• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : الكتب والمؤلفات .
              • القسم الفرعي : الثالوث صليب العقل .
                    • الموضوع : فصل5: الإعلانُ الإلهيّ حول الثالوث .

فصل5: الإعلانُ الإلهيّ حول الثالوث

فصل5: الإعلانُ الإلهيّ حول الثالوث

ثبت بما تقدّم من فصولٍ أن الثالوث لا يُمكِنُ أن يُدرَكَ بالعقل، وأنّه لا بدَّ من إعلانٍ إلهيٍّ لإثباته. وبما أن النصّ الإلهيّ الذي قيل بدلالته عليه هو الإنجيل، فإنّ هذا الاستدلال يتوقف على تمامية البحث في مرحلتين:

المرحلة الأولى: ثبوت النص (الإنجيل).

المرحلة الثانية: دلالة الإنجيل على الثالوث.

المرحلة الأولى: ثبوت النص (الإنجيل)

في المرحلة الأولى: يُحتَمَلُ ثبوت النص بإحدى طريقين:

الطريق الأول: أن يكون عيسى هو كاتب الإنجيل الذي وصلنا. وعيسى (عليه السلام) نبيٌّ معصوم، فيثبت نصُّ ما فيه، أو أن يكون عيسى قد جاء بالإنجيل من عند الله تعالى.

الطريق الثاني: فإن لم يكن عيسى الكاتب، لا بدّ من أن نعرف الكاتب، ونثبت عصمته، أو عدم خطئه في النقل، ونثبت تطابق ما بين أيدينا مع ما كتبه، فيثبت نصُّ ما فيه.

الطريق الأول: إنجيل عيسى

ويتمّ الاستدلال فيما لو كان الإنجيل قد نزل من الله على عيسى (عليه السلام)، فيكون كتاباً سماوياً تامّ الحجيّة.

أو كان عيسى (عليه السلام) هو كاتب الإنجيل الذي بين أيدينا، ولمّا كان عيسى (عليه السلام) معصوماً، فتثبت صحّة ما في الإنجيل.

حيث أن المقصود بالإعلان الإلهيّ هو ما تضمّنه العهد الجديد، أي الإنجيل، لأنّ العهد القديم خالٍ من النصوص الصريحة على الثالوث بحسب علماء النصارى.

وهذا الإنجيلُ منسوبٌ لعيسى (عليه السلام)، فيكون الإعلان السماويُّ منسوباً إليه (عليه السلام)، وقد وقع اختلاف كبيرٌ بين المسلمين والنصارى حول صحة نسبة الإنجيل لعيسى (عليه السلام).

يقول النصارى أن المسلمين يعتقدون بتحريف الإنجيل، ثم يطرحون إشكالاً مفاده أن على المسلمين القائلين بالتحريف أن يأتوا بالأدلة على وقوع التحريف، وتحديد من قام به، ومتى، وأين هي النسخة غير المحرّفة، وما شابه ذلك.

لكن المسلمين ينقلون الكلام إلى مرحلة أسبق، فيتساءلون: هل ثبت أن هذا الإنجيل الذي بين أيدينا هو إنجيل عيسى (عليه السلام)؟ هل كتب عيسى إنجيلاً أو جاء بإنجيل من الله تعالى بحسب اعتقاد النصارى؟

يعترفُ النصارى بأن هذا الإنجيل لم ينزل من السماء على عيسى (عليه السلام)، ولم يكتبه هو بنفسه.

إذاً ليس هناك من إنجيلٍ نزل على عيسى (عليه السلام)، ولا كتب عيسى إنجيلاً بنفسه، كلُّ هذا بحسب عقيدة النصارى.

ومن كلماتهم المُتكثِّرة في ذلك: المسيح نفسه لم يترك من بعده وثيقة مكتوبة(1). المسيح عَلّمَ شفوياً ولم يترك أيّ أثرٍ كتابيّ. تلاميذه بشّروا وتركوا لنا العهد الجديد في اللغة اليونانية(2). وفي مقدمة الإنجيل الشريف الطاهر المقدس: النتيجة أن الإنجيل هنا هو كنايةٌ عن الكتاب المؤرِّخ لنا سيرة سيدنا يسوع المسيح وتعاليمه(3). وقال القمص إبراهيم لوقا: المسيح لم يأخذ هذه الرسالة مكتوبة، كما أنّه لم يكتبها، وإنما علّمها شفوياً لتلاميذ مختارين(4).

وستأتي نصوص أخرى في ذلك.

ويُطرح ههنا سؤال مفاده: بما أنّ الإنجيل ليس وحياً لعيسى (عليه السلام)، ولم يكتبه هو (عليه السلام)، بل أوحيَ به إلى غيره من بعده، ألا يتعارض هذا مع إنكار النصارى لنبوّة نبيّ الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بحجة أن ليس بعد المسيح (عليه السلام) من نبيّ ولا وحي؟!

ورد في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية الذي أمر بنشره البابا يوحنا بولس الثاني بحكم سلطته الرسولية: إن الإيمان المسيحيّ لا يستطيع أن يتقبل "وحياً" يدّعي أنه يفوق أو يُصحح الوحي الذي كان المسيح نهايته. تلك حال بعض الأديان غير المسيحية، وكذلك حال بعض البدع الحديثة التي تقوم على مثل هذا "الوحي"(5).

وفيه: وقد أوحى الله بنفسه الوحي الكامل عندما أرسل ابنه الخاص الذي أقام فيه عهده الى الأبد. وهو كلمة الآب النهائية، بحيث لا يكون بعده وحيٌ آخر(6).

فإنهم يرفضون الإسلام ودعوى نبوّة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بحجة أن الوحي قد انتهى بالمسيح (عليه السلام).

لكنّهم لما يصل بهم الأمر إلى الكتاب المقدّس، يصبحُ العهد الجديد مقبولاً، وينتقلُ الحكم النهائيّ من الوحي الذي نزل على عيسى إلى كَتَبَة الأناجيل، حيث يلتزمون بأنه: إذ كان التدبير المسيحيُّ هو العهد الجديد والنهائيّ، فهو غير زائلٍ أبداً، ولن يُرتَقَبَ بعده وحيٌ آخرُ علنيٌّ جديد، إلى أن يتجلى ربُّنا يسوع المسيح في مجده (7).

فنقول: كيف ينقطع الوحيُ بعيسى (عليه السلام)؟ ثم يثبت الوحيُ عند كَتَبَة الأناجيل؟ ثم ينقطعُ مجدّداً فلا تُقبَل دعوى نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) مع كلّ ما أتاه من معاجز وكرامات وقرائن وشواهد قطعيّة على صحة دينه؟!

إن مقتضى الإنصاف (إن رُدّت دعوى الوحي على رسول الإسلام بهذه الذريعة العامة) أن تُردّ دعوى الوحي على كَتَبَة الأناجيل.

أما مع عدم ردّها، فينبغي أن يبقى البابُ مفتوحاً للبحث في كلّ نبوّةٍ متأخرةٍ عن عيسى (عليه السلام)، كنبوّة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو نبوّة من زَعَمَ أنّه نزل عليه كتابٌ مُتَمِّمٌ للكتاب المقدس كجوزيف سميث، فإن المورمونيين يعتقدون بالكتاب المقدس ويضيفون إليه كتابهم المورمون، ويحتجّون على النصارى الذين يقولون بكفاية الكتاب المقدس بِنَصٍّ يزعمونه سماوياً: فإن كان لكم كتابٌ فلا تظنّوه منطوياً على جميع كلماتي، ولا تظنوني أحجمتُ عن تصيير غيره إلى الكتابة (8).

والخلاصة: أنه في المرحلة الأولى لم يثبت أن الإنجيلَ إنجيلُ عيسى (عليه السلام) حتى باعتقاد النصارى، فلا بدّ مِن تَلَمُّسٍ طريقٍ آخر لإثبات صحّته، كي يصحّ الاعتماد عليه، ويحصل الوثوق به، ونتمكّن من الأخذ عنه.

نعم يعتقد المسلمون أن الله تعالى أنزل إنجيلاً على عيسى (عليه السلام)، ولا يعتقد النصارى أنّه هو هذا الإنجيل الذي بين أيديهم.

ومما دلّ عندنا على إنزال الله تعالى إنجيلاً على عيسى (عليه السلام) قوله تعالى: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾(9)، وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ الله يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ(10).

وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تاريخ هذا النزول أنّه قال: أنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَان(11)‏، كما كان حال سائر الكتب السماوية التي نزلت في هذا الشهر المبارك.

الطريق الثاني: عصمة كاتب الإنجيل

إن لم يكن عيسى (عليه السلام) كاتب الإنجيل الذي يعتقد به النصارى، وهذا الأمرُ محلّ اتفاقٍ بينهم، فإنّنا نحتاج إلى إثبات ثلاث مقدّمات كي تثبت صحته:

أولها: أن نعرف الكاتب، وثانيها: أن نُثبِتَ تَطَابُقَ ما بين أيدينا مع ما كتبه هذا الكاتب، وثالثها: أن نُثبت عصمته.

المقدمة الأولى: أن نعرف كاتب الإنجيل

1. من هم كَتَبَةُ الأناجيل؟

يعتقد النصارى أن الله سبحانه وتعالى هو واضع الكتاب المقدّس، وأنّ ما فيه قد كُتِبَ بإلهامٍ إلهيّ، ففي كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية الذي أمر بنشره البابا يوحنا بولس الثاني بحكم سلطته الرسولية: إن الحقيقة الموحى بها إلهيّاً، التي تحتويها وتُقَدِّمُها أسفار الكتاب المقدس قد دُوِّنَت فيها بإلهامٍ من الروح القدس.. والكنيسة أُمّنا المقدسة، من جراء إيمانها الرَّسوليّ، تعدّ جميع الأسفار في كلا العهدين القديم والجديد مقدّسةً وقانونيةً بجميع أجزائها، إذ أنّها دُونت بإلهامٍ من الروح القدس، وكان الله من ثمَّ واضعها(12).

الكتابُ المُقدَّس إذاً دُوِّنَ بإلهامٍ من الله تعالى، لكن من هم المدوّنون؟ ما من قائلٍ عند النصارى بأنّ عيسى (عليه السلام) هو الذي دوّنه، فإن كَتَبَةَ الأناجيل الأربعة هم: متّى ومرقس ولوقا ويوحنا، وأما سائر الإصحاحات ففيها (أعمال الرسل) للوقا، تليها 14 رسالة لبولس، وعدة رسائل ليعقوب وبطرس ويوحنا ويهوذا، ورؤيا ليوحنا.

يقول المطران جرمانوس الحلبي الماروني في مقدمة الإنجيل الشريف الطاهر المقدس: المصنِّفُ الأوّل للإنجيل هو الروح القدس، وأما الانجيليون الأربعة.. فهم بمنزلة آلةٍ وقلمٍ كاتب(13).

ويقول القمص إبراهيم لوقا: فإذا قلنا إنّ الأسفار المقدّسة في العهدين القديم والجديد هي كلام الله، أو أسفارٌ إلهيةٌ موحى بها من الله، أو منزّلة من عند الله، لا نريد بذلك أنّ الله أنزلها آية آية، وكلمة كلمة، وحرفاً حرفاً، فكتبها الكاتب كما سمعها من فم الله أو ملائكته بحروفها الأصلية. لكننا نريد أنّ الله عزّ وجلّ إذا قصد بسموّ لطفه وحكمته أن يُبَلِّغَ البشر شيئاً من أسراره حرّك باطنياً كاتباً يختاره، فيبعثه على كتابة السفر المقصود، ثم يمدُّه بتأييده الخاص ونعمته الممتازة، ويلهمه اختيار الحوادث والظروف والأعمال والأقوال التي شاء سبحانه كتابتها لفائدة عباده، وكان له رقيباً ومرشداً، وعَصَمَهُ من الخطأ في نقلِها وتسطيرها، فلا ينقل إلا ما ألهمه الله إيّاه، فيكون الرسول إذ ذاك ككاتبٍ مطيع، في حوزة الكاتب الأسمى، وطوع إرادته(14).

وفي مقدمة إنجيل متّى بقلم وليم ماكدونالد: الروح القدس هو المؤلَّف الإلهيّ للعهد الجديد. فقد أوحى بالكتابة لكلٍّ من متّى ومرقس ولوقا ويوحنا وبولس ويعقوب وبطرس ويهوذا وكاتب الرسالة إلى العبرانيَّين.. ولقد حفظ العنصرُ الإلهيُّ العنصرَ البشريَّ من ارتكاب الأخطاء. وكانت النتيجةُ كتاباً معصوماً عن الخطإ في النصوص الأصليّة.

