• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
              • القسم الفرعي : مقالات عامة ومتنوعة .
                    • الموضوع : 286. هَل يُغلَبُ رُسُلُ الله وحِزبُه؟! .

286. هَل يُغلَبُ رُسُلُ الله وحِزبُه؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

هَل يُمكِنُ أن يُغلَبَ رُسُلُ الله تعالى وأنبياؤه وأولياؤه في حروبهم؟!

هل يمكن أن يُهزَمَ المؤمنون وهم حِزبُ الله وجُنده في معاركهم؟!

أم أنهم في كلِّ حالاتهم غالبون منتصرون؟!

قد يظنُّ ظانٌّ أنَّ أولياءَ الله تعالى ورسلَه وعمومَ المؤمنين موعودون بالنَّصر الإلهي والغلبة الربَّانية في كلِّ ظَرفٍ، لقول الله تعالى: ﴿كَتَبَ الله لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلي‏ إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزيزٌ﴾ (المجادلة21).

بتقريب أنَّ الآية المباركة فيها ما يجري مجرى الوعد الإلهي بالنَّصر، فما كتبه الله في الألواح بالغلبة لرسله واقعٌ بلا رَيبٍ، ولَم تُحَدَّد هذه الغلبة بحالةٍ أو صورةٍ فتكون عامَّةً لكلِّ أحوالهم.

وقد قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: ﴿أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الغالِبُونَ (القصص35).

وقال عنهما وعن قومهما: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى‏ مُوسى‏ وَهارُونَ * وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الكَرْبِ العَظيمِ * وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الغالِبينَ﴾ (الصافات 114-116).

كذلك قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالِبُونَ﴾ (المائدة 56).

فيكون الأنبياء والرُّسُل وأتباعهم هم أولياء الله وحِزبُه، وهم الغالبون بِنَصِّ القرآن الكريم.

هذه وجهة نَظَرٍ..

نَسمَعُها من بعض أخوتنا وأحبّتنا، ونقرأها في كلماتهم، لكنَّنا نخالفها ولا نقبلها، لأنَّها تبتني على تفسيرٍ خاطئٍ للآيات المباركة، ينتج عنه أخطاء كبيرةٌ في تقييم المسائل الدينية والبناء عليها.

ذلك أنَّ أصل الغَلَبَة وجَذرَها في اللغة يدلُّ على (قُوَّةٍ وقَهرٍ وشِدَّة) (معجم مقائيس اللغة ج‌4 ص388‌).

لكنَّ مُتَعَلَّق هذه الغلبة مُتَعَدِّدُ الأبعاد، فلا يلزم أن تكون عسكريةً دائماً، وهي تدور بين معانٍ عدَّة:

1. غلبةٌ بالسيف في الحروب، قد يوفق الله المؤمنين إليها وقد يزويها عنهم لحكمةٍ ومصلحةٍ.

2. غَلَبَةٌ بالحُجَّةٍ والبُرهان، وهذه واقعةٌ لا محالة كُلَّما تبارَزَ الحقُّ والباطل، فقد تنتصر الحُجَّةُ ويثبت الحقّ رغم هزيمة الجُّند.

3. غَلَبَةٌ بالنَّصر المؤجَّل إلى ظهور الإمام، وفي أيام الرجعة.

4. غلبةٌ يوم القيامة، بدخول الجنة والخلاص من النار وإذلال العدو.

وهكذا تكون الغلبة متعدِّدة الاستعمالات، وقد نصَّت على ذلك كتب اللغة، ففيها حول قوله تعالى: ﴿كَتَبَ الله لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي‏﴾: إِمَّا بالحُجَّة وحدها، أَو بها وبالسّيف (الطراز الأول ج‏2 ص364).

فرُسُلُ الله وأنبياؤه والمؤمنون قد ينتصرون في المعارك العسكرية كما حصل مراراً، لكنَّ النَّصرَ قد يُزوى عنهم كما في حروبٍ كثيرةٍ.

