنا لم أرَ مثلَ هذا المنظر المَهيب! لكنِّي إذا نظرتُ إلى صورةٍ يظهرُ فيها باطنُ العين، عينٌ مشقوقةٌ، أزعجني ذلك وآذاني.. والعينُ ليست عيني! ولا أرى منها إلا صورة!

فما حالُ أحدِنا في ذلك الموقف؟! وكم ينبغي أن يؤثِّر ذلك فيه؟

وَتَقَطُّعَ أَوْصَالِكَ، وَأَكْلَ الدُّودِ مِنْ لحمِكَ، وَبَلَاكَ وَانْقِطَاعَكَ عَنِ الدُّنْيَا: هي مراحلُ تنتظرُ جلَّ النّاس، إلا من حَفِظَ الله تعالى أبدانَهم إكراماً لهم..

الأوصال مقطَّعة.. لم يُنشَرِ الميِّتُ بالمناشير.. ولم يُقطَّع بالفؤوس.. لكنَّه البلى.. يبلى حتى تنفصل الأجزاء عن بعضها البعض..

الدُّودُ ينخرُ فيه.. يأكل لحمه.. بعدما يخرُجُ من منخريه: اذْكُرْ.. خُرُوجَ بَنَاتِ المَاءِ مِنْ مَنْخِرَيْكَ (الكافي ج3 ص255).

وما يصلُ الأعضاء بعضها ببعضٍ يبلى ساعةً بعد أخرى.. حتى تتزايل الأوصال وتتفرَّق في التُّراب!

كلُّ هذا سيجري علينا..

ولكن..

لماذا نذكره؟!

يُبيِّنُ عليه السلام السرَّ في ذكره فيقول:

فَإِنَّ ذَلِكَ يَحُثُّكَ عَلَى العَمَلِ، وَيَرْدَعُكَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا (الأمالي للصدوق ص345).

العملُ الصالح هو ما نحتاجُه لنتخلَّصَ من سكرات الموت وغمراته وشدائده.. التي لا تُقارَنُ بكلِّ بلاءات الدّنيا..

وهذا إمامنا السجاد عليه السلام، كان يدعو الله تعالى إذا نُعيَ إليه ميِّتٌ، أو ذَكَرَ الموت، فيقول عليه السلام:

اللهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِنَا طُولَ الأَمَلِ، وَقَصِّرْهُ عَنَّا بِصِدْقِ العَمَلِ حَتَّى لَا نُؤَمِّلَ اسْتِتْمَامَ سَاعَةٍ بَعْدَ سَاعَةٍ، وَلَا اسْتِيفَاءَ يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ، وَلَا اتِّصَالَ نَفَسٍ بِنَفَسٍ: إذا كان الموتُ أقرَبَ شيءٍ إلينا.. فلا ينبغي أن نؤمِّل اتِّصالَ نفسٍ بنفس! لعلَّ نَفَسَنَا في هذه اللحظة هو آخر الأنفاس!

كَم من ميِّتٍ كان بالأمس بيننا، يُحدِّثُنا ويخاطِبُنا، ثمَّ عاجَلَهُ الموتُ فلم يكمل كلمته.. بل لم يُتبِع نَفَسَهُ بِنَفَسٍ آخر؟!

وهذا نوحٌ عليه السلام، الذي كان من المُعمِّرين، وبلغت سِنِيُّهُ ألفين وخمسمائة سنة، جاءه ملك الموت ليقبض روحه وهو في الشمس، ثمَّ أمهله ليتحوَّل من الشمس إلى الظلّ، فقال عليه السلام كلمةً مُعبِّرة: يَا مَلَكَ المَوْتِ، كَأَنَّ مَا مَرَّ بِي مِنَ الدُّنْيَا مِثْلُ تَحَوُّلِي مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ! فَامْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ (كمال الدين ج2 ص523)

يكمل السجَّاد عليه السلام في دعائه:

وَانْصِبِ المَوْتَ بَيْنَ أَيْدِينَا نَصْباً، وَلَا تَجْعَلْ ذِكْرَنَا لَهُ غِبّاً.. حَتَّى يَكُونَ المَوْتُ مَأْنَسَنَا الَّذِي نَأْنَسُ بِهِ، وَمَأْلَفَنَا الَّذِي نَشْتَاقُ إِلَيْهِ، وَحَامَّتَنَا الَّتِي نُحِبُّ الدُّنُوَّ مِنْهَا!

