بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا لا أكون ملحداً؟!
هذا سؤالٌ بسيطٌ جداً، وجوابه عند الموحِّدِين سَهلٌ يسيرٌ.
إنَّ الإلحاد بمعناه المعروف هو الجحود، فقولنا (فلانٌ ملحِدٌ) يعني أنَّه (جاحدٌ ومنكرٌ لوجود الله)، أي أنه (يعتقد) أنَّ الله تعالى ليس موجوداً.
نبدأ الحديث مع هؤلاء بسؤالٍ بسيط:
أنتم تقولون: (الله ليس موجوداً)، فهل عندكم دليلٌ على نفي وجود الله؟!
يواجه الملحدون سيَّما المعاصرون مشكلةً عويصةً في إثبات عقيدتهم، فإنهم إذا ما راموا نفي وجود الله سبحانه وتعالى لزمهم إقامة الدليل، والدليل مفقودٌ.
لو أردتُ أن أنفي وجود أحدٍ في مكانٍ، فلا بدّ أن أكون محيطاً به، عالماً بكلِّ ما فيه، وأن أمتلك من الحواس والأدوات ما يُمَكِّنُنِي من هذه الإحاطة ويتناسب معها، من ثمَّ أنفي وجود أيِّ شخصٍ لا أعثر عليه فيه.
ولكن.. هل يمكن أن أنفي وجود الهواء لأني لا أراه ببصري؟! أم أنني أحتاج إلى أداة خاصة لذلك؟!
يعلمُ الملحدُ أنَّ المؤمنين يعتقدون أنَّ الله تعالى لا يُرى بالحواس، ولا تحيط بذاته، يستوي في ذلك البصر والسمع واللمس والشم وأمثالها من الأدوات، فكلها لا تحيط بالله عز وجل كما نعتقد.
فإن أراد أن ينفي وجود الإله الذي نعتقد به ينبغي أن يبحث عن أداة يتمكن فيها من الإحاطة بالله تعالى (إن كان له كيفٌ)، ثم ينفي وجوده، وهذا مستحيلٌ باعتقادنا.
وقد أورثت هذه المسألة عندهم معضلةً كبيرة، لأنَّ القاعدة العقلية التي أشار إليها الإمام المعصوم تقول: وَهَلْ يَجْحَدُ العَاقِلُ مَا لَا يَعْرِفُ؟!
لقد وقع الملحدون في مشكلة الجحود لما لا يعلمون، فمن جحد ما لا يعلم خالف العقل حتى كأنَّه ليس من أهله!
لذا فرَّ أكثرهم اليوم من الجحود، وأقروا بعجزهم عن نفي وجود الله تعالى، وقالوا: نحن لا نجحد ولا ننكر وجود الله.. لكنَّنا لا نعلم إن كان موجوداً!
من هنا برز التفسير الثاني للإلحاد، ومعناه الجهل، فيصير الملحدُ (لا أدرياً)، أي أنه يُقِرُّ بجهله بالنسبة لوجود الله وعدم وجوده..
من ثمَّ ابتلي اللا أدريُّ بمشكلتين:
المشكلة الأولى: أنَّه في أحسن أحواله ظانٌّ، يظنُّ أن الله تعالى غير موجود، ولا يقدر على نفي وجوده.. والظَّنُّ عَجْزٌ لِمَا لَا تَسْتَيْقِنُ! كما عن المعصوم عليه السلام.
فإنَّ هؤلاء في إقامتهم على الظنِّ يقرّون بعجزهم عن الإثبات والنفي، فكيف يكون العاجزُ أفضل من القادر؟!
إن كان هؤلاء من أهل الظنّ في مثل هذه المسألة فليسوا من أهل العلم إذاً، ولا من أهل التحقيق والمعرفة.
المشكلة الثانية: أنَّه جاهلٌ..
ولَيْسَ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ، وَلَا حُجَّةَ لِلْجَاهِلِ!