ومن غير الصحيح أبداً أن نعتقد بأنَّ وعد الله تعالى بالغَلَبَة والنَّصر يلزم أن يكون عسكرياً في الحروب، فإنَّ المؤمن قد يُغلَبُ في الحرب ويُقتَل، مع أنَّه يقاتل في سبيل الله تعالى.

قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُقاتِلْ في‏ سَبيلِ الله فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتيهِ أَجْراً عَظيماً﴾ (النساء74).

فالمقابلة في الآية بين أن (يُقتَل) المؤمنُ وبين أن (يَغلِب) لا تُخوِّلنا أن ننسب لأنفسنا الغلبة والنَّصر في الحروب ونحن مقتولون، وإن كان الثواب لا يفارقنا بحال.

لذا كانت الغلبة في ميادين القتال بالنَّصر العسكري، فتارةً ينالها المؤمنون وتارة ينالها أعداؤهم، وهي تتبدل من ظرفٍ لآخر، كما في قتال الروم والفرس، قال تعالى: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * في‏ أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * في‏ بِضْعِ سِنينَ﴾ (الروم2-4).

فالغلبة هنا هي نَصرٌ عسكريٌّ للفُرس أولاً، ثم بعد سنين كانت للروم، وإن لم يكن أحدٌ منهما على الحق، فهم قومٌ من أهل الكتاب وقومٌ من المجوس.

والشواهد على هذا المعنى سوى ما تقدَّم كثيرةٌ جداً، منها:

أولاً: الغلبة بالسيف

استشهد النبيُّ صلى الله عليه وآله، فَهَدَرَ فَنيقُ الباطل، وتظافَرَت الأمَّة على ظلم العترة الطاهرة، وغصبها حقَّها، حتى أسقطوا جنين الزهراء.. ودقّوا ضلعها! وقتلوها ظلماً وقهراً.

وقد نَصَّ أميرُ المؤمنين عليه السلام على أن القومَ قد غَلَبُوا واستولوا فقال مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وآله بعد شهادة الزهراء: وَسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا.. وَلَوْ لَا غَلَبَةُ المُسْتَوْلِينَ لَجَعَلْتُ المُقَامَ وَاللَّبْثَ لِزَاماً مَعْكُوفاً، وَلَأَعْوَلْتُ إِعْوَالَ الثَّكْلَى عَلَى جَلِيلِ الرَّزِيَّةِ (الكافي ج1 ص459).

ثم جاءت أيام الحسين عليه السلام في عاشوراء، فقال عليه السلام: رَبِّ إِنْ تَكُنْ حَبَسْتَ عَنَّا النَّصْرَ مِنَ السَّمَاءِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ! وَانْتَقِمْ لَنَا مِنْ هَؤُلَاءِ القَوْمِ الظَّالِمِين (الإرشاد ج2 ص108).

وهكذا كان الحالُ في أيام الأئمة جميعاً.. فهذا الإمام الجواد عليه السلام يقول: وَايْمُ الله، لَوْ لَا تَظَاهُرُ الْبَاطِلِ عَلَيْنَا، وَغَلَبَةُ دَوْلَةِ الْكُفْرِ، وَتَوَثُّبُ أَهْلِ الشُّكُوكِ وَالشِّرْكِ وَالشِّقَاقِ عَلَيْنَا، لَقُلْتُ قَوْلًا يَتَعَجَّبُ مِنْهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اصْمُتْ كَمَا صَمَتَ آبَاؤُك‏! (دلائل الإمامة ص385).

والسرُّ في ذلك أنَّ الله تعالى ما أراد أن يكون الأنبياء والرسل والأئمة ظاهرين قاهرين في كلِّ حين كي يكون الإيمان به خالصاً لوجهه، فهو تعالى قد: جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِ نِيَّاتِهِمْ، وَضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الأَعْيُنُ مِنْ حَالاتِهِمْ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام (الكافي ج‏4 ص199).

