بسم الله الرحمن الرحيم
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بضعته الطاهرة فاطمة (عليها السلام): لَوْ لَا أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) تَزَوَّجَهَا، لَمَا كَانَ لَهَا كُفْوٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، آدَمُ فَمَنْ دُونَه(1).
فَهِمَ الشيعة هذا المعنى، واعتقدوا به، وشَرِبُوهُ مع حليب أمّهاتهم، وصار دِيناً يدينون الله به.
لكن.. لماذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) (إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)؟! ونحن نعلم أن مفهوم الكفاءة هذا مختصٌّ بالدنيا. فهل يستمرُّ بين عليٍّ والزهراء.. حتى يوم الجزاء؟!
وكيف يُعقل ذلك؟ وهل مِن مكانَةٍ ومرتبةٍ تظهرُ فيها الكفاءة في يوم القيامة بينهما؟ سلام الله عليهما..
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليٍّ (عليه السلام): يَا عَلِيُّ أَنْتَ إِمَامُ أُمَّتِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْهَا بَعْدِي، وَأَنْتَ قَائِدُ المُؤْمِنِينَ إِلَى الجَنَّةِ(2).
ثلاثُ خصالٍ لعليٍّ (عليه السلام): ما كان في الدنيا منها فهو إمامة الأمة وخلافة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما أعظم هذه المرتبة.. ولمّا كان عليٌّ إماماً وخليفةً لسيِّد الكائنات، لم يكن لفاطمة كفوٌ سواه.
وحينما ذُكِرَت الخصلة الثالثة، في يوم القيامة: وَأَنْتَ قَائِدُ المُؤْمِنِينَ إِلَى الجَنَّةِ.. لم يكن غيره أيضاً كفواً لفاطمة! كيف ذلك؟
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ابْنَتِي فَاطِمَةَ، قَدْ أَقْبَلَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى نَجِيبٍ مِنْ نُورٍ:
1. عَنْ يَمِينِهَا سَبْعُونَ الفَ مَلَكٍ
2. وَعَنْ يَسَارِهَا سَبْعُونَ الفَ مَلَكٍ
3. وَبَيْنَ يَدَيْهَا سَبْعُونَ الفَ مَلَكٍ
4. وَخَلْفَهَا سَبْعُونَ الفَ مَلَكٍ
تَقُودُ مُؤْمِنَاتِ أُمَّتِي إِلَى الجَنَّةِ!
عليٌّ إذاً: قَائِدُ المُؤْمِنِينَ إِلَى الجَنَّةِ، وفاطمة: تَقُودُ مُؤْمِنَاتِ أُمَّتِي إِلَى الجَنَّةِ.
الجنّةُ حرامٌ إذاً على من لم يُدخله إليها هذا الزوج المبارَك، فبينهما كفاءةٌ في الدنيا وكفاءةٌ يوم القيامة! حيث يشتركان في قيادة المؤمنين والمؤمنات إلى جنة الله تعالى، فيخصُّ عليٌّ رجال الأمّة، وتخصُّ الزهراء نساءها، فيرحمهنّ الله تعالى لضعفهنّ، بشفاعة الزهراء (عليها السلام).
يكمل (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: أَيُّمَا امْرَأَةٍ:
1. صَلَّتْ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ
2. وَصَامَتْ شَهْرَ رَمَضَانَ
3. وَحَجَّتْ بَيْتَ الله الحَرَامَ
4. وَزَكَّتْ مَالَهَا
5. وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا
6. وَوَالَتْ عَلِيّاً بَعْدِي
دَخَلَتِ الجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ ابْنَتِي فَاطِمَةَ..
سلامُ الله عليك يا زهراء.. توالي المرأةُ بعلَك علياً وتأتي بتلك الواجبات، فتستحقُّ أن تكون في ركبك وتحت قيادتك إلى الجنة، فتشفعين لها في ما سوى ذلك.
ولا تنتهي كرامات الزهراء هنا، فهذا حالها مع الجنة.. أما مع النار!
عن الباقر (عليه السلام): لِفَاطِمَةَ (عليها السلام) وَقْفَةٌ عَلَى بَابِ جَهَنَّمَ..