نحن نَدَّعِي أن عندنا علمٌ بوجود الله سبحانه وتعالى، وهؤلاء يقرُّون بجَهلهم، فبأيّ ميزانٍ ومعيارٍ يحتجُّ الجاهلُ على العالم؟!
هل هكذا تثبتون دينكم ومذهبكم أيها الملحدون؟!
إنَّه دينٌ قائمٌ على الجحود دون دليل! أو الظن وهو عجزٌ! أو الجهل وهو ضعفٌ!
فيصيرُ دينُ الإلحاد دينَ الجهل والجُهَلاء!
من ثمَّ ابتلي الملحدون جميعاً بالعمى، وقد صوَّرَ لنا حالَهم الإمامُ المعصوم عليه السلام، حين شَبَّههم بالعميان الذين دخلوا داراً، فقال عليه السلام:
فَهُمْ فِي ضَلَالِهِمْ وَغَيِّهِمْ وَتَجَبُّرِهِمْ بِمَنْزِلَةِ عُمْيَانٍ، دَخَلُوا دَاراً قَدْ بُنِيَتْ أَتْقَنَ بِنَاءٍ وَأَحْسَنَهُ.. فَجَعَلُوا يَتَرَدَّدُونَ فِيهَا.. مَحْجُوبَةً أَبْصَارُهُمْ عَنْهَا، لَا يُبْصِرُونَ بُنْيَةَ الدَّارِ وَمَا أُعِدَّ فِيهَا..
وَرُبَّمَا عَثَرَ بَعْضُهُمْ بِالشَّيْءِ الَّذِي قَدْ وُضِعَ مَوْضِعُهُ وَأُعِدَّ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ جَاهِلٌ لِلْمَعْنَى فِيهِ وَلِمَا أُعِدَّ وَلِمَاذَا جُعِلَ كَذَلِكَ، فَتَذَمَّرَ وَتَسَخَّطَ وَذَمَّ الدَّارَ وَبَانِيَهَا! (توحيد المفضل ص45).
لو دخل شخصٌ إلى غرفةٍ وأغمض عينيه فتعثَّرَ بكُرسيٍّ فيها كانت قد أُعدَّت للجلوس عليها كان مَلوماً.. ولو ذمَّ الدَّار وبانيها كان فعله قبيحاً..
وفعلُ الملحدين أقبح منه.. فقد مُلئت الدُّنيا بما خلقه الله تعالى لصلاحهم، لكنَّهم ما أبصروا ذلك.. ولا عرفوا الباني.. ولا أقروا له بالعظمة..
فهم بمثابة العميان الذين ما رأوا الله سبحانه وتعالى مع عظمة آثاره، فكيف يحتج الأعمى على البصير؟!
وكيف يُطلبُ منَّا أن نستبدل ما عندنا من علمٍ بما عندهم من جهل؟!
هل الله موجودٌ حقاً؟!
قد يُقال:
إنَّ ما ذهبتم إليه مع الملحدين مصادرةٌ..
فمن أين أثبتُّم وجود الله سبحانه وتعالى؟! حتى يصحَّ أن تكونوا من أهل العلم في مقابل جهل الملحدين؟!
والجواب على ذلك بسيطٌ جداً.. تختصره أسئلةٌ ثلاثة، يعرِفها أطفالنا قبل الكِبار، لكنَّ تكرارها يُعمِّق الفكرة ويزيدها جلاءً.
السؤال الأول: هل أنت موجود؟!
نسأل المُلحد: أيها المُلحد، هل أنت موجودٌ؟! أم لست بموجود؟!
ليس هذا السؤال مدعاة للتعجُّب.. فإنَّ من النّاس من ذهب مذهب السفسطة فقال: (ليس لي وجودٌ حقّاً!)، بل ليس لهذا الكون بأسره وجودٌ حقيقيّ!
ولعلَّنا نعيشُ في (شاشة) عالم آخر! ونَظهَرُ كصورٍ لعوالم مختلفة دون أن يكون لنا وجودٌ حقيقي!
