• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
              • القسم الفرعي : مقالات عامة ومتنوعة .
                    • الموضوع : 276. العَينُ حَقٌّ.. فلا تأمنها على نفسك! .

276. العَينُ حَقٌّ.. فلا تأمنها على نفسك!

بسم الله الرحمن الرحيم

اختلف الناس في أمر العَين.. أي (الإصابة بالعين)..

هل هي حَقٌّ؟! أم وَهمٌ وخَيال؟!

هل لها واقعٌ؟ أم أنَّها من بنات أفكار العباد أو تَخيُّلاتهم؟!

وإن كانت حقَّاً، فما تأثيرها؟! وما حقيقتها؟! وهل من سبيل للوقاية والخلاص منها؟!

1. العينُ حَقٌّ!

لقد اعتقدَ كثيرٌ من النَّاس أن الإنسان قد ينظر إلى آخر نظرةً خاصَّةً فتؤذيه تلك النظرة! بأن تُسَبِّبَ له مرضاً أو ألماً! مِن تَعَبٍ وَهَمٍّ وغَمّ! إلى ألمٍ في الرَّأس والبدن! إلى مَرَضٍ لا يفارقه!

بل قد تُرديه النَّظرَةُ قتيلاً!

وأنَّ الإنسان قد ينظر إلى جدارٍ مُحكَمٍ نَظرةً خاصة فينهدُّ الجدار!

أو إلى بيتٍ فينهدم أو يحترق!

أو إلى قِرط ذهبٍ مَتينٍ فيتناثر!

أو إلى دابَّة فتمرض أو تموت!

أو إلى سيارة فتعطب! وهكذا!

واعتقدوا أنَّ السَّبَبَ في هذه الأشياء وأمثالها قد يكون نظرةً من بعضنا! لمَّا تَلَمَّسوا حصول بعض هذه الآثار عقيب تلك النَّظرات بالوجدان!

فيما أنكر آخرون ذلك أشدَّ الإنكار.. حيثُ لم تثبت عندهم الملازمة بين الأمرين، فَعَدُّوا الأمر على فرض تحقُّقه أحياناً اتفاقاً محضاً.

ولمّا كان الأمرُ في نفسه غير ممتنع.. وإن احتاج إلى توجيهٍ لفهمه..

ولمّا ورد ذكره في بيانات أصحاب الشريعة الغرَّاء.. على لسان النبيِّ والأئمة الأطهار عليهم السلام..

لم يجد المؤمنُ بُدَّاً من الاعتقاد به.. ومحاولة فهم حقيقته..

لقد روى السُّنَّةُ والشيعة عن النبيّ والأئمة عليهم السلام ما يؤكد أن للعين مثل هذا التأثير!

فقد ورد في صحيحي البخاريّ ومسلم عند العامة عنه صلى الله عليه وآله: الْعَيْنُ حَقٌّ (البخاري ج9 ص138 ح5057، ومسلم ج7 ص13).

أما عند الشيعة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام في حِكَمِ نهج البلاغة: الْعَيْنُ حَقٌّ، وَالرُّقَى حَقٌّ.

فآمن المؤمنون بذلك.. وحاولوا فهم مقدار تأثير العَين وسببه..

2. تأثير العين

لقد رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وآله أنَّه قال: إِنَّ الْعَيْنَ لَتُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ! وَالجَمَلَ الْقِدْر! (مكارم الأخلاق ص386).

إنَّ للعين تأثيراً عجيباً إذاً!

إذا بك ترى الجَمَلَ قائماً.. فما يلبث أن يبرك عاجزاً لا يكاد يهتدي مالكه إلى علاجه سبيلاً.. فيذبحه ويطبخه في القِدر قبل أن يصير ميتةً لا يُنتفع بها! إن أسعفه الوقت والفِطنة فتدارَكَه، ولم يمت الجَمَلُ من حينه!

وإذا بك ترى الرَّجُلَ قائماً.. فما يلبث أن يُصاب بمرضٍ عُضالٍ لا ينقضي إلا وقد أُنزِلَ في قبره!

أو تنزل به نازلةٌ مفاجئةٌ تقصم أيام حياته من ساعته! وتُدخلُهُ قبرَه!

وما ذاك إلا لعينٍ أصابته!

بل ورد فيما روي عن الصادق عليه السلام أنَّ هذا الأمر ليس حالةً نادرةً أو شاذَّة!