وقد سمى ماكدونالد كُتّاب الأصحاحات المختلفة، لكنه أشار إلى (كاتب الرسالة إلى العبرانيَّين)، وما ذلك إلا لوقوع خلافٍ كبيرٍ جداً في تحديد كاتب هذا السفر، فيقول في مقدمته له: يبقى مؤلف هذه الرسالة مجهول الهوية، مع أن بعض الطبعات القديمة للكتاب المقدس، أوردت اسم بولس كجزءٍ من عنوان السفر. والكنيسة الشرقية، في بداية عهدها، (ديونيسيوس وأكليمندس) رأت أن بولس هو الكاتب. وبعد قدرٍ كبيرٍ من التشكيك في هذا الرأي، بات الرأي الذي يستبعِدُ أن يكون بولس كاتب الرسالة هو السائد.. قلّةٌ قليلةٌ فقط في أيامنا هذه يعتبرون أن بولس هو الكاتب.. لقد رأى الرب، في حكمته، الإبقاء على هويّة الكاتب مجهولةً.. كلمات أوريجانوس تبقى أفضل ما قيل: أما من كتب الرسالة، فالله وحده يعرف ذلك بالتأكيد(15).

فالرسالةُ إذاً مجهولة الكاتب، رغم ذلك يُعتقد بأنها وحيٌ من السماء! أما كيف ثبت كونها وحياً من السماء، فهذا ما نناقشه في الأبواب القادمة.

يقول الدكتور هنري أ. أيرونسايد: لقد كانت تُنسب مرة إلى أبولّس ومرة إلى برنابا، بل وأحياناً إلى بريسكيلا، زوجة أكيلا(16).

ولو وسّعنا البحث إلى أسفار الكتاب المقدس بعهديه ليتبيّن لنا كما ورد في مقدمة الترجمة اليسوعية الجديدة للكتاب المقدس أن: أسفار الكتاب المقدّس هي عمل مؤلِّفين ومحرِّرِين عُرِفوا بأنّهم لسان حال الله في وسط شعبهم. ظلّ عددٌ كبيرٌ منهم مجهولاً(17).

إنجيل متى

يُقال أنّ كاتبه هو (متّى العشار) المدعوّ (لاوي)، وهو أحد الرسل الإثني عشر.

ولكن لا يظهر أن هناك دليلاً على هذا القول، رغم ذلك رجّح النصارى أن يكون هو الكاتب، ففي دائرة المعارف الكتابية المسيحية: لا يُعْقَل أنّ إنجيلًا خطيراً كهذا هو في مقدمة الأناجيل يُنْسَب إلى شخصٍ مجهول، وبالأحرى لأن ينسب إلى أحد تلاميذ المسيح. ويذكر بابياس في القرن الثاني الميلادي أن متّى قد جمع أقوال المسيح(18).

وقد ورد في مقدمة الإنجيل بالترجمة اليسوعية: أما المؤّلف فالإنجيل لا يذكر عنه شيئاً، وأقدم تقليدٍ كنسيٍّ.. في النصف الأول من القرن الثاني ينسبه إلى الرسول متّى.. لمّا كنا لا نعرف اسم المؤلّف معرفةً دقيقة، يحسُنُ بنا أن نكتفي ببعض الملامح المرسومة في الانجيل نفسه(19).

إنجيل مرقس

كتبه يوحنا مرقس: لم يكن مرقس واحداً من التلاميذ الإثني عشر(20).

لا يدّعي أحدٌ بأنّه كان شاهد عيانٍ لخدمة المسيح(21)، كان ابن مريم التي من أورشليم(22)،  وكان إنجيله أقصر الأناجيل، ونحو تسعين في المئة من محتوياته تظهر في إنجيل متّى وإنجيل لوقا أو في كليهما معاً(23).

يقول القس ديفيد كوزيك: تقول تقاليد الكنيسة إن بطرس الرسول هو المصدر الرئيسي للمعلومات في إنجيل مرقس. فيمكنك اعتبار أن إنجيل مرقس هو الإنجيل بحسب بطرس (24).

ينكِرُ هذا الأمر هلال أمين في مقدّمته للإنجيل فيقول: يعتقد البعض أن هذا الإنجيل من إملاء الرسول بطرس للبشير مرقس، ولا شك أن هذا الرأي خطأ، لأن الأناجيل الأربعة مثل كل أسطر الكتاب من إملاء الروح القدس. "تكلّم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس"(25).

إنجيل لوقا

إن لوقا، وهو في أصله انطاكيٌّ، ومن حيث الحرفة طبيبٌ، كان رفيقاً لبولس مدّة طويلة(26).

يُرَجِّحُ علماء النصارى أن يكون لوقا هو كاتب هذا الإنجيل، وذلك من جهة كونه الأنسب لمثل هذه الكتابة!

يقول ماكدونالد: ولئن حاول الدارس القول بغير لوقا، فلا يمكنه أن يُنكِر أن لوقا هو الأنسب في هذه الحقبات جميعها(27).

إنجيل يوحنا

يقول ماكدونالد: ظلّت مسألة تحديد شخصية كاتب الإنجيل الرابع، موضوع جدل واسع النطاق، خلال فترة المئة والخمسين سنة الماضية.. لا يُذكَر في هذا الإنجيل صراحةً أنَّ يوحنا هو كاتبه، إلاّ أن هناك العديد من الأسباب التي تدعونا إلى الاعتقاد أنّ الرسول يوحنا، وهو واحدٌ من الاثني عشر، هو الذي كتبه فعلاً.. كان ثيوفيلوس الأنطاكي Theophilos of Antioch هو أوّل كاتبٍ معروفٍ ذكر بالتحديد أن يوحنا هو الكاتب (نحو عام 170م)(28).

يقول هلال أمين: يوجد معترضون على أنّ الرسول يوحنا هو كاتبُ هذا الإنجيل، ولكن التقليد وكُتّاب التاريخ يؤكدون هذه الحقيقة، وكان هناك شخصٌ محبّبٌ للرسول يوحنا اسمه "بوليكارب" الذي عاش إلى سنة 155م وذكر في كتاباته أنّ الرسول يوحنا هو الكاتب، وكان هناك شخصٌ تلميذٌ لبوليكارب وهو "ايريناوس" الذي عاش إلى بداية القرن الثالث الميلادي، وهو أيضاً شهد في كتاباته أنّ الرسول يوحنا هو الكاتب (29).

ما اعتُمِدَ عليه إذاً في كون يوحنا هو الكاتب لهذا الإنجيل يرجع إلى ما يقرب من قرنٍ أو يزيد على تاريخ كتابة الإنجيل نفسه! مما يحتمل فيه أن يكون نقلاً عن حدسٍ لا عن حسّ.

وفي مدخل إنجيل يوحنا من الترجمة اليسوعية الجديدة: من الراجح أن الانجيل كما هو بين أيدينا أصدره بعض تلاميذ المؤلِّف، فأضافوا عليه الفصل 21، ولا شكّ أنهم أضافوا أيضاً بعضَ التعليق مثل.. أما رواية المرأة الزانية.. فهناك إجماعٌ على أنّها من مرجٍع مجهولٍ فأُدخِلَت في زمنٍ لاحق، وهي مع ذلك جزءٌ من قانون الكتاب المقدس!(30).

والخلاصة أن كَتَبَة بعض الأناجيل والأسفار مجهولون، أو مختلفٌ فيهم، فلا يُعلَمُ على وجه اليقين من هم كتّاب العهد الجديد بأكمله، وأنّ بعض ما أُدخلَ على هذا الكتاب عُدَّ جزءً منه وإن لم يُعرَف كاتبه أيضاً!

2. متى كُتب الإنجيل؟

بحسب وليم ماكدونالد في مقدمة إنجيل متى: استغرقت كتابه العهد الجديد نصف قرن فقط (50 - 100م).

ويقول: وأوّل أسفارٍ تّمت كتابتها هي الرسائل إلى الكنائس الفتيّةكما يدعوها فيليبس Philips، فرسائل يعقوب وغلاطية وتسالونيكي هي على الأرجح أوّل ما كُتِب، وذلك قرابة منتصف القرن الأوّل المسيحي. تأتي بعدها الأناجيل من حيث ترتيب الكتابة؛ فأوّلُ إنجيلٍ كُتِبَ هو إمّا متى وإمّا مرقس، ثمّ يأتي لوقا، وأخيراً يوحنّا. وفي النهاية تأتي كتابة سفر الرؤيا، في أواخر القرن الأول الميلاديّ على الأرجح.

ويقول: ليس مثبتاً بأنّ مرقس كُتب أولاً. فالشهادة القديمة تقول بأنّ متّى كُتب أولاً.

بحسب ماكدونالد إذاً، فإن الرسائل إلى الكنائس الفتية هي أول ما كُتب، وهذه الرسائل قد كتبها بولس، فكان بولس هو أوّلُ من كتب شيئاً من العهد الجديد، وسيأتيك حال بولس في الأبواب القادمة.

إنجيل متى

يعتقد كثيرٌ من علماء النصارى أنّه تمّت كتابته بين سنة 80 و90، مع إمكانيّة أن يكون قد كتب بين سنة 70 إلى 110م.

إنجيل مرقس

يرجّح بعضهم أن يكون مرقس قد كتب إنجيله في بداية خمسينيّات القرن الأول، لكنّ الأرجح هو أن تكون الكتابة قد حصلت ما بين السنتين 57، 60م(31). وينقل ماكدونالد اعتقاد بعضهم بأنه كتب بعد 68م.

فيما يرجح القس أنطونيوس فهمي أنه كُتِبَ: ما بين سنة 60 - 65 ميلادية(32). وورد في مقدمة الكتاب المقدس بحسب الترجمة اليسوعية الجديدة أنه كتب في السنين 65 الى 70م(33).

إنجيل لوقا

يقول ماكدونالد: من المرجَّح كثيراً أن يكون إنجيل لوقا قد كُتِبَ في أوائل العقد السادس من القرن الأول. بيد أنّ بعضاً من المؤرّخين يزعمون أن كتابة هذا السِفر قد تمّت بين سنة 75م وسنة 85م، وربما في القرن الثاني.

ثم يرجح أن يكون: تاريخ الكتابة قد تّم على الأرجح بين السنتين 61 و62 م(34).

إنجيل يوحنا

يقول ماكدونالد: رغم عدم إمكانيّة تحديد تاريخٍ معيّن لكتابة إنجيل يوحنا، تبقى الفترة الممتدة بين عامي 85، 95م هي الاحتمال الأكثر ترجيحاً(35).

وقد ورد في مقدمة الإنجيل بالترجمة اليسوعية: والكثير من المؤلفين يجعلون تاريخ الانجيل الأول بين السنة 80 والسنة 90.. ولا يمكن الوصول إلى يقينٍ تامٍ في هذا الأمر(36).

تسلسل كتابتها

يقول القس ديفيد كوزيد: اتّفق معظم المفسرين على أنّ إنجيل مرقس كان أوّل إنجيلٍ كُتِب، رغم أن البعض يعتقد أن إنجيل متى ربما كتب أولاً(37).

يقول جيمس د.طابور: ويعود تاريخ متّى بالعادة الى ثمانينات القرن الأول للميلاد، ولوقا الى التسعينات، ويوحنا الى نهاية القرن الميلادي الأول(38).. أناجيل متى ولوقا ويوحنا قد كُتِبَت فيما بين أربعين إلى سبعين عاماً بعد موت يسوع، من قِبَل كُتّابٍ لم يكونوا بالأصل شهوداً(39).

يقول بيرتون ل. ماك: كُتِبَ إنجيل مرقس في السبعينات، وإنجيل متى في الثمانينات، وإنجيل يوحنا في التسعينات، وأعمال لوقا في مطلع القرن الثاني(40).

يقول إينوك باول: من الممكن البرهنة بالدليل القاطع بأن إنجيل متى بشكله الحاضر الذي نراه بين أيدينا اليوم قد تم استخدامه من قِبَل واضعي الإنجيلين الآخرين، مرقس ولوقا(41).

لغة كتابته

وينسحب الخلاف في تاريخ كتابة الإنجيل إلى خلافٍ على لغة كتابته الأصليّة، يقول هنري أ. أيرونسايد حول إنجيل متى: لا نجد طريقة نعرفُ بها متى كُتِبَ هذا الإنجيل بالضبط، أو حتى فيما إذا كان (كما يفترض البعض) قد ظهر أولاً باللغة العبريّة، أو كان قد كُتِب أصلاً باليونانية كما وصل إلينا(42).

وفي دائرة المعارف الكتابية المسيحية: واختلف القول بخصوص لغة هذا الإنجيل الأصلية فذهب بعضهم إلى أنّه كُتِبَ أولاً في العبرانية أو الأرامية التي كانت لغة فلسطين في تلك الأيام.. وذهب آخرون إلى أنه كتب في اليونانية كما هو الآن(43).

والنتيجة أن بعض كُتّاب الأناجيل معروفون، وبعضهم غير معروف لدينا، وتاريخ كتابة الأناجيل غير معروفٍ أيضاً بشكلٍ دقيق كَكُتّابها، وتَسَلسُلُ كتابتها غير معروف كذلك، ومعظم ما يقال حول هذه الأمور هو ظنونٌ واحتمالات.

