بسم الله الرحمن الرحيم
﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ الله وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ (البقرة253).
إنَّ التفاضل بين الأنبياء ليس بحثاً تَرَفيّاً غير ذي جدوى.. وقد تحدَّثَ عنه ربُّنا عزّ وجل في هذه الآية من كتابه المُعجِز.. وفاضَلَ بين رُسُله فيها.
ولئن كان التفاضل بين الرُّسُل تفاضلاً بين الرِّجال حصراً، إذ ليس بين الرسل أيُّ امرأة، فإنَّ التفاضل قد وقع بين الكُمَّل من النساء كما الرجال..
وفي أيام الزهراء عليها السلام نتساءل:
ما هي النسبة بينها وبين سائر النساء؟!
وبينها وبين الرجال؟!
1. الزهراء والنساء
لقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ أَرْبَعٌ:
خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ (الخصال ج1 ص206).
أما خديجة عليها السلام: فهي امرأةٌ عظيمةٌ جداً بين النساء، كان لها دورٌ كبيرٌ مع خاتم الأنبياء محمدٍ صلى الله عليه وآله، حيث قدمت له ولدينه الشريف ما لم تقدم امرأةٌ أخرى، فعظَّمَ الله أمرها وذِكرَها، وجعلها عظيمةً من عظيمات الجنة.
وأما ابنتها فاطمة عليها السلام.. فقد كان لها خصوصية تفوَّقت بها على كل نساء العالمين.
وأما مريم عليها السلام.. فهي التي بلغت عظمتها حَدَّاً جُعِلَت معه وابنها إلهين! فبرَّأها الله تعالى من ذلك.. وهي المرأة الوحيدة من بين كلِّ نساء الدُّنيا التي أنجبت بلا رجل!
وأمَّا آسية.. فقد ورد عن لسان السيدة الجليلة فاطمة بنت أسد عليها السلام أنَّها: عَبَدَتِ الله سِرّاً فِي مَوْضِعٍ لَا يُحَبُّ أَنْ يُعْبَدَ الله فِيهِ إِلَّا اضْطِرَاراً!
هذا حال هذه النسوة الأربعة..
على أنَّ هناك أخرياتٍ قد بلغن الكمال.. منهنّ فاطمة بنت أسد نفسها.. التي نقلت المديح والثناء على آسية..
هي التي خاطبت الناس لما خرجت من الكعبة وبيدها وليدُها.. فقالت: مَعَاشِرَ النَّاسِ، إِنَّ الله (عَزَّ وَجَلَّ) اخْتَارَنِي مِنْ خَلْقِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى المُخْتَارَاتِ مِمَّنْ مَضَى قَبْلِي!
وَقَدِ اخْتَارَ الله آسِيَةَ بِنْتَ مُزَاحِمٍ.. وَمَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ.. وَإِنَّ الله (تَعَالَى) اخْتَارَنِي وَفَضَّلَنِي عَلَيْهِمَا، وَعَلَى كُلِّ مَنْ مَضَى قَبْلِي مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ! (الأمالي للطوسي ص707).
هذه المرأة مجهولة القدر.. مظلومةٌ كأمِّ النبي صلى الله عليه وآله.. آمنة بنت وهب.. التي اتهموها بالكفر وهي عظيمةٌ عند الله..
وهكذا تكاملت نساءٌ أخريات.. مَن نعيشُ في ضيافتها.. فاطمة المعصومة.. شفيعة الشيعة.. وزينب بنت عليٍّ ناعية الحسين.. وغيرهنّ من الطاهرات..
لكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله يقول لعليٍّ عليه السلام في الزهراء:
هَذِهِ وَالله سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، هَذِهِ وَالله مَرْيَمُ الْكُبْرَى.
فصارت أكملهن وأفضلهن وأقربهن لله تعالى.. دون منازع..
2. الزهراء والرجال
ولكن..
ما هي النسبة بين الزهراء.. وبين سائر الرِّجال؟!
ينبغي أولاً أن نتعرَّفَ قليلاً على الأعاظم من الرُّسُل.. كي نعرف النسبة بينهم وبينها عليها السلام..
لقد ورد في الحديث الشريف عن الصادق عليه السلام:
1. إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أُعْطِيَ (حَرْفَيْنِ) وَكَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا.
2. وَأُعْطِيَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ (أَرْبَعَةَ أَحْرُفٍ).
3. وَأُعْطِيَ إِبْرَاهِيمُ (ثَمَانِيَةَ أَحْرُفٍ).
4. وَأُعْطِيَ نُوحٌ (خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً).
5. وَأُعْطِيَ آدَمُ (خَمْسَةً وَعشرون [عِشْرِينَ] حَرْفاً).
وَإِنَّهُ جَمَعَ الله ذَلِكَ لِمُحَمَّدٍ (ص) وَأَهْلِ بَيْتِهِ!
وَإِنَّ اسْمَ الله الْأَعْظَمَ (ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ حَرْفاً)، أَعْطَى الله مُحَمَّداً (ص) اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ حَرْفاً، وَحَجَبَ عَنْهُ حَرْفاً وَاحِداً (بصائر الدرجات ج1 ص208).
لقد كان إحياء الموتى وشفاء المرضى بحرفين فقط أو بعض هذين الحرفين! وصار عيسى عند الناس إلهاً بهما!
وكلُّ معاجز وكرامات موسى مع كثرتها صدرت وعنده أربعة أحرف!
وإبراهيم الذي كان إماماً كان عنده ثمانية!
وكان أحد مظاهر تفضيل النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وآله هو أن عنده ما ليس عند جميع الأنبياء من أحرف اسم الله الأعظم..
ولقد كان عند (أهل بيته) ما عنده من ذلك!
فأين الزهراء من ذلك؟!
لقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عن عليٍّ عليه السلام أنه قال:
قَالَ لِي رَسُولُ الله (ص): يَا عَلِيُّ، لَقَدْ عَاتَبَتْنِي رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أَمْرِ فَاطِمَةَ وَقَالُوا: خَطَبْنَاهَا إِلَيْكَ فَمَنَعْتَنَا، وَتَزَوَّجَت عَلِيّاً!
فَقُلْتُ لَهُمْ: والله مَا أَنَا مَنَعْتُكُمْ وَزَوَّجْتُهُ!
بَلِ الله تَعَالَى مَنَعَكُمْ وَزَوَّجَهُ!
فَهَبَطَ عَلَيَّ جَبْرَئِيلُ (ع) فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الله جَلَّ جَلَالُهُ يَقُولُ: لَوْ لَمْ أَخْلُقْ عَلِيّاً (ع) لَمَا كَانَ لِفَاطِمَةَ ابْنَتِكَ كُفْوٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ آدَمُ فَمَنْ دُونَه (عيون أخبار الرضا عليه السلام ج1 ص225).
الزَّهراء تُقرَنُ بعليٍّ فقط!
فمن كان معه خمسةٌ وعشرون حرفاً كآدم لم يكن لها كفواً.. لم يكن إلا عليٌّ عليه السلام!
فما مكانة الزهراء عند الله تعالى؟!
لقد فُضَّلَت بمثل هذه الأحاديث على كلِّ الرِّجال والنساء معاً.. سوى أبيها وبعلها وبنيها..
وإذا كان تزويجها من الله تعالى.. فلا عجب أن يكون مهرها من الله أيضاً! واختيار الزوج منه تعالى!
فههنا جهتان:
الجهة الأولى: تزويجها ومهرها من الله
روى الشيخ الصدوق عن الصادق عليه السلام أنَّه قال:
إِنَّ الله (تَعَالَى) أَمْهَرَ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) رُبُعَ الدُّنْيَا، فَرُبُعُهَا لَهَا!
فكيف ذلك؟!
قد يُراد من الدُّنيا هذه الأرض التي نعيش عليها، وقد يراد منها ما هو أعم من ذلك.
فلو أريد منها هذا الكوكب، الذي تصل مساحته إلى 510 مليون كليومتر مربع، كانت كلُّ الأرض الصالحة للسكنى مهراً للزهراء، فهي لا تزيد على ربع مساحة الأرض، واليابسة بأكملها سواءٌ ما يصلح للسكنى وما لا يصلح لا تصل إلى 30 % من هذا الكوكب..
