الصفحة الرئيسية

الكتب والمؤلفات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الكتب والمؤلفات PDF (9)
  • عرفان آل محمد (ع) (17)
  • الإلحاد في مهب الريح (12)
  • قبسات الهدى (14)
  • الثالوث والكتب السماوية (6)
  • الثالوث صليب العقل (8)
  • أنوار الإمامة (6)
  • الوديعة المقهورة (6)

المقالات والأبحاث :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التوحيد والعدل (13)
  • سيد الأنبياء محمد ص (13)
  • الإمامة والأئمة (28)
  • الإمام عين الحياة (16)
  • أمير المؤمنين عليه السلام (24)
  • السيدة الزهراء عليها السلام (48)
  • سيد الشهداء عليه السلام (47)
  • الإمام المنتظر عليه السلام (9)
  • لماذا صرتُ شيعياً؟ (7)
  • العلم والعلماء (15)
  • الأسرة والمرأة (8)
  • مقالات اجتماعية (19)
  • مقالات عامة ومتنوعة (58)
  • الموت والقيامة (24)

إتصل بنا

أرشيف المواضيع

البحث :




جديد الموقع :


 شَهيدُ الهُدى.. الحُسَينُ بنُ عَليّ (عليه السلام)
 287. الإمام الجواد.. والشيعة في زمن الغيبة!
 286. هَل يُغلَبُ رُسُلُ الله وحِزبُه؟!
 285. هل أراد الله بنا (شرَّاً) فحَجَبَ عنَّا (النَّصر)؟!
 284. لن يُمحَقَ دينُ محمد (ص)!
 283. ما حُكمُ (الجِهَادِ) في أيامنا؟!
 282. الجواد.. إمامٌ يعلمُ ما في النفوس!
 281. ما من خالقٍ.. إلا الله!
 280. هل بينك وبين الله قرابة؟!
 279. المَهديُّ إمامٌ.. تبكيه العيون!

مواضيع متنوعة :


 236. هل (يُحِبُّ) المؤمنُ الموت؟
 16. هل تكمِّمُ الشريعة الإسلامية الأفواه؟ وتعارض حرية التعبير؟
 138. الإنتقام.. لفاطمة !
 242. أعظَمُ الجُود.. في ذكرى الجواد (عليه السلام)!
 عَينُ الحَيَاة.. عَليُّ بنُ أبي طالب (عليه السلام)
 240. موتُ المؤمن: رَوحٌ ورَيحان!
 الفصل الخامس: قبساتٌ متنوّعة
 169. عندما يَتَّهِمُ المؤمنُ أخاه!
 فصل3. استحالة الإحاطة بالذات الإلهية
 135. سُحقاً سُحقاً.. لِمَن ظَلَمَ الزَّهراء !

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2
  • الأقسام الفرعية : 22
  • عدد المواضيع : 356
  • التصفحات : 703550
  • التاريخ :



















  • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
        • القسم الفرعي : مقالات عامة ومتنوعة .
              • الموضوع : 277. المَرَض.. سِرٌّ من سِرِّ الله! .

277. المَرَض.. سِرٌّ من سِرِّ الله!

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ نُعَافَى فِي أَنْفُسِنَا وَأَوْلَادِنَا وَأَمْوَالِنَا!

ليس هذا النصُّ لأحدٍ ممَّن أحبَّ الدُّنيا وأخلَدَ إليها!

بل هو كلامُ الإمام الصادق المعصوم، الذي لا ينطق عن الهوى!

الإمام يُحبُّ أن يُعافى في نفسه.. فلا يصيبه المرض..

وفي أولاده.. فلا تنزل بهم البلايا والرزايا..

والمؤمنُ كذلك.. يسأل الله العافية كما سأل إمامُه السجَّادُ عليه السلام فيقول:

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَالبِسْنِي عَافِيَتَكَ، وَجَلِّلْنِي عَافِيَتَكَ، وَحَصِّنِّي بِعَافِيَتِكَ، وَأَكْرِمْنِي بِعَافِيَتِكَ، وَأَغْنِنِي بِعَافِيَتِكَ، وَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِعَافِيَتِكَ، وَهَبْ لِي عَافِيَتَكَ، وَأَفْرِشْنِي عَافِيَتَكَ، وَأَصْلِحْ لِي عَافِيَتَكَ، وَلَا تُفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَافِيَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَعَافِنِي عَافِيَةً كَافِيَةً شَافِيَةً عَالِيَةً نَامِيَةً، عَافِيَةً تُوَلِّدُ فِي بَدَنِي العَافِيَةَ، عَافِيَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَامْنُنْ عَلَيَّ بِالصِّحَّةِ وَالأَمْنِ وَالسَّلَامَةِ فِي دِينِي وَبَدَنِي..

