بسم الله الرحمن الرحيم
مجالسُ العزاء.. تَرَفٌ وفُضُول!
مجالسُ العزاء.. جَهلٌ وتَخَلُّف!
1400 عام من مجالس النَّوح والبكاء، ولا زلنا أمَّةً متخلِّفَةً جاهلةً متعصِّبةً عاصيةً لله !
إذاً مفاعيل المجالس تساوي صِفراً ! لذا كُفُّوا عن التمثيل ! فالسِّتَارةُ قد أُسدِلَت !!
هكذا يَتَرَنَّمُ بعضُ الجهلة في عاشوراء..
إنَّها أبواقُ الجهل وأنغامُه، تُعزَفُ على إيقاعٍ من السُخرية والتهكُّم على المؤمنين جيلاً بعد جيل.
ولكنَّ لدى المؤمنين الكثير من الإجابات، يَبُثُّونَ بَعضَها، قبل أن يديروا الأذن الصمّاء لهؤلاء !
أولاً: هل لكم ثأثرٌ مع الحسين ؟!
لماذا يُلقي بعضُنا كلَّ مصيبةٍ فينا وفي مجتمعنا وأمّتنا على عزاء الحسين عليه السلام؟!
وهَل كان العزاءُ سببَ الجهل والنَّقصِ والتخلُّف ؟! أم أنَّ التقصير فيه وفي سائر الشعائر والطاعات هو سَبَبُ المصائب ؟!
هَل لنا ثأرٌ مع الحسين عليه السلام ؟! أم أنّ ثأرنا مع أعدائه وظالميه؟!
لماذا لا يَدَعُ أصحابُ الأبواق مآتم الحسين عليه السلام وشأنها ؟!
اتركوا مجالس العزاء والبكاء كما هي، ولا تُلقُوا زوراً كلَّ نَقصٍ وعَيبٍ وتقصيرٍ في المجتمع على هذه المآتم، فهي التي تغسل أدرانكم إن حضرتم فيها، وتطّهركم بعدما لوّثتكم المعاصي.
إنَّ مجالس الحُسين تُزَكّي النفوس وتُطَهِّرُها، وكُلَّما تَلوَّثَت نفوسُنا دعوناها الى الحسين مجدداً، ولم نزجرها ونمنعها عن القدوم اليه.
وحال أصحاب الأبواق.. كمَن رأى رجلاً يُلَطِّخُ نفسه بالطين، ثم يدخل الى المغتسل ليخرج نظيفاً مرةً بعد أخرى.. فنهاه عن الدُّخول الى المغتسل، بدلاً من أن ينهاه عن أن يُلَطِّخ نفسه!
فهل في المغتسل عَيبٌ ونَقصٌ؟! أم أنّ المشكلة في تلطيخ البدن بالطين؟
فكيف يصير مجلسُ العزاء والبكاء وهو مغتَسَلُ الذنوب مسؤولاً عن كلّ ذَنبٍ وعَيب؟! تلك إذاً قسمة ضيزى.
بل هذا جَهلٌ وغباء، لأنّه يعني التخلي عن الفضائل ومواطن القوة، لوجود بعض الرذائل ومواطن الضعف عند صاحبها.
أنقول: أيها المؤمنون عليكم بمجالس الحسين، أكثروا منها وارتقوا بأنفسكم وأخلصوا لله عند مشاركتكم فيها، وتوسلوا الى الله تعالى كي يأخذ بيدكم الى الكمال ؟
أم نقول: اقطعوا عن المؤمنين عين الحياة وماءها وسلسبيلها !!
وهذا نظيرُ من أصيبَ بِمَرضٍ خطير يكاد يودي به الى الموت، يحتاجُ الى أدويةٍ ليتماثل للشفاء..
فهَل نَحرِمُه من كلّ دواءٍ إن لم نتمكّن من تقديمها كلَّها له ؟!
هكذا حال العاصي، الذي يشارك في مجالس الحسين، كمَن أعرَضَ عن استعمال بعض أصناف الدواء، فهَل نمنع عنه كل دواءٍ حتى ما كان يحافظ له على حياته ؟
أما سمعتم ما روي عن النبي (ص): أَنَّ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يُصَلِّي الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ الله (ص) وَيَرْتَكِبُ الفَوَاحِشَ.
فَوُصِفَ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله (ص) فَقَال: إِنَّ صَلَاتَهُ تَنْهَاهُ يَوْماً مَا.
فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ تَاب.
وهكذا المؤمن الذي يعرفُ ال محمد، تنهاه معرفته بهم عن المعاصي يوماً فيتوب الى الله تعالى، ويأخذُ حبُّهم بمجامع قلبه الى الله تعالى، كيف لا وقد أطاعه في أحبِّ الأشياء اليه: لمّا اعتقد به تعالى وبرسوله وبوليه الإمام عليه السلام.
ثانياً: هل تريدون نَصرَ إبليس ؟!