وعلى هذا التفسير تكون الأرض المسكونة كلُّها مهراً لفاطمة سلام الله عليها، ويكون الإذن بالتصرف فيها مخصوصاً بالشيعة الأبرار، ويكون كل تصرفٍ من غير الشيعة تصرفاً غير مأذون به، فتكون صلاة كلِّ واحدٍ منهم في أرضٍ مغصوبةٍ، وإنما أباحتها لشيعتها فقط..
ولو أريد ما يعم هذه الدُّنيا وغيرها.. فالأمر أعظم..
لكنَّ الشقَّ الآخر من المهر أعظم من كلّ ذلك.. ففي الحديث:
وَأَمْهَرَهَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، تُدْخِلُ أَعْدَاءَهَا النَّارَ، وَتُدْخِلُ أَوْلِيَاءَهَا الجَنَّةَ، وَهِيَ الصِّدِّيقَةُ الْكُبْرَى، وَعَلَى مَعْرِفَتِهَا دَارَتِ الْقُرُونُ الْأُوَلُ (الأمالي للطوسي ص668).
لم تثبت هذه المنقبة لآدم ولا لنوح ولا لإبراهيم عليهم السلام.. ولا لموسى وعيسى..
هي فوقهم جميعاً، ولها من المنزلة ما لم يعطه الله لأحدٍ منهم.. فالجنة مهرها.. ومسكن أوليائها ومحبيها.. والنار مهرها.. ومسكن أعداءها ومبغضيها..
الجهة الثانية: اختيار الزوج من الله
لقد قال النبيّ: والله مَا أَنَا مَنَعْتُكُمْ وَزَوَّجْتُهُ! بَلِ الله تَعَالَى مَنَعَكُمْ وَزَوَّجَهُ!
فكان اختيار الزوج كما تحديد المهر من الله تعالى، وكان اختياراً يتناسب مع مكانتها عند الله، فاختار الله لها أعظمَ آيةٍ من آياته، ليكون لها كفواً، اختار لها عليَّاً وهو القائل: مَا لله نَبَأٌ أَعْظَمُ مِنِّي! وَلَا لله آيَةٌ أَعْظَمُ مِنِّي! (تفسير فرات ص533).
مثل هذا يكون كفواً لفاطمة! وليس سواه!
نعم.. ههنا قد يُطرحُ سؤالان:
السؤال الأول: كيف فُضِّلَت على من كان إماماً كابراهيم؟
وهل يمكن أن تكون امرأةٌ أفضل من الأنبياء؟! أو أفضل ممن كان نبياً وإماماً وللرحمان خليلاً؟! مع أنَّ منصب الإمامة هو أرفع منصبٍ يمكن أن يُعطيه الله سبحانه وتعالى لرسول؟!
نرجع قليلاً إلى بعض الأحاديث الشريفة التي تشير إلى معنىً في غاية الرفعة والسموّ، فعن الإمام الجواد عليه السلام:
إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَفَرِّداً بِوَحْدَانِيَّتِهِ، ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَفَاطِمَةَ، فَمَكَثُوا الفَ دَهْرٍ، ثُمَّ خَلَقَ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ فَأَشْهَدَهُمْ خَلْقَهَا، وَأَجْرَى طَاعَتَهُمْ عَلَيْهَا (الكافي ج1 ص441).
هناك.. في بدء الخلقة.. لم يكن آدم ولا نوح ولا إبراهيم ولا غيرهم.. بل كان محمدٌ وعليٌّ وفاطمة..
الله يعلم قبل خلق الخلق من سيكون أطوع له، وأكمل من غيره، فخصَّهم بكرامةٍ أن خلقهم قبل سواهم، بل أجرى طاعتهم على جميع الأشياء..
فالخلائق بأجمعهم قد أُمِروا بطاعة الزهراء.. بمن فيهم من إنسٍ وجنٍّ وملك.. وجميع الأنبياء والمرسلين..
فليس أحدٌ منهم يتقدَّم عليها في الطاعة، بل تجب طاعتها عليهم جميعاً، كما روي عن الباقر عليه السلام:
وَ لَقَدْ كَانَتْ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهَا) طَاعَتُهَا مَفْرُوضَةً عَلَى جَمِيعِ مَنْ خَلَقَ الله مِنَ الجِنِّ، وَ الإِنْسِ، وَ الطَّيْرِ، وَالبَهَائِمِ، وَالأَنْبِيَاءِ، وَالمَلَائِكَةِ (دلائل الإمامة ص106).