إنَّ العقلاء في هذه الدُّنيا يُلحِقُون هذا المتكلِّم بسلك المجانين! فهذا الحديث يخالف الوجدان، ولو سلبتَ من أحد هؤلاء الرِّجال ماله وبيته، وظَلَمتَه وضربته وقهرت نساءه وعياله، يسارع للدفاع عن نفسه ويستنكر عليك فعلك؟!
فكيف يستنكر ويدافع عن نفسه لو لم يكن وجوده حقيقياً؟!
وهكذا نجد أن الجواب الطبيعي لهذا السؤال: نعم أنا موجود..
والخلاصة: أنك إن قلت لا، لستُ موجوداً.. فلا كلام لنا معك، لأنك لست من العقلاء، وكلامك سفسطة يكذبها الوجدان.. فإنك لا تقبل أن يعتدي عليك أحد ويظلمك ويسلبك دارك وأهلك.. ولو لم تكن موجوداً لما منع مانعٌ من ذلك ولما كان قبيحاً.
فننتقل للسؤال الثاني.
السؤال الثاني: هل أوجدت نفسك؟!
هذا السؤال عجيبٌ كسابقه، إذ كيف يمكن أن يوجد المعدوم نفسه؟! الذي يوجِدُ ينبغي أن يكون موجوداً من قبل.. ومَن كان موجوداً من قبل لم يكن بإمكانه أن يوجد نفسه لأنها موجودة فعلاً..
الجواب البديهي والعقلائي الوحيد إذاً: كلا لم أوجِد نفسي، بل لا يُعقَل أن أوجِد نفسي بحالٍ من الأحوال.
وإن قلت نعم.. كَذَّبَكَ العقل والمنطق، والوجدان والبرهان.
السؤال الثالث: من الذي خلقك؟!
إن كنتَ موجوداً بعد العدم.. ولم تكن قد أوجدت نفسك.. فلا بد إذاً أنَّ هناك من أوجدك، وليس هناك احتمالٌ آخر.
فمَن لم يوجد نفسه (ولا يمكن لأحدٍ أن يوجد نفسه)، وكان وجوده مسبوقاً بالعدم، ثَبَتَ أنَّ غيره أوجده.
هكذا يثبت وجود الله تعالى، فهذا الموجِدُ هو الله!
وأنت أيُّها الملحد إن كنت تعرف أنه الله.. فقد ثبت المطلوب.
وإن لم تكن تعرفه، فالذي تجهل أنَّه خلقك.. هو ذلك الإله العظيم القادر على كلّ شيء.. هو الذي خلقك فصِرتَ بَعدَ أن لم تكن.
قد يقال:
هناك كائنٌ أقوى مني أوجدني.. ولا يلزم أن يكون هو الله!
نقول:
ننقل السؤال إلى ذلك الكائن، حتى نصل إلى كائنٍ لم يوجده أحدٌ، وهو الله تعالى. ولولا ذلك لزم التسلسل، وهو باطلٌ بلا شك..
وكلُّ موجودٍ إمّا أن لا يكون مسبوقاً بالعدم.. فهو الله تعالى.. وهو الغنيُّ الحميد.
وإمَّا أن يكون مسبوقاً بالعدم.. فلا بدَّ أنَّ هناك مَن نَقَلَهُ من العدم إلى الوجود.. وإلا لزم اجتماع المتناقضين: من حيثُ أنّه موجودٌ فعلاً، ولمّا لم يكن قد أوجد نفسه، ولا أوجده غيره، فينبغي ألا يكون موجوداً فعلاً.. حال كونه موجوداً!
فيجتمع عندهم الوجود والعدمُ معاً!
وكُلُّ من قال بإمكان اجتماع المتناقضين قد سَخَّفَ رأيَه وعقلَه!
وكلُّ من أقرَّ بوجوده لا بد أن يقرّ بوجود الله سبحانه وتعالى.