أصحابُ هذه الأبواق إمّا حمقى، وإما لهم ثأرٌ مع الحسين، وإما أنهم أنصارُ إبليس!
فإن كانوا حمقى.. والأحمق يريد أن ينفعك فيضرُّك.. أرشدناهم وأعنّاهم على بلوغ طريق الحسين.. إن كانَ فيهم مِن خيرٍ يُرتجى.
وإن كان لهم ثأرٌ مع الحسين.. فهؤلاء أعداؤنا وأعداء الحسين عليه السلام.
وإن كانوا لإبليس جنوداً وأعواناً.. فليس هناك من سبيلٍ ينهجونَه كمنهج التشكيك.. وقد قال لهم إبليسُ يوماً عن ال محمد (ص):
فَاجْعَلُوا شُغُلَكُمْ بِتَشْكِيكِ النَّاسِ فِيهِمْ، وَحَمْلِهِمْ عَلَى عَدَاوَتِهِمْ، وَإِغْرَائِهِم بِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ، حَتَّى تَسْتَحْكِمُوا ضَلَالةَ الخَلْقِ وَكُفْرَهُم (كامل الزيارات ص266).
فَمَن كان بالله مؤمناً وَجَبَ عليه الحذر مِن هؤلاء، ومِن غضب الله تعالى على مَن يُصافيهِم ويَوَدُّهم ويُداهِنُهم.
إنّ ذِكرَ الحسين يرفع البلاء، فلا ينبغي للعاقل أن يشكِّكَ في أمر الحسين، فيصير سبباً لنزول بلاءٍ ليس له من رافع.
فما بال بعض الناس تركوا كلَّ رذيلةٍ في الدنيا وسكتُّوا عنها وضاقت في عيونهم مجالس الحسين؟!
لعلَّه الحَسَد! وما أدراك ما الحَسَد!
ثالثاً: قل موتوا بغيظكم !
إنَّ مَثَلَ هؤلاء كمَن قال عنهم تعالى: ﴿وَإِذا لَقُوكُمْ قالوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنامِلَ مِنَ الغَيْظِ﴾.
فمَن اغتاظ من إحياء أمرِ الحسين عليه السلام، ما كان جوابُه الا قول الله تعالى:
﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ الله عَليمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ (ال عمران119).
ونحن ندعو عليهم بأن يموتوا بغيظهم.
ولا يسوؤنا أن يكون غيظُهم بسببنا، بل يَسُرُّنا ذلك، بحيثُ نتشرَّفُ أن نكون مِن مصاديق مَن دعا لهم الإمام الصادق عليه السلام، حينما وصف زوار الحسين عليه السلام بأنهم:
أَنْفَقُوا أَمْوَالهُمْ، وَأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ:
1. رَغْبَةً فِي بِرِّنَا.
2. وَرَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا.
3. وَسُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ.
4. وَإِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا.
5. وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا، أَرَادُوا بِذَلِكَ رِضَاكَ ! (كامل الزيارات ص116).
أمرٌ في غاية العَجَب.. رضا الله في إدخال الغيظ على أعدائه!
فلتَنعَقِ الأبواق، وليَمُت أصحابُها من الغيظ.
إنَّ المؤمنين مجيبون لأمر ال محمدٍ في يومنا هذا وفي كلِّ يوم.
يُقتَلُ الشيعةُ في بعض بلاد الله اليوم لحبِّهم ال محمد وإحياء أمرهم، فتَتَلَّقَاهُمُ الملائكة الى جنان الرحمن، وجوارِ عليٍّ والحسين.
ويموت قاتلوهم غيظاً وغَضَباً بعدماً امتلؤوا حِقداً وحَسَداً، ولمّا تأتيهم الساعة يتلقَّاهم خَزَنَةُ النيران، فالى جهنم وبئس المصير.
اللهمَّ إِنَّ أَعْدَاءَنَا عَابُوا عَلَيْهِمْ بِخُرُوجِهِمْ، فَلَمْ يَنْهَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الشُّخُوصِ اليْنَا، خِلَافاً مِنْهُمْ عَلَى مَنْ خَالفَنَا.
لقد جهل هؤلاء أنَّ المؤمن لا يكترثُ لما يعيبونه عليه، بل يَتَعَمَّدُ مخالفَتَهم طاعةً لله تعالى، وإرضاءً له عزّ وجل، فإنّ المؤمنَ: أَصْلَبُ مِنَ الجَبَلِ، الجَبَلُ يُسْتَقَلُّ مِنْهُ، وَالمُؤْمِنُ لَا يُسْتَقَلُّ مِنْ دِينِهِ شَيْءٌ (الكافي ج2 ص241).
اللهم اجعلنا من هؤلاء، وأدخِل بنا السرور على نبيِّك واله، وارض عنّا بمحمدٍ واله، واحشرنا مع الحسين وعترته الطاهرين.
والحمد لله رب العالمين.
الجمعة 4 محرم 1443 هـ
13 – 8 – 2021 م