آهٍ يا باب جهنم، تقف الزهراء عليك لكن لا ضارِبَ لها ذلك اليوم..
إنَّ في جهنم ناراً كما كان على باب فاطمة نارٌ، لكنّ بابَ جهنَّمَ لا يعصر الزهراء!
إنَّ لَهَبَهَا الذي يُحرق يَسيرُه الدنيا وما فيها، يكون طوعَ أمر فاطمة! فليست تلك النيران كنيران أبالسة الدنيا.. ولا حَطَبُها كالحطب الذي جُمِعَ على بابها!
سلام الله عليك يا زهراء، أُحرِقَ بابُكِ في الدنيا بالنار، لكن الله تعالى أعطاكِ كرامةً ما بعدها كرامة على باب تلك النيران
يقول (عليه السلام): لِفَاطِمَةَ (عليها السلام) وَقْفَةٌ عَلَى بَابِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ كُتِبَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ رَجُلٍ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ، فَيُؤْمَرُ بِمُحِبٍّ قَدْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ إِلَى النَّارِ.
هكذا تفعلُ الذنوبُ بالمؤمن المُحبّ، حيث قد يستحق دخول النار لكثرة ما يرتكب من معاصٍ، لكنّ هناك عقبةً أمام دخوله النار.
يقول (عليه السلام): فَتَقْرَأُ فَاطِمَةُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُحِبّاً، فَتَقُولُ: إِلَهِي وَسَيِّدِي، سَمَّيْتَنِي فَاطِمَةَ، وَفَطَمْتَ بِي مَنْ تَوَلَّانِي وَتَوَلَّى ذُرِّيَّتِي مِنَ النَّارِ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَأَنْتَ لا تُخْلِفُ المِيعادَ.
فَيَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقْتِ يَا فَاطِمَةُ، إِنِّي سَمَّيْتُكِ فَاطِمَةَ، وَفَطَمْتُ بِكِ مَنْ أَحَبَّكِ وَتَوَلَّاكِ، وَأَحَبَّ ذُرِّيَّتَكِ وَتَوَلَّاهُمْ مِنَ النَّارِ، وَوَعْدِيَ الحَقُّ، وَأَنَا لَا أُخْلِفُ المِيعَادَ، وَإِنَّمَا أَمَرْتُ بِعَبْدِي هَذَا إِلَى النَّارِ لِتَشْفَعِي فِيهِ فَأُشَفِّعَكِ.
الكلام لله الواحد الأحد: إِنَّمَا أَمَرْتُ.. وإنما يستفاد منها الحصر، فغاية الأمر وسببه هو أن تشفع له فاطمة (عليها السلام)، لماذا كلُّ هذا؟ لإبراز مكانتها وعظمتها عند الله تعالى.
وَلِيَتَبَيَّنَ لِمَلَائِكَتِي وَأَنْبِيَائِي وَرُسُلِي وَأَهْلِ المَوْقِفِ مَوْقِفُكِ مِنِّي، وَمَكَانَتُكِ عِنْدِي، فَمَنْ قَرَأْتِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِناً فَخُذِي بِيَدِهِ وَأَدْخِلِيهِ الجَنَّةَ(3).
إنّها ظُلامات الجهل نعيشها اليوم، حيث نجهلُ قدر فاطمة!
مَن أنتِ يا فاطمة، وقد فُطِمَ المُحبّون والموالون بك عن النار!
مَن عَرَف قَدرَك؟ ونورك من نور الله، ومكانتك يعجب لها أهل الموقف العظيم، وفيهم جميع الأولين والأخرين، ومعهم الملائكة المقربون.
نساؤنا كرجالنا يا زهراء، يطمعون بشفاعتك وشفاعة أبيك وبعلك وبنيك.
صلوات الله عليكم من آلِ بيتِ طُهِّرتُم مِن كلِّ دَنَس، طِبتم وطابت الأرض التي فيها دُفنتم.
حشرنا الله معكم، وفي زمرتكم، ورحم موتانا وموتى المؤمنين بشفاعتكم، إنه سميعٌ مجيب. والحمد لله رب العالمين(4).
(3) علل الشرائع ج1 ص179.
(4) الخميس 21 جمادى الثاني 1442 هـ الموافق 4 - 2 - 2021 م.
بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
|