ولكن.. كيف يجتمع ذلك مع ما ورد في الحديث: لَا خَيْرَ فِي جَسَدٍ لَا يَمْرَضُ!

وفيما دلَّ على أنَّ الله تعالى يتعاهَدُ المؤمن بالمرض والمصيبة؟!

تتضح حقيقة ذلك عند بيان أمور:

أولاً: بين العافية والمرض

إنَّ العافية نعمةٌ من الله تعالى، يُحبُّها المؤمن، ويسأل الله تعالى أن يلبسه ثوبَها، فيقبلُ اللهُ سؤالَه مرَّة ويكتب له العافية، ويحبُّ الله له البلاء والمرض مرَّة أخرى، فليس للعبد حينها أن لا يحبَّ ما أحبَّ الله.

لقد روي عن الصادق عليه السلام: إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ نُعَافَى فِي أَنْفُسِنَا وَأَوْلَادِنَا وَأَمْوَالِنَا.

فَإِذَا وَقَعَ القَضَاءُ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُحِبَّ مَا لَمْ يُحِبَّ الله لَنَا (الكافي ج‏3 ص226).

فالمؤمن يُحبُّ العافية كإمامه، لكنَّه لا يُبغض ما يُنزِلُ الله به من بلاءٍ ومَرَض، بل يُسلِّمُ أمرَه لله تعالى.

بل ورد في الحديث عن السجاد عليه السلام: إِنِّي لَأَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعَافَى فِي الدُّنْيَا فَلَا يُصِيبَهُ شَيْ‏ءٌ مِنَ المَصَائِبِ (الكافي ج2 ص256).

ثانياً: مرض المؤمن والكافر

إنَّ المرض ليس على وِزانٍ واحد، فمرض المؤمن لا يشبه مرضَ الكافر بحال، وقد روي عن الرضا عليه السلام:

المَرَضُ لِلْمُؤْمِنِ تَطْهِيرٌ وَرَحْمَةٌ!

وَلِلْكَافِرِ تَعْذِيبٌ وَلَعْنَةٌ! (ثواب الأعمال ص193).

إذا أصابت المؤمنَ لوثةُ المعصية، طَهَّرَهُ الله تعالى بالمرض، فيكون المرضُ باباً لرحمة الله، تُكَفَّرُ بها الذنوب والمعاصي.

وفي الحديث عن الصادق عليه السلام: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِرْقٍ يَضْرِبُ، وَلَا نَكْبَةٍ وَلَا صُدَاعٍ وَلَا مَرَضٍ إِلَّا بِذَنْبٍ!

وَذَلِكَ قَوْلُ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾.

ثُمَّ قَالَ: وَمَا يَعْفُو الله أَكْثَرُ مِمَّا يُؤَاخِذُ بِهِ! (الكافي ج2 ص269).

بل إنَّ الله تعالى بلطفه ورحمته جعل مَرَضَ الطفل كفارةً لوالديه! (ثواب الأعمال ص194).

أمّا مَرَضُ الكافر.. فإنَّه يكون عقاباً عاجلاً على ما ارتكب من آثامٍ ومعاصٍ، قبل العقاب الآجل.

ثالثاً: هل في المرض ثواب؟!

إذا كان مَرَضُ المؤمن تطهيراً وكفّارةً من المعاصي، فهل فيه فوق ذلك أجرٌ وثواب؟!

قد يُتصَوَّرُ أنَّ المرض لا ثواب فيه لأنَّه جزاءٌ أو كفارةٌ للمعاصي..

وقد يُستدلُّ لذلك بحديث أمير المؤمنين عليه السلام لبعض أصحابه حينما اصابته علَّةٌ: جَعَلَ الله مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ، فَإِنَّ المَرَضَ لَا أَجْرَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ وَيَحُتُّهَا حَتَّ الأَوْرَاقِ! (نهج البلاغة ص476).

