• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
              • القسم الفرعي : لماذا صرتُ شيعياً؟ / التوحيد والعدل .
                    • الموضوع : 270. لماذا لا أكون نصرانياً؟ .

270. لماذا لا أكون نصرانياً؟

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ الله هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ (المائدة72).

هذه الآية الشريفة واضحةٌ وصريحةٌ في كفر النصارى، فقد قالوا إنَّ الله تعالى هو عيسى بن مريم عليه السلام!

الله تعالى واحدٌ أحدٌ، هو خالق كلِّ الخلق بمن فيهم عيسى عليه السلام، فعيسى نبيٌّ مخلوقٌ، بريء مما نسبه إليه النصارى، ومن ادِّعاء الألوهية، قال تعالى: ﴿وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾.

المسيح لا يقول بالتثليث، بل يؤمن بالوحدانية المطلقة، وأنَّ له ربَّاً هو الله تعالى، وأنَّهُ ما من أحدٍ يستحقّ أن يُعبَدَ إلا الله.

لكن.. لعلَّ نصرانياً يقول:

نحن لا نصدِّقُ ما نسبه القرآن لعيسى، والمهم عندنا هو الدليل على بطلان التثليث.. فما حجتكم أيُّها المسلمون في سلب بُنُوَّة الله عن عيسى؟ وما دليلكم أن عيسى ليس هو الله؟ ولماذا تعيبون علينا قولنا بالتثليث؟

فنقول:

نحن لا نعتقد بصحة ذلك لأسبابٍ كثيرة، نتكفي بثلاثة منها:

أولاً: لأن التوراة والإنجيل يُقِرّان بالتوحيد!

إنَّ الكتاب المقدس الذي يؤمن به النصارى هو كتابٌ توحيديٌّ بعهديه، ففيه نصوصٌ صريحةٌ جداً في توحيد الله سبحانه وتعالى، منها ما ورد في مزامير داوود: أَنْتَ الله وَحْدَكَ (المزامير86: 9-10).

وفي سفر أشعياء: لأَنِّي أَنَا الله وَلَيْسَ آخَرُ (أشعياء46: 9).

وفيه: أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ (أشعياء 45: 1و5-7).

وفيه: أَلَيْسَ أَنَا الرَّبُّ وَلاَ إِلهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سِوَايَ (أشعياء45: 21).

وفيه: أَنْتَ هُوَ الإِلهُ وَحْدَكَ (أشعياء37: 16).

وفي سفر نحميا: أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ وَحْدَكَ (نحميا9: 5و6).

هذا كلُّه في العهد القديم، وأما في العهد الجديد، ففي إنجيل مرقس: لأَنَّهُ الله وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ (مرقس12: 32).

وفيه: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ (مرقس12: 29و30).

وفي رسائل بولس: وَلكِنَّ الله وَاحِدٌ (كورنثوس الأولى12: 6).

وفي إنجيل يوحنا يخاطب عيسى عليه السلام الله تعالى بقوله: وَهذِهِ هِيَ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ المَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ (يوحنا17: 3).

هذا بعض ما في الكتب التي يؤمن بها النصارى، وهي تؤكد على وحدانية الله تعالى.

لذا لا نعتقد بما ذهب إليه النصارى من التثليث، فكتابهم يدلُّ على التوحيد، وينبغي عليهم أن يؤمنوا به وينبذوا التثليث إن كانوا منصفين.

على أنَّه ليس في الكتاب المقدَّس نصوصٌ صريحةٌ في التثليث، وكلُّ نصٍّ يُتوهَّمُ دلالته على ذلك هو نَصٌّ متشابَهٌ في قبال هذه المحكمات، فلا بدَّ من تأويله وحمله عليها، كما بيَّنا ذلك في كتاب (الثالوث والكتب السماوية).

ثانياً: لأنَّ الله لا يمكن أن يكون له ابن!

نحن لا نؤمن بالنصرانية أيضاً لأنهم يزعمون أن المسيح عليه السلام هو ابن الله! والحال أنَّ كتابهم المقدَّس ينفي تشبيه الله سبحانه وتعالى بأحدٍ من خلقه، ولو كان لله ابنٌ لكان الله مشابهاً لمخلوقاته.

ففي الكتاب المقدَّس: لاَ مِثْلَ لَكَ يَا رَبُّ! (أرمياء10: 6).

وفيه: لأَنَّهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يُعَادِلُ الرَّبَّ. مَنْ يُشْبِهُ الرَّبَّ بَيْنَ أَبْنَاءِ الله؟ (المزامير89: 6).

