مقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
في أرضنا.. أرض عاملة المباركة..
لطالما أحسنَ الأهلُ والأحبةُ الظنَّ بأكثر الناس، لطيب معدنهم وحسن سريرتهم.. ولطالما رفعوا على أكفِّ الراحات من رأوا فيه نفحةً من نفحات الخير والإخلاص..
لا يكتفون بتقديرِ من أحسنوا الظن به.. بل يبذلون له الغالي والنفيس.. وقد يجعلونه رمزاً.. وقد يأخذون منه أغلى ما يملك الإنسان: دينه، دين الله تعالى.. ويقبلون كلامه في كلّ حين..
لكنّهم ما غفلوا عن حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهجه الشريف حيث يقول: إِذَا اسْتَوْلَى الصَّلَاحُ عَلَى الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ حَوْبَةٌ فَقَدْ ظَلَمَ، وَإِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّر(1).
فلمّا رأوا تقلُّب الأيام والدهور، ولمسوا آثار الدهر الخؤون، ورأوا ما يثير العُجب ولا يكاد يُصدَّق من فعال إبليس وجنوده، واختبائه خلف أطهر الصور.. لجؤوا إلى كتاب الله تعالى، فوجدوا أنّ على كلّ لافظٍ رقيباً: ﴿ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقيبٌ عَتيد﴾(2).
فتشبّهوا برُقَبَاء السماء..
ليعلموا أن الإصغاء لهذا أو ذاك إصغاءٌ لله تعالى أم لعدوّه، فعن باقر العلم (عليه السلام): مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ، فَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ يُؤَدِّي عَنِ الله عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ عَبَدَ الله، وَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ يُؤَدِّي عَنِ الشَّيْطَانِ فَقَدْ عَبَدَ الشَّيْطَان(3).
هذا الكتاب
هو محاولة بسيطة في هذا السياق.. وهي سلسلة مقالات تحت عنوان:
قبسات الهدى: وقفات في فكر الدكتور شريعتي.
وقفاتٌ هادئة هادفة موضوعية تسلط الضوء على بعض كتابات هذا المفكر وعالم الاجتماع(4)، وتبيّن مقدار ما يصح الأخذ منه في أمور الدين والشريعة.
بدأ نشرها على شبكة الانترنت(5) قبل ثلاثة أعوام.. وأعيد تنظيمها وتعديل بعض ما فيها، لتظهر في هذا الكتاب مع إضافة القبس الأخير إليها..
تعالج سجالاً ساخناً أثار حميّة بعض الأخوة الذين ما قرؤوا الفكر قبل تأييده، ولا اطلّعوا على لُبّه قبل تبنّيه، عملاً بحسن الظن.. فكانت هذه القبسات شمعةً صغيرة ترشد إلى كلمات المعصوم (عليه السلام)، أن احذر أيها المؤمن لترى عمّن ينطق المتكلم قبل أن تكون له تابعاً.
ولسنا نشكّ في أن أهلنا الأحبة المخلصين، الذين يدركون كم ضحّى الآباء والأجداد بالدماء والأرواح لتصلنا تعاليم السماء نقيّة، لن يخذلوا تلك العذابات، وأن أحدهم إن اشتبه يوماً كان ذلك كبوةَ جوادٍ، وسرعان ما يعود لصراط الله المستقيم..
والحمد لله رب العالمين
محمد مصطفى مصري العاملي
بلدة أنصار.. جبل عامل
الإثنين 11 ذي القعدة 1439 للهجرة
الموافق 30-7-2019