ومثله قوله عليه السلام لسلمان حينما عاده في علَّته فوجده يحمد الله كثيراً ويشكو كثرة الضجر، فقال عليه السلام:

لَا تَضْجَرْ يَا أَبَا عَبْدِ الله، فَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ شِيعَتِنَا يُصِيبُهُ وَجَعٌ إِلَّا بِذَنْبٍ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ، وَذَلِكَ الوَجَعُ تَطْهِيرٌ لَهُ!

لكنَّ سؤال سلمان للإمام عليه السلام عن الثواب يفتح لنا باباً ونافذةً ندرك بها كيف يترتَّبُ الثواب على المرض، حيث بَيَّنَ عليه السلام أنَّ المرض إن كان جزاء معصيةٍ فهو كفارة للذنوب، ولا ثواب فيه، لكنَّ الثواب يكون في الصبر عليه، والتوجه نحو الله تعالى عند نزوله، فقال عليه السلام:

يَا سَلْمَانُ، إِنَّ لَكُمُ الأَجْرَ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَى الله عَزَّ اسْمُهُ، وَالدُّعَاءِ لَهُ، بِهِمَا يُكْتَبُ لَكُمُ الحَسَنَاتُ، وَيُرْفَعُ لَكُمُ الدَّرَجَاتُ، وَأَمَّا الوَجَعُ فَهُوَ خَاصَّةً تَطْهِيرٌ وَكَفَّارَةٌ (طب الأئمة ص15).

إنَّ نزول المرض بنفسه مع ما يصاحبه من ألمٍ ووجعٍ هو بابٌ تُكَفَّرُ به الذنوب، فإذا صبر العبدُ على ذلك وتوجه نحو الله تعالى أثابه الله على ذلك.

وإذا رضي العبدُ بما فعله الله به ولم يسخط كان الثوابُ عظيماً.. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: إِذَا أَحَبَّ الله عَبْداً ابْتَلَاهُ بِعَظِيمِ البَلَاءِ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ عِنْدَ الله الرِّضَا (الكافي ج2 ص253)، ورضا الله ثوابه.

وفي الحديث عن الصادق عليه السلام: إِنَّ الرَّبَّ لَيَتَعَاهَدُ المُؤْمِنَ، فَمَا يَمُرُّ بِهِ أَرْبَعُونَ صَبَاحاً إِلَّا تَعَاهَدَهُ: إِمَّا بِمَرَضٍ فِي جَسَدِهِ، وَإِمَّا بِمُصِيبَةٍ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ، أَوْ بِمُصِيبَةٍ مِنْ مَصَائِبِ الدُّنْيَا لِيَأْجُرَهُ الله عَلَيْهِ (المؤمن ص22).

لكنَّ أبواب الثواب لا تقتصر على ذلك.. فإنَّ الله تعالى يتفضَّل على المؤمن المريض بأن يجعل أنينَه تسبيحاً! وصياحَه تهليلاً!

فعن النبيِّ صلى الله عليه وآله: إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حُمَّ حُمًّى وَاحِدَةً تَنَاثَرَتِ الذُّنُوبُ عَنْهُ كَوَرَقِ الشَّجَرِ، فَإِنْ أَنَّ عَلَى فِرَاشِهِ فَأَنِينُهُ تَسْبِيحٌ، وَصِيَاحُهُ تَهْلِيلٌ، وَتَقَلُّبُهُ عَلَى فِرَاشِهِ كَمَنْ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ فِي سَبِيلِ الله، فَإِنْ أَقْبَلَ يَعْبُدُ الله كَانَ مَغْفُوراً لَهُ وَطُوبَى لَه! (عدة الداعي ص127).

لا ينتهي تفضُّلُ الله تعالى هنا.. بل ورد في الحديث أن الله تعالى وكَّلَ بالمؤمن المريض: مَلَكاً يَكْتُبُ لَهُ فِي سُقْمِهِ مَا كَانَ يَعْمَلُ مِنَ الخَيْرِ فِي صِحَّتِهِ (الكافي ج3 ص113).

‏وعن النبيِّ صلى الله عليه وآله: إِذَا كَانَ العَبْدُ عَلَى طَرِيقِهِ مِنَ الخَيْرِ فَمَرِضَ أَوْ سَافَرَ أَوْ عَجَزَ عَنِ العَمَلِ بِكِبَرٍ كَتَبَ الله لَهُ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ (عدة الداعي ص127).