نعم قد تلتبس عليه الأمور، ويقع في شبهة، ويغفل عن الاستدلال على وجود الله سبحانه وتعالى، فإذا نُبِّه إلى هذه الأمور والتزم بما يرشده إليه العقل لا بدَّ أن يصل إلى حقيقة وجود الله سبحانه وتعالى.
لذا لمّا يتحدث الإمام الرضا عليه السلام عن الدليل على وجود الله تعالى يتحدث عن هذا البنيان، فيقول:
إِنِّي لمَّا نَظَرْتُ إِلَى جَسَدِي فَلَمْ يُمْكِنِّي فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ فِي العَرْضِ وَالطُّولِ.. عَلِمْتُ أَنَّ لِهَذَا البُنْيَانِ بَانِياً فَأَقْرَرْتُ بِهِ (الكافي ج1 ص78).
أنا لا أتمكن من أن أجعل طولَ يدِي ثلاثة أمتار، ولا أن أزيد من حجم عيني، أنا لستُ قادراً على أن أفعل بنفسي ما شئت، ولستُ البانيَ لنفسي.
وأهلي كذلك ليسوا هم البناة، فهم لا يقدرون على اختيار الذَّكَر من الأنثى، ولا على اختيار شكل الجنين والمولود، ولا يقدرون على نفعه وضرّه إلا بمقدارٍ يسير أقدرهم عليه الخالق.
لما نظرت إلى هذا البنيان علمت أنَّ له بانياً.. كلمتان صغيرتان.. بديعتان.. كافيتان لإثبات وجود الله تعالى.
إذا سقطت قطرةُ ماءٍ من سقفٍ إلى أرضٍ، نجزمُ أنَّ لذلك سبباً، فلا نقبل ولا نتعقَّل سقوطها دون سبب، ثم يريد منَّا الملحدون أن نتعقَّل حدوث الكون بلا سبب! ولا موجِد!
فكيف يستقيم هذا مع حكم العقل؟!
وإلى جنب من يكون العقل؟! في صف المؤمنين أم في صف الجاحدين والمنكرين لوجود الله سبحانه وتعالى؟!
لا ريب أنَّ العقل يقف إلى جانب الموحدين، وأنَّ غير المؤمنين بوجود الله سبحانه وتعالى قد نبذوا العقل جانباً.
فإن قال قائل:
يمكن أن نستدلَّ على الإلحاد بنظريتين: الانفجار العظيم، والتطور والارتقاء.
النظرية الأولى: الإنفجار العظيم
أو الانفجار الكوني الكبير..
إنَّ هذا الكون لم يوجد منذ وُجِدَ بالصورة التي هو عليها اليوم، الكون لم يكن فكان، لكنَّ كينونته كانت عبر انفجارٍ كبيرٍ.. كانت هناك جسيماتٌ صغيرة جداً لها صفات خاصة، تتمتع بدرجة حرارة مرتفعة جداً، وصلت إلى مرحلةٍ حصل فيها انفجار.. إما بالمعنى الذي نعهده.. أو بمعنى التمدُّد والتباعد بين هذه الذرَّات أو الجسيمات.
لا نريد أن نناقش في أصل هذه النظرية، وفي حصول الانفجار فعلاً قبل أكثر من 13 مليار سنة أو عدمه، ولكننا نقول:
على فرض حصول الانفجار العظيم، وأنَّ الكون قد بُنِيَ بناءً على هذا الانفجار، فهل في ذلك نفيٌ لوجود الله سبحانه وتعالى؟!
لو قلنا أنَّ الكون نتج عن انفجارٍ مادَّةٍ أو جزيئات أو ذرَّات.. فالسؤال:
من أوجد هذه المادة؟! هل يعقل أن تكون بلا موجدٍ؟! نحن لا نقبل أن تتكوَّن قطرة ماءٍ بلا مُكَوِّن..
فكيف توجد مادَّةٌ ينبثق عنها هذا الكون العظيم مع ما فيه من دقَّة وعظمة دون موجدٍ؟!
فيرجع البحث إلى محله.. ويثبت بوجودها وجود الإله..
