• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
              • القسم الفرعي : السيدة الزهراء عليها السلام .
                    • الموضوع : 51. (تسبيح فاطمة).. وأُمَّةُ الكَذِب! .

51. (تسبيح فاطمة).. وأُمَّةُ الكَذِب!

بسم الله الرحمن الرحيم

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): قَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عَلَى عَهْدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ:

أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الكَذَّابَةُ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ (1).

هو تاريخٌ للمسلمين عجيبٌ، يكذبُ فيه كثيرٌ منهم على نبيّهم (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته وبعد وفاته، ثم على أئمتهم المعصومين (عليهم السلام)، حتى قال الصادق (عليه السلام): إِنَ‏ النَّاسَ أَوْلَعُوا بِالكَذِبِ عَلَيْنَا(2).

ولهذا الوَلَعِ أسلوبٌ في غاية الدناءة، حيثُ كانت الأمة تُخالف إمامها علياً في كلّ ما ذهب إليه وأمكنهم مخالفته فيه، حتى أنّهم كانوا يسألونه لا ليعملوا بقوله، بل ليخترعوا قولاً خلاف قوله!

فعن الصادق (عليه السلام): إِنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) لَمْ يَكُنْ يَدِينُ الله بِدِينٍ إِلَّا خَالَفَ عَلَيْهِ الأُمَّةُ إِلَى غَيْرِهِ، إِرَادَةً لِإِبْطَالِ أَمْرِهِ، وَكَانُوا يَسْأَلُونَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَنِ الشَّيْ‏ءِ الَّذِي لَا يَعْلَمُونَهُ، فَإِذَا أَفْتَاهُمْ جَعَلُوا لَهُ ضِدّاً مِنْ عِنْدِهِمْ لِيَلْبِسُوا عَلَى النَّاس(3).‏

هي أمّةُ الكذب إذاً، تمتهنه في مخالفة وليِّها عليّ (عليه السلام)، فتجعل لأقواله ضدّاً من عندها، ثم تنسب ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!

ولأمّة الكذب نصيبٌ مع (تسبيح فاطمة) (عليها السلام).

وكيف يفوتهم الكذبُ في تسبيحها وهو من علامات الشيعة، وفيه البراءة من النفاق، وأكثرُ الأمة من أهل النفاق والشقاق، ثم أتباعهم وأشياعهم!

إن المعروف والمشهور أن تسبيح الزهراء (عليها السلام) على النحو التالي من حيث العدد والترتيب: الله أكبر: 34 مرة، الحمد لله: 33 مرة، سبحان الله: 33 مرة، ومجموعها 100 تسبيحة.

وقد يضاف إليها الاستغفار، أو قول (لا إله إلا الله) فيكون أمراً خارجاً عن المئة المستحبة التي يصدق عليها أنها (تسبيح فاطمة) (عليها السلام)، والتي صارت شعاراً للشيعة يعرفون به، كما دلت على ذلك النصوص الشريفة.

وقد ثبتت هذه الصيغة بهذا (العدد والترتيب) بسندٍ صحيح، ومن ذلك ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُذَافِرٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فَسَأَلَهُ أَبِي عَنْ تَسْبِيحِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) فَقَالَ: (الله أَكْبَرُ) حَتَّى أَحْصَاهَا أَرْبَعاً وَثَلَاثِينَ مَرَّةً. ثُمَّ قَالَ: (الحَمْدُ لله) حَتَّى بَلَغَ سَبْعاً وَسِتِّينَ. ثُمَّ قَالَ: (سُبْحَانَ الله) حَتَّى بَلَغَ مِائَةً. يُحْصِيهَا بِيَدِهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً(4).

وفي حديثٍ آخر عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: فِي تَسْبِيحِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) يُبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ أَرْبَعاً وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ التَّحْمِيدِ ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ التَّسْبِيحِ ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ(5).

