• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
              • القسم الفرعي : الإمام المنتظر عليه السلام .
                    • الموضوع : 220. عَمِيَت عَينٌ.. لا تَرَاك.. يا صاحب الزَّمان! .

220. عَمِيَت عَينٌ.. لا تَرَاك.. يا صاحب الزَّمان!

بسم الله الرحمن الرحيم

في ليلة النِّصف من شعبان.. تستوقفُ المؤمنين كلماتٌ من زيارة المولود المُبارك، الإمام الغائب المنتظر.. ينقلها الشيخ الطوسي رحمه الله:

اللَّهُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنَا هَذِهِ وَمَوْلُودِهَا، وَحُجَّتِكَ وَمَوْعُودِهَا.. نُورُكَ المُتَأَلِّقُ، وَضِيَاؤُكَ المُشْرِقُ، وَالْعَلَمُ النُّورُ فِي طَخْيَاءِ الدَّيْجُورِ.. سَيْفُ الله الَّذِي لَا يَنْبُو، وَنُورُهُ الَّذِي لَا يَخْبُو.. (مصباح المتهجد ص842).

هي كلماتٌ يسيرةٌ.. تتضمَّنُ دُعاءً عَظيماً.. يكشفُ أنَّ المولود في هذه اللّيلة هو الإمامُ الموعود.. وأنَّه نورُ الله المتلألئ واللامع.. وضياء الله المُنير..

ولئن كانَ كلُّ نورٍ قد يُطفأ يوماً.. فإنَّ النُّور المنسوب إلى الله تعالى لا يُطفأ ولا يخبو.. فليس لنورِ الله أمَدٌ يُطفأ بعده..

الإمام عليه السلام هو الكوكبُ الدُّريُّ الذي يوقَدُ من شجرةٍ مُباركة: وَالْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ الْقَائِمُ المُنْتَظَرُ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً (إثبات الهداة ج‏2 ص150).

الإمام هو النُّور الذي يهدي الله له مَن أحبّ: ﴿يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ﴾ (النور35).

يتوقَّفُ المؤمنُ بعد هذه الكلمات.. متسائلاً..

أين هو الإمام؟!

أين هو نورُ الله تعالى؟!

أين الكوكبُ الدريُّ في ظُلُمات الجَهل اليوم؟!

وكيف لا يُرى وهو النَّجمُ الهادي في غياهب الدُّجى؟!

سُرعانَ ما يَجِدُ المؤمنُ بُغيَتَه وجواب سؤالاته في كلمات سيِّدِ الشُّهداء عليه السلام، حينَ يخاطبُ ربَّه في دعاء عرفة فيقول: إِلَهِي‏.. عَمِيَتْ عَيْنٌ لَا تَرَاكَ.. (بحار الأنوار ج‏64 ص142).

إنَّ الله تعالى أجلُّ مِن أن يُرى بالعيون..

فكيفَ تعمى العيونُ التي لا تَراهُ إذاً؟ وكلُّ العيون لا تراه!

إنَّ الرؤيا هي رؤية القلب.. وقد روي عن الإمام العسكري عليه السلام: إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرَى رَسُولَهُ بِقَلْبِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَب‏ (الكافي ج1 ص95).

وقد بيَّنَ أميرُ المؤمنين عليه السلام كيفية رؤيته لربه تعالى فقال: لَا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ فِي مُشَاهَدَةِ الْأَبْصَارِ، وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَان‏ (الكافي ج1 ص98).

فصارت كلُّ عَينٍ مِن عيون القلب لم ترَ الله تعالى.. عَيناً عمياء.. فإنَّ للقلبِ عينان، كما للرأس عينان!

فالأولى تقدرُ على رؤية الله، بحقائق الإيمان، وبما أودَعَ فيها من معرفته، والثانية تعجزُ عن مشاهدته بالأبصار.

وهكذا إمامُ الزَّمان.. نورُ الله تعالى..

لئن غَيَّبَ الله تعالى عنّا شخصَه.. فإنَّ عيون القلوب تراه.. بحقائق الإيمان.. بهداية الله سبحانه وتعالى..

كيف ذلك؟

لقد روي عن الصادق عليه السلام:

 إِنَّمَا شِيعَتُنَا أَصْحَابُ الْأَرْبَعَةِ الْأَعْيُنِ:

1. عَيْنَانِ فِي الرَّأْسِ.

2. وَعَيْنَانِ فِي الْقَلْبِ!

أَلَا وَالْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ فَتَحَ أَبْصَارَكُمْ، وَأَعْمى‏ أَبْصارَهُمْ (الكافي ج8 ص215)..

كلُّ قلبٍ لَم ير الله تعالى.. هو قلبٌ أعمى العينين..

وكلُّ قلبٍ لَم ير المهديَّ نورَ الله تعالى.. هو قلبٌ أعمى العينين..

العمى في هذه الدُّنيا على قِسمَين إذاً..

عمى العيون التي في الرأس.. وعمى العيون التي في القلب..

وما لَم تكُن عيون الرَّأسِ باباً للتدبُّر في آيات الله المرئية.. كانت وبالاً على صاحبها، ذاك حيثُ يُخاطبُ البصيرُ ربَّه يومَ القيامة فيقول: ﴿قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَني‏ أَعْمى‏ وَقَدْ كُنْتُ بَصيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى﴾‏ (طه125-126).

وهل مِن آيةٍ أعرَضَ النَّاسُ عنها أعظم من الإمام المعصوم؟ وهو معجزة الله الكبرى.. وآيته العظمى..

فمَن كان عنه أعمى.. كان في الآخرة كذلك: ﴿وَمَنْ كانَ في‏ هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‏ وَأَضَلُّ سَبيلاً﴾ (الإسراء72).

