• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
              • القسم الفرعي : مقالات اجتماعية .
                    • الموضوع : 36. لا تعجلوا على شيعتنا !! .

36. لا تعجلوا على شيعتنا !!

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات10)
آيةٌ مباركةٌ أضافت لأخوّة النسبِ أخوّةً في الدين بين المؤمنين..
ثمَّ رتّبت هذه الأخوة حقوقاً بينهم.. فإنّ: الْمُؤْمِن أَخُو الْمُؤْمِنِ عَيْنُهُ وَدَلِيلُهُ.. كما عن الصادق عليه السلام (الكافي ج‏2 ص166).

هو الحقُّ الرابع من حقوقٍ سبعةٍ واجبةٍ للمؤمن على أخيه المؤمن، وفي تضييعها خروجٌ من ولاية الله وتركٌ لطاعته عزّ وجل، الرابع منها كما يقول عليه السلام: أَنْ تَكُونَ عَيْنَهُ وَدَلِيلَهُ وَمِرْآتَهُ (المؤمن ص40).

1. فالمؤمن عينُ أخيه المؤمن.. ما غاب عن أحدهما بَصَّرَهُ به الآخر، حتى كأنّ أحدهما بَصَرُ الآخر، فهل يرى الإنسان دون عينه؟ فما احتاج مؤمنٌ للنظر الذي يخفى عليه إلا كان أخوه المؤمن وسيلته في ذلك كعينه.

2. والمؤمن دليل أخيه المؤمن.. لقد جعل الله تعالى داخل الإنسان دليلاً هو العقل: الْعَقْلُ دَلِيلُ الْمُؤْمِنِ (الكافي ج1 ص25)، ثم أضاف له دليلاً آخر هو كلُّ مؤمن آخر حينما ألزمه بأن يكون دليلاً لأخيه.
فعلى أيّ قدرٍ من الفَهم والإدراك والهداية ينبغي أن يكون المؤمن لمّا يصير كلُّ مؤمن آخر دليلاً له كما صار عقله دليلاً له؟
وأيُّ أهميّة أولتها الشريعة بالمؤمن حتى أوجبت على كلّ أخٍ له في الدين أن يكون له دليلاً قدر استطاعته ووسعه؟

3. والمؤمن مرآة المؤمن.. فهو يرى نفسه في أخيه.. يبصّره ما ينبغي أن يراه، محاسنه ومساوئه، فالمرآة الصافية لا تخادع صاحبها ولا تغشّه..

كلُّ هذا نزرٌ يسير مما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون فيما بينهم..

لكنّ السهو والخطأ ملازمٌ لابن آدم.. ولا ينفكّ حتى عن عباد الله المؤمنين.. فيُقَصِّرُ بعضهم في حقوق الأخوّة، جهلاً تارة وخجلاً أخرى وخوفاً ثالثةً وعصياناً رابعة.. وهكذا..

ومما قد نبتلى به هو المسارعة إلى اتهام اخواننا المؤمنين في هفواتهم، غافلين عما كان يقوله إمامنا الباقر عليه السلام:
لَا تَعْجَلُوا عَلَى شِيعَتِنَا، إِنْ تَزِلَّ لَهُمْ قَدَمٌ تَثْبُتْ لَهُمْ أُخْرَى‏ (قرب الإسناد ص385).

عبارةٌ في غاية اللطافة..
تبيّن حالَ الشيعيّ.. وليِّ عليّ.. إن هفا وأخطأ وعصى وزلّت قدمٌ.. ثبتت الأخرى فعاود الاستقامة وآبَ الى الله تعالى..

فهل في هذا تغريرٌ بأولياء عليٍّ وشيعته؟! وتشجيعٌ على المعصية؟!

حاشا أن يشجعهم الإمام على ذلك، فإنّ هناك قيداً لثبات المؤمن بعد زلّته، وهو أن يكون ممن ثبّت الله تعالى حبّ عليٍّ في قلبه، أما من كان حبُّ عليٍّ متزلزلاً لديه فليس من أهل هذا الحديث، فعنه عليه السلام:
مَا ثَبَّتَ اللَّهُ (تَعَالَى) حُبَّ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي قَلْبِ أَحَدٍ فَزَلَّتْ لَهُ قَدَمٌ إِلَّا ثَبَتَتْ لَهُ قَدَمٌ أُخْرَى (الأمالي ص133).

لَا تَعْجَلُوا عَلَى شِيعَتِنَا..
هو منهجٌ عظيمٌ إذاً يخطُّه الإمام عليه السلام لشيعته.. يريد منهم أن لا يسارع بعضهم باتّهام الآخر في دينه، إذا ما زلّت قدمه.. إلا أن تزلّ القدمان فيخرج عن ولاية محمدٍ وآله فتسقط حقوق الأخوّة بينهما.
فالمؤمن أخو المؤمن وعينه ودليله ومرآته..
وهل يسيء الأخ إلى أخيه؟
وهل تخدعُ العين صاحبها؟
وهل يضلّ الدليل من استرشد به؟
وتغشُّ المرآة الناظر إليها؟!

أين نحن من وصاياكم يا آل محمد؟!
كيف بكم وأنتم ترون من الشيعة كلَّ تَنَابُذٍ وافتراق وهجران؟!
تنظرون إليهم وقد فرّقتهم العصبيّة المقيتة.. ولم يرحم بعضهم بعضاً..

ماذا سيحلُّ بنا يا سادتي ومَواليّ إذا واخى الرجل أخاه ثم أحصى عليه عثراته وزلاّته؟!
ألا نكون للكفر منّا أقرب للإيمان؟!
هل سنكون ممن ثَبَّتَ الله حبّ عليٍّ في قلوبنا إذا ما تتبّعنا عورات المؤمنين؟
أم نكون ممن يفضحه الله ولو في جوف بيته؟

لقد ألّف الله بين قلوب المؤمنين، فسهّلَ لهم ما أوجب عليهم..
فقال عنهم: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُم‏) (الأنفال63).

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن لله ملكاً نصف جسده الأعلى نارٌ، ونصفه الأسفلُ ثلجٌ، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار، وهو قائمٌ ينادي بصوت لهُ رفيع:

سُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِي كَفَّ حَرَّ هَذِهِ النَّارِ، فَلَا تُذِيبُ هَذَا الثَّلْجَ!
وَكَفَّ بَرْدَ هَذَا الثَّلْجِ، فَلَا يُطْفِئُ حَرَّ هَذِهِ النَّارِ!

اللَّهُمَّ يَا مُؤَلِّفاً بَيْنَ الثَّلْجِ وَالنَّارِ، أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى طَاعَتِكَ (التوحيد ص280).

ونحن نؤمِّنُ على دعاء هذا الملك قائلين.. آمين رب العالمين..
إلهنا قد ألّفتَ بين قلوب عبادك المؤمنين فإنّا نبرأ إليك ممن يثير الأحقاد والضغينة بينهم، وممن ينشر الفتنة في أوساطهم، وممن يسعى لإضلالهم وتفرقة كلمتهم وتضييع حقوقهم..

إنّها كلماتُ النور على لسان آل محمدٍ.. حريٌّ بالمؤمن أن يتدبّر فيها.. فهي أحقُّ ما يُنظر فيه بعد كتاب الله تعالى ومعه.

إلهنا وربّنا ثبّت حبّ أوليائك في قلوبنا، واختم لنا بحسن العاقبة، وعجّل فرج وليك.

والحمد لله رب العالمين

الاثنين 14 ربيع الأول 1442 هـ
30 - 11 - 2020 م
 


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=95
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5