فما روي من أجرٍ عظيم وثوابٍ جزيل وأثرٍ عميمٍ يختصُّ بمن أتى بهذه الكيفية تماماً.

وههنا يلاحظ على السُنَّة أمور:

الأول: بغضهم لنسبة التسبيح لفاطمة عليها السلام!

لقد روى المخالفون تسبيح فاطمة (عليها السلام) في أصح كتبهم، كالبخاري ومسلم، لكنّهم ما أطلقوا عليه يوماً اسم (تسبيح الزهراء) أو (تسبيح فاطمة) كما هو المعلوم والمعروف عند آل محمد (عليهم السلام).

وكأنّهم يعزُّ عليهم أن لا يكونوا مصداقاً لما ورد عن آل محمد (عليهم السلام): إِنَّ النَّاسَ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَبْغَضَ إِلَيْهِمْ مِنْ ذِكْرِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ ‘(6).

والأوضح من ذلك أنهم نقلوه في نصوصٍ أخرى بما يخلو من ذكر فاطمة (عليها السلام) تماماً، فقد روى مُسلم وبعض أئمة المحدثين من العامة روايةً أخرى خلت من ذكرها (عليها السلام)، فقال مسلم:

عن كعب بن عجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة(7).

فلم يبق لذكر الزهراء معه أثرٌ ولا نصيب! وهو نِحلةٌ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لها (عليها السلام).

الثاني: إقحام عائشة في الحديث!

لقد عظم على البخاري وغيره ذِكرُ حديثٍ لفاطمة (عليها السلام)، دون أن يُقحِمَ عائشة فيه! بأساليبه الماكرة المعهود.

وعائشة هي نفسها التي يروي البخاري قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحقها فيقول: قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة، ثلاثاً، من حيث يطلع قرن الشيطان(8).

ثم ما يلبث أن يجعلها واسطةً في طلبات الزهراء (عليها السلام) لأبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)! فيقول:

(أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن، فبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسبيٍ فأتته تسأله خادماً فلم توافقه، فذكرت لعائشة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فذَكَرَت ذلك عائشة له، فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم فقال: على مكانكما، حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتماه؟

إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين، فإنّ ذلك خيرٌ لكما مما سألتماه) (9).

ليس هذا محلُّ مناقشة الحديث وبيان ضعفه، لكن اللافت فيه هو زَجُّ عائشة فيه وكأنّ (قرن الشيطان) تأخذ دور الوسيط بين خير الخلق وابنته الصديقة الكبرى!

الثالث: التشويش على (تسبيح فاطمة)!

يظهر أن حديث (تسبيح فاطمة) (عليها السلام) كان على قدرٍ من الشهرة، إلى حدّ أن البخاري ومسلم وأئمة الحديث عند العامة ما تمكنوا من غض النظر عنه وعدم ذكره. فعمدوا إلى قاعدة أخرى: ما لا تتمكن من حذفه فعليك بالتلاعب به!

فتلاعب البخاري بالرواية تلاعباً مَقيتاً، حيث روى القصة نفسها في أربع مواضع من كتابه، في كلِّ مرةٍ بصيغةٍ مختلفة عن الأخرى! مع أن الواقعة واحدة لم تتعدد، وفي كلِّ مرّة عدَّلَ شيئاً في التسبيح لئلا تُعلم حقيقته فعلاً.!

وهذه الصيغ الأربعة كالتالي:

- فكبرا الله أربعا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين(10).

- تكبرا أربعا وثلاثين، وتسبحا ثلاثا وثلاثين، وتحمدا ثلاثة وثلاثين(11).

- فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين(12).

- فكبرا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين(13).

فكانت الرواية الأولى مطابقة للشيعة، أما في الثانية فقدم التسبيح على التحميد، وفي الثالثة قدم التسبيح والتحميد على التكبير، وفي الرابعة أنقص من التكبير واحداً وبدّل بين التسبيح والتحميد.. وهكذا لم تتّفق ولو روايتان من الأربعة، مع أنّها كلّها في صحيح البخاري!