ولكن.. لأنَّ أسباب الموت مخفيةٌ عنَّا.. لا نعلم أن أكثر مَن فَقَدنا مِن أحبَّائنا قد فقدناهم بسبب العين!

فعن الصادق عليه السلام: لَوْ نُبِشَ لَكُمْ عَنِ الْقُبُورِ، لَرَأَيْتُمْ أَنَّ أَكْثَرَ مَوْتَاكُمْ بِالْعَيْنِ! لِأَنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ (طب الأئمة عليهم السلام ص121).

فكم هو عظيمٌ تأثير العين هذا.. وكم هو خَطَرُه!

3. سبب تأثير العين

يظهرُ من الأحاديث الشريفة أنَّ سبَبَ تأثير العين هو إعجابُ المَرء بشخصٍ، أو صِفَةٍ، أو شيءٍ.. واستحسانه لذلك.. مع عدم ذكر الله تعالى في تلك الحال!

فَقَد تُعجَبُ بِشَخصٍ عند النَّظَرِ إليه، ولا تذكر الله تعالى، فتؤثِّرُ العينُ فيه تأثيراً يُرديه!

أو تُعجَبُ بنُطقِ ناطقٍ وصوت متكلِّمٍ، ولا تذكر الله، فيُسلَب تلك القُدرة!

أو يأسُرُك جمال فتاةٍ فما يلبث أن يأفل! أو براءة طفلٍ فيتأذى!

أو غير ذلك من أمور كثيرة..

وقد ورد هذا المعنى في أحاديث مختلفة.. منها:

1. مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَخِيهِ المُؤْمِنِ فَلْيُكَبِّرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌ‏.

2. مَنْ أَعْجَبَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‏ءٌ فَلْيَذْكُرِ الله فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِذَا ذَكَرَ الله لَمْ يَضُرَّه (طب الأئمة ص121).

3. مَنْ أَعْجَبَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‏ءٌ فَلْيُبَارِكْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌ‏ (مكارم الأخلاق ص386).

فصار التكبير وذكر الله مانعاً من إصابة الآخرين بالعين عند الإعجاب والاستحسان.. ومانعاً من إيقاع الضرر بهم.

على أنَّ هذا الإعجاب إن لم يقترن بذكر الله تعالى، قد يصيرُ سبباً لكي يصيبَ الإنسانُ نفسَه بالعين!

فلا يلزم أن تكون الإصابةُ بالعين من مُبغِضٍ دائماً.. وإن كانت كذلك في أحيانٍ كثيرة.. كما روي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ﴾ فقد روي أن الصادق عليه السلام فَسَّرَه فقال: هو العين، والعين حق (متشابه القرآن ج1 ص40).

فالعين قد تجتمع مع الحَسَد، حينما يكون الناظر مبغضاً مُعجَباً متمنياً زوال النِّعمة..

وقد تنفرد عنه، عندما لا يكون الناظر مبغِضاً ولا متمنياً زوال النعمة.. لكنَّه معجَبٌ غير ذاكر لله تعالى.. ولو كان الإعجاب بنعمةٍ أنعمها الله عليه نفسه!

فقد روي في الحديث عن الصادق عليه السلام:

الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَيْسَ تَأْمَنُهَا مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ! وَلَا مِنْكَ عَلَى غَيْرِكَ!

فَإِذَا خِفْتَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَقُلْ: (ما شاءَ الله لا قُوَّةَ إِلَّا بالله الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) ثَلَاثاً (مكارم الأخلاق ص386).

فذكرُ الله تعالى ينفع في حفظ المرء لنفسه من نفسه!

ولنفسه من غيره!

ولغيره من نفسه!

وروي في الخبر عنهم عليهم السلام:

إِذَا تَهَيَّأَ أَحَدُكُمْ تَهْيِئَةً تُعْجِبُهُ، فَلْيَقْرَأْ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ المُعَوِّذَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ شَيْ‏ءٌ بِإِذْنِ الله تَعَالَى‏ (مكارم الأخلاق ص386).

لذا يصيرُ ذكرُ الله وقايةً من إصابة المرء نفسَهُ بالعين، وإصابته للآخرين، وإصابة الآخرين إياه!

على أنَّ من النّاس من ذهب إلى أنَّ الإصابة لا تقتصر على النظر بالعين، وإن كانت من أبرز مصاديقها، فقد يحصل أثرها عند سماع الأعمى صوتاً وإعجابه به، أو سماع رجُلٍ عن نعمةٍ تعجبه عند آخر ولو لم يرها ببصره..