ولم يعط الأنبياء قوَّةً لا تُرام، ولم يجعلهم غالبين في كلِّ أحوالهم، بل كانوا في غالب أمرهم مقهورين مظلومين ضُعفاء، لأسبابٍ وأسباب.

قال الشاعر:

ولو أنّهم في كل حال يُرى لهم * * * على كلّ من عاداهم الفتح والنصر

لأوشك من ضعف العقول يرونهم * * * عن الله أرباباً فينعكس الأمر

وليس الضَّعفُ الظاهرُ عيباً في الأنبياء والأولياء والأوصياء والمؤمنين، إن كان عدوُّهم عدوّاً لله، لا يراعي فيهم حقَّ الله، فهو ابتلاءٌ من الله تعالى لهم ولعدوهم.

وهذا نبيُّ الله نوح قد كذَّبه قومه ونسبوه إلى الجنون، وكان مغلوباً على أمره، حتى دعا الله: ﴿فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ (القمر10-11)، فدفع الله عنه بماء الأرض والسماء.

وقد أدرك أعداء آل محمدٍ (ص) هذا المعنى أيضاً، فهذا الرشيد يُجِلُّ الإمام الكاظم عليه السلام في الظاهر ويحاربه في الواقع، ولما رأى المأمون فعل أبيه مع الإمام تعجَّب، فقال له أبوه: أَنَا إِمَامُ الجَمَاعَةِ فِي الظَّاهِرِ وَالغَلَبَةِ وَالقَهْرِ! وَمُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ إِمَامُ حَقٍّ، وَالله يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَأَحَقُّ بِمَقَامِ رَسُولِ الله (ص) مِنِّي وَمِنَ الخَلْقِ جَمِيعاً (عيون أخبار الرضا عليه السلام ج‏1 ص91).

ثانياً: غلبة الحق

الإمام الكاظم إمام حَقٍّ.. ولو كان مغلوباً مستضعفاً..

والإمام الحسينُ إمامُ حَقٍّ، إمامٌ غالبٌ بالحقِّ والحجَّة والبرهان، ولو كان مقتولاً مظلوماً مغلوباً شهيداً!

فالإمام غالبٌ منتصرٌ بالبراهين والأدلّة والحجج، سواءٌ سَلَّ سيفه أو أغمده، قاتل أو هادَن، فهذا النَّصر لا ربطَ له بالقتال وحمل السيف والسلاح.

لذا لمّا قُتِلَ الحسين عليه السلام وسُئِل الإمام السجاد عليه السلام: يَا عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ، مَنْ غَلَبَ؟

قال عليه السلام: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَنْ غَلَبَ، وَدَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَأَذِّنْ ثُمَّ أَقِمْ (الأمالي للطوسي ص677).

لقد كانت غَلَبَةُ السيف ليزيد عليه لعائن الله، لكنَّ الحسين عليه السلام غالبٌ بالحقِّ، بظهور برهانه وفلجه على مخالفيه الذين أرادوا إطفاء نور الله.

قال الشيخ المجلسي رحمه الله في قوله تعالى: ﴿لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾: بظهور الحقّ ولو كان الكفار غالبين ظاهراً، فالحق غالبٌ بالبرهان، أو بعد ظهور صاحب الزمان صلوات الله عليه (روضة المتقين ج10 ص460).

وقال الشيخ ابن شهر آشوب: النَّصر: الغلبة على العدو، وهو على ضربين: نَصرٌ بالحُجَّة، ونَصرٌ بالغلبة في المحاربة بحسب المصلحة وما تقتضيه الحكمة (متشابه القرآن ج‏1 ص208).

هكذا يُفهَمُ حَديثُ السجّاد عليه السلام، ولا يصحُّ تسخيفه كما يذهب إليه بعض الأخوة، فيتوهَّم أنَّ كلَّ من أفشل هدف عدوَّه صار منتصراً! فهذا ليس من معاني النَّصر، إلا أن يكون هدفُ العدو إحقاق الباطل وإبطال الحقّ، فيكون ظهور الحقّ وغلبته بالحجَّة والبُرهان هو النَّصر.