فضيَّعَ البخاري صيغة التسبيح الحقّة، بعد أن حذف اسم الزهراء منها ومنع الاقتران بينهما.

والحال أن الروايات المتقدمة قد نصّت على العدد وعلى تقديم التكبير، وعلى الترتيب بقوله (ثم)، لكن البخاري أغاظه أن يُعرف هذا التسبيح باسم فاطمة فتلاعب هذا التلاعب المقيت. وسار على النهج نفسه مسلمُ وسواه من أئمة الحديث.

الرابع: الكذب على النبي، لإبطال التسبيحة الحقة!

ولكي تتمّ المؤامرة، اخترع أبو هريرة أو البخاري حديثاً نسبوه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يزعم فيه أبو هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عَلَّم هذا التسبيح للفقراء لمّا شكوا عجزهم عن الاتيان بما يؤجر عليه الأغنياء، من بذل الأموال في الحج العمرة والجهاد والصدقة، فعلَّمَهُم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه التسبيحات، حتى قال أبو هريرة:

(فاختلفنا بيننا فقال بعضنا: نسبح ثلاثا وثلاثين، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبر أربعا وثلاثين.

فرجعت إليه: فقال: تقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، حتى يكون منهنّ كلهن ثلاثاً وثلاثين)(14).

فنصَّ هذا الحديث على إبطال ثلاثة صِيَغٍ وهي التي تتضمن التكبير أربعاً وثلاثين مرّة، وأن مجموع التسبيحات الثلاث 99 وليس 100 تسبيحة.

كلُّ هذا هَرَباً من موافقة ما ذهب إليه آل محمد (عليهم السلام)، ولو استلزم ذلك تكذيب روايات البخاري الصحيحة، فإن فيه مخالفةً لعليٍ وآل علي (عليهم السلام)!

وهذا الحديث وفق الموازين حاكمٌ على الأحاديث الأخرى عندَهم، لأنّه ناظرٌ إليها، فهو يحاكم الأحاديث بناء على الاختلاف الحاصل بين الناس، والناشئ من الروايات المكذوبة، ثم يرجِّح الرواية المخالفة لرواية آل محمد (عليهم السلام)، فيجعل التسبيحات تسعاً وتسعين (99) بدلاً من المائة (100) كما هي عند الشيعة.

هذه قصَّةُ (تسبيح فاطمة) وأمّة الكذب!

أفهل بعد ذلك من شكٍّ في أنّ الناس أبغض شيءٍ إليهم ذكر عليّ وفاطمة؟! وفي أنّهم كانوا يسألون أمير المؤمنين (عليه السلام) ليجعلوا لكلامه ضِدَّاً من عندهم؟!

أعاذنا الله ممن أولعوا بالكذب على المعصومين، ونبرأ إلى الله تعالى منهم.

ونترك البحث في اختلاف روايات الشيعة حول التسبيحة إلى محلٍّ آخر.

والحمد لله رب العالمين(15).

 

(1) الكافي ج‏1 ص62.

(2) رجال الكشي ص136.

(3) علل الشرائع ج‏2 ص531.

(4) الكافي ج‏3 ص342.

(5) الكافي ج‏3 ص342.

(6) الكافي ج‏8 ص159.

(7) صحيح مسلم ج2 ص98.

(8) صحيح البخاري ج4 ص46.

(9) صحيح البخاري ج4 ص48.

(10) صحيح البخاري ج4 ص48.

(11) صحيح البخاري ج4 ص208.

(12) صحيح البخاري ج6 ص193.

(13) صحيح البخاري ج7 ص149.

(14) صحيح البخاري ج1 ص205.

(15) الخميس 23 جمادى الأولى 1442 هـ الموافق 7 - 1 - 2021 م.


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=110
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5