المقدمة الثانية: أن نثبت كونه كاتب ما بين أيدينا

نسخ الانجيل

فضلاً عن الاختلاف المتقدم في كَتَبة الأناجيل، وفي تاريخ كتابتها، ولغة كتابة بعضها، نتساءل: هل وصلت إلينا النسخ الأصلية لتلك الأناجيل؟ أو النسخ المتطابقة معها؟ أم أن ما وصلنا هو نسخٌ تختلف عن النسخ الأصلية؟

إنّ أقدم النسخ الواصلة إلينا بحسب علماء النصارى تبعد عشرات السنين عن تاريخ كتابة هذه النسخ على أقل التقادير، يقول القسّ منسَّى يوحنا: يدَّعي بعضهم أنَّ العهد الجديد حُرِّف أو بُدِّل، وهو قولٌ لا يُعتبر ذا قيمةٍ إلا إذا أتى صاحبه بالنُّسخة الأصليّة التي يعتقد أنَّها أصحّ ممّا عندنا. ولكن نحن عندنا نُسخاً مخطوطة أقدمها يرجع إلى سنة 200م، وهي والنُّسخ المُتداولة مُتطابقة تماماً(44).

وينقل الشماس الإكليريكي د. سامح حلمي أنّ أهم مخطوطات العهد القديم التي وصلت هي مخطوطات (البحر الميت 100 الى 250 ق.م) والترجمة السبعينية(45).

أما العهد الجديد، فيتحدث حلمي عن: مخطوطة جون رايلاند: اكتشفت في صحراء الفيوم بمصر سنة 1935م، ويؤرخها العلماء إلى 125 م، وهي محفوظةٌ الآن.. بإنجلترا، وهي تعدّ أقدم شاهدٍ للعهد الجديد، وتحتوي على أجزاء من إنجيل يوحنا(46)، ثم يذكر مخطوطات أخرى يرجع أقدمها إلى 150 م وما بعده.

فليس هناك من نسخةٍ كاملةٍ تعود للقرن الأول، ولا للنِّصفِ الأوّل من القرن الثاني، ولو كانت الأناجيل على أفضل التقادير قد كُتِبَت في منتصف القرن الأول، فإن النسخ الموجودة على أحسن التقادير تبعد قرناً عن تاريخ كتابة الإنجيل. ونصف قرنٍ أو أكثر عما كُتِبَ مؤخراً من الأناجيل.

يؤكد هذا أيضاً القسّ ديفيد كوزيد في مقدمة إنجيل يوحنا: من أقدم المخطوطات للعهد الجديد التي تم العثور عليها في مصر كانت جزءً من الأصحاح الثامن عشر من إنجيل يوحنا والذي يعود تاريخه إلى ما قبل العام ١٥٠م.

والنتيجة، أن النسخ الأصلية للأناجيل المعروفة قد فُقِدَت، يعترف بذلك جون كلايد تارنر فيقول: فُقِدَت المخطوطات الأصليّة، وكل ما هو بين أيدينا اليوم نسخٌ عن النسخ الأصليّة المكتوبة باليد، وكتابُنا المتداول اليوم هو ترجمةٌ لهذه النسخة القديمة(47).

ويوافقه ما في مدخل إنجيل متّى من الترجمة اليسوعية الجديدة للكتاب المقدس: ليس في هذه المخطوطات كتابٌ واحدٌ بخطّ المؤلِّف نفسه، بل هي كلّها نسخٌ أو نسخُ النسخ للكتب التي خطّتها يد المؤلف نفسه، أو أملاها إملاءً. ليس لدينا على البردي سوى أجزاءٍ من العهد الجديد بعضها صغير. وأقدم الكتب الخط التي تحتوي معظم العهد الجديد أو نصّه الكامل، كتابان مقدّسان على الرق يعودان إلى القرن الرابع. وأجلّهما (المجلّد الفاتيكاني)، سمي كذلك لأنه محفوظٌ في مكتبة الفاتيكان، وهذا المخطوط مجهول المصدر، وقد أصيب بأضرارٍ لسوء الحظ.. والعهد الجديد كاملٌ في الكتاب الخط الذي يقال له (المجلد السينائي).. لا بل أضيف إلى العهد الجديد الرسالة الى برنابا و(48)..

والخلاصة أنّه لا توجد نسخٌ خطيّة كاملةٌ للإنجيل لتقارَنَ بها النسخ الحالية، فلم يثبت بطريقٍ معتبرٍ أنّ ما بين أيدينا هو نفسُه نسخ الإنجيل التي قيل أنّها كُتِبَت بعد عشرات السنوات من رفع عيسى (عليه السلام) بحسب قولنا وقتله بحسب قول النصارى.

هل كان للمسيح كتاب أقوال؟

ينفي علماء النصارى أن يكون لعيسى (عليه السلام) أيّ كتاب متقدم على الأناجيل المعروفة، أو أن يكون قد ترك أيَّ أثر مكتوب، وإنما أثره هو ما كتبه هؤلاء التلاميذ وسواهم وحكمت عليه الكنيسة بالعِصمَة وأقرّته.

لكن لِكَثيرٍ من العلماء والباحثين رأيٌ مغاير، حيث يلتزمون بأن هناك إنجيلاً مفقوداً، كتبه أتباعُ عيسى الأوائل ونقلوا فيه أقوال عيسى (عليه السلام) فقط، وأسموه إنجيل الأقوال، يقول بيرتون ل. ماك: كتب أتباعُ يسوع الأوائل كتاباً.. يضم تعاليمه فقط بدلاً من أن يروي قصة دراميّة حول حياة يسوع.. كان.. إنجيلاً لأقوال يسوع: أي إنجيل أقوال(49).

ويقول: حتى بعد أن أصبحت الأناجيل السرديّة سائدة، كان إنجيل الأقوال ما يزال مُعتَمداً، وما يزال يُنسَخُ ويُقرأ باهتمامٍ في حلقاتٍ كانت تزداد اتساعاً.. لكن ما لبثت الأناجيل السرديّة أن أصبحت هي السائدة بصفتها التصوير المفضّل لدى المسيحيين. وفُقِدَ إنجيل الأقوال من الذاكرة التاريخيّة للكنيسة المسيحية(50).

ويزيد الأمر تشويقاً بقوله: لقد كان لدى متّى ولوقا نسخةٌ من إنجيل الأقوال(51).. أسمى العلماء هذه الوثيقة Q ك، اختصاراً لكلمة Quelle الألمانية التي تعني (مصدر) لأنّهم اعتبروها في البداية المصدر المشترك للأقوال في إنجيلي متى ولوقا(52).

إلى هنا يبقى الأمر مجرّد تحليل، لكنه يقول: عُثِرَ على نموذجٍ آخر من هذا الجنس الأدبيّ هو إنجيل الأقوال المعروف باسم انجيل توما(53).

ثم يتحدث عن هذا الاكتشاف: اكتشاف مخطوطةٍ مذهلةٍ في عام 1945.. من بين النصوص الغنّوصية القبطية المكتشفة في نجع حمادي كانت مجموعة أقوال يسوع المسماة الإنجيل وفقاً لتوما (انظر الترجمة الانجليزية الحديثة لمارفن ماير 1992). لقد بدا تخيُّل إنجيل توما شديد الشبه ب (ك) وما يقارب من 35 % من الأقوال في إنجيل توما لها مثيلها في (ك)(54).

ويقول: لقد استخدم كل من مرقس ومتى ولوقا نسخة من (ك) بشكل مستقلٍّ كل منهم عن الآخر، واستخدم كل منهم (ك) من منظور مختلف تماماً، لذلك كان (ك) ما يزال متداولاً كوثيقةٍ في نهاية القرن الأول(55).

ويقول: استمر الناس في قراءة (ك) إلى جانب إنجيل مرقس حتى نهاية القرن الأول تقريباً، وكما يبدو فقد حظي (ك) بقرّاء كثيرين وفي أوساطٍ متنوعة كما يشهد على ذلك إنجيلا متى ولوقا، وعندما وجد كل من متى ولوقا سبيلاً لتضمين (ك) في نسختيهما الموسعتين لإنجيل مرقس، كان (ك) قد فقد بعضاً من جاذبيّته كوثيقةٍ منفصلة(56).

فيما يقول إينوك باول: سيكشف لنا إنجيل متّى النقاب عن أن هناك متناً أوليّاً سابقا له، قد تم تحويره بشكلٍ فادح، لغايةٍ هي إما لاهوتية أو جدلية، وبأنّ النص الناتج عن ذلك قد تم توليفه مع المتن الأوليّ فيما بعد.. هذا فضلاً عن أن المتن الأوليّ نفسه كان نتاجاً لعمليةٍ سابقةٍ تضمّنت عدة مراحل من الإضافات الجوهرية(57).

ليخلص إلى أنّه: قد جرت عملية طمسٍ شاملة لبطرس.. إن الأسبقيّة التي أُسبغت على بطرس من قِبَل يسوع.. قد جرت محاولةٌ واضحةٌ لإبطالها، مما يُثبِتُ في حدّ ذاته بأنّ المتن الأصليّ السابق للإنجيل كان يحمل تفضيلاً ضمنياً لصالح بطرس. ولذا فلا يكون من المبالغة أن نُطلِقَ على متن هذا الكتاب المذكور عنواناً فرعياً هو (الإنجيل حسب بطرس)(58).

المقدمة الثالثة: أن نثبت كونه معصوماً

مطالبة المُدَّعي بالدليل من أوضح الواضحات التي لا يختلف عليها العقلاء، لذا جرت سيرة الأنبياء على إبراز المعاجز دليلاً على دعواهم النبوة، ولَزِمَ اتّصافُ الأنبياء بالعصمة وصفات الكمال لأنّ ذلك أدعى في تصديق الناس لهم، إذ كيف يُصَدَّق الكذوب أو عديم الإيمان أو مَن يتّبع الشيطان في سلوكه، أو من ينحرف ويشذُّ في تفكيره؟!

لا يختلف معنا في ذلك علماء النصارى، يقول الاسقف بولس البوشي: يجب على رُسُل الله أن تكون على يدهم علامةُ المَلِك سيِّدهم، الذي أرسلهم.. ولذا لمّا أرسل الله رسله الأطهار التامِّين، أعطاهم العلامة التي له شاهدة لرسالتهم، وهي الآيات التي يصنعونها باسمه القدّوس(59).

وهذا أمرٌ عقلائي، ولذا لا بدّ للرسول من معجزٍ يكون فيه كفايةٌ لتصديق قوله وقبول أمره، وعذرٌ عند متّبعه أمام الله سبحانه وتعالى.

وقد يُستَدَلُّ على إثبات العصمة لِكُتّاب الأناجيل بأدلّةٍ منها:

الدليل الأوّل: نصُّ الإنجيل على الوحي

قد يُستدلُّ على أن الإنجيل وحيٌ من السماء بدلالة الإنجيل نفسه على ذلك، وكلُّ وحيٍ يكون معصوماً، فيكون الإنجيلُ معصوماً عن الخطأ.

ففي رسائل بولس: وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ المَسِيحِ(60).

وكذا ذهب يوحنا إلى أن ما أتى به كان مرسَلاً بيد ملاك الله له: إِعْلاَنُ يَسُوعَ المَسِيحِ، الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ الله، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، وَبَيَّنَهُ مُرْسِلاً بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا(61).

ومثله ما في رسائل بطرس: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ الله القِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ(62).

وتُعَمَّمُ القضيّة إلى سائر الأسفار بحسب النص التالي: كُلُّ الكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ الله، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ(63).

قال جون كلايد تارنر: أدلة الوحي: 1. ادّعاء مدوّني الكتاب المقدس أن الذين دوّنوا الكتاب يدّعون بأنهم كانوا ينطقون بلسان الله أو أن الله كان يتكلم بهم (64).

قال القس بسام مدني: نحن نصل إلى النتيجة بأن الكتاب هو خال من الأخطاء: .. بسبب الشهادة التي يشهدها الكتاب عن أهليّته التامّة للثقة(65).

ويلاحظ عليه:

أولاً: أن هذا استدلالٌ بالمُدَّعى، فنحن لا نعلم صحة الإنجيل كي نستدلّ بالإنجيل، فيكون من باب الاستدلال بالشيء على نفسه، وهذا ممتنع وباطل.

بعبارة أخرى: أنه يجب أولاً إثباتُ كونه وحياً كي يصير حجّة، وبعد أن يصير حجة يمكن الاستدلال به، أما الاستدلال على كونه وحياً به نفسه فهو متوقف على ثبوت حجّيته في مرحلة سابقة.

ثانياً: أنّه على فرض تمامية هذا الاستدلال، يلزم منه الإقرار بسائر الأناجيل التي ادّعى أصحابها الوحي ولم تقبل الكنيسة منهم ذلك، ومن ذلك على سبيل المثال ما ورد في إنجيل نيقوديموس (انجيل الآلام الثاني)، حيث قال: تلك هي أسرارٌ إلهيةٌ ومقدّسة رأيناها وسمعناها، أنا كارينوس وأنا لوسيوس، ليس مسموحاً لنا بالمتابعة ورواية أسرار الله الأخرى، كما قال لنا رئيس الملائكة ميخائيل(66).