بل ذهب بعضهم إلى أنَّها تكون في الجِنِّ أيضاً.. كما نُقِلَ في بعض تفاسير المخالفين فقالوا أنّ: عيونهم أنفَذُ من أسنّة الرماح! (تفسير روح البيان ج4 ص294).

فإن صحَّ ذلك، يكون الخلاصُ منها هو ذكرُ الله على كلِّ حال، وهو ما ندبت له الشريعة.

ففي الحديث القدسيّ من الله تعالى لنبيِّه موسى عليه السلام: لَا تَدَعْ ذِكْرِي عَلَى كُلِّ حَال‏ (الكافي ج2 ص497).

وفي الحديث: إِنَّ ذِكْرَ الله عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا تَسْأَمْ مِنْ ذِكْرِ الله (الكافي ج2 ص497).

وفي الحديث: مَنْ أُعْطِيَ لِسَاناً ذَاكِراً فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة (الكافي ج2 ص498).

وصفوة القول، أنَّ الإصابة بالعين تُتَصوَّرُ على أنحاءٍ:

النحو الأول: أن تكون عن عمدٍ بقصد الإصابة

بحيث يتعرَّضُ النَّاظرُ إلى من يريد إصابته عمداً، فيستحسِن صفةً فيه دون ذكر الله، فتصيبه العين.

ومِن ذلك ما نُقِلَ عن أنَّه: كان في بني أسد عَيَّانُون (العيَّان: الشديد الإصابة بالعين)، فأراد بعضهم أن يعين رسول الله!

وكان الرجل منهم يتجوّع ثلاثة أيّام، فلا يمرّ به شيء فيقول فيه: لم أر كاليوم مثله إلَّا عانَه وصرعه!

فأراد بعض العيّانين على أن يقول في رسول الله بمثل هذا القول، فقال له حين قراءته: لم أر كاليوم رجلاً مثله! فعصمه الله (زبدة التفاسير ج7 ص155).

فهؤلاء يتعمَّدون إصابة الناس بالعين لإيذائهم..

النحو الثاني: أن لا تكون عن عمدٍ

بل تكون ناشئةً عن رذالة طَبعٍ، وضِيقِ عَينٍ على ما أعطى الله عباده.

ومن ذلك ما روي من إعجاب أبي بكر بكثرة المسلمين يوم حنين ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً﴾.

وكان أبو بكر هو الذي أعجبته في ذلك اليوم كثرة الناس فقال: لن نُغلَبَ اليوم من قلّة، ثم كان أول المنهزمين‏ (الإفصاح في الإمامة ص68).

فَفرُّوا وفَرَّ معه! وظلَّ عليٌّ ثابتاً.. وهو البطل المغوار..

حتى ورد: وَعَانَهُمْ أَبُو بَكْر! (كشف الغمة ج1 ص221).

أي أصابهم بالعين..

وقد روي عن أصحابنا: أن أبا بكر عانَهم، وعليّاً عليه السّلام أعانهم (زبدة التفاسير ج3 ص94).

فالرَّجُل قد أصابهم بالعين لرذالة طبعه، وعليٌّ عليه السلام قد أنقذهم وخَلَّصَهُم ونَصَرَهم لعلوّ مكانته، وسموّ أمره، وعظيم بأسه وشرفه.

النحو الثالث: أن تكون ناشئةً عن إعجابٍ واستحسانٍ محضٍ

مع غفلةٍ عن ذكر الله تعالى.. كما قد يقع فيه أحدُنا إن أعجبه شيءٌ في نفسه، أو في أخوته.. ولم يذكر الله تعالى..

4. حقيقة العين

لقد اختُلِفَ في تفسير حقيقة العين على أقوالٍ:

القول الأول: أنَّ الله تعالى يفعل ذلك الأثر عند النَّظَرِ والرؤية والإعجاب لمصلحة العباد.

وهو الذي أشار إليه الشريف الرضي رحمه الله، وعَدَّه قول أصحابنا.. فقال: أنّ الله سبحانه يفعل المصالح بعباده على حسب ما يعلمه من الصلاح لهم في تلك الأفعال التي يفعلها، والأقدار التي يقدّرها (المجازات النبوية ص334).

وذكره الشيخ الطوسي رحمه الله فقال: وليس يمتنع أن يكون الله تعالى أجرى العادة لضرب من المصلحة أنه متى ما نظر انسان إلى غيره على وجه مخصوص اقتضت المصلحة اهلاكه أو إمراضه أو اتلاف ماله، فالمنع من ذلك لا وجه له (التبيان ج6 ص167).