مَن ذا الذي يأنسُ بالموت؟!

إنَّه من جَعَلَهُ أمامَ عينيه دائماً.. فأكثر من ذكره، واعتبر بموت غيره، قبل أن يعتبر غيرُه به!

من أكثَرَ ذِكرَ الموت واستثمر ذلك، بأن حَثَّهُ على العمل الصالح، صارَ الموتُ له خلاصاً من شدائد الدُّنيا.. وباباً إلى نعيم الآخرة.. وخاطَبَ ربَّه كإمامه قائلاً:

فَإِذَا أَوْرَدْتَهُ عَلَيْنَا وَأَنْزَلْتَهُ بِنَا فَأَسْعِدْنَا بِهِ زَائِراً، وَآنِسْنَا بِهِ قَادِماً، وَلَا تُشْقِنَا بِضِيَافَتِهِ، وَلَا تُخْزِنَا بِزِيَارَتِهِ (الصحيفة السجادية، الدعاء40).

هو الموتُ إذا.. الذي ينبغي انتظاره.. والاستعداد له.. فمَن فعلَ ذلك كان الموتُ له أنيساً.. وإلا.. كان خِزياً وشقاءً..

أجارنا الله من هول تلك الساعة.. وما بعدَها.. وجعلنا من أهل اليقين الذي لا يشوبُه شكٌّ.. فالمعادلةُ مع الموت في غاية الغرابة..

إذ: لَمْ يَخْلُقِ الله يَقِيناً لَا شَكَّ فِيهِ، أَشْبَهَ بِشَكٍّ لَا يَقِينَ فِيهِ مِنَ المَوْتِ! (تحف العقول ص364).

فكلُّ الناس على يقينٍ من الموت، لا يشكُّ أحدٌ منهم أنَّهُ مُلاقيه، لكنَّ جُلَّهم يتصرَّف كأنه شاكٌّ بالموت، غير متيقِّنٍ منه!

إنَّه الجهل.. والشكُّ.. والغفلة.. أجارنا الله منها.. وجعل الموت مأنسنا الذي نأنس به، كما كان إمامنا عليٌّ عليه السلام، وهو القائل: إِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا: جَزِعَ مِنَ المَوْتِ!

هَيْهَاتَ، بَعْدَ اللَّتَيَّا وَالَّتِي، وَالله لَابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ (نهج البلاغة الخطبة 50).

وهكذا يميِّزُ لنا أميرُ المؤمنين عليه السلام بين الحذر من الموت والخوف منه، فإنَّ خوف الموت بنفسه أشدُّ خوفٍ: لَا وَجَعَ أَوْجَعُ لِلْقُلُوبِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَا خَوْفَ أَشَدُّ مِنَ المَوْتِ (الكافي ج‏2 ص275).

لكنَّ المؤمن يحذرُ الموت.. ولا يخافُه.. فعن الصادق عليه السلام: شِيعَتُنَا.. مِنَ المَوْتِ لَا يَجْزَعُون‏ (الكافي ج2 ص239).

وإن خافَ المؤمنُ من الموت، فلأنَّه لا يعرفه حقَّاً، ويغفل عن أنَّه كالغسل الذي يغتسله مَن أصابته القذارة والوَسَخ، فالموت كما يقول الحسن عليه السلام: هُوَ آخِرُ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ تَمْحِيصِ ذُنُوبِكَ، وَتَنْقِيَتِكَ مِنْ سَيِّئَاتِكَ، فَإِذَا أَنْتَ وَرَدْتَ عَلَيْهِ وَجَاوَزْتَهُ فَقَدْ نَجَوْتَ مِنْ كُلِّ غَمٍّ وَهَمٍّ وَأَذًى، وَوَصَلْتَ إِلَى كُلِّ سُرُورٍ وَفَرَحٍ (معاني الأخبار ص290).