فكاتب هذا الإنجيل يزعم رؤيته للأسرار الإلهية، ومخاطبته لزعيم الملائكة ميخائيل، وأنّه مؤتَمِرٌ بأمره مُنتَهٍ بنهيه، فيلزم التصديق بهذا الإنجيل وسائر الأناجيل التي تعتبرها الكنيسة منحولة.

بل يلزم التصديق بكلّ من ادّعى الوحي كجوزيف سميث الذي ادعى النبوّة، وينبغي حينها الحكم بصحة عقيدة الطائفة المورمونية، فإنهم يقولون أن كتاب مورمون: كُتِبَ لليهود والأُمَمِ بالأمر، وأيضاً بروح النبوّة والرؤيا(67).. وأنّه: سِفرٌ مقدّس مثل الكتاب المقدس. وأنّه قد: كتب الكتاب أنبياءٌ قُدَمَاء كثيرون عن طريق النبوّة والرؤيا.. ثم اختصر تلك الكلمات النبي مورمون(68).

ثالثاً: أنّ الدليل أخصُّ من المُدّعى، فما في رسائل بولس لغلاطية ورسالة بطرس ورؤيا يوحنا هو دعوى الوحي إلى هؤلاء بالخصوص، فلا تشمل سائر كُتّاب الإنجيل.

رابعاً: أن تعميم الدعوى إلى سائر الكتب غير مُتعقّل، لأن رسالة بولس إلى تيموثاوس التي تتضمن كون كلّ الكتاب موحىً به، قد كُتِبَت على الأرجح قبل عام 68م، الذي يُقال أنّ بولس قُتِلَ فيه، وحينها لم تكن الأناجيل قد كُتِبَت أو عُرِفَت حتى يُحكَمَ بصحتها من هذا النص.

لا يقال: نصُّه يشملها ولو لم تكن قد كُتِبَت بعد، لأنه يتحدّث عن عنوان الأناجيل لا عن مصاديقها وأفرادها، فهو يثبت العنوان الحقيقي لا الخارجي، وكلّما كان مصداقاً لهذا العنوان ثبتَ صحّته.

لأنا نقول: أن النصّ لو كان عاماً فهو لا يُثبِتُ موضوعه، وقد وقع الاختلاف بين النصارى في صحة وعدم صحة عشرات الأناجيل، فإن كان هذا النص يثبت صحة كل الأناجيل التي يُدّعى وحيانيّتها، فهو خلاف ما يذهب إليه النصارى من كون بعضها مكذوباً، وإن كان يُثبِتُ بعضها فما يدرينا أن إنجيل يوحنا مثلاً الذي كُتِبَ أواخر القرن الأول أو أوائل القرن الثاني مما يشمله هذا النص؟

فيكون النصُّ فاقداً لأيِّ دلالةٍ على شمول الوحي لكافّة الأناجيل المعتَمَدة، هذا على فرض اعتباره كما تقدم.

الدليل الثاني: نصُّ الإنجيل على رسالتهم

قد يُستدلُّ على صحة الأناجيل بأن الإنجيل نفسه قد نصّ على أن الكُتّابَ هم رُسُل المسيح، ورُسُل المسيح معصومون، فتثبُت صحّة الكتاب المقدّس.

ورد في رسائل بطرس: بُطْرُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ المَسِيحِ، إِلَى المُتَغَرِّبِينَ مِنْ شَتَاتِ بُنْتُسَ وَغَلاَطِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَأَسِيَّا وَبِيثِينِيَّةَ، المُخْتَارِينَ(69).

وفي رسائل بولس: بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ المَسِيحِ بِمَشِيئَةِ الله، وَتِيمُوثَاوُسُ الأَخُ(70).

ويذكر الإنجيل أنبياء بعد المسيح في عهد التلاميذ، فيقول: وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ انْحَدَرَ أَنْبِيَاءُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. وَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْمُهُ أَغَابُوسُ(71).

وفيه: وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي الكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا، وَسِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ، وَلُوكِيُوسُ القَيْرَوَانِيُّ، وَمَنَايِنُ الَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ الرُّبْعِ، وَشَاوُلُ(72).

وفيه: وَيَهُوذَا وَسِيلاَ، إِذْ كَانَا هُمَا أَيْضًا نَبِيَّيْنِ(73).

وُيلاحظ عليه نفس ما لوحظ على الدليل الأول، من أنّه استدلالٌ بكلماتهم أنفسهم، من الإنجيل نفسه، والحال أن الباحث لم يثبت عنده صدق الإنجيل بعد، ولا ثبت عنده صدقهم ولا عصمتهم بعد، فيكون استدلالاً بالمدّعى، ويكون أخصّ من المدعى لاختصاصه بهذين الرسولين، فلا يشمل سائر كتّاب الإنجيل.

نعم قد يجاب بأن البقية أيضاً كانوا رسلاً، كما يقول: هلال أمين في مقدمة إنجيل مرقس: كان متّى ويوحنا رسولين، ولكن لوقا ومرقس من الأنبياء.

لكن هذا القول مجرّد دعوى لم يقم عليها دليل.

الدليل الثالث: أنّهم من التلاميذ أو من الأتقياء

قد يستدلُّ على عصمة كُتّاب الإنجيل بأنّهم من تلامذة المسيح، أو من تلامذة تلاميذه، وقد نصّ الإنجيل على عصمة التلاميذ، لقول عيسى (عليه السلام) لهم: لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ المُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ(74).

وفي مقدمة ترجمة ابن العسال للأناجيل الأربعة حول كُتّاب الإنجيل: فكتبه أربعةٌ منهم بوحيٍ من الله وإلهام، فمنهم متّى ويوحنا من الاثني عشر الأصفياء، ومرقس ولوقا من السبعين الأتقياء.. فكتبوا بتأييد الروح القدس ما شاهدوا وسمعوا من السيد المسيح(75).

ويلاحظ عليه:

أولاً: أنّه استدلالٌ بالمدعى كالأدلة السابقة، لأنّ قول المسيح بحقّهم منقولٌ بالإنجيل نفسه الذي لم تثبت صحّته بعد.

ثانياً: أنّه أخصُّ من المدّعى، فقد ذكر إنجيل متّى أسماء تلاميذ عيسى: وَأَمَّا أَسْمَاءُ الاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً فَهِيَ هذِهِ: اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. فِيلُبُّسُ، وَبَرْثُولَمَاوُسُ. تُومَا، وَمَتَّى العَشَّارُ. يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ المُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ. سِمْعَانُ القَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ(76).

وليس بينهم بولس الذي كان له النصيبُ الأكبر من كتابة نصوص الإنجيل، وليس منهم لوقا ومرقس صاحبي الانجيل الثاني والثالث.

ثالثاً: أنّ الدليل مناقضٌ لما ورد في إنجيل متّى وسواه، من أنّ يهوذا الأسخريوطي هو الذي أسلمه، وهو من التلاميذ الإثني عشر، فكيف يكون هؤلاء مرسلون من عيسى معصومون عن الخطأ ثم يُسَلِّمُ بعضهم عيسى؟!

رابعاً: أنّه بالغض عن كلّ ما تقدّم، لا يُثبِتُ النصُّ أن روح الله يتكلم فيهم دائماً، بل في واقعةٍ محدّدةٍ كانت مسرحاً لأحداثٍ ذكرها الإنجيل، حيث يخاطب عيسى تلامذته قائلاً: وَلكِنِ احْذَرُوا مِنَ النَّاسِ، لأَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ. وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ.

فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ المُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ(77).

 فهو صريحٌ في أنهم يُعطون في تلك الساعة ما يتكلمون به، ولم يُعَمِّم النصُّ هذا الحال إلى كل الأوقات كي يكون وقت كتابتهم للإنجيل مشمولاً، وإلا لَزِمَ أن يكون يهوذا الاسخريوطي ليس هو المتكلم، بل يكون الروح هو الذي أرشده لتسليم عيسى (عليه السلام) لأعدائه ومبغضيه!

الدليل الرابع: صدور المعجزات منهم

قد يُقال أنّ صدور المعجزات من التلاميذ وكُتّاب الأناجيل دليلٌ على عصمتهم، فيثبت صحّة ما كتبوه في الإنجيل.

ويلاحَظُ عليه:

أولاً: أن إثبات صدور المعجزات منهم لمَّا لم يُنقَل لنا بطريقٍ متواترٍ يفيد العلم، فقد احتجنا في اثباته إلى الإنجيل، فيكون إثباتُ المعجزة متوقفاً على صحّة الإنجيل، وإثبات صحّة الإنجيل يتوقفُّ على صدقهم، وصدقهم لا يُعلَم إلا بإثبات المعجزات لهم. فيكون من باب توقف الشيء على نفسه، وهو محال، لأنّه لا يُمكن إثباتُ عصمتهم ما لم تثبُت صحّة الإنجيل، ولا يمكن إثبات صحّة الإنجيل ما لم تثبُت عصمتهم.

نعم لو نُقِلَت لنا معجزاتُهم بالتواتر لَثَبَتَ صدقهم وقبلنا دعوى عصمتهم، لكن ليس بين أيدينا دليلٌ متواترٌ يثبت هذه المعجزات.

ولو ثبت نَصٌّ متواترٌ عن عيسى (عليه السلام) يدلُّ على صدقهم لأقررنا بذلك، ولكن لم يصلنا مثل هذا النص، والنصارى ينكرون وجود إنجيلٍ لعيسى (عليه السلام)، ولم يصلنا شيء من كلماته يدل على ذلك، سوى ما في الإنجيل الذي يحتاج إلى دليلٍ يثبت صحّته.

ثانياً: أن صدور المعجزات على أيديهم لو سُلِّمَت صِحَّتُه، لدلّ على صدقهم ونبوّتهم فعلاً بحسب اعتقادنا ان ادّعوا النبوّة، لكن الكتاب المقدّس يخالف هذا الأمر، ويُثبِتُ إمكان وقوع الآيات العظيمة والعجائب على يد الأنبياء الكذبة! حيث يقول: سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ المُخْتَارِينَ أَيْضًا(78).

فما السبيل إلى تمييز هؤلاء الأنبياء وتصديقهم مع احتمال كونهم كذبةً قد أتوا بآيات عظيمة؟

إنه طريقٌ مُغلَقٌ مقفَلٌ مُظلِمٌ بحسب الإنجيل.

لقد حذّر الإنجيلُ في مواطن عدّة من هؤلاء فقال: «اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَباً، أَوْ مِنَ الحَسَكِ تِيناً؟(79).

وقال: وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ(80).

ثم ما السبيل إلى تمييز الأنبياء الكذبة عن غيرهم إذا كانت صورتهم أيضاً ستتغيّر من صورة شيطانٍ إلى شبه ملاكِ نور؟!

ففي الإنجيل: لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ المَسِيحِ.  وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! (81).

والنتيجة أنّه لم تثبت عصمة هؤلاء الكُتّاب بوجهٍ من الوجوه.

من حدد صحة هذه الكتب؟

فضلاً عن كلّ ما تقدّم، ومع ثبوت وجود الأنبياء الكذبة، ومع انتشار الأناجيل المنسوبة لعيسى (عليه السلام) في تلك الفترة، والتي قيل أنها عشرات الكتب، فمن الذي حدّد الصحيح منها وميَّزَهُ عن الباطل؟

علماً أنّ كثيراً منها قد كُتِبَ قبل الأناجيل المُعتَرَف بها، يقول لوقا في أول إنجيله: إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ المُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ البَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ، رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا العَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ(82).

فإن لوقا يقرّ بأن هناك الكثير من الأشخاص الذين كتبوا كما كتب هو، أناجيلُ لم تعترف الكنيسةُ بها بعد ذلك، بل قَصَرَت الاعتراف بالأربعة الحالية المعروفة، وضمَّت لها أسفاراً أخرى لتصبح كما هي عليه اليوم، وقد مرّ الاعتراف بهذه الأناجيل بمراحل عدّة.

وقد ورد في مدخل إنجيل متّى من الترجمة اليسوعية الجديدة للكتاب المقدّس: يبدو أن المسيحيين حتى ما يقرب من السنة 150، تدرجوا من حيث لم يشعروا بالأمر إلا قليلاً جداً الى الشروع في إنشاء مجموعةٍ جديدةٍ من الأسفار المقدّسة، وأغلب الظن أنهم جمعوا في بدء أمرهم رسائل بولس واستعملوها في حياتهم الكنسيّة.. فقد كانت الوثائق البولسيّة مكتوبةً، في حين ان التقليد الانجيليّ كان لا يزال في معظمه متناقلاً على ألسنة الحفّاظ. ليس هناك قبل أوّل القرن الثاني أيّ شهادةٍ تثبت أن هذه النصوص كانت تُعدُّ أسفاراً مقدّسة لها من الشأن ما للكتاب المقدّس. ولا يظهر شأن الأناجيل طوال هذه المدة ظهوراً واضحاً، كما يظهر شأن رسائل بولس(83).