وفيه: فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ الله، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ .. «فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟» يَقُولُ القُدُّوسُ (أشعياء40: 18 و25).

وغيرها من النصوص الصريحة في نفي تشبيه الله تعالى بخلقه.

لكنَّهم يشبِّهون الله بخلقه حيث ينسبون له الولد، جلَّ الله عن ذلك.

فإن قيل:

إنَّ في الكتاب المقدَّس نصوصاً تدلُّ على بنوَّة عيسى لله تعالى.

قلنا:

فيه أيضاً نصوصٌ تدلُّ على بُنُوَّة المؤمنين جميعاً لله تعالى!

ومن ذلك قوله: لأَنَّكُمْ جَمِيعًا أَبْنَاءُ الله! (غلاطية3: 26).

وفيه: الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ الله (يوحنا الأولى3: 1و2).

فقد أثبت الكتاب المقدَّس البنوَّة للمؤمنين كما أثبتها لعيسى.. فإذا كان عيسى ابناً لله، وكانت بنوَّة الله تعني الألوهية، فأنتم أيها النصارى كلُّكم آلهة! كلُّ واحد منكم إلهٌ بنفسه!

نعم نحن لا نعتقد بأنَّ لله تعالى ابناً بأي معنىً كان، ولا نصف الله تعالى بذلك.

ولو نظرنا في الكتاب المقدَّس لوجدنا أن البُنُوَّة والولادة فيه تعني الإيمان لا الألوهية، ففيه: وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ الله، أَيِ المُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ (يوحنا1: 12).

وقد وُصِفَ الملائكة في نَصٍّ آخر أنَّهم أبناء الله، وفسَّرَها علماء النصارى بأنَّهم مخلوقات الله!

هناك وجهٌ إذاً لتفسير قول عيسى عليه السلام على فرض صدوره منه، بصورةٍ تنسجم تنسجم مع التوحيد ولا تدل على ألوهيته.

رغم ذلك لا نقرَّ بأنَّ عيسى ابن الله، بل هو خلقٌ من خلق الله.

فما هذا التحكم أيها النصارى؟! لماذا تزعمون أنَّ عيسى إلهٌ لأنَّه ابن الله، وأنتم كما الملائكة لستم آلهةً مع أنكم أبناء الله بزعمكم؟!

ثالثاً: لأنَّ الواحد لا يكون ثلاثة!

هل يقرُّ النصارى بالتوحيد؟

نعم هم يقرُّون بذلك. ثم يعتقدون معه بالتثليث، فهل يمكن أن يجتمع التوحيد مع التثليث؟!

ننظر إلى جملةٍ تبين حقيقة عقيدتهم لنرى هل هي ممكنةٌ في نفسها أم ليست كذلك.

لقد ورد في قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني، وهو القانون المعتمد عندهم لتعريف وبيان حقيقة معتقدهم:

نؤمنُ بإلهٍ واحد، الأب ضابط الكل وخالق السماء والأرض وكل ما يُرَى وما لا يرى، وبربٍ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، إلهٌ من إله، نورٌ من نورٍ، إلهُ حقٍّ من إله حقّ، مولودٌ غير مخلوق، مساوي الأب في الجوهر، الذي على يده صار كل شيء..

ما معنى هذه العقيدة؟!

لقد زعم النصارى أنَّ عيسى موجودٌ منذ الأزل! فمنذ الأزل كانوا ثلاثة! الآب.. والابن المولود منه وهو عيسى! وثالثهما الروح القدس المنبثق من الآب أو منهما!

المشكلة أنَّ القول بأزلية الثلاثة لا يجتمع مع القول بالتوحيد.. فالموحدون يعتقدون أنَّ الله تعالى كان ولم يكن معه أحد..

ولا يمكن أن أقول بالتوحيد والتثليث معاً!

فكيف يكون الله واحداً؟! والآب هو الله.. وعيسى هو الله.. والروح القدس هو الله!

لقد صار الآلهة ثلاثة!

فهل تعتقدون بذلك أيُّها النصارى؟

يقولون: كلا.. بل هو إله واحد!

نقول: هل هو إلهٌ مركَّبٌ من الثلاثة؟! وهم أجزاؤه؟!

يقولون: حاشا أن يتركب الإله!

فكيف صار الواحد ثلاثة إذاً؟!

لقد حار النصارى في كيفية الجمع بين هذين القولين الذين لا يجتمعان بحكم العقل!

فإنَّهم لمّا قالوا بأنَّ الله واحدٌ بطبيعته.. وجوهره.. وذاته..

متعدِّدٌ بأقانيمه..