وقد يخافُ المؤمن منه عند إقامته على المعصية، كما قال السجَّادُ عليه السلام: إِنَّمَا كُنْتُ أَخَافُ أَنْ لَوْ جَاءَنِي المَوْتُ وَأَنَا عَلَى مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي الله (الكافي ج5 ص74).

فمَن حَذِرَ الموت، وأعدَّ له عُدَّته، علم أنه (خَيْرٌ لَا يَكُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَداً)، فاستبشَرَ به وما خافه.

ومَن لم يكن بهذه المثابة، وأساء الفِعال، وعلم أنَّه (شَرٌّ لَا يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَداً) حقَّ عليه أن يخافه حَتماً.

ومَن خلطَ عملاً صالحاً بآخر سيئاً.. خافَ ذنبه.. وخاف أن يموت على تلك الحال.. فبادَرَ إلى التوبة والرَّجع إلى الله..

وإذا كان الأمرُ بهذه المثابة، وكان العاقلُ حَذِراً من الموت، وجب عليه الاستعداد له.

وقد سئل أمير المؤمنين عليه السلام: (مَا الِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ؟) فقال:

1. أَدَاءُ الفَرَائِضِ.

2. وَاجْتِنَابُ المَحَارِمِ.

3. وَالِاشْتِمَالُ عَلَى المَكَارِمِ.

ثُمَّ لَا يُبَالِي أَ وَقَعَ عَلَى المَوْتِ، أَمْ وَقَعَ المَوْتُ عَلَيْهِ، وَالله مَا يُبَالِي ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَ وَقَعَ عَلَى المَوْتِ أَمْ وَقَعَ المَوْتُ عَلَيْهِ (الأمالي للصدوق ص110).

المعادلةُ بسيطةٌ جدّاً.. من كان يرجو خيراً بعد الموت سعى إليه، وطريقُه هو الطاعة أولاً، ولا تكون إلا بامتثال أمر الله تعالى في الواجبات والمحرَّمات.

أمّا المكارم، فمنها الواجب ومنها ما دون ذلك، ولمّا كان الإنسان مقصِّراً فيها غالباً، كان عليه أن يستعين بما يجبُرُ به نقصه، وهو الاشتمالُ على سائر المكارم، بل المسارعة إليها: وَمَنِ ارْتَقَبَ المَوْتَ سَارَعَ فِي الخَيْرَات‏ (كتاب سليم ج‏2 ص614).

ثمَّ إنَّ لبعض فِعال الخير العبادية أثراً خاصّاً في تخفيف سكرات الموت، كالصوم في آخر شهر رجب.. وقراءة سورة الزلزلة في النوافل..

وكذا لبعض فعال الخير الأُسَرِيَّة والاجتماعية.. كصلة القرابة، وبرِّ الوالدين، وكسوة المؤمن.

وأعظم من كلّ ذلك، التمسُّك بالعصمة الكبرى.. محمدٍ وآله عليهم السلام، حينها: يَسُلُّ (ملك الموت) نَفْسَهُ سَلًّا رَفِيقاً..

ثم يقال له: نَمْ نَوْمَةَ العَرُوسِ عَلَى فِرَاشِهَا (الكافي ج‏3 ص131).

ثبَّتنا الله على ولايتهم.. وجعل ميتتنا خير ميتة.

والحمد لله رب العالمين

الأحد، اليوم الرابع من شهر رمضان المبارك 1444 هـ، الموافق 26-3-2023م

بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2023/05/22  | |  القرّاء : 1588



للإنضمام إلى قناة العلم والإيمان (أنقر على الرمز الخاص) ->
| تلغرام | واتساب | يوتيوب | فيسبوك | انستغرام |


كتابة تعليق لموضوع : 235. لا غائبَ.. أقرَبُ منَ الموت!
الإسم * :
الدولة * :
بريدك الالكتروني * :
عنوان التعليق * :
نص التعليق * :
 

تصميم، برمجة وإستضافة :
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net