وفيه: ليس هناك قبل السنة 140 أيُّ شهادةٍ تثبت أنّ الناس عرفوا مجموعةً من النصوص الانجيليّة المكتوبة.. لم يظهر الا في النصف الثاني من القرن الثاني شهاداتٌ.. بأن هناك مجموعةً من الأناجيل وأنّ لها صفة ما يُلزِم، وقد جرى الاعتراف بتلك الصفة على نحوٍ تدريجيّ.. يمكن القول أن الأناجيل الأربعة حظيت نحو السنة 170 بمقام الأدب القانوني، وان لم تُستعمل تلك اللفظة حتى ذلك الحين(84).

ثم أعطى آباء الكنيسة المجتمعين في القرن الرابع لأنفسهم الحق في تحديد ما هو الوحي السماوي وما هو المنحول منه، حيث أن: التحديد النهائي لمجموعة الأسفار السبعة والعشرين لم يتم إلا في القرن الرابع(85). على أن: المجموعة الكاملة من 27 سفراً التي تقرّها الكنيسة اليونانية.. أول من ذكرها أثناسيوس في رسالته الفصحية التاسعة والثلاثين من العام 387(86).

يشير المطران يوسف الدبس إلى أن تحديد الأسفار بالأسفار ال27 المعروفة وتحتيم الإعتقاد بأنها وحيٌ مُنزَلٌ من الله تعالى حصل في المجمع التريدنتيني ومجمع فلورنسا ومجمع قرطاجنة ومجمع ايبونا، وهو أقدمها حيث عقد سنة 393م(87).

 لكن هل أعطاهم الله تعالى هذه الصلاحية فكانوا معصومين أيضاً في تحديدهم؟ وما الدليل على ذلك؟

إن قيل: عصمة البابا، وقد تمّ ذلك برضاه.

 قلنا: هذا محلُّ خلافٍ بين النصارى أنفسهم، فالارثوذوكس والبروتستانت يرفضون ذلك، وكم من مَجمَعٍ مسكونيٍّ ترفضه كثيرٌ من الكنائس.

يقول عالم اللاهوت الهولندي د. هيرمان بافينك: عندما تزايد عدد كتابات الأنبياء والرسل في ما بعد، وعندما ظهرت بعض الكتابات التي لم يُسَطِّرها أنبياءٌ ولا رسل جنباً إلى جنب معها، ولكنما زعم بعضٌ أنهم كتبوها.. عندئذ أصبح لزاماً على الكنيسة أن تميّز بين الأسفار القانونية الحقيقيّة والكتابات المزيفة.. وأن تضع قائمةً بالكتب الحقيقية. وقد تم هذا قبل مولد المسيح بالنسبة الى كتب العهد القديم، وفي القرن الرابع الميلادي بالنسبة الى العهد الجديد(88).

لقد أقدمت الكنيسة على خطوةٍ لم تقدّم برهاناً أو دليلاً على صحّتها، وليس رأيُ آباء الكنيسة ملزماً للنصارى أو غيرهم ما لم يكن مستنداً إلى دليل، لعدم ثبوت عصمة أحدٍ منهم بدليلٍ مُعتبر.

ثم إن هناك من يطعنُ بهذه الكنيسة بالكامل ويزعم الوحيَ عليه في ذلك، ولو ساغَ لنا أن نصدِّقَ آباء الكنيسة دون دليلٍ، لساغَ تصديق هؤلاء دون دليلٍ أيضاً، كالطائفة المورمونية، حيث ورد في كتابهم المقدّس ذمّ الكنيسة، ففيه: وكان أني رأيت بين دول الأمم بداية كنيسة ضخمة. وقال لي الملاك: هذه بداية كنيسة تفوق جميع الكنائس الأخرى في الرذيلة، وتبيد قدّيسي الله. نعم وتعذّبهم وتقيّدهم وتُحَمِّلهم نيراً من حديد وتسوقهم إلى العبودية. وكان أني نظرتُ إلى تلك الكنيسة الضخمة الفاسدة، فإذا إبليس مؤّسسها(89).

وفيه: وقال لي ملاك الربّ: .. تُطَالِعُكَ بداية كنيسةٍ ضخمةٍ فاسدةٍ تفوق سائر الكنائس فساداً، فهم قد سلخوا عن إنجيل الحَمَل كثيراً من النصوص الواضحة العظيمة القَدر، كذلك حذفوا كثيراً من عهود الربّ. كلّ ذلك فعلوه ليفسدوا طرق الرب المستقيمة فيُعمُوا أعيُن أبناء البشر ويُقَسُّوا قلوبَهم. فأنت ترى أن الكتاب، أي كتابُ حَمَل الله قد فقد الكثيرَ مما هو واضحٌ ونفيسٌ بعد مروره بيدي الكنيسة الضخمة الفاسدة.. هذا الحذف الذي تعرّضت له أجزاءٌ كثيرةٌ من إنجيل الحمَل يُعثِرُ كثيرين جداً فيكون للشيطان عليهم نفوذٌ واسع(90).

وفيه: كلّمني الملاك.. وقال لي: ليس في الوجود غير كنيستين: الأولى كنيسة حمَل الله، والثانية كنيسة إبليس. لذلك فالنافرون عن كنيسة حمل الله تابعون لتلك الكنيسة الضخمة أمّ الموبقات، وهي زانيةُ الأرض كلّها. وكان أني نظرت فأبصرت زانية الأرض كلها جالسة على مياهٍ كثيرة، وكان لها سلطانٌ على كل الأرض، وبين جميع الدول والقبائل والألسنة والشعوب(91).

فيصفُ هؤلاء الكنيسة بهذه الأوصاف! ودليلهم في إثبات كتابهم كأدلّة الكنيسة في إثبات الكتاب المقدّس!

وقد ورد في نبوءة أشعيا التي لم تعترف بصحتها الكنيسة كلامٌ حول الفساد والكذب وإبطال رؤى الأنبياء المتقدمين، ففيها: يقول أشعيا: ومن ثم عند دنوّه يتخلى تلاميذه عن نبوءة الرسل الإثني عشر، كما عن إيمانهم.. سيكون كثيرون من الكهنة الجائرين والرعاة الذين سيضطهدون رعاياهم.. الروح القدس سينكفئ عن عدد كبير، ولن يكون في تلك الأيام أنبياءٌ كثرٌ ولا أُناسٌ يقولون أشياء صحيحة.. سوف يهملون نبوءة الأنبياء الذين تقدموني، ورؤاي أيضاً سيبطلونها، لينطقوا بتجشؤات قلوبهم(92).

صفات التلاميذ وكتبة الأناجيل

فضلاً عمّا تقدّم، فإنه حتى على فرض تمامية الأدلة السابقة (وقد تبيّن أنّها ليست تامة)، فإنّها معارَضَةٌ بصفاتِ كُتّاب الأناجيل بحسب الكتاب المقدس نفسه، وهي لا تستقيم مع عصمتهم بوجهٍ من الوجوه، فإن التلاميذ هم النُّخبَةُ والصفوة، ورغم ما ورد من مديح لهم في الكتاب المقدس، إلا أن ذَمَّهُم كان عجيباً.

ونذكُر بعض ما مدحهم به الكتاب المقدس أولاً، فقد وصف الإثني عشر بأنّهم على كرسيّ المجد: فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ(93).

فكيف يجتمع كون الإثني عشر جالسين على كرسيّ المجد، مع كون يهوذا واحداً منهم؟ فهو مشمول بخطاب عيسى (عليه السلام) لهم حينما قال: (تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا)، ويهوذا كان واحداً من الاثني عشر حينها، وإنما قام التلاميذ لاحقاً بإضافة مِتيَاس بدلاً عنه لكي يحافظوا على العدد نفسه، أمّا النص المذكور فهو يتضمّن خطاباً من عيسى (عليه السلام) لأشخاص الاثني عشر الذين منهم يهوذا يبشّرهم فيه بأنّهم سيجلسون معه على كرسيّ المجد!

وللتخلُّص من هذه المعضلة ذكروا ما فعله التلامذة: فَأَقَامُوا اثْنَيْنِ: يُوسُفَ الَّذِي يُدْعَى بَارْسَابَا المُلَقَّبَ يُوسْتُسَ، وَمَتِّيَاسَ. وَصَلَّوْا قَائِلِينَ:«أَيُّهَا الرَّبُّ العَارِفُ قُلُوبَ الجَمِيعِ، عَيِّنْ أَنْتَ مِنْ هذَيْنِ الاثْنَيْنِ أَيًّا اخْتَرْتَهُ،  لِيَأْخُذَ قُرْعَةَ هذِهِ الخِدْمَةِ وَالرِّسَالَةِ الَّتِي تَعَدَّاهَا يَهُوذَا لِيَذْهَبَ إِلَى مَكَانِهِ». ثُمَّ القَوْا قُرْعَتَهُمْ، فَوَقَعَتِ القُرْعَةُ عَلَى مَتِّيَاسَ، فَحُسِبَ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ رَسُولاً(94).

وهذا لا ينفع لأنّ عيسى (عليه السلام) خاطب الاثني عشر وهم معروفون بأسمائهم وأشخاصهم.

وفضلاً عن المدح العام، ورد مدحٌ خاصٌّ لبطرس، وأنّ بيده مفاتيح ملكوت السماوات! ينقل الإنجيل قول عيسى (عليه السلام) له: وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ(95).

أما ذَمُّهُم في الكتاب المقدس، ففي فقرات عدّة منها:

قليلو الإيمان بل عديمو الإيمان

ذكر إنجيل متّى وصف عيسى (عليه السلام) لتلاميذه كما يلي: فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ:«يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ!» فَقَالَ لَهُمْ:«مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟»(96).

وفي محلٍّ آخر: فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ أَنَّكُمْ لَمْ تَأْخُذُوا خُبْزًا؟(97).

ثم يترقّى فيصفهم بانعدام الإيمان، وأنّه ليس في قلبهم حبَّةُ خردلٍ منه!

حيث ينقل الإنجيل حواراً بين عيسى (عليه السلام) وتلامذته لما سألوه عن علّة عجزهم عن شفاء أحد المرضى، فيما تمكن هو من شفائه: ثُمَّ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالُوا: «لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟». فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ(98).

وفي لوقا أيضاً: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل..(99).

وقد نصّ الإنجيل على قلة إيمان بعضهم كبطرس رغم ما مدحه به، فنقل قول عيسى (عليه السلام) له: يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟(100).

شكُّهم جميعاً بعيسى

تحدث الإنجيل عن حالة التلاميذ ونَقَلَ قول عيسى (عليه السلام) لهم: حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ(101).

وقال لبطرس: الحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ(102).

قساة القلوب

ينقل الإنجيل عن عيسى (عليه السلام): أَخِيرًا ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ، وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ(103).

بطرس شيطان!

في الإنجيل ينتهرُ عيسى (عليه السلام) بطرس وهو وصيُّه فيقول عنه أنّه شيطان! ففي إنجيل متى: فَالتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ:«اذْهَبْ عَنِّي يَاشَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ(104).

وفي إنجيل مرقس: فَالتَفَتَ وَأَبْصَرَ تَلاَمِيذَهُ، فَانْتَهَرَ بُطْرُسَ قَائِلاً: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا ِللهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ»(105).

وأما يهوذا الذي أسلمه فقد دخل فيه الشيطان: فَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الَّذِي يُدْعَى الإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الاثْنَيْ عَشَرَ(106).

فكأنّ حال بطرس الثابت على الحقّ ووصي عيسى (عليه السلام) أسوأ من حال المنقلب على عقِبَيه بحسب الإنجيل!

بولس عدوّ الكنيسة.. يصبح مُبَشِّرَها الأول!

أما بولس أو شَاوُل، صاحب النصيب الأوفى من نصوص الإنجيل، فقد كان شديداً على المؤمنين بعيسى (عليه السلام) في أيامه، وقد عمد إلى أذيّة رجالهم ونسائهم وجرّهم إلى السجون، بل كان يعمد إلى قتلهم كما يُثبت ذلك الكتاب المقدس، وفجأة، يزعم بولس أن عيسى (عليه السلام) ظهر عليه، ثم صار رسولاً لعيسى!

في أعمال الرسل: وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الكَنِيسَةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ البُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ(107).

وينقل الإنجيل أسطورة استبصاره قائلاً: أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّدًا وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ، فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ الكَهَنَةِ. وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ، إِلَى الجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاساً مِنَ الطَّرِيقِ، رِجَالاً أَوْ نِسَاءً، يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ اقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلاً لَهُ:«شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟»

فَقَالَ:«مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ الرَّبُّ:«أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ.. فَقَاَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: «يَارَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟»

فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ:«قُمْ وَادْخُلِ المَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ»(108).

ويكمل الكتاب المقدس فيذكر حنانيا أحد التلاميذ، وما رآه في الرؤيا من أمرٍ بالذهاب إلى بولس، فاستغرب ذلك قائلاً: يَارَبُّ.. كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ.

لكن الجواب كان أنّه هذا رغم كل ما فعل من شرورٍ صار مختاراً ليحمل اسم الربّ! فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ(109).

وفي نصٍّ آخر يقول له المسيح: أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. وَلكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لأَنْتَخِبَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ(110).