والمجلسي رحمه الله فقال: بأن الله تعالى يفعل في المعين فعلاً عند حدوث ذلك لضربٍ من المصلحة (بحار الأنوار ج60 ص42).

ولا يلزم أن تكون المصلحةُ راجعةً إلى المُعِين (أي من أصابته العين) حصراً، بل قد ترجع لهما معاً!

والوجه في ذلك عنده ما ذكره من أنَّه: غير ممتنعٍ أن يكون تغييره تعالى نعمة زيدٍ مصلحة لعمرو، وإذا كان تعالى يعلمُ من حال عمرو أنّه لو لم يسلب زيداً نعمته ويخفض منزلته، أقبل على الدنيا بوجهه، ونأى عن الآخرة بعطفه، وأقدم على المغاوي، وارتكس في المهاوي، فإذا سلب سبحانه نعمة زيد -للعلّة التي ذكرناها- عوّضه عنها، وأعطاه بدلاً منها عاجلاً أو آجلاً (المجازات النبوية ص335).

بيانُ ذلك:

أن يكون الله تعالى قد أجرى العادة لمصلحةٍ، بترتُّبِ أثرٍ خاصٍ (كمرض فلانٍ أو موته أو إتلاف ماله) عند نظر بعض الناس إليه على نحوٍ خاص، بحيث يكون في بقاء النِّعمة للشخص الأول خروجٌ للشخص الثاني عن طاعة الله، لضعف ذاته، فيغيِّرُ الله النعمة عن الشخص الأول الذي أصابته العين، ويسلبه إياها حفظاً للشخص الثاني..

ثمَّ يعوِّضُ الله تعالى الأول عنها إما في الدُّنيا عاجلاً، أو في الآخرة آجلاً.

ويكون ذلك عنده على وزان ما دلَّ على أنّ الشي‏ء إذا عَظُمَ في صدور العباد، وَضَعَ الله قدرَه، وصغّر أمره‏.

فمَن نظر إلى شيء وعَظُمَ أمره عنده، ولم يذكر الله تعالى، صَغَّرَ الله أمرَه، وسلبه من صاحبه، وإن عوَّضه خيراً منه..

وإذا ذكر الله تعالى ورجع إليه، كان التعظيم لله عزَّ وجل لا لسواه، فصار الصلاح في بقاء النِّعمة عند صاحبها.

على أنَّه قد يتصوَّر أن يكون الشخصان غير مؤمنين بالله، فحينها يكون في سلب المنظور النِّعمة مصلحةٌ، وهي إظهار عجز الإنسان وفقره أمام الله للناظر.. أو غير ذلك من المصالح..

وأمّا لو أصابَ الشخصُ نفسَه بالعين.. فيكون في بقاء النِّعمة مع عدم توجهه لله تعالى ضرراً عليه، يدفعه الله تعالى بأن يسلبه تلك النعمة..

نظير ما ورد في الحديث القدسي: إِنَّ مِنْ عِبَادِيَ المُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ، وَلَوْ صَرَفْتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَهَلَك‏ (الكافي ج2 ص352).

ونظير ما ورد في الدُّعاء: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَأَمِتْنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي‏! (المزار الكبير ص141).

وليس هذا القول ببعيد..

وإن لم يكن هذا محلُّ بيان تحقيقه ووجوه الحِكَم والمصالح المختلفة المتصوَّرة فيه.

القول الثاني: أن الأثر من النَّظَر يترتب تكويناً كما يترتب المرض من طعامٍ مُعَيَّن، وكما يترتب الشفاء على الدواء، بتقديرٍ من رب العالمين.

ولعله أحد المحتملات التي أشار إليها الشيخ المجلسي رحمه الله بقوله: بأن جعل الله تعالى لذلك تأثيراً، وجعل علاجه التوكل والتوسل بالآيات والأدعية الواردة في ذلك (بحار الأنوار ج60 ص42).

وهو قريبٌ من الأول في بعض جهاته..

غاية الأمر أنَّ الأثر هنا تكوينيّ، أي أن الله تعالى جعل للنظر مثل هذا الأثر تكويناً.. لا أنَّه تُراعى فيه المصلحة في كلِّ حالةٍ من الحالات.. بل تكون المصلحة في أصل الارتباط بين النظر والأثر.. وفي إيجاد الأثر تكويناً..

