بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ!
وَيُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ النِّعْمَةِ عَلَى عَبْدِهِ!
هي عبائر جميلةٌ مشهورةٌ عن أمير المؤمنين عليه السلام، نقلها الشيخ الكليني في الكافي الشريف (ج6 ص438).
تكشفُ للجاهل أنَّ الدِّين جميلٌ.. وأنَّ أهله أهلُ الجمال!
كيف ذلك؟
قد يتصوَّرُ المتهتِّكُ أنَّ أهل الدِّين مثلاً لا يميِّزون بين الجميل والقبيح! وأنَّهم لا يحبُّون الجمال! وأنَّهم أهلُ تخلُّفٍ وقذارة!
لكنَّه تَصوُّرٌ منشؤه الجهل والحماقة!
فالله تعالى كاملٌ بذاته.. وبأفعاله..
هو الخالق، وخلقه فعله، وفعل الله جميل..
والمخلوقات مخلوقاته.. فيظهر فيها أثر الجمال..
والله تعالى يأمرُ العباد بإظهار ما أعطاهم من جمالٍ.. وكلُّ نِعَمِه جميلة..
لكنَّ لإظهار النِّعم قيوداً.. منها أن يكون ذلك من حلالٍ.. ومن لم يلتزم بذلك أُتيَ في عقله!
وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلْيَكُنْ مِنْ حَلَال! (الكافي ج6 ص442).
فصرتَ ترى من يُغَالِطُ على المؤمنين.. فيقول لهم.. الله جميلٌ يحبُّ الجمال.. فلنا أن نَسرُق لنتمتَّع بنعم الله الجميلة! ولنا أن نستمع إلى الصوت المطرب الجميل! ولنا أن ننظر النظرة المحرَّمة لأنَّها نَظَرٌ إلى الجمال الذي خلقه الله! ثمَّ يسوِّغُ أحدهم لنفسه كلَّ قبيحٍ متعلِّلاً بأن الله يحبُّ الجمال!
وقد غفل هذا الأحمقُ أنَّ فيما حرَّمَ الله تعالى جهة قباحةٍ تفوقُ ما رآه من جمالٍ..
لذا وقع المؤمن بين فئتين من النّاس:
1. فئةٌ تستُرُ كلَّ نعمةٍ أنعمها الله تعالى عليها.. وتبخلُ على نفسها بذلك.. وعلى من حولها.. وتظهرُ بأقبح المظاهر..
2. وفئةٌ تتجاوزُ الحدَّ في النِّعَم، فترتكب ما حرَّمَ الله عليها.. وتأتي الأشياء من غير حلِّها!
أما الفئة الأولى..
فمِن نماذجها رجلٌ أبصره رسول الله صلى الله عليه وآله، كان: شَعِثاً شَعْرُ رَأْسِهِ! وَسِخَةً ثِيَابُهُ! سَيِّئَةً حَالُهُ!
فَقَالَ رَسُولُ الله (ص): مِنَ الدِّينِ المُتْعَةُ، وَإِظْهَارُ النِّعْمَةِ (الكافي ج6 ص439).
لقد صار التمتُّع بنعم الله تعالى جزءً من الدِّين.. فلم يأتِ الأنبياء للناس بالإعراض عن كلّ لذائذ الدُّنيا ونَعمائها..
فمَن تركَ التمتُّع بما أنعم الله به عليه كان تاركاً لجزءٍ من الدِّين..
كذلك من أخفى النِّعَم التي أنعم الله بها عليه..
قال الإمام الصادق عليه السلام: إِظْهَارُ النِّعْمَةِ أَحَبُّ إِلَى الله مِنْ صِيَانَتِهَا! فَإِيَّاكَ أَنْ تَتَزَيَّنَ إِلَّا فِي أَحْسَنِ زِيِّ قَوْمِكَ (الكافي ج6 ص440).
وإذا أنزل الله على عبدٍ نعمةً كان بين خيارين:
إظهارها.. أو سترها وإخفاؤها.. لصيانتها وحفظها!
والله تعالى لا يحبُّ سترها.. فما أنعم بها على العبد كي تخفى.. بل كي تظهر.. وأمر تعالى بإظهارها لا على أيِّ صورةٍ.. بل على أحسن صورةٍ.. لأنَّه تعالى جميلٌ يحبُّ الجمال..
