بسم الله الرحمن الرحيم
(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله وَقالَتِ النَّصارى الْمَسيحُ ابْنُ الله) (التوبة31)
لقد غالَت بعضُ الأمَمِ في أنبيائها وعُظَمَائِها، بعدما: (جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمُ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي يَعْجِزُ الْخَلْقُ عَنْهَا) !
فَمِن طوفانٍ، إلى فَلقٍ للبحر، فإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وإخبار عن المغيّبات، وسواها..
كلُّها: (كَانَتْ فِعْلَ الْقَادِرِ الَّذِي لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقِينَ)، فالله تعالى هو مُجري هذه المعاجز على أيديهم، وهم بأنفُسِهِم أهلُ فَقرٍ وفاقةٍ إلى الله تعالى، وإن ظهرت المعاجزُ على أيديهم.
تفاوتَت المعاجزُ وتغيَّرَت، ولكن: مَا مِنْ آيَةٍ كَانَتْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى مُحَمَّدٍ (ص) إِلَّا وَقَدْ كَانَ لِمُحَمَّدٍ مِثْلُهَا أَوْ أَفْضَلُ مِنْهَا (الإحتجاج ج1 ص36).
وأفضلُ مُعجزات النبي (ص).. عَليٌّ ! ثم القرآن !
فكيف يثبُتُ ذلك ؟!
أولاً: عليٌّ أعظم آيات الله !
المعجزةُ آيةٌ وعلامةٌ من الله، تدلُّ على عظمة صاحبها عنده تعالى، وصدقه في دعواه.
وتقترنُ المعجزةُ بالتحدي تارةً كالقرآن الكريم حيثُ تحدّى الإنس والجنَّ عن أن يأتوا بمثله فعجزوا.
ويُكتفى فيها تارةً أخرى بدعوى النبوة فلا يقع التحدّي فيها بنفسها، كصيرورةِ النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وتسبيح الحصى في كفّ الرسول، وانشقاق القمر ونبوع الماء من بين أصابعه وغيرها.
فصارَت كلُّ الآيات معاجزَ للنبيّ لما ادّعى النبوة، ثم صارَ الأوصياء أبرَزَ آيات الله تعالى ودلائله !
وفي قوله عز وجل (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) قال عليه السلام: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ كَذَّبُوا بِأَوْصِيَائِهِم (تفسير القمي ج1 ص199)
ثمّ كانَ عليٌّ أعظَمَ هذه الآيات !
وهو القائل: مَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ آيَةٌ هِيَ أَكْبَرُ مِنِّي، وَلَا لِلَّهِ مِنْ نَبَإٍ أَعْظَمُ مِنِّي ! (الكافي ج1 ص207).
أَنَا الْحُجَّةُ الْعُظْمَى وَالْآيَةُ الْكُبْرَى (الأمالي للصدوق ص39)
فصارَ يُزار بقولنا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا آيَةَ اللَّهِ الْعُظْمَى (المزار الكبير ص206).
ثانياً: عليٌّ معجزةُ الرَّسول !
ورد في الزيارات المأثورة لأمير المؤمنين عليه السلام أنّ الله جعله:
1. سَيْفاً لِنُبُوَّتِهِ: أي لنبوّة النبي (ص).
2. وَمُعْجِزاً لِرِسَالَتِهِ !
3. وَدَلَالَةً وَاضِحَةً لِحُجَّتِه ( المزار للشهيد الاول ص106).
فما معنى أن يكون الإمامُ عليه السلام معجِزاً لرسالة النبي (ص) ؟!
إنّ غَرَضَ المُعجِزة إثبَاتُ صِدقِ صاحِبها، فمَن يقدرُ على أن يأتي بما يعجزُ عنه الناس فهو ليس مثلهم، من حيث اتّصاله بإلهٍ قادِرٍ على ما لا يطيقونه، فيُظهِرُ الله على يديه أمراً يَعجَزُ الناس عنه، فيقرُّ المنصفُ منهم بصدقه، وتتم الحجة على الخلق بذلك.
ولكن..