ثم نقول: لمّا وصلت هذه الجزيئات إلى درجة حرارة معينة فحصل الانفجار، وتَكَوَّنَ هذا النظام البديع، المليء بالقوانين التي لا تزال تثير تعجُّب العلماء في الفلك والفيزياء والذرَّة وغيرها.. كشفَ ذلك عن وجودٍ قانونٍ أدى إلى تولُّدِ الكون عند وصول الحرارة إلى تلك الدرجة.. ينصُّ القانون على أنَّه لو وصلت درجة الحرارة إلى الرقم الفلاني سيحصل انفجارٌ.. وسيكون الناتج على الشكل الفلاني وهكذا..
والسؤال:
من الذي أوجد هذا القانون؟
هذا يرجعنا إلى النقطة السابقة، والحُكمُ لنا فيها.. فلا بدَّ من موجدٍ لهذا القانون، وهو ما يؤكده العقل..
وصفوة القول: أنَّ نظرية الانفجار العظيم على فرض ثبوتها لا تدعم نظرية الإلحاد، وليس فيها دليلٌ على نفي وجود الله بحالٍ من الأحوال، بل هي على وجوده أدلّ، وكلُّ ما سوى ذلك وهمٌ في وهمٍ، وسرابٌ في سراب.
النظرية الثانية: التطوُّر والارتقاء
قد يقال بأنَّ نظرية التطور والارتقاء التي أتحفنا بها داروين تدلّ على الإلحاد! بتقريب أنَّه كانت هناك خليَّة واحدةٌ حصل منها التكاثر دون الحاجة لتدخُّل إله.
والجواب:
إنَّ هذه النظرية تقول بأنَّ أصل الكائنات الحيَّة كان من خليَّةٍ واحدةٍ بسيطة، بدأت تتطوَّر وتنمو وتتكاثر، ومع مرور الوقت صارت تُكَيِّفُ نفسها بحسب الحاجة، فتولَّدَ منها كائناتٌ مائية وأخرى برمائية وكائنات برية..
وصار بعضها يصعد على الشجر، وبعضها يطير، وبعضها ينمو له ذَنَب، وبعضها ينمو له ريش، كلٌّ بحسب حاجته!
وبناءً على هذه النظرية، فإنَّ أجدادنا كانوا أسماكاً تسبح في البحيرة! ثم حيوانات برمائية! ثم بريَّة! إلى أن وصل الأمر إلى القِرَدَة بأصنافها المختلفة.. وكان جدُّنا الأقرب هو أحد أصناف القِرَدَة!
نقول.. إنَّ هذه النظرية لم تثبت صِحَّتُها علميَّاً، ولا أقرَّتها الأديان السماوية، بل خالفتها ولم تقبل بها.
ولكن المهم هو الحديث عن الخليَّة الأولى، فإنَّنا نسأل داروين فنقول:
هل نظريتك عن التطور والارتقاء تشمل وجود الخلية الأولى؟! فتزعم النظريَّة أن الخلية الأولى وجدت دون موجد؟!
يقول داروين: نظريتي ساكتة عن ذلك! نظريتي لا تتحدث عن كيفية وجود الخلية الأولى!
نقول: هل تنكر وجود الله يا داروين؟!
يجيب: أنا لا أدري! أنا لا أعلم هل أن الله موجود أو ليس بموجود! (وقد تعرَّضنا لكلماته في كتاب الإلحاد في مهبّ الريح فليراجع).
نظرية داروين بنفسها إذاً لا تدعم الإلحاد، فصاحبها لا يعلم مَن أوجد الخلية الأولى.
وهكذا كيفما قَلَّبتَ الأمر مع الملحدين ظهراً لبطنٍ وجدتهم من أهل المغالطة، ومخالفة أحكام العقل.
نعم نحن المسلمون نناقش في نظريَّة التطور والارتقاء لأنها غير ثابتةٍ، وتفتقر إلى الدليل، ولأنَّها مخالفةٌ للكتب السماوية، ففي التوراة والإنجيل والقرآن الكريم نصوصٌ تنافي هذه النظرية.