غريبةٌ هي قصّة بولس هذه، وهو الذي يصف أفعاله فيقول: فَأَنَا ارْتَأَيْتُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَصْنَعَ أُمُوراً كَثِيرَةً مُضَادَّةً لاسْمِ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ. وَفَعَلْتُ ذلِكَ أَيْضاً فِي أُورُشَلِيمَ، فَحَبَسْتُ فِي سُجُونٍ كَثِيرِينَ مِنَ القِدِّيسِينَ، آخِذاً السُّلْطَانَ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ الكَهَنَةِ. وَلمَّا كَانُوا يُقْتَلُونَ القَيْتُ قُرْعَةً بِذلِكَ. وَفِي كُلِّ المَجَامِعِ كُنْتُ أُعَاقِبُهُمْ مِرَارًا كَثِيرَةً، وَأَضْطَرُّهُمْ إِلَى التَّجْدِيفِ(111).

كلمات بولس صريحةٌ في اتّباعه نهج الافتراء عندما كان يضطهد المؤمنين، فيقول: أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفاً وَمُضْطَهِداً وَمُفْتَرِياً(112).

وفي الكلمة الأخيرة ما يستفزُّ العاقل، فما الذي يضمن مع اعترافه بكونه مفترياً أن يكون كذلك في كل ما نَسَبَه لعيسى (عليه السلام)؟!

ثمّ لماذا يأخذ النصارى ببعض كلمات بولس التي يمتدح بها نفسه ولا يأخذون ببعضها الآخر التي يصرّح بها أنه ليس أهلاً لأن يُدعى رسولاً؟!

يقول بولس: أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً لأَنْ أُدْعَى رَسُولاً، لأَنِّي اضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ الله(113).

رغم ذلك مالت كفّة بولس عند النصارى، فكان له الحصّة الكبرى من الإنجيل، يقول جيمس د.طابور: صار إعلان (قيامة المسيح) الركن الاساسيّ في العقيدة المسيحية الحديثة الظهور، وصارت صيغة بولص من القصة.. هي الصيغة المنتصرة إلى حدٍّ بعيد(114).

يعترف علماء النصارى بأن بولس عدوَّ الكنيسة صار مبشَّر المسيحيّة الأوّل! يقول القس بسام المدني: شاول الطرسوسي عدوّ الكنيسة يصبح بولس الرسول(115).. كان شاول يعمل كلَّ شيءٍ للقضاء على الكنيسة المسيحية في القدس وخارجها(116).. بولس يعدُّ مبشر المسيحية الأعظم، لأنّه عمل أكثر من جميع الرسل الآخرين على تأسيس الكنيسة(117).

مسيحيّة بولس لا مسيحية المسيح

لكلّ ما تقدّم، يذهب عددٌ من المؤرخين إلى أن المسيحية المعاصرة هي مسيحيّة بولس لا مسيحيّة المسيح، يقول أستاذ تاريخ الأديان في معهد (ليوبايك) بلندن: هيم ماكبي: رسائل بولس في الواقع ليست إلا النصوص الأولى للعهد الجديد ما دام أنها كتبت بين سنة 50 و60 للميلاد، بينما لم تُكتَب أناجيل (العهد الجديد) التي وصلت إلينا إلا بين 70 و110 للميلاد، أي أنّ مؤلفي هذه الأناجيل تأثروا برسائل بولس التي كُتِبَت قبلهم وتشرّبوا بأفكاره وتأويلاته لأعمال عيسى(118).

ويقول: السيد المسيح.. لم يعتبر نفسه أبداً كائناً إلهياً. ولو أنّه علم بما قاله الناس عنه بعد موته لاعتبر ذلك وثنيّة وخرقاً لأوّل وصيةٍ من وصاياه.. لم يكن أتباع كنيسة القدس يؤمنون بأن عيسى ابن الله أو أنّه كائنٌ إلهي.. لقد أظهروا تحفُّظاً شديداً على بولس حين علموا بأنه يبشّر بديٍن جديد، وحاولوا التحاور معه في البداية، ولكنهم لم يلبثوا أن تولّوا عنه وانتبذوه وأنكروه.. إن بولس لا عيسى مؤسس هذه المسيحية، إن الاسطورة الأساسية في هذا الدين الجديد تقول بموت كائنٍ إلهيٍّ للتكفير عن خطايا البشر.. ولقد استقى بولس بعض ذلك من المصادر الهيلينية وافترى هذا الدين(119).. نُصِرُّ على أن بولس هو الذي اخترع هذه الأسطورة المسيحية(120).. بولس هو الذي افترى القربان المقدّس، وهو الذي أرساه تصوُّراً أساسياً في الكنيسة وعنصراً لا بد منه(121).

ليخلص إلى أن: الاسطورة التي اخترعها بولس تلقّت كامل تتويجها في الأناجيل التي كُتِبَت تحت تأثير بولس ولمصلحة كنيسته.. بذلك انتشرت اسطورة بولس(122).

ويذهب جيمس د.طابور إلى القول بأن: هناك (مسيحتان) منفصلتان تماماً ومتميّزتان متجسّدتان في العهد الجديد، والأولى هي معروفةٌ تماماً، وأصبحت صيغة الإيمان المسيحي التي عرفت من قبل بلايين الناس في الألفي عام الماضيين، وهذه المسيحية كان بولص الرسول هو المُقتَرِحُ الأساسيُّ لها والمؤيِّد. أما المسيحية الثانية فقد نُسِيَت، ومع نهاية القرن الأول تهمّشت بشكلٍ فعليّ، وقُمِعَت من قبل المسيحية الأخرى(123).

ويقول: ورد ذكر بولص وتسميته على أنه مصنِّفُ ثلاثة عشر سفراً من الاسفار السبعة والعشرين المشكّل منها العهد الجديد، فسفر أعمال الرسل كله تقريباً جاء كدفاعٍ عن المقام المركزيّ لبولص، على أنّه الرسول (الثالث عشر)، وكان إنجيل مرقص قد كُتِبَ في حوالي العام 70م أي بعد موت بولص، وهو بشكلٍ رئيسيٍّ سيرةٌ للرسالة التي بشّر بها بولص.. وكان كلٌّ من متّى ولوقا قد استخدما رواية مرقص كمصدرٍ أساسيٍّ لهما.. ويعكس إنجيل يوحنا على الأقل من الجانب اللاهوتي جوهر فهم بولص ليسوع(124).

وكان أن وَرَدَ في مروياتنا عن أئمتنا المعصومين (عليهم السلام) ما يطابق هذا المعنى، حيث وُصِفَ بولس بأنّه: بُولسُ الَّذِي نَصَّرَ النَّصَارَى(125).

وقد عَدَّ إنجيل برنابا في مطلعه بولس من الذين ضَلُّوا وبشّروا بتعليمٍ شديد الكفر داعين المسيح ابن الله، ففيه: الآيات التي اتّخَذَها الشيطان ذريعةً لتضليل كثيرين بدعوى التقوى. مبشِّرين بتعليمٍ شديد الكفر. داعين المسيح ابن الله.. الذين ضلّ في عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى(126)..

فإن قيل: كيف يكون بولس هو الذي نصّر النصارى وقد ذكرتم أن التثليث لم يكن العقيدة المنتشرة في الفترة الأولى؟

نقول: كونه بَذَرَ بذرتها وتَبِعَهُ عليها قومٌ، أوصل الأكثر الى الاعتقاد بها لاحقا، يجعله مَن نَصَّرَ النصارى.

يقول القس فهيم عزيز: كانت أول مجموعة عرَفَتها الكنيسة من العهد الجديد هي مجموعة رسائل بولس الرّسول، فهي أوّل ما جُمِعَ من كلّ كتب العهد الجديد(127).. أما المجموعة الثانية فهي مجموعة الأناجيل الأربعة، وقد ظهرت هذه المجموعة متأخرةً بعض الوقت عن مجموعة كتابات الرسول بولس(128).

الخلاف بين بطرس وبولس

يتحدّث بولس في رسائله عن قدومه الى اورشليم، والخلاف الذي حصل بينه وبين بطرس، رأس الكنيسة عند الكاثوليك، ويصف بطرس بأنّه كان (مَلوماً) وأنّه كان وبرنابا مُرائياً! وأنّه حادَ عن استقامة الإنجيل.

يقول بولس: وَلكِنْ لمَّا أَتَى بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لأَنَّهُ كَانَ مَلُوماً.. وَرَاءَى مَعَهُ بَاقِي اليَهُودِ أَيْضاً، حَتَّى إِنَّ بَرْنَابَا أَيْضاً انْقَادَ إِلَى رِيَائِهِمْ! لكِنْ لمَّا رَأَيْتُ أَنَّهُمْ لاَ يَسْلُكُونَ بِاسْتِقَامَةٍ حَسَبَ حَقِّ الإِنْجِيلِ(129)..

وقد حار كُتّابُ الإنجيل في تفسير هذه النصوص بحسب مذاهبهم، فمن كان يعتبر بطرس رأس الكنيسة المعصوم لم يجد بُدّاً من الدفاع عنه، وتوجيه فعله، كما نُقِلَ عن القديس ذهبيّ الفم حول بطرس: إنّه فعل هذا عامداً ليعطي بولس فرصة أن يعلن رأيه بوضوح ويكون هذا درساً للجميع، وكأنّه يأخذ الدرس معهم(130).

وقال المطران يوسف الدبس: قد رأى بعض المفسّرين أنّ كِيفَا الذي وَنَّبَهُ بولس هو غير بطرس المسمى كِيفا أو الصفا، ورأى آخرون أن الخلاف بينهما كان ظاهريّاً ليُثبِتَا للأمَمِ محافظتهما على ما سَنَّهُ مجمع أورشليم، على أنّه وإن حسبنا تونيب بولس لبطرس على ظاهره وعلى اطلاقه، فلا يمسّ رياسته بشيء، ولا يظهر منه أنّ بطرس أَثِمَ بذلك، بل إن بولس لأنّه شريكُه في التبشير وفي المحاماة عن الايمان نَبَّهَهُ إلى أنّ تَصَرُّفَهُ في ذلك يُفضِي إلى تأويلاتٍ سيّئةٍ من جانب الأمم(131).

أما من لا يؤمن بموقفه، فقد رأى في موقف بطرس تَعَرُّضاً للحقِّ الإلهيِّ يستحقّ أن يواجهه بولس، فذهب ناشد حنا إلى صحّة موقف بولس لأنّ الحقّ الإلهيّ قد تعرض للخطر من موقف بطرس!

يقول في شرحه للآيات: من المؤسف أنّه اتخذ موقفاً استدعى أن يقاومه الرسول بولس مواجهةً لأنه كان مَلوماً. فبولس الرجل الرقيق جداً والُمحِبّ جداً يقاوم الرسول بطرس! نعم عندما يتعرض الحقّ الإلهيّ للخطر يصير بولس كأسدٍ في الدفاع عنه.

يقول وليم ماكدونالد: أمَّا بالنسبة لردّ بولس، السادس والأخير، على الذين هاجموا رسوليَّته، فقد أخبر كيف أنَّه كان من الضروريّ له أن يوبِّخ الرسول بطرس الذي كان يُعتَبر عند غالبيَّة اليهود المسيحيين رئيساً للرسل. (يدحض هذا المقطع بشكل قاطع اعتبار بطرس قائد الكنيسة المعصوم من الخطأ).

ويقول الدكتور هنري أ. أيرونسايد: فبادىء ذي بدء، ننذهل إذ نجد بولس وبطرس وكلاهما رجلان موحىً لهما من الله، وكلاهما مُفَوَّضَان من الرب يسوع المسيح ليذهبوا إلى العالم ويعلنوا إنجيله، وكلاهما رُسُلٌ، ننذهل إذ نجدهما الآن يختلفان بحِدَّةٍ أحدهما عن الآخر. وهذا سيفترض بالتأكيد أن الرسول بطرس الذي هو على ضلال، ليس الصخرة التي تُبنى عليها الكنيسة. فيا لها من صخرةٍ متزعزعةٍ إن كان كذلك، فها هنا نفس الرجل الذي أعطاه الآب ذلك الإعلان الرائع بأنّ المسيح هو ابن الله الحي، فالمفارقة هي أنّه يسلك في أنطاكية بطريقةٍ تثير الشك بإنجيل نعمة الله. إن كان بطرس هو أول بابا فهو بابا غير معصومٍ وعرضة للخطأ.

على أن نِسَخَ الانجيل اختلفت في ترجمة بعض الكلمات، فبدل اللوم عبرت ب(الخطأ)، وبدل (الرياء) عبّرت ب(النفاق).

ففي الترجمة السهلة: وَلَكِنْ عِندَما جاءَ بُطرُسُ إلَى أنْطاكِيَةَ، وَاجَهْتُهُ مُباشَرَةً لِأنَّهُ كانَ مُخطِئاً.

وفي ترجمة الشريف: لَكِنْ لَمَّا جَاءَ بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، عَارَضْتُهُ وَجْهًا لِوَجْهٍ، لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى خَطَأٍ.. وَاشْتَرَكَ مَعَهُ فِي هَذَا النِّفَاقِ الآخَرُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ اليَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ. وَحَتَّى بَرْنَابَا نَفْسُهُ انْقَادَ إِلَى نِفَاقِهِمْ.