اختلفوا في معنى الأقانيم على أقوالٍ أربعة..

القول الأول: الأقنوم هو الشخص

لمّا كان معنى الأقانيم الثلاثة أشخاصٌ ثلاثة، فإنّه سيوصل إلى القول بالآلهة الثلاثة حتماً، وإن لم يصرِّحوا به!

فكيف يجتمعُ المتناقضان في باب التوحيد، فيكون الله هو الآب والله هو عيسى، والله هو الروح القُدُس، وفي الوقت نفسه الله واحدٌ حقيقةً؟ ما لم تكن الوحدة مختصّةً بالجوهر، والمصاديقُ متعدّدة، فيخرج حقيقةً عن كونه واحداً، ومع الالتزام بأنّه واحدٌ حقيقيةً، ومتعدِّدٌ حقيقةً لتمايز كل من الثلاثة عن الآخر وثبوت أن أحدَهم ليس هو الآخر، يكون الواحدُ مساوياً للثلاثة حقيقةً، فلا مفرّ من التناقض المخالف لحكم العقل القطعيّ!

القول الثاني: الأقنوم هو التعيُّن

حيث قالوا: (إن الأقانيم هم الله، والله هو الأقانيم.. الأقانيم ليسوا ذواتٍ منفصلة، بل هم ذاتٌ واحدة، هي ذات الله)..

والنتيجة عندهم أن: (كلمة أقنوم تفيد الشخصية المتميزة المتحدة)..

ويثبت التناقض فيه أيضاً لأن التمايُزُ ثابتٌ بين الآب والابن والروح القدس، بمعنى أنّ كلّ واحدٍ منها ليس الآخر، وعلى هذا فإشكالُ التناقض باقٍ.

القول الثالث: الأقنوم هو الخواص أو الصفات الذاتية

فيكون الله الآب: خاصية الوجود!

والله الابن: خاصية العقل والمعرفة!

والله الروح القدس: خاصية الحياة!

ولو كان مرادهم هو القول بأن صفات الله الذاتية هي ثلاثة: الوجود والعلم والحياة مثلاً، فيكون الله تعالى واحداً، وصفاته عين ذاته، لئلا يتعدد القديم، لصحّ الكلام، لكنَّه لا ينسجمُ مع القول بتمايز الأقانيم، وبأنّ كل واحدٍ منها مغايرٌ الآخر، لأنه سيؤول إلى التركيب او التعدّد في الذات الإلهية المقدسة.

القول الرابع: الأقنوم كلمة غير مفهومة

ومن ذهب إلى ذلك كشف أنَّ النصارى قد أقدموا على أمرٍ في غاية الخطورة، حيث أنّهم قد استخدموا عمداً لفظاً أجنبياً غير مفهوم المعنى في واحدة من أهمّ المسائل الاعتقادية، ولعلّ ذلك يرجع إلى محاولة إخفاء التناقض في هذه العقيدة التي تقوم على القول بالوحدة والتعدُّد في آن واحد ومن جهة واحدة!

صفوة القول..

أنَّ القول بالتثليث مع التوحيد هو جمعٌ بين المتناقضين.. يرفضه العقل وينكره ويستقبحه..

ولئن زعم بعض النصارى أنَّ عقيدتهم هذه فوق العقل وليست ضدَّه.. فإنَّ دعواهم مخالفة لبديهيات العقل.. فقولهم مما يحكم العقل باستحالته، لا مما يقرُّ بالعجز عن معرفته..

فكما لا يمكن أن يكون الله موجوداً وغير موجود، كذلك لا يمكن أن يكون الله واحداً وليس بواحد!

فهي عقيدة ممتنعةٌ بذاتها، لا تصل النوبة للبحث في أدلتها..

هي عقيدةٌ فاسدةٌ باطلةٌ تنافي أحكام العقل، ولو قبلنا ما ينافي أحكام العقل لأسقطناه عن حجيته، ولما ظلَّ عندنا دليلٌ نستدل به على شيء في الوجود.

ولو أسقطنا حجية العقل نكون قد أبطلنا أهم دليل أعطاه الله سبحانه وتعالى لعباده.

هذه خلاصة قصتنا مع النصارى، لا كتابهم يدل على التثليث، ولا التثليث بنفسه مقبولٌ بحكم العقل، وليس له تفسيرٌ يرفع التناقض.

لهذا.. ولغيره.. لا أكون نصرانياً.

والحمد لله رب العالمين

ألقي هذا البحث في قم المقدسة يوم الثلاثاء 21 جمادى الأولى 1445 هـ، الموافق 5 – 12 – 2023 م


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=338
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 02 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5