هكذا يعتقدُ المؤمنون.. أن عيناً لا ترى الإمام الغائب.. هي عينٌ عمياء.. كالعين التي لا ترى الله تعالى..

ولئن كان الله تعالى أقربَ إلينا من حبل الوريد.. بقوَّته.. وقدرته.. وعلمه.. وإحاطته..

فالإمام الغائب أقرَبُ إلينا أيضاً.. من أنفُسِنا! وهو خازن علم الله، وبابه، وصراطه، وطريقه، ويده الباطشة..

ولئن كان ملك الموت يتصفَّحُ كلَّ دارٍ خمسَ مرّاتٍ في اليوم.. في شَرقِ الأرض وغربها.. لا يعزُبُ عليه أحدٌ من أهلها وساكنيها.. بل يكون (أَعْلَم بِصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ)!

فإنَّ إمام الإنس والجان.. وملائكة الرحمان.. أقرَبُ لأهل الدُّور من ملك الموت!

فهو الإمام المطَّلِعُ على ما في الصُّدور.. هو الإمام الذي تهبطُ إرادةُ الربّ في مقادير أموره إليه.. وتصدر من بيته..

فواخجلتاه يا ربّاه.. مِن معاصينا.. وذنوبنا.. ومساوينا.. ومخازينا..

وواخلتاه يا إماماه.. مِن جهلنا بقَدرك.. وإعراضنا عنك.. وانشغالنا بسواك عنك..

كيف ينظُرُ لِسواكَ مَن يعتقد أنَّكَ وليُّ النِّعمة؟!

وكيفَ يُنَزَّلُ غيرُك منزلتك وأنت واحدُ دهرك؟!

وكيف يتفرَّقُ بعضُ الشيعة وهم يوالونك؟!

لقد أورثَ تشتُّتُ الشيعة الأسف عند أمير المؤمنين عليه السلام قبل وقوعه.. فَتَأَسَّف لما سيجري عليهم.. من استذلال بعضهم بعضاً! وقتل بعضهم بعضاً.. وتشتُّتِهم عن الأصل! ونزولهم بالفرع!

كيف يُعرِضُ عاقلٌ عن الأصل وهو الإمام، وينزِّلُ منزلته أحداً سواه؟!

هل هذا من عمى العينين اللتين في القلب؟ أم مجرَّدُ غباشَةٍ وتشويشٍ يرتفع برعاية الإمام؟! لأنَّ صاحبه يعرفُ الإمام ويؤمن به؟! علم ذلك عند الله..

لكن.. كم تَأَسَّفَ أميرُ المؤمنين عليه السلام من فعلات شيعته بعده..

المُؤَمِّلَةِ الفَتْحَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ!

كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ آخِذٌ مِنْهُ بِغُصْنٍ، أَيْنَمَا مَالَ الغُصْنُ مَالَ مَعَهُ! (الكافي ج8 ص64).

فمتى سنكفُّ عن الأخذ بهذا الغُصن أو ذاك؟ ونميل معه أينما مال؟!

وهل يُستبدلُ الذي هو أدنى بالذي هو خَير؟!

ثمَّ كيف لعاقلٍ أن يتوجَّهَ إلى غير الإمام؟! وهو الراعي لأمرنا.. الذي لا ينسى ذكرنا.. ويحفظنا من عدوِّنا..

هل نذكرُ إمامَنا كما يذكرُنا؟!

هل نرى لإمامنا علينا حقاً؟!

هل نترقَّبُ ظهوره صباحاً ومساءً؟!

هل تتعلَّقُ قلوبنا به كما هو حقُّه؟!

ثمَّ هل تراهُ أعينُ القلوب حقاً؟!

هو الذي غاب يوماً.. وسيبدو (كَالشِّهَابِ الوَاقِدِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ)..

آهٍ لهذه الأيام.. حيثُ تعيشُ الأمَّةُ ظُلُماتٍ بعضها فوق بعض.. يكشفُها الإمامُ عن المؤمن في غيبته.. فهو نور الله تعالى..

ثمَّ يكشفها للبشرية بظهوره.. فتقرُّ عيون المؤمنين..

سيدي يا صاحب الزمان..

ليس شيءٌ يعبِّرُ عمّا في قلوبنا مثل كلماتكم التي ورثناها منكم..

عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَى الخَلْقَ وَأَنْتَ لَا تُرَى! وَلَا أَسْمَعُ لَكَ حَسِيساً وَلَا نَجْوَى.

عَزِيزٌ عَلَيَّ أَن تُحِيطَ بِكَ دُونِيَ الْبَلْوَى، وَلَا يَنَالَكَ مِنِّي ضَجِيجٌ وَلَا شَكْوَى..

هَلْ إِلَيْكَ يَا ابْنَ أَحْمَدَ سَبِيلٌ فَتُلْقَى؟! هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنَا مِنْكَ بِعِدَةٍ فَنَحْظَى؟

مَتَى نَرِدُ مَنَاهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَرْوَى؟ مَتَى ننتقع مِنْ عَذْبِ مَائِكَ فَقَدْ طَالَ الصَّدَى؟.. مَتَى تَرَانَا وَنَرَاكَ وَقَدْ نَشَرْتَ لِوَاءَ النَّصْرِ؟..

اللهم يا غياث المستغيثين..

أرنا سَيِّدَنا رأي القلب والعَين..

وامْنُنْ عَلَيْنَا بِرِضَاهُ، وَهَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ، وَدُعَاءَهُ وَخَيْرَه‏..

والحمد لله ربّ العالمين

ليلة الأربعاء، النصف من شعبان 1444 هـ، قبيل الولادة الميمونة..

الموافق 8 – 3 – 2023 هـ


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=285
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 03 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5