بل ورد في الحديث: سَهَرُ لَيْلَةٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ أَجْراً مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ (الكافي ج3 ص114).

وعن الصادق عليه السلام: أَيُّمَا رَجُلٍ اشْتَكَى فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ كَتَبَ الله لَهُ مِنَ الأَجْرِ أَجْرَ الفِ شَهِيدٍ (طب الأئمة ص17).

فيكون الصبرُ على المرض والرضا به والتسليم لله تعالى من أعظم أبواب الثواب..

وقد يتعاهد الله المؤمنَ بالمرض حتى لا يبقى عليه ذنب، كما في الحديث: إِنَّ المَرَضَ لَا يَزَالُ بِالمُؤْمِنِ حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ (ثواب الأعمال ص193).

كما يخفِّفُ الله عنه حال مرضه فيقول لملكيه: وَلَا تَكْتُبَا عَلَيْهِ سَيِّئَةً حَتَّى أُطْلِقَهُ مِنْ حَبْسِي (الكافي ج3 ص114).

رابعاً: سرُّ المرض

إنَّ المرض خَلقٌ من خلق الله.. وفي خَلق الله أسرارٌ عجيبة.. يكشف لنا بعضَهَا المعصومون الأطهار..

فقد ورد في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله: لَوْ لَا ثَلَاثٌ فِي ابْنِ آدَمَ مَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ شَيْ‏ءٌ: المَرَضُ وَالفَقْرُ وَالمَوْتُ، كُلُّهُمْ فِيهِ، وَإِنَّهُ مَعَهُنَّ لَوَثَّابٌ (الخصال ج1 ص113).

بالمرض وشقيقاه.. الفقر والموت.. يُكسَرُ التكبُّر في الإنسان لو كان من أهل الخير.. فيكون في مرضه خيرٌ وصلاحٌ له..

أما من لم يكن من أهل الخير.. فإنَّه مع عجزه أمام الثلاثة ينازع الله رداءه!

لقد ورد عن الباقر عليه السلام: الجَسَدُ إِذَا لَمْ يَمْرَضْ أَشِرَ، وَلَا خَيْرَ فِي جَسَدٍ لَا يَمْرَضُ بِأَشَرٍ (الكافي ج3 ص114).

فالسلامة الدائمة والخلوّ من المرضِ والبلاءِ مُطلقاً يورث صاحبه البَطَر وشِدَّة المرح غالباً.. إلا أن يكون عبداً ضَنَّ الله به عن البلاء وأثابه وحفظ له دينه.

والله تعالى يرعى عباده المؤمنين، ولا يفعل بهم إلا ما فيه الخير والصلاح، فيُمرِضُ بعضَهم لمصلحتهم.. ويُصِحُّ بعضهم لذلك.. وإن غفلوا وغفلنا عن وجه الحكمة في ذلك.

ففي الحديث القدسيّ: إِنَّ مِنْ عِبَادِيَ المُؤْمِنِينَ لَعِبَاداً لَا يَصْلُحُ لهمْ أَمْرُ دِينِهِمْ إِلَّا بِالغِنَى‏ وَالسَّعَةِ وَالصِّحَّةِ فِي البَدَنِ، فَأَبْلُوهُمْ بِالغِنَى وَالسَّعَةِ وَالصِّحَّةِ فِي البَدَنِ، فَيَصْلُحُ لَهُمْ أَمْرُ دِينِهِمْ.

وَإِنَّ مِنَ العِبَادِ لَعِبَاداً لَا يَصْلُحُ لهمْ أَمْرُ دِينِهِمْ إِلَّا بِالفَاقَةِ وَالمَسْكَنَةِ وَالسُّقْمِ فِي أَبْدَانِهِمْ، فَأَبْلُوهُمْ بِالفَقْرِ وَالفَاقَةِ وَالمَسْكَنَةِ وَالسُّقْمِ فِي أَبْدَانِهِمْ، فَيَصْلُحُ لَهُمْ أَمْرُ دِينِهِمْ (المؤمن ص25).

في المرض والسُّقم والبلاء إذاً سِرٌّ لا نُدركُه.. يكون به صلاحُ دين المؤمن، وإذا لم يكن وجه الحكمة منكشفاً له فقد يراه على غير حقيقته.