نحن نعتقد أنَّ الله تعالى قد أوجد آدم من غير أبٍ وأمّ، لا من قِردٍ وقردة!
ولئن كان بعض النصارى وآباؤهم في القرنين الأخيرين قد أقرُّوا بثبوت هذه النظرية، أو قالوا أنها لا تنافي دينهم، فإنهم ما فهموا العهدين، وفيهما نصوصٌ تدل على بطلان هذه النظرية.
عودٌ على بدء
ههنا كلمةٌ أخيرةٌ مع الملحدين..
أيها الملحدون، إنَّ الذي يجمع بيننا وبينكم هو العقل، وهو الذي يتميز به الإنسان عمَّن سواه..
لذا.. نطلب منكم برهاناً عقلياً على عدم وجود الله سبحانه وتعالى كي ننظر فيه.
فإن كان جوابكم: ليس لدينا برهانٌ عقليٌّ، وليس عندنا دليلٌ على ذلك.
قلنا: لماذا إذاً تنكرون وجوده..
تكشف خبايا كلماتهم عن أمرٍ دفينٍ في نفوسهم، حين يقولون: نحن لا نحب العيش في كونٍ فيه إله!
نحن نميل إلى الحياة في كونٍ لا إله فيه!
إنَّ هذا الميل لا يكشف حقيقة الأمر وواقعه، فلو جلستُ في غرفة ونفيتُ وجود السماء فوقها هل ينتفي وجودُ السماء فعلاً؟
إذا كرهتُ سقوط المطر هل يتوقف عن التساقط؟!
نقول لهم:
هاتوا لنا نموذجاً واحداً على وجه البسيطة وُجِدَ فيه مُسَبَّبٌ دون سببٍ! نريدُ مثالاً واحداً كي نقبل مذهبكم، ويستقيم على وزان عقلنا.
هاتوا لنا أنموذجاً واحداً لخليةٍ واحدةٍ أوجدتموها في المختبر لا من شيء! بل وُجدَت وحدها دون موجِد!
ولئن كانت الشبهة حاكمةً على بعض الملحدين، فصاروا بمثابة العميان، فليس لهم أن يطلبوا منا إغماض العينين، وليس لنا الاستجابة لهم.
وها نحنُ نقفُ معهم لنعينهم على رفع الشبهة وإزالة الغشاوة عن العينين.
نحن المؤمنون نعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد أودع فينا وفي غيرنا قدرة البصر، فحمدنا الله على ذلك، ورأينا بها آيات الله ومخلوقاته، فأرشدتنا إلى وجوده تعالى وعظمته.
كلٌّ منّا كان صغيراً ثمَّ نمى، وكان جاهلاً فتعلَّم، وهذه بنفسها معجزاتٌ عظيمةٌ جداً..
لو نظرنا إلى الطفل كيف يبدأ بالنموّ، ويحرك يديه ورجليه وعينيه، وكيف ينمو ذهنُه، وكيف تقوى قدراته، لتعجَّبنا من عظمة الإله.. لكنَّنَا اعتدنا على ذلك، فما عدنا نرى في نموّ الطفل معجزةً، ولا في نموّ النبتة معجزةً، ولا في طلوع الشمس من المشرق وغروبها من المغرب معجزةً، ولا في شيء مما خلق الله معجزةً، مع أنَّه كلُّه معجزٌ يعجز كلُّ الخلق عن الاتيان بمثله بل ببعضه.
نعم.. في كل شيءٍ آيةٌ تدلّ على أنه واحدٌ..
نعم.. كلُّ شيءٍ يدل على وجود الله..
لكن الملحدون قومٌ عميان، أجارنا الله من عماهم، وهدى طلاب الحق منهم بحق محمد وآل محمد عليهم السلام.
والحمد لله رب العالمين.
الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1445 هـ، الموافق 21 – 11 – 2023 م