ودونك الوجدان.. فكم من عدوٍّ يفشل في تحقيق أهدافه لكنَّه يكون منتصراً غالباً بالسلاح، قاهراً لمخالفيه.

ولقد كان أعداء الحقِّ يرغبون بقتل الأئمة جميعاً، واستئصال العترة الطاهرة حينما هجموا على دار الزهراء، ولم ينجحوا، رغم ذلك وصفهم أمير المؤمنين بالغلبة والاستيلاء، وإن كانت الغلبة للحق من حيث قوَّة برهانه وحجته.

على أنَّ المؤمن في قتاله لا يرى أنَّ عدوَّ الله كوليِّ الله، فعقيدتنا فيهم: وَمَا أَلْفٌ مِنْهُمْ بِرَجُلٍ مِنْكُم!‏ (الكافي ج7 ص269).

ثمَّ إنَّ هذا المعنى من غلبة الحقَّ قد نصَّ عليه القرآن حين قال السحرة: ﴿إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الغالِبينَ﴾، فألقى موسى عصاه ولقفت ما يأفكون: ﴿فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرينَ (الأعراف118-119).

ولقد جرى هذا اللفظ في موارد اثبات الحق مراراً على لسان أصحاب الأئمة عليهم السلام، فهذا هشام بن الحكم حين يغلب بريهة النصراني بالحجة يقول: (فَقَدْ غَلَبْتُكَ)، وعندما يُنَاظِرُ أبا هذيل يقول: (إِنْ غَلَبْتُكَ رَجَعْتَ إِلَى مَذْهَبِي، وَإِنْ غَلَبْتَنِي رَجَعْتُ إِلَى إِمَامِي).

ثالثاً: الغلبة بظهور الإمام

وممّا دلَّ على ذلك قول الصادق عليه السلام عندما سئل عن آية النَّصر في الدُّنيا: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهادُ﴾، قال عليه السلام: ذَلِكَ وَالله فِي الرَّجْعَةِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ يُنْصَرُوا فِي الدُّنْيَا وَقُتِلُوا، وَالأَئِمَّةَ بَعْدَهُمْ قُتِلُوا وَلَمْ يُنْصَرُوا، ذَلِكَ فِي الرَّجْعَة (تفسير القمي ج‏2 ص259).

فينتصر الله للأنبياء والرسل والأولياء والمؤمنين جميعاً بظهور الإمام عليه السلام، وبالرجعة.

رابعاً: الغلبة يوم القيامة

لقد وعد الله تعالى بنصر رسله والمؤمنين في الدُّنيا بما تقدَّم من أنواع النصر، وكذا في يوم القيامة: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهادُ﴾ بالظَّفر على عدوِّهم.

قال الشيخ ابن شهر آشوب رحمه الله: وأما نصره إياهم يوم القيامة فهو علوّ كلمتهم، وظهور حقهم بجزيل الثواب، وإذلال عدوهم بعظيم العقاب (متشابه القرآن ج‏1 ص208).

وفي القرآن الكريم آيةٌ تَوَعَّدَ الله فيها اليهود على لسان نبيِّه بالهزيمة في الدُّنيا، ثم دخول النار في الآخرة، قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى‏ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المِهادُ﴾ (آل عمران12).

فقد نزلت هذه الآية بعد بدرٍ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله لليهود: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ وَهُمْ أَكْثَرُ عَدَداً وَسِلَاحاً وَكُرَاعاً (خيلاً) مِنْكُمْ، فَادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَ إِنَّكَ تَحْسَبُ حَرْبَنَا مِثْلَ حَرْبِ قَوْمِكَ؟! وَالله لَوْ لَقِيتَنَا لَلَقِيتَ رِجَالاً! (تفسير القمي ج1 ص97).

فنزلت الآية المباركة، ثمَّ غُلِبَ اليهود في حربهم مع النبيِّ في الدُّنيا، وفي الآخرة حيث سيُحشَرون إلى جهنم وبئس المهاد.