إنَّ النظر في الذوات المقدسة يكشف لنا أن ذاتها (مع النبي وأمير المؤمنين) أسمى وأرفع من ذوات الأنبياء جميعاً.. فهي أعظم من الأنبياء.. وهم مأمورون بطاعتها..
لكن..
لماذا لم تكن نبياً إذاً أو إماماً بالمعنى المصطلح؟!
ذاك أنَّها امرأةٌ.. وليس من شأن النساء ذلك..
فالنبوَّة صلةٌ بين العبد وربه، أرادها الله تعالى أن تكون مختصَّةً بالرجل، وكلَّفه بما لم يكلف به المرأة، وأعطاها دوراً يتناسب معها..
والزهراء مع ذلك ما كانت مأمومةً لإبراهيم عليه السلام.. كي يلزم تقديم المفضول على الفاضل كما يقول المخالفون الجُهَّال.. وإمامته ليست كإمامة نبينا صلى الله عليه وآله.. فالإمامة أيضاً لها مراتبها..
ما كانت الزهراء مأمومةً للأنبياء والمرسلين الذين فُضِّلَت عليهم.. بل كانت سيدة النساء، بل سيدة الوجود بأسره.. وقد أمر الأنبياء بطاعتها.. كما الملائكة..
السؤال الثاني: كيف نستفيد من سيرتها عليها السلام؟
قد يقول قائل:
كثيراً ما تذهبون بنا بعيداً إلى الأمور الغيبية وإلى الماورائيات، وإلى رفعة المكانة والسموّ والعظمة لهؤلاء الأطهار.. لكنَّنا نريد ثمرةً نستفيد منها في أيامنا.
والجواب على ذلك:
أنَّ القائل قد غاب عنه أنَّ ثمرة العقيدة أعظم مما سواها.. لأنَّ من ينجو بالتولي والتبري والثبات على العقيدة أعظم ممن ينجو بالعمل.
نعم.. نحن نحتاج إلى العمل لأنَّه هو الذي يثبت العقيدة.
فحقَّ للسؤال أن يكون.. وهو ما تسأله نساؤنا وبناتنا وأخواتنا:
كيف نتأسى بالزهراء عليه السلام ونقتدي بها؟! وقد خفيت علينا الكثير من الأحداث التي جرت عليها.. ولم يبلغنا سلوكها في كلِّ مفصلٍ من مفاصل حياتها.. نريد أن نستفيد منها في صبحنا والمساء.. في ليلنا والنهار.. في عباداتنا والمعاملات.. فما السبيل إلى ذلك؟!
والجواب:
إنَّ حديثاً واحداً بلغنا عن الزهراء عليها السلام يكفي كلَّ امرأةٍ كي تتعلم منها الكثير الكثير..
وهذا حديثٌ شريفٌ جميلٌ حول العلاقة بين الزهراء وأمير المؤمنين عليه السلام، يقول الباقر عليه السلام:
لَا شَفِيعَ لِلْمَرْأَةِ أَنْجَحُ عِنْدَ رَبِّهَا مِنْ رِضَا زَوْجِهَا!
وَلمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) قَامَ عَلَيْهَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَقَالَ: اللهمَّ إِنِّي رَاضٍ عَنِ ابْنَةِ نَبِيِّكَ! (الخصال ج2 ص588).
وهي التي قالت له: وَلَا خَالَفْتُكَ مُنْذُ عَاشَرْتَنِي (روضة الواعظين ج1 ص151).
ههنا لا بدَّ لأخواتنا وفتياتنا وشبابنا من وقفةٍ مع هذا الحديث..
فلا يلزم أن نعرف كلَّ ما فعلته الزهراء في حياتها، بعدما عرفنا أنَّها كانت أطوع الناس لله تعالى، غير مخالفةٍ لزوجها المعصوم.
وإذا ضممنا إلى ذلك أن أحكام الدين الحنيف قد بُيِّنَت لنا، وعرفنا مصاديق طاعة الله ومعصيته، اتَّضح لنا كيف تكون الزهراء قدوةً لنا..