القول الثالث: أن في بعض العيون قدرةَ تأثيرٍ في الأجسام، بحيث تخرج منها أجزاءٌ لطيفةٌ غير مرئية، كبعض أنواع الأشعة، وتؤثر في بعض الأجسام، فلا يكون هذا لكلِّ عينٍ.. بل يكون من باب خواصّ بعض العيون.

وهذا مذهب الجاحظ ومَن تَبِعَه، وهو مما لم يقم دليلٌ عليه.

وقريبٌ منه القول بأن العائن ينبعث من عينه قُوَّةٌ سَميّة يتصل بالمعيون..

أو القول بأن المؤثر هو بعض النفوس، بحيثُ يكون لها قدرة تأثير على سائر الأجسام، كما للنفس قدرة تأثير على جسم صاحبها على وجه خاص.

5. الوقاية والشفاء

لقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: الْعَيْنُ حَقٌّ، وَالرُّقَى حَقٌّ!

فصار ذكرُ الله تعالى دافعاً للعين كي لا تصيب الذَّاكِر.. ورافعاً لما وقع عليه بعد إصابته به.. كما صارت الرُّقية كذلك..

وقد ورد أنَّه ينفع لعدم الإصابة بالعين، وللشفاء منها بعد الإصابة، أمورٌ منها:

1. ذكر الله تعالى، بأيِّ نحوٍ من أنحاء الذِّكر، سواء كان ذلك بالتكبير كما في بعض الأحاديث، أو بقول: (ما شاءَ الله لا قُوَّةَ إِلَّا بالله الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) ثَلَاثاً، كما في أحاديث أخرى، فمن فعل ذلك أَمِنَ من إصابة العين.

2. قراءة بعض سور القرآن الخاصة، ومن ذلك قراءة المُعَوَّذَتَين عند إعجاب المرء بما أعطاه الله، سيما عند الخروج من المنزل، كما في بعض النصوص.

3. وفي الحديث عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: إِنَّمَا شِفَاءُ الْعَيْنِ:

1. قِرَاءَةُ الحَمْدِ.

2. وَالمُعَوِّذَتَيْنِ.

3. وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ.

4.وَالْبَخُورُ بِالْقُسْطِ وَالمُرِّ، وَاللُّبَانِ (الكافي ج6 ص503)

أي البخور بالقسط وهو عودٌ هنديّ وعربيّ يتبخَّر به، والمرّ: صمغ شجرٍ، وقيل دواءٌ كالصَّبر شديد المرورة، واللّبان هو الكندر.

وقد سئل الإمام الصادق عن العين فقال: حَقٌّ، فَإِذَا أَصَابَكَ ذَلِكَ فَارْفَعْ كَفَّيْكَ حِذَاءَ وَجْهِكَ وَاقْرَأِ:

الحَمْدُ لله، وَقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ، وَالمُعَوِّذَتَيْنِ، وَامْسَحْهُمَا عَلَى نَوَاصِيكَ فَإِنَّهُ نَافِعٌ بِإِذْنِ الله (مكارم الأخلاق ص413).

4. ومما نقل عن الصادق عليه السلام لشفاء العين أن يأتي الرَّجل منبر النبيِّ صلى الله عليه وآله بعد الدُّعاء عنده، فيمسحه بيده، ويأخذ بِرُمَّانَتَيْهِ وَهُمَا السُّفْلَاوَانِ، ويمسح عينيه ووجهه (الكافي ج4 ص553).

5. استعمال ماء المرزنجوش

وهي النبتة التي تعرف أيضاً باسم المردقوش أو البردقوش أو المردشوش..

فعن الكاظم عليه السلام عن النبيِّ صلى الله عليه وآله: نِعْمَ الرَّيْحَانُ المَرْزَنْجُوشُ، نَبَتَ تَحْتَ سَاقِ الْعَرْشِ، وَمَاؤُهُ شِفَاءُ الْعَيْن‏ (مكارم الأخلاق ص45).

5. قراءة العوذات الواردة عن النبيِّ والأئمة عليهم السلام

سواءٌ كان ذلك لحفظ النَّفس أو الأهل والعيال.. أو لشخص مخصوص..

من ذلك ما ورد عن الصادق عليه السلام:

أُعِيذُ نَفْسِي وَذُرِّيَّتِي وَأَهْلَ بَيْتِي بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَكُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ (المصباح للكفعمي ص220).

ومثل هذه العوذة مما لا ينبغي تكرها عند النوم.

وقد روي عن الحسن عليه السلام: أَنَّ دَوَاءَ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ أَنْ يُقْرَأَ ﴿وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (المصباح للكفعمي ص221).