يُحدِّثُ الإمام الصادق عمّا يجري في ذلك اليوم، وعن حال المؤمنين فيه، فيقول عليه السلام: يَجِي‏ءُ رَسُولُ الله (ص) يَوْمَ القِيَامَةِ آخِذاً بِحُجْزَةِ رَبِّه‏، وَنَحْنُ آخِذُونَ بِحُجْزَةِ نَبِيِّنَا، وَشِيعَتُنَا آخِذُونَ بِحُجْزَتِنَا، فَنَحْنُ وَشِيعَتُنَا حِزْبُ الله، وَحِزْبُ الله هُمُ الغالِبُونَ‏.

وَالله مَا نَزْعُمُ أَنَّهَا حُجْزَةُ الإِزَارِ (موضع شدّه)، وَلَكِنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ.

يَجِي‏ءُ رَسُولُ الله (ص) آخِذاً بِدِينِ الله، وَنَجِي‏ءُ نَحْنُ آخِذِينَ بِدِينِ نَبِيِّنَا، وَتَجِي‏ءُ شِيعَتُنَا آخِذِينَ بِدِينِنَا (التوحيد للصدوق ص166).

ستكون الغلبة في يوم القيامة لحزب الله.. لكلِّ مؤمنٍ بآل محمدٍ.. لكلِّ شيعيٍ موالٍ ثابتٍ على الحقّ..

سيُعَوِّضُ الله المؤمنين كلَّ ضيقٍ وشدَّةٍ وغَمٍّ وظلامةٍ عرفوها في هذه الدُّنيا.

سيبتلي الله المؤمنين في الدُّنيا بأنواع الشدائد.. حتى: يَذُوب قَلْبُ المُؤْمِنِ فِي جَوْفِهِ كَمَا يُذَابُ المِلْحُ فِي المَاءِ! (تفسير القمي ج2 ص304).

سيلاقي المؤمن بلاءً يتلو البلاء، ويترقبون أحداثاً قبل ظهور الإمام لا تكون الغلبة فيها لهم.. كما عن الصادق عليه السلام:

إِنَّهُ لَا يَتِمُّ الْأَمْرُ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي دَخَلَ عَلَى الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَحَتَّى تُبْتَلَوْا فِي أَنْفُسِكُم‏ وَأَمْوَالِكُمْ، وَحَتَّى تَسْمَعُوا مِنْ أَعْدَاءِ الله أَذىً كَثِيراً فَتَصْبِرُوا وَتَعْرُكُوا بِجُنُوبِكُمْ (تتحملوا الأذى)، وَحَتَّى يَسْتَذِلُّوكُمْ وَيُبْغِضُوكُمْ، وَحَتَّى يُحَمِّلُوا عَلَيْكُمُ الضَّيْمَ، فَتَحَمَّلُوا مِنْهُمْ تَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ وَجْهَ الله وَالدَّارَ الْآخِرَة.. وَحَتَّى يُكَذِّبُوكُمْ بِالْحَقِّ وَيُعَادُوكُمْ فِيهِ وَيُبْغِضُوكُمْ عَلَيْهِ فَتَصْبِرُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْهُم‏.. (الكافي ج8 ص5).

هذا حال الشيعة في زمن الغيبة.. وكلَّما تقارَبَ عصر الظهور ازدادت الشدَّة والمحن والبلاءات.

لن تكون يَدُنَا العليا، إلا بالحجَّة والبُرهان.

لكننا ننتظر ساعةً تنقلب فيها الموازين، حيث يخرج الإمام كالشهاب الواقد في ظلمة الليل، فتقرُّ أعيننا به وبلقياه.

نسأل الله أن يعجل له الفرج، وأن يدفع به عنا وعن جميع المؤمنين في أيامنا هذه.

والحمد لله رب العالمين

الإثنين 30 جمادى الأولى 1446 هـ الموافق 2-12-2024 م


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=354
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 12 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5