بل عدَّ الله تعالى إظهار النِّعمة تحديثاً بها، وإخفاءها تكذيباً لها! وصار المكذِّبُ بها مبغوضاً عند الله تعالى، فعن الصادق عليه السلام:
إِذَا أَنْعَمَ الله عَلَى عَبْدِهِ بِنِعْمَةٍ فَظَهَرَتْ عَلَيْهِ سُمِّيَ حَبِيبَ الله، مُحَدِّثاً بِنِعْمَةِ الله.
وَإِذَا أَنْعَمَ الله عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ فَلَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ سُمِّيَ بَغِيضَ الله، مُكَذِّباً بِنِعْمَةِ الله (الكافي ج6 ص438).
وإذا بالغَ العبدُ في إخفاء النِّعَم.. وفي ترك التجمُّل.. قد يصيرُ (قاذورةً)! وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وآله: بِئْسَ العَبْدُ القَاذُورَةُ (الكافي ج6 ص439).
والرَّجُلُ القاذورة ينطبق على مصاديق عدَّة، أحدُها الذي لا يتنزَّه عن الأقذار! وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام:
تَنَظَّفُوا بِالمَاءِ مِنَ الرَّائِحَةِ المُنْتِنَةِ، فَإِنَّ الله تَعَالَى يُبْغِضُ مِنْ عِبَادِهِ الْقَاذُورَة (مكارم الأخلاق ص40).
وفي حديثٍ آخر أنَّه تعالى: يُبْغِضُ البُؤْسَ وَالتَّبَاؤُسَ (الكافي ج6 ص440).
وليس يصحُّ أن يجعل الإنسانُ نفسه بائساً.. ذليلاً.. فقيراً.. كثير الشكاية.. دائم الحزن على الدُّنيا.. لا تسمَعُ منه كلمة طيِّبَة.. ولا يرى في الحياة خيراً.. ولا يتنعَّم بنعمةٍ!
فما خلق الله العباد لذلك.. كما فعل قومٌ..
ولا تركهم سُدى.. كما يزعم آخرون.. فأرادوا الدُّنيا من غير حلِّها..
والمؤمن يضع نصب عينيه حديثاً ورد عنهم عليهم السلام:
اجْعَلُوا لِأَنْفُسِكُمْ حَظّاً مِنَ الدُّنْيَا بِإِعْطَائِهَا مَا تَشْتَهِي مِنَ الحَلَالِ، وَمَا لَا يَثْلِمُ المُرُوَّةَ، وَمَا لَا سَرَفَ فِيهِ، وَاسْتَعِينُوا بِذَلِكَ عَلَى أُمُورِ الدِّينِ.
فَإِنَّهُ رُوِيَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَرَكَ دُنْيَاهُ لِدِينِهِ، أَوْ تَرَكَ دِينَهُ لِدُنْيَاهُ! (تحف العقول ص410).
فيتنعَّم بما أولاه الله من نِعَمٍ.. ليكون لها شاكراً.. مراعياً حلالها وحرامها.. فيزيده الله منها.. ويكون ممَّن أخذه نصيباً في الدّنيا.. وحازَ جزاءً طيِّباً في الآخرة..
أمَّا من أعرض عن النِّعم التي أنعم الله بها عليه، فإنَّه لم يكن شاكراً لها، ولم يجازَ خيراً عليها يوم القيامة..
ومن لم يُراع حقَّ الله، وأراد التنعُّم بما حرَّم الله عليه.. وتَرَكَ أمر الله تعالى.. كان مصداقاً لقول أمير المؤمنين عليه السلام:
لَا يَتْرُكُ النَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لِاسْتِصْلَاحِ دُنْيَاهُمْ إِلَّا فَتَحَ الله عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْه!
هكذا يظهرُ بعضُ جمال دين الله.. حيث الاعتدال والتوازُن بين الدُّنيا والآخرة.. وبين الإقدام والإحجام.. وبين الإفراط والتفريط..
هو دينٌ جميلٌ.. كالنبيِّ الذي أتى به.. والإله الذي بعثه..
جعلنا الله ممَّن يظهرُ نعم الله.. وزادنا منها وجميع المؤمنين في الدّنيا والآخرة.
والحمد لله رب العالمين
الأحد 16 شوال 1444 هـ الموافق 7 – 5 – 2023 م