وفي ترجمة المعنى الصحيح لإنجيل المسيح: ولمّا قَدِمَ صَخرٌ إلى مَدينةِ أنطاكيةَ، واجَهتُهُ أمامَ المَلإ في أمرٍ أتاهُ كانَ فيهِ على خَطإٍ جَسيمٍ.. وانساقَ مَعَهُ في هذا النِّفاقِ آخَرونَ مِن المؤمنِينَ اليَهودِ الموجودينَ هُناكَ، بل إنّ بَرنابا نَفسَهُ انقادَ إلى نِفاقِهِم.

وفي الطبعة الهندية: ثم زاغ معه ما بقي من اليهود حتى انقاد بارناباس ايضا في مراآتهم.

لذا يقول الدكتور هنري أ. أيرونسايد: "الرياء" كلمةٌ مناسبةٌ نوعاً ما. إني أتساءل عن السبب الذي لم يُتَرجِم فيه المترجمون الكلمة اليونانية الأصليّة كما هي كما اعتادوا أن يفعلوا في أماكن أخرى في الكتاب المقدس. لعلّهم لم يُفَضِّلوا استخدام الكلمة الأخرى المرتبطة بشخص مثل برنابا. إن الكلمة هي "النفاق": "لقد صار اليهود الآخرون منافقين مثله، وذلك على قدر ما كان برنابا يسايرهم في نفاقهم. أعتقد ان بطرس كان ليقول: "إننا نقوم بذلك لمجد الله"، ولكن لم يكن الحال هكذا أبداً، لقد كان نفاقاً صريحاً وبكل معنى الكلمة في نظر الله.

بولس إذاً كان (مفترياً)، وبطرس (منافقاً)، وينبغي لنا أن نُصَدِّقَهُما فيما نقلا في الكتاب المقدّس!

من شهد لكُتّاب الإنجيل؟

هذه شهاداتُ الإنجيل بحقِّ كَتَبَتِه، ثم يأتي القدّيس يوحنا الدمشقيّ متجاوزاً كلَّ أدبٍ مسيئاً لرسالة رسول الإنسانية محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم)، حين يقول: سخافاتٌ أخرى عديدة مستحقّة الضحك قد أُخبِرَ بها في هذا التصنيف المكتوب الذي يتبجَّح (محمدٌ) بأنّه قد نزل عليه من الله، أمّا نحن فنقول: من ذا الذي يشهد بأنّ الله أعطاه كتاباً، أو من أعلَنَ من الأنبياء أن سيأتي نبيٌّ كهذا؟(132).

نقول للدمشقيِّ ومن يسير على مِنهاجه، ما لكم لم تقرؤوا قول الإنجيل: أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لأَخِيكَ: يَا أَخِي، دَعْنِي أُخْرِجِ القَذَى الَّذِي فِي عَيْنِكَ، وَأَنْتَ لاَ تَنْظُرُ الخَشَبَةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي! أَخْرِجْ أَوَّلاً الخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ(133).

من الذي شهد بصحة الإنجيل؟! إذا كنتم تعتقدون أن عيسى (عليه السلام) صاحبُ المعجزات والكرامات التي تقتضي تصديقه قد قُتِلَ دون أن يترك أي أثرٍ لنا، فما الدليل على صحة الأناجيل التي بين أيديكم؟!

تقولون: أنّها وحيٌ سماوي.

نقول: من الذي يشهد بأن الله أعطاهم هذه الكتب؟ ومَن مِنَ الأنبياء أعلَنَ أن الأناجيل ستُكتَبُ على يد هؤلاء الحواريين؟ وكيف يُعقَلُ أن يكتبها الحواريون وهم بحسب الإنجيل نفسه شياطين وضعاف الإيمان وو..

ثمرة البحث

والخلاصة: أنه لم يُعرَف من هم كُتَّابُ كلّ الأناجيل والأسفار في العهد الجديد، ولم يثبُت أنّ ما وَصَلَنَا هو ما كَتَبُوه، ومَن عُرِفَ منهم لم تثبُت عصمته، بل ثبت (بحسب الكتاب المقدس) أنّ أشهرهم إما (منافقٌ) أو (مفترٍ)!.

لا يقال: قد تابوا بعد ذلك.

كما عن المطران يوسف الدبس: قد تبدّلت حالة الرسل بعد حلول الروح القدس عليهم، وبعد أن كانوا أميين جبناء قلقين أصبحوا حكماء شجعاء ثابتين(134).

لأننا نقول: إنّ صفة النفاق في بطرس(135) قد ثبتت بعد عيسى (عليه السلام) وبعد حلول الروح القدس(136) بفترةٍ طويلةٍ عندما اختلف مع بولس وكان كلاهما قد أصبحا رسلاً معروفين ولذا لا يصحّ الأخذ عنه.

على أن حلول الروح القدس على شخصٍ (بحسب الإنجيل) لا يعني التطهير المطلق، لأنّه قد حلَّ على قومٍ كثيرين لم يقل أحد بطهارتهم المطلقة، ومن نصوصه في ذلك : فَبَيْنَمَا بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ بِهذِهِ الأُمُورِ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ. فَانْدَهَشَ المؤْمِنُونَ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِتَانِ، كُلُّ مَنْ جَاءَ مَعَ بُطْرُسَ، لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الأُمَمِ أَيْضاً(137).

أمّا صفة الافتراء في بولس فقد ثبتت في أوّل حياته ولم يُعلَم أنّه تخلّى عنها.

فإن اعتَرَفَ إنسانٌ على نفسه بالكذب والافتراء ثُمَّ زَعَمَ أنّه امتنع عن الكذب فهل يُصَدَّقُ في دعواه؟ إن هذه الدعوى من أبرز مصاديق احتياج الدعوى إلى بيّنة، وهنا يَستدلُّ القوم بالدعوى نفسها.

ونحن معذورون في عدم تصديق مَن لم يكن معصوماً من أول حياته، لذا ذهبنا إلى اشتراط العصمة في النبي والإمام منذ بدء حياته.. وإن خالَفَتنَا في ذلك سائر مذاهب المسلمين، فإنّهم يشتركون في البطلان مع النصارى.

إن قيل: لا نحتاج لثبوت عصمتهم، بل يكفي ثبوتُ وثاقتهم، لأن الثقة يُقبَلُ قوله.

قلنا: صفاتهم في الإنجيل تجعلهم لا يتمتعون حتى بخِصلة الوثاقة، هذا أولاً.

وثانياً: أنّه على فرض ثبوت وثاقتهم، يكون الإنجيلُ ثابتاً من باب خبر الثِّقة، الذي يُصَدَّقُ منه ما لم تقم القرائنُ على بُطلانه، بخلاف الوحي الذي يكون نفس الاعتقاد بوَحيَانِيَّتِه قرينةً على صِدقه مطلقاً.

ولا يصحُّ الاعتمادُ على خَبَر الثِّقةِ في أمّهات المسائل الاعتقاديّة ما لم يُفِد القطع واليقين، أو يحتَفَّ بقرائن تُؤكد صحّته، لأنّه دون ذلك لا يفيد إلا الظنّ، والظنُّ لا يغني عن الحقِّ شيئاً.

والمُخبِرُ وإن كان ثقةً إلا أنّه يُحتملُ في حقِّه الكذب ولو نادراً، والخطأ والسهو والنسيان، وهذه الأمور وإن كانت مدفوعة بأصالة الصحّة وعدم الخطأ وأمثالها من القواعد، إلا أنّ خطورة ما يُستدلُّ بها عليه تبعَثُ على التحرّي والتدقيق فيها، بخلاف ما ثبت كونه وحياً سماوياً مقطوع الصحّة.

والخلاصة أنّه مع عدم ثبوت عصمة كُتّاب الأناجيل، لا يكون لدى النصارى دليلٌ قطعيٌّ على الثالوث، ولا بُدَّ مِنَ البحث عن طريقٍ آخر لإثبات الإعلان الإلهيّ.

المرحلة الثانية: دلالة الإنجيل على الثالوث

تبيّن في المرحلة الأولى عدم إمكان الاستدلال على الثالوث بالكتاب المقدّس.

ولو تنزّلنا وقلنا بصحّته وأنّه من عند الله تعالى، وأقررنا بإمكان الاستدلال به، فإن إثباتَهُ للثالوث يحتاج في المرحلة الثانية إلى مقدمتين:

الأولى: دلالته على الثالوث (المقتضي في اللفظ): بأن يتضمّن الكتاب المقدس أدلّةً واضحةً صريحةً على الثالوث، أو على ألوهيّة عيسى والروح القدس.

الثانية: عدم وجود المانع (القرينة التي تصرفه عن الظاهر): بأن لا يكون هناك مانعٌ من العمل بمثل هذه الأدلة، والمانع قد يكون قرائن عقلية أو نقلية تُلزِمُ بحمل النصوص على خلاف ظاهرها.

وقد بيّنا في كتابنا (الثالوث والكتب السماوية) عدم تَضَمُّنِ الكتاب المقدّس أي أدلة صريحةٍ غير قابلة للتأويل على الثالوث، فتسقط المقدّمة الأولى.

وعلى فرض التَنَزُّل والقول بتماميتها، بيّنا في الكتاب المذكور القرائن التي توضح المراد من الأدلة التي استُدِلَّ بها على الثالوث، وأنّ الجمع بينها وبين أدلة التوحيد، وبين سائر نصوص الإنجيل، ينفي إمكانية الاستدلال بها على الثالوث، ويُحَتِّمُ حملها على ما لا يُنافي التوحيد.

يضاف إلى ذلك القرائنُ العقليُّة القطعيّة على عدم إمكان القول بالثالوث، وقد تقدّم بعضها في الفصلين السابقين ويأتي بعضها في الفصل القادم إن شاء الله.

ثمرة هذا الفصل

أن أهم طرق إثبات الإنجيل لم تصمد أمام النقاش، فيبقى الإنجيل في دائرة الشك على أقل التقادير، لعدم نسبته إلى عيسى (عليه السلام)، وعدم ثبوت عصمة كُتّابه بل ثبوت عدم عصمتهم، وعدم تماميّة أي طريق آخر للاعتماد عليه.

يُضاف إلى ذلك أنه على فرض صحته يخلو من أي دلالةٍ صريحةٍ على الثالوث، ولا بُدَّ من حمل ما يُتَصَوَّرُ منه ذلك على المتشابهات التي تُرَدُّ إلى المُحكَمات، فلا بُدَّ من الالتزام بالتوحيد الخالص.

أما المسلمون فيكفيهم للحكم بعدم صحة الكتاب المقدس أنّه قد نسب لله ولداً، فزعم أن الله تعالى قد ولد عيسى (عليه السلام)، وأنه أبوه ووالده، أياً كان المراد من الولادة، سيَّما أنّه قد قُصِدَ بها ما يتضمّن مساواته لله تعالى في كلّ صفات الكمال والألوهيّة والربوبيّة والأزليّة وسواها!

ولسنا نروم الغوص في بحث صحة الكتاب المقدّس أو بطلانه في الجملة، فقد تكفّلت به أبحاث عدّة سوى ما تقدّم، يضاف إليها على سبيل الإشارة ما يستدعي من الباحث التأمُّلَ في بعض مطالبه، فهو تارة ينزّه الله تعالى عن كلّ تشبيهٍ بخلقه وتجسيدٍ وتجسيمٍ كما تقدّم، وتارة أخرى ينسب له المشي في الجنة(138)، وينسب له تعالى التَجَسُّد كإنسانٍ صارع يعقوب (عليه السلام) فلم يقدر عليه حتى ضرب فخذه! فصار يعقوبُ أقدَرَ من الله تعالى! ولم يُطلِق يعقوبُ اللهَ حتى باركه! فنزلت بركةُ الله على يعقوبَ بقهره له تعالى! بعد أن نظر لله (وجهاً لوجه)!(139)، وهو رَبٌّ يُسيء لبعض أهمّ أنبيائه كموسى (عليه السلام)(140).

ولأنبياء هذا الكتاب المقدّس خِصالٌ غريبة، فهم خائنون لأمانة الله(141)، وهُم أهلُ لَعِبٍ ودَفٍّ ونايٍ وعودٍ ورقص(142)، يقتلون أقاربهم على الظنِّ بالباطل(143)، وينشرون الناس بالمناشير(144).

وقد يكون كلُّ ذلك في سياقٍ طبيعيٍّ بحسب الكتاب المقدّس حيث جعل نَسَبَهم غير شريف(145 وآباؤهم قد ولدوا من الفاحشة(146)، فصارت أعمالهم نفسها تتضمن الفاحشة(147)، وتجعلهم موضع لعنة الكتاب المقدس(148).

وتنسِبُ لهم ما لا يليق بالأنبياء كما في قصة لوط (عليه السلام) وبناته(149)، وقصة داوود وامرأة اوريا الحثي(150)، حتى أن أنبياء الكتاب المقدس يسكَرون ويتعرّون في قصص مُشينة(151)، كيف لا وربُّ الكتاب المقدّس هو الذي يأمر بشرب الخمر حتى يترنّحوا ويتجنّنوا ويسكروا ويتقيّؤوا!(152) وفي الوقت نفسه يذمّ الخمر وشاربيه وينهى عنه ويمدح تاركيه!(153).