خامساً: مَرَضُ الأنبياء الأولياء

ليس المرضُ حِكراً على الكفار والمنافقين.. ولا على المؤمنين العاصين.. بل يشمل حتى الأنبياء والمرسلين، والأولياء والصالحين!

فهذا رسولُ الله صلى الله عليه وآله، وخير خلق الله، يمرَضُ فتعودُه ابنته الزهراء عليها السلام ومعها حسناً وحسيناً..

وهذا أمير المؤمنين عليه السلام يمرض فيأتيه رسولُ الله صلى الله عليه وآله.. ويذكُرُ له دعاءً للشفاء..

وهكذا عندما مرض الحسن والحسين عليهما السلام مَرَضاً شَدِيداً فَعَادَهُمَا سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ مُحَمَّدٌ (ص).

ولقد كان الأئمة والأنبياء يمرضون كسائر الناس.. فقد مرض بعض الأئمة، فقال من دخل عليه أنّه (لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا رَأْسُهُ)، وهي كناية عن نحافة الجسم بسبب المرض.

فضلاً عمّا أصاب أنبياء الله ورسله المتقدِّمين مما لا يخفى..

فكيف يجتمع ذلك مع قوله تعالى: ﴿وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾؟!

مع كون المرض لا يصيب العبدَ إلا بذنب؟! والأنبياءُ والأولياءُ منزَّهون عن العيوب، مطهَّرون من الذنوب؟!

يتَّضحُ ذلك من جواب الإمام السجاد عليه السلام ليزيد عليه لعائن الله.. حينما ذكر الآية المباركة للسجاد عليه السلام.. وكأنَّه يعدُّ ما جرى في كربلاء عقاباً من الله لآل بيت الرسول على ما اقترفوا من ذنوبٍ (حاشاهم)!

فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ (ع): لَيْسَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا!

إِنَّ فِينَا قَوْلَ الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها (الكافي ج2 ص450).

فالقاعدة العامَّة في نزول البلاء عقيب الذنب لا تشمل المعصومين المطهَّرين..

وقد بَيَّنَ ذلك الصادق عليه السلام عندما سئل عن الآية نفسها فقال: إِنَّ الله يَخُصُّ أَوْلِيَاءَهُ بِالمَصَائِبِ لِيَأْجُرَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ذَنْب‏ (الكافي ج2 ص450).

وفي تفسير الأولياء هنا احتمالان:

الاحتمال الأول: أن تكون مختصَّةً بالمعصومين..

فيكون البلاء والمرض الذي ينزل على المعصوم مِن غير ذنبٍ.. ويكون وجه الحكمة فيه هو زيادة الثواب ورفعة الدرجات بنزوله.

أما من عداهم فيكون كلُّ ما ينزل من بلاءٍ عليهم من باب (وَلَا مَرَض إِلَّا بِذَنْب).

الاحتمال الثاني: أن تشمل المعصومين والكمَّل من المؤمنين..

بتقريب أنَّ المؤمن وإن كانت المعاصي تصدر منه، لكنَّه قد يتوب منها فيصير كمن لا ذنب له.. أو يأتي بما يُخرِجُهُ من الذنوب كيوم ولدته أمّه.. كحجّ بيت الله وزيارة مراقد المعصومين وأمثال ذلك..

فإذا نزل به بلاءٌ ومرضٌ وهو لا ذنبَ له لا يكون نزول البلاء مصداقاً للآية الأولى ﴿بِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ بل للآية الثانية ﴿ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ.

وعلى هذا يكون ما ينزل بالكمَّل من المؤمنين رفعة للدرجات.. وإن لم يكونوا معصومين..

وقد يكون من ذلك ما ورد في الحديث: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ الدَّرَجَةُ عِنْدَ الله لَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلِهِ حَتَّى يُبْتَلَى بِبَلَاءٍ فِي جِسْمِهِ فَيَبْلُغُهَا بِذَلِك‏ (الدعوات ص172).

ومن الشواهد الواضحة على ذلك ما روي عن الصادق عليه السلام حينما سئل: مَا أَصَابَ المُؤْمِنَ مِنْ بَلَاءٍ أَ فَبِذَنْبٍ؟!

قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَسْمَعُ الله أَنِينَهُ وَشَكْوَاهُ وَدُعَاءَهُ، لِيَكْتُبَ لَهُ الحَسَنَاتِ، وَيَحُطَّ عَنْهُ السَّيِّئَات‏.. وَمَا أَحَبَّ الله قَوْماً إِلَّا ابْتَلَاهُمْ، وَإِنَّ عَظِيمَ الأَجْرِ لَمَعَ عَظِيمِ البَلَاء (عدة الداعي ص255).

فالبلاء قَد يكون لذنبٍ إن وُجِد، وقد يكون لكسب الثواب إن لم يكن المؤمن من أهل الذُّنوب..

ومن الشواهد على ذلك أيضاً ما دلَّ على أنَّ كمال الإيمان يرافقه الفقر والمرض.. كما في الحديث القدسيِّ، حينما يقول تعالى عن العبد المؤمن: إِنِّي إِذَا أَكْمَلْتُ إِيمَانَهُ ابْتَلَيْتُهُ بِفَقْرٍ فِي مَالِهِ وَمَرَضٍ فِي بَدَنِه‏:

1. فَإِنْ هُوَ حَرِجَ أَضْعَفْتُ عَلَيْهِ.

2. وَإِنْ هُوَ صَبَرَ بَاهَيْتُ بِهِ مَلَائِكَتِي‏ (أعلام الدين ص278).

فمَن كمُل إيمانه قد يضعف عند البلاء، فيخففه الله عنه، وقد يصبر فيباهي الله به الملائكة.. لأنَّ الإيمان الكامل أيضاً على درجات..

وقد قال الصادق عليه السلام: إِنَّ لله عَزَّ وَجَلَّ عِبَاداً فِي الأَرْضِ مِنْ خَالِصِ عِبَادِهِ، مَا يُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ تُحْفَةً إِلَى الأَرْضِ إِلَّا صَرَفَهَا عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَلَا بَلِيَّةً إِلَّا صَرَفَهَا إِلَيْهِمْ! (الكافي ج2 ص253).

فهؤلاء الخُلَّص تُزوى عنهم الهدايا! وتُصرَفُ إليهم البلايا! مَحبَّةً من الله تعالى لهم!

فما يراه النَّاسُ تُحفةً يُزوى عن العباد الكُمَّل! ويُتحفُهم الله تعالى بالمرض! وهو عند الناس بلاء!

فعن الباقر عليه السلام: إِذَا أَحَبَّ الله عَبْداً نَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ أَتْحَفَهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِوَاحِدَةٍ: إِمَّا صُدَاعٍ، وَإِمَّا حُمَّى، وَإِمَّا رَمَدٍ! (الخصال ج1 ص13).

فليست تُحفةُ الله كتحفةٍ النّاس! وإنَّ المؤمن يصبحُ ويمسي بالبلاء! كإمامه المعصوم!

فعن الصادق عليه السلام: يَا ثَابِتُ، إِنَّ الله إِذَا أَحَبَّ عَبْداً غَثَّهُ بِالبَلَاءِ غَثّاً، وَثَجَّهُ بِهِ ثَجّاً، وَإِنَّا وَإِيَّاكُمْ لَنُصْبِحُ بِهِ وَنُمْسِي (المؤمن ص25).

وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: إِنَّ البَلَاءَ لِلظَّالِمِ أَدَبٌ، وَلِلْمُؤْمِنِ امْتِحَانٌ، وَلِلْأَنْبِيَاءِ دَرَجَةٌ، وَلِلْأَوْلِيَاءِ كَرَامَةٌ (بحار الأنوار ج64 ص235).

على أنَّ في النصوص الشريفة ما دلَّ على شدَّة اهتمام الإمام المعصوم بالمؤمنين، حتى أنَّ المرض الذي ينزل بالمؤمن.. كأنَّه نزل بإمامه كذلك! لحبِّ الإمام للمؤمنين! وعطفه وشفقته عليهم..

ففي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: لَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ يَمْرَضُ إِلَّا مَرِضْنَا بِمَرَضِهِ، وَلَا يَحْزُنُ إِلَّا حَزِنَّا بِحُزْنِهِ (بصائر الدرجات ج1 ص260).

وعنه عليه السلام: إِنَّا لَنَفْرَحُ لِفَرَحِكُمْ، وَنَحْزَنُ لِحُزْنِكُمْ، وَنَمْرَضُ لِمَرَضِكُمْ، وَنَدْعُو لَكُمْ، فَتَدْعُونَ فَنُؤَمِّنُ (بصائر الدرجات ج1 ص16).