هَل مِن مخلوقٍ تتوفَّرُ فيه هذه الخِصالُ كعليٍّ عليه السلام ؟! فيكون شاهداً على صِدقِ النبيّ في دعواه، أكثر من المعاجز التي رآها الناسُ يوماً ؟!
يرى الناسُ المعجزةَ ويُدركون حقيقتها ويعرفونها، لكنهم يعجزون عن الإتيان بمثلها.
أمّا عليٌّ، فيعجَزُون حتى عن معرفة حقيقته: يَا عَلِيُّ.. مَا عَرَفَكَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَا ! (مختصر البصائر ص336).
لقَد عرفنا شخصه، لكن ما عرفنا حقيقته !
فصارَ عَجزُ النّاس عن معرفة حقيقته ومناقبه وكماله، دليلاً قاطعاً على صدق النبي (ص)، كما المعجزة.
وهو على عظمته هذه يقول عن رسول الله (ص) في نهج الشريف: وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه !
فمَن أنت يا رسول الله وما أعظمك ! حتى يتبعك عليٌّ هكذا وهو الآيةُ العظمى !
ثم يقول: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِنْ عَبِيد مُحَمَّدٍ (ص) !
أي (عبد طاعته لا غير ذلك) (التوحيد للصدوق ص174).
أينَ طوفانُ نوحٍ! ونارُ إبراهيم! وآياتُ موسى! وإحياءُ عيسى! من عليٍّ عليه السلام !
لقد ظهر من كراماته وعلومه وعظمته ما فاق الأنبياء جميعاً، وما خفي أعظم، فلو ظهرَ مزيدُ فضلٍ لقالت فيه الأمة ما قال النصارى في عيسى! ثم ما فوق ذلك !
ثالثاً: عليٌّ كتابُ الله الناطق !
لا ريب في أن القرآن الكريم أعظم معجزات الرَّسول الخالدة، ولكنه عليه السلام يقول عنه لأصحابه:
هَذَا كِتَابُ اللَّهِ الصَّامِتُ، وَأَنَا الْمُعَبِّرُ عَنْهُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ النَّاطِقِ، وَذَرُوا الْحُكْمَ بِكِتَابِ اللَّهِ الصَّامِتِ إِذْ لَا مُعَبِّرَ عَنْهُ غَيْرِي (العمدة لابن بطريق ص330).
يظهرُ إعجاز القرآن بنفسه، حين عجز الناس عن الإتيان بمثله.
لكن تمامَ إعجازه يُعلَمُ بتعبيره وتبيينه وتوضيح حقائقه ودقائقه ولطائفه، وهذا لا طريق له غير عليّ، فصارت أعلى مراتب إعجاز القرآن لا تظهر إلا بعليٍّ وبَنيه !
مَن كان عندَهم علمُ الكتاب، فكلّما أظهروا مزيدَ علمٍ منه بانَ قَدرُ إعجازه وعظمته..
هكذا يُفهم قوله عليه السلام: مَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ آيَةٌ هِيَ أَكْبَرُ مِنِّي !
فآيات الكتاب الذي هو أعظم معجزةٍ.. به عليه السلام تُبَيَّن وتُعرَف، ويُعرفُ قَدرُها..
فصارَ عليٌّ.. معجزةَ الرَّسول..
ذاتاً.. حيث عجز الخلقُ عن إدراك حقيقته.
وعلماً.. حيث عنده من العلوم ما يعجز الكلُّ عن إدراك بعضه.
وعَمَلاً.. حيث أقرّوا جمعياً بالعجز عن الكون مثله، وكلُّ شجاعته وبأسه وقوّته وعبادته وإنسانيّته بَعضُ ذلك..
فسلام الله عليك يا معجزة الرّسول !
سلامٌ عليك في أيام شهادتك.. عظّم الله لنا الأجر بك يا حبيب قلوبنا.. ولعن الله من خالفك وعاداك وسلبك حقك.. والويل لمن قتلك..
وإنا لله وإنا إليه راجعون
التاسع عشر من أيام شهر الله المبارك 1442 هـ
الموافق 2 - 5 - 2021 م