هذا الكتاب نفسه هو الذي يعدّ المصلوب المُعَلّقَ ملعوناً من الله تارة(154)، ويعدّه هو الله تارة أخرى أو ابناً له!(155).

ومهما قيل ويقال في تفسير هذه الآيات والجمع بينها، وقبول العقل لها، وتأويل بعضها، فإنّ الباب يبقى مفتوحاً على مصراعيه لبحث صحة هذه الكتب.

وبحثُ صِحَّتِها قد طُرِقَت أبوابه حتى فُتحت، وضُرِبَت جُدرانه حتى هُدمت، وقُصِفَت قلاعُه حتى انهارت.

وقد تصدّت لذلك كُتُبٌ عديدة لجُملَةٍ من أهل العلم، فتعرّضت لمواطن وشواهد تحريف التوراة والإنجيل، ولعقيدة الثالوث والتَجَسُّد وغيرها من عقائد النصارى، وبرّأت ساحة الإسلام والقرآن والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من تهم النصارى، منها على سبيل المثال لمن أراد الاستزادة مُنصِفَاً: كتاب التوضيح في بيان حال الإنجيل والمسيح للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، وكتاب الانتصار: بحوث في التوراة والانجيل للشيخ حبيب آل ابراهيم، وكتاب الرد على النصارى للشيخ محمد بن عبد الله آل عيثان، وكتاب ثمرات لبّ الألباب في إبطال شُبَه أهل الكتاب للشيخ علي آل عبد الجبار، وعِدَّة كُتُبٍ للعلامة الشيخ محمد جواد البلاغي منها الهدى إلى دين المصطفى والرحلة المدرسية والمدرسة السيارة والتوحيد والتثليث، وكتاب نفحات الإعجاز للسيد أبو القاسم الخوئي، وكتاب أين الإنجيل للسيد جعفر مرتضى العاملي، وكتاب القرآن والعهدان للشيخ حاتم اسماعيل، وكتاب شبهات مسيحية حول القرآن الكريم للشيخ محمد صنقور، وغيرها من الكتب.

 


(1) عالم اللاهوت الهولندي د. هيرمان بافينك في كتاب: بين العقل والإيمان ج1 ص140.

(2) الشماس اسبيرو جبّور في كتاب: سر التدبير الإلهي التجسد ص19.

(3) مقدمة الإنجيل الشريف الطاهر المقدس ص2.

(4) المسيحية في الإسلام ص14.

(5) التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ص27 فقرة67.

(6) التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ص27 فقرة73.

(7) التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ص26-27 فقرة 66، عن الوحي الإلهي - المجمع الفاتيكاني الثاني.

(8) سفر نافي الثاني الإصحاح29: 10.

(9) المائدة46.

(10) المائدة110.

(11) الكافي ج2 ص629.

(12) التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية فقرة105.

(13) مقدمة الإنجيل الشريف الطاهر المقدس ص3.

(14) المسيحية في الإسلام ص13.

(15) كما يذكر وليم ماكدونالد في مقدمته على الرسالة الى العبرانيين.

(16) كما يذكر هنري أ. أيرونسايد في مقدمة الرسالة الى العبرانيين.

(17) مقدمة الكتاب المقدس: الترجمة اليسوعية الجديدة ص30.

(18) قاموس الكتاب المقدّس:  دائرة المعارف الكتابية المسيحية: شرح كلمة إنجيل متى.

(19) الكتاب المقدس: الترجمة اليسوعية الجديدة: مدخل إلى إنجيل متى ص35.

(20) كما ذكر القس ديفيد كوزيد في مقدمة إنجيل مرقس.

(21) كما ذكر وليم ماكدونالد في مقدمته لإنجيل متى.

(22) كما ذكر وليم ماكدونالد في مقدمته لإنجيل مرقس.

(23) كما ذكر وليم ماكدونالد في مقدمته لإنجيل مرقس.

(24) في مقدمته لإنجيل مرقس كما في موقعه: enduringword.com.

(25) كما ذكر هلال أمين في مقدمة إنجيل مرقس.

(26) كما ذكر وليم ماكدونالد في مقدمته لإنجيل لوقا.

(27) كما ذكر وليم ماكدونالد في مقدمته لإنجيل لوقا.

(28) كما ذكر وليم ماكدونالد في مقدمته لإنجيل يوحنا.

(29) كما ذكر هلال أمين في مقدمة إنجيل يوحنا.

(30) الكتاب المقدس: الترجمة اليسوعية الجديدة: مدخل إلى إنجيل يوحنا ص286.

(31) كما يذكر وليم ماكدونالد في مقدمته لإنجيل مرقس.

(32) مقدمته لإنجيل متى.

(33) الكتاب المقدّس - الترجمة اليسوعية الجديدة: مدخل إلى العهد الجديد ص27.

(34) كما يذكر وليم ماكدونالد في مقدمته لإنجيل لوقا.

(35) كما يذكر وليم ماكدونالد في مقدمته لإنجيل يوحنا.

(36) الكتاب المقدس: الترجمة اليسوعية الجديدة: مدخل إلى إنجيل متى ص35.

(37) كما ذكره القس ديفيد كوزيد في مقدمة إنجيل مرقس.

(38) سلالة يسوع: أسرة يسوع الحاكمة ص278.

(39) سلالة يسوع: أسرة يسوع الحاكمة ص279.

(40) الإنجيل المفقود كتاب ك والأصول المسيحية ص6.

(41) تطور الإنجيل ص49.

(42) كما يذكر هنري أ. أيرونسايد في مقدمة إنجيل متى.

(43) قاموس الكتاب المقدس:  دائرة المعارف الكتابية المسيحية: شرح كلمة إنجيل متى.

(44) شمس البِر ص71.

(45) إيماننا المسيحي صادق وأكيد ص14.

(46) إيماننا المسيحي صادق وأكيد ص15.

(47) هذه عقائدنا ص5.

(48) الكتاب المقدس: الترجمة اليسوعية الجديدة: مدخل إلى إنجيل متى ص9.

(49) الإنجيل المفقود كتاب ك والأصول المسيحية ص6.

(50) الإنجيل المفقود كتاب ك والأصول المسيحية ص7.

(51) الإنجيل المفقود كتاب ك والأصول المسيحية ص8.

(52) الإنجيل المفقود كتاب ك والأصول المسيحية ص8.

(53) الإنجيل المفقود كتاب ك والأصول المسيحية ص20.

(54) الإنجيل المفقود كتاب ك والأصول المسيحية ص41.

(55) الإنجيل المفقود كتاب ك والأصول المسيحية ص192.

(56) الإنجيل المفقود كتاب ك والأصول المسيحية ص251.

(57) تطور الإنجيل ص49.

(58) تطور الإنجيل ص68.

(59) مقالة في التثليث والتجسد وصحة المسيحية ص245.

(60) غلاطية1: 11-12.

(61) رؤيا يوحنا1: 1.

(62) بطرس الثانية1: 20و21.

(63) تيموثاوس الثانية3: 16.

(64) هذه عقائدنا ص7.

(65) وحي الكتاب المقدس ص19.

(66) الأناجيل المنحولة ص168، على أن وصف جملة من الكتب بالمنحولة لا يعني سقوطها بالكامل، فـ(إن من الكتابات المنحولة ما ينطوي على عناصر لاهوتية وروحية تقوية جديرة بالثقة.. بيد أنها لم تجد محلا لها في مجموع الأسفار المقدسة القانونية)، يراجع: تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ص36-37.

(67) كتاب مورمون ص3.

(68) كتاب مورمون ص5.

(69) بطرس الأولى1: 1.

(70) كولوسي1: 1.

(71) أعمال الرسل11: 27و28.

(72) أعمال الرسل13: 1، وشاول هو بولس.

(73) أعمال الرسل15: 32.

(74) متى10: 20.

(75) مقدمة ترجمة الأناجيل الأربعة لابن العسال ص38.

(76) متى10: 2-4.

(77) متى10: 17-20.

(78) متى24: 24.

(79) متى7: 15و16.

(80) متى24: 11.

(81) كورنثوس الثانية11: 13و14.

(82) لوقا1: 1-3.

(83) الكتاب المقدس: الترجمة اليسوعية الجديدة: مدخل إلى إنجيل متى ص8.

(84) الكتاب المقدس: الترجمة اليسوعية الجديدة: مدخل إلى إنجيل متى ص9.

(85) تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ص38.

(86) تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ص38.

(87) تاريخ سورية الدنيوي والديني ج3 ص287.

(88) بين العقل والإيمان ج1 ص166.

(89) كتاب مورمون: سفر نافي الأول13: 4-6.

(90) كتاب مورمون: سفر نافي الأول13: 24-29.

(91) كتاب مورمون: سفر نافي الأول14: 8-11.

(92) الرؤى المنحولة ص88-89.

(93) متى19: 28.

(94) أعمال الرسل1: 23-26.

(95) متى16: 19.

(96) متى8: 25و26، ووصفهم بقلة الإيمان أيضاً في إنجيل برنابا الفصل151.

(97) متى16: 8.

(98) متى17: 19و20.

(99) لوقا17: 6.

(100) متى14: 31.

(101) متى26: 31.

(102) متى26: 34.

(103) مرقس16: 14.

(104) متى16: 23.

(105) مرقس8: 33.

(106) لوقا22: 3.

(107) أعمال الرسل8: 3.

(108) أعمال الرسل9: 1-6.

(109) أعمال الرسل9: 15.

(110) أعمال الرسل26: 15و16.

(111) أعمال الرسل26: 9-11.

(112) تيموثاوس الأولى1: 13.

(113) كورنثوس الأولى15: 9.

(114) سلالة يسوع: أسرة يسوع الحاكمة ص279.

(115) الكنيسة في التاريخ ص12.

(116) الكنيسة في التاريخ ص13.

(117) الكنيسة في التاريخ ص18.

(118) بولس وتحريف المسيحية ص15.

(119) بولس وتحريف المسيحية ص29.

(120) بولس وتحريف المسيحية ص30.

(121) بولس وتحريف المسيحية ص50.

(122) بولس وتحريف المسيحية ص102.

(123) سلالة يسوع: أسرة يسوع الحاكمة ص314.

(124) سلالة يسوع: أسرة يسوع الحاكمة ص328.

(125) ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ص216.

(126) مطلع إنجيل برنابا الآيات2الى7، ويحتمل الدكتور خليل سعادة أن يكون ما في إنجيل برنابا مأخوذاً من إنجيل أسبق: يسمى بالإنجيل الأغنسطي طُمست رسومه، وعفت آثاره، يبتدئ بمقدمة تندد بالقديس بولس، وينتهي بخاتمة فيها مثل ذلك التنديد (مقدمة إنجيل برنابا ص23).

(127) مدخل إلى العهد الجديد ص148.

(128) مدخل إلى العهد الجديد ص149.

(129) غلاطية2: 11و13-14.

(130) كما نقله القمص أنطونيوس فكري في شرح الآية المذكورة من كتابه: شرح الكتاب المقدس: العهد الجديد.

(131) تاريخ سورية الدنيوي والديني ج3 ص351.

(132) الهرطقة المئة ص52.

(133) لوقا6: 42.

(134) تاريخ سورية الدنيوي والديني ج3 ص340.

(135) بحسب الإنجيل دوماً وإلا فنحن ننزّهه عن ذلك، للزوم تنزُّه الأنبياء وأوصيائهم عن كل ما يشينهم ويحط من قدرهم وكرامتهم، ولزوم اتّصافهم بالعصمة عقلاً.

(136) قيل: أنه حلّ عليهم في اليوم العاشر من صعود المخلص: تاريخ سورية الدنيوي والديني ج3 ص346.

(137) أعمال الرسل10: 44-45.

(138) التكوين3: 8.

(139) التكوين32: 24-30.

(140) العدد11: 11.

(141) التثنية32: 48-51.

(142) صموئيل الأول10: 5-6، وصموئيل الثاني6: 5و14و16 وأخبار الأيام الأول13: 8 والخروج15: 20.

(143) الملوك الأول2: 20-25.

(144) أخبار الأيام الأول20: 3.

(145) الخروج6: 20 مع اللاويين18: 12.

(146) التكوين38: 13-26 بضميمة أخبار الأيام الأول 2 : 18-22 و متى1: 2-16.

(147) التكوين20: 2و11و12.

(148) التثنية27: 22.

(149) التكوين19: 30-36.

(150) صموئيل الثاني11: 2-27.

(151) التكوين9: 20-25 وأشعياء28: 7.

(152) أرمياء25: 15-16و27.

(153) الأمثال20: 1، والأمثال23: 20: وأفسس5: 18، ولوقا1: 15.

(154) التثنية21: 22-23.

(155) حيث يزعم النصارى دلالة الكتاب المقدس على ألوهيته ويعتقدون بذلك.


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=62
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5