هكذا يفهم المؤمن كون الإمام المعصوم هو: الوَالِدُ الشَّفِيقُ، وَالأَخُ الشَّقِيقُ، وَالأُمُّ البَرَّةُ بِالوَلَدِ الصَّغِيرِ!

ليس يغيبُ عن إمامنا حال أحدٍ منّا في شرق الأرض ولا في غربها..

فهل يضجرُ مريضُنا إذا كان الله تعالى يتعاهدنا بالمرض والبلاء؟! وكان الإمام المعصوم الغائب عن الأنظار يرانا ويعلم حالنا ويمرض لمرضنا ويدعو الله لنا؟!

هنيئاً للمؤمن.. في عافيته.. وفي مرضه..

ولسانُ حاله يبينه الإمام السجاد عليه السلام حين يقول:

اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى مَا لَمْ أَزَلْ أَتَصَرَّفُ فِيهِ مِنْ سَلَامَةِ بَدَنِي!

وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى مَا أَحْدَثْتَ بِي مِنْ عِلَّةٍ فِي جَسَدِي!

فَمَا أَدْرِي، يَا إِلَهِي، أَيُّ الحَالَيْنِ أَحَقُّ بِالشُّكْرِ لَكَ، وَأَيُّ الوَقْتَيْنِ أَوْلَى بِالحَمْدِ لَكَ!

1. أَ وَقْتُ الصِّحَّةِ الَّتِي هَنَّأْتَنِي فِيهَا طَيِّبَاتِ رِزْقِكَ، وَنَشَّطْتَنِي بِهَا لِابْتِغَاءِ مَرْضَاتِكَ وَفَضْلِكَ، وَقَوَّيْتَنِي مَعَهَا عَلَى مَا وَفَّقْتَنِي لَهُ مِنْ طَاعَتِكَ!

2. أَمْ وَقْتُ العِلَّةِ الَّتِي مَحَّصْتَنِي بِهَا، وَالنِّعَمِ الَّتِي أَتْحَفْتَنِي بِهَا، تَخْفِيفاً لِمَا ثَقُلَ بِهِ عَلَيَّ ظَهْرِي مِنَ الخَطِيئَاتِ، وَتَطْهِيراً لِمَا انْغَمَسْتُ فِيهِ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَتَنْبِيهاً لِتَنَاوُلِ التَّوْبَةِ، وَتَذْكِيراً لِمَحْوِ الحَوْبَةِ بِقَدِيمِ النِّعْمَةِ.

وَفِي خِلَالِ ذَلِكَ مَا كَتَبَ لِيَ الكَاتِبَانِ مِنْ زَكِيِّ الأَعْمَالِ، مَا لَا قَلْبٌ فَكَّرَ فِيهِ، وَلَا لِسَانٌ نَطَقَ بِهِ، وَلَا جَارِحَةٌ تَكَلَّفَتْهُ، بَلْ إِفْضَالًا مِنْكَ عَلَيَّ، وَإِحْسَاناً مِنْ صَنِيعِكَ إِلَيَّ.

اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَبِّبْ إِلَيَّ مَا رَضِيتَ لِي، وَيَسِّرْ لِي مَا أَحْلَلْتَ بِي، وَطَهِّرْنِي مِنْ دَنَسِ مَا أَسْلَفْتُ، وَامْحُ عَنِّي شَرَّ مَا قَدَّمْتُ، وَأَوْجِدْنِي حَلَاوَةَ العَافِيَةِ، وَأَذِقْنِي بَرْدَ السَّلَامَةِ، وَاجْعَلْ مَخْرَجِي عَنْ عِلَّتِي إِلَى عَفْوِكَ..

والحمد لله رب العالمين

الثلاثاء 5 ذو القعدة 1445 هـ الموافق 14 5 2024 م

بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2024/05/14  | |  القرّاء : 729



للإنضمام إلى قناة العلم والإيمان (أنقر على الرمز الخاص) ->
| تلغرام | واتساب | يوتيوب | فيسبوك | انستغرام |


كتابة تعليق لموضوع : 277. المَرَض.. سِرٌّ من سِرِّ الله!
الإسم * :
الدولة * :
بريدك الالكتروني * :
عنوان التعليق * :
نص التعليق * :
 

تصميم، برمجة وإستضافة :
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net