1. فإذا كان عليٌّ عليه السلام يقول: اللهمَّ إِنِّي رَاضٍ عَنِ ابْنَةِ نَبِيِّكَ!
2. وإذا كانت هي تقول: وَلَا خَالَفْتُكَ مُنْذُ عَاشَرْتَنِي!
3. وإذا كانت أحكام الله بين أيدينا.. والفقه الذي تعبَّدَنَا الله به واضحاً أمامنا..
4. وكانت الحقوق الواجبة والأحكام المستحبة مُبيَّنَةً لنا.. وخالفناها.. فقد خالفنا الزهراء.. ولم نتأسَّ بها.. وقصَّرنا وما اقتدينا بها..
ومن لم يقبل ذلك كان حاله حال الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله، قائلاً: يَا رَسُولَ الله، عَلِّمْنِي مِنْ غَرَائِبِ الْعِلْمِ!
قَالَ (ص): مَا صَنَعْتَ فِي رَأْسِ الْعِلْمِ حَتَّى تَسْأَل عَنْ غَرَائِبِهِ؟!
قَالَ الرَّجُلُ: مَا رَأْسُ الْعِلْمِ يَا رَسُولَ الله؟!
قَالَ: مَعْرِفَةُ الله حَقَّ مَعْرِفَتِهِ.
قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَمَا مَعْرِفَةُ الله حَقَّ مَعْرِفَتِهِ؟
قَالَ: تَعْرِفُهُ بِلَا مِثْلٍ وَلَا شِبْهٍ وَلَا نِدٍّ، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ أَحَدٌ ظَاهِرٌ بَاطِنٌ أَوَّلٌ آخِرٌ، لَا كُفْوَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ، فَذَلِكَ حَقُّ مَعْرِفَتِهِ (التوحيد للصدوق ص285).
قد نبحث عن غرائب العلوم التي لا نعرفها، ونعرض عمّا بين أيدينا مما يقرِّبنا إلى الله سبحانه ونضيِّعه..
إنَّ مَن امتثل أمر الله فقد تأسَّى بالأطهار.. بمحمدٍ وعليٍّ وفاطمة..
إنَّ الجهل بالأحكام ليس مشكلتنا العظمى، فأغلبنا يقدر على التعلُّم، وإن كنَّا مقصِّرين فيه.. بل مشكلتنا التقصير في العمل بما تعلَّمنا..
كلَّما عصينا الله تعالى.. بالغيبة.. والنميمة.. والكذب.. والفتنة.. وتضييع الحقوق.. لم نكن ممَّن يتأسى بالزهراء..
ولم نكن ممَّن عرفها حقَّ معرفتها..
لو عرفنا الزهراء حقاً لامتثلنا أمرها..
ولفعلنا كما فعل عليٌّ عليه السلام.. عندما قام عند قبرها قائلاً:
وَلَوْلَا غَلَبَةُ المُسْتَوْلِينَ، لَجَعَلْتُ المُقَامَ وَاللَّبْثَ لِزَاماً مَعْكُوفاً، وَلَأَعْوَلْتُ إِعْوَالَ الثَّكْلَى عَلَى جَلِيلِ الرَّزِيَّةِ (الكافي ج1 ص459).
مهما اجتمعنا وبكينا لأجلها سلام الله عليها، فإننا ما أعولنا كإعوال عَليٍّ لو قدِّر له أن يعول على قبرها..
هو أقرب الناس إليها.. وهي أقرب الناس إليه.. ولقد استودعها الأرض! فحفظت الأرض الوديعة، وضَيَّعَ مَن عليها هذه الوديعة!
ونحن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يحفظ شيئاً من حق هذه الوديعة، بإقامة المجالس العامرة بذكر محمد وآل محمد، وبتعلُّم علومهم وبثها بين الناس، والعمل بها.. عسى أن يرحمنا الله بعملنا القليل، ويتقبل منا ومن جميع المؤمنين..
والحمد لله رب العالمين.
ألقي هذا البحث في قم المقدسة في ذكرى شهادة السيدة الزهراء عليها السلام، الأربعاء 20 – 12 – 2023 الموافق 6 جمادى الثانية 1445 هـ