ومما ذُكِرَ في رقية العين:

بِسْمِ الله الْعَظِيمِ الشَّأْنِ، الْقَوِيِّ السُّلْطَانِ، الشَّدِيدِ الْأَرْكَانِ، حَبْسٌ حَابِسٌ، وَحَجَرٌ يَابِسٌ، وَشِهَابٌ قَابِسٌ، وَلَيْلٌ دَامِسٌ، وَمَاءٌ قَارِسٌ فِي عَيْنِ الْعَائِنِ، وَفِي أَحَبِّ خَلْقِ الله إِلَيْهِ، وَفِي كَبِدِهِ وَكُلْيَتَيْهِ ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى‏ مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِير﴾ (المصباح للكفعمي ص221).

أو: اللَّهُمَّ رَبَّ مَطَرٍ حَابِسٍ، وَحَجَرٍ يَابِسٍ، وَلَيْلٍ دَامِسٍ، وَرَطْبٍ وَيَابِسٍ، رُدَّ عَيْنَ الْعَيْنِ عَلَيْهِ فِي كَيْدِهِ وَنَحْرِهِ وَمَالِهِ ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى‏ مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِير (مكارم الأخلاق ص415).

ومنها في تعويذ الأشخاص..

ما ورد عن النبيِّ صلى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ يَا ذَا السُّلْطَانِ الْعَظِيمِ، وَالمَنِّ الْقَدِيمِ، وَالْوَجْهِ الْكَرِيمِ، يَا ذَا الْكَلِمَاتِ التَّامَّاتِ، وَالدَّعَوَاتِ المُسْتَجَابَاتِ، عَافِ (فلاناً) مِنْ أَنْفُسِ الْجِنِّ وَأَعْيُنِ الْإِنْسِ.

وعنه صلى الله عليه وآله: عَوِّذُوا نِسَاءَكُمْ وَأَوْلَادَكُمْ بِهَذِهِ التَّعْوِيذِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَوَّذُ المُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِه‏ (المجتنى من الدعاء المجتبى ص28).

وعن الصادق عليه السلام:

قُلْ بِسْمِ الله الْجَلِيلِ، أُعِيذُ (فُلَاناً) بالله الْعَظِيمِ مِنَ الْهَامَّةِ وَالسَّامَّةِ وَاللَّامَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَمِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَمِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَمِنْ نَفْثِهِمْ وَبَغْيِهِمْ وَنَفْخِهِمْ، وَبِآيَةِ الْكُرْسِيِّ.

ثُمَّ تَقْرَؤُهَا، ثُمَّ تَقُولُ فِي الثَّانِيَةِ: بِسْمِ الله أُعِيذُ (فُلَاناً) بالله الْجَلِيلِ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَيْهِ (الكافي ج‏2، ص: 570).

ومما روي في الرُّقية:

بِسْمِ الله أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنٍ حَاسِدٍ، والله يَشْفِيكَ، بِسْمِ الله أَرْقِيكَ (الأمالي للطوسي ص638).

أو: بِسْمِ الله أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ عَيْنِ حَاسِدٍ الله يَشْفِيَكَ (المصباح للكفعمي ص220).

وروي أن رسول الله (ص) كان يرقي فيقول: بسم الله أرقيك، والله يشفيك، من كل داءٍ هو فيك، من عين عائن، ونفس نافس، وحسد حاسد (تنزيه الأنبياء ص103).

ولمن تصيبه العين‏:

يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَيَكْتُبُ:

بِسْمِ الله أُعِيذُ (فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ) بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ نَاظِرَةٍ، وَأُذُنٍ سَامِعَةٍ، وَلِسَانٍ نَاطِقٍ، إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَعَمَلِ الشَّيْطَانِ، وَخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ، ﴿وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَة﴾ (مكارم الأخلاق ص415).

ومن أراد أن يحفظ الله له شيئاً كتب في رُقعة: الحمد، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، وآية الكرسي، وجعلها في ذلك الشيء أو غلافه (كما في مكارم الأخلاق ص386).

وغير ذلك من العوذات والأدعية التي تُطلبُ من مظانها..

دفع الله العين عنَّا وعن جميع المؤمنين بحقِّ هذه الأيام المباركة، وببركة إمام زماننا المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف..

والحمد لله رب العالمين

الثلاثاء 22 شهر رمضان 1445 هـ، الموافق 2 – 4 – 2024 م


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=344
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 04 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5