• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : الكتب والمؤلفات .
              • القسم الفرعي : قبسات الهدى .
                    • الموضوع : مقال9: شريعتي والأفيون المخدر في عاشوراء! .

مقال9: شريعتي والأفيون المخدر في عاشوراء!

مقال9: شريعتي والأفيون المخدر في عاشوراء!

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

لا يكاد العجب ينقضي من كلمات الدكتور شريعتي تارة ومن تناقضاته تارة أخرى.

أما كلامه، فحين يقول أنّ الشيعة قد حولوا عاشوراء إلى (أفيون ومادة مخدرة)!

فبعد التأكيد على أن عاشوراء من أعظم المعجزات وأنها تجسيد لحقيقة التشيع يقول أننا:

.. تعاملنا معها تعاملاً ميّع القضية، وسلب الفكر الشيعي روحه وحرارته وتركه ميتاً بارداً(2)..

ليخلص إلى قوله:

لقد صنعنا من تلك القصة أفيوناً ومادة مخدرة(3).

ويجزم أننا:

خيبنا أمل الحسين بالنصرة.. أخمدنا تلك الصرخة حينما قلنا للناس: إن الحسين يريد الدموع.. يريد الصراخ والعويل والنحيب.. يريد هذا ولا يريد غيره(4).

ويلاحظ على كلامه أمور:

أولاً: أنه كان في صدد الحث على الاستفادة من عاشوراء في كل مجال دون قصرها على البكاء، رغم أن البكاء مطلوب.

وكلامه هذا صحيح في نفسه، لكنه لا يبرر له اتهام الفكر الشيعي بأنه مسلوب الروح والحرارة وأنه ميّتٌ بارد وأن الشيعة قد ميّعوا قضية عاشوراء، ففي هذا تجنٍّ واضح على الشيعة ليس له أي شاهد في الماضي ولا في الحاضر، ولا يمكن لشيعي أن يقرّه عليه.

إذ كيف يمكن أن تصبح قضية عاشوراء التي تبث الحياة في الكيان الشيعي حيناً بعد حين سبباً لموت هذا الفكر؟!

وهل يمكن أن يصبح حبّ الحسين (عليه السلام) وإحياء أمره وذكره والبكاء عليه أو أي مظهر من مظاهر الشعائر سبباً في إخماد الصرخة الحسينية؟!

هل في كل التضحيات التي قدمها الشيعة على طول التاريخ في سبيل حفظ هذه الشعلة تخديراً للأمة؟

ثانياً: لعل الدكتور شريعتي لم يتنبه جيداً إلى أن ما عده (أفيوناً مخدراً) هو الذي حافظ على صلة المؤمنين بدينهم في أحلك ظروف القمع والاضطهاد التي عانى منها الشيعة، فلن يكون بمقدور العدو مهما أمعن في الظلم أن يمنع المؤمن من البكاء على سيد الشهداء، وهو الشعلة المتقدة في نفوس المحبين، والحرارة التي لن تبرد أبداً..

وهي التي تغسل الأدران وتحيي النفوس بإذن الله. فإن الشيعة إن حافظوا على البكاء مجرداً تارة فلأنه طريق الارتباط بالدين التي ما تلبث أن تشتعل لمّا يكسر طوق الظلم من حولها.

ثالثاً: إن قيل أنّ مراده خصوص المجتمع الإيراني أيام الصفويين كما أشار إليه بقوله:

من أجل أن يتخذوا.. من عاشوراء أفيوناً مخدّراً للإيرانيين ومادّةً لتأليبهم على العثمانيين(5).

قلنا أنّ هذا لا يعفيه مما هو فيه، فإنه قد نسب هذه الحالة إلى الشيعة في زمانه وعد هذه الحالة هي الحالة العامة الغالبة.

على أن الاختلاف في مظاهر إحياء عاشوراء سواء اقتصرت على البكاء فقط أم شملت برامج تثقيفية لا يبرر شيئاً مما ذكره الدكتور شريعتي.

وإن التنوع والغنى في صورة الشعائر ثروة ينبغي الحفاظ عليها.

ثم لو تنزلنا وسلمنا جدلاً بأن ما ذكره من تقصير جملة من الشيعة في إحياء أمر آل محمد ^ صحيح (ومهما بلغ الشيعي فلن يوفي أئمته حقهم)، لما كان يصح منه هذا القول، لأنه يريد تحميل تلك الشريحة الخاصة التي يتحدث عنها فوق ما تحتمل.

وقد قال إمامنا الصادق (عليه السلام) بعدما بيّن أن الإيمان على درجات وأسهم: فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ صَاحِبُ السَّهْمِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ السَّهْمَيْنِ وَلَا صَاحِبُ السَّهْمَيْنِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الثَّلَاثَة(6).

وأما العجب من كلامه.. فحين يصف الباكي على الحسين (عليه السلام) لأجل الثواب أو لاجل كونه واجباً دينياً بأنه (ليس إلا مستغلاً مخادعاً)!(7).

ولا يرى في كلامه تناقضاً حيث يقول:

فقولاي هذان ليسا متناقضين، هنالك فرق بين (برنامج البكاء) باعتباره (عملاً) و(واجباً) و(وسيلة) من أجل الوصول الى (هدف) و(أصل) و(حكم)، وبين اعتباره تجلياً طبيعياً لإحساس ما، حالة قهرية وفطرية لحب، لألم، لشوق أو لحزن(8).

والنتيجة عنده أن البكاء على الحسين (عليه السلام) سواء كان لهدف شريف كالثواب الإلهي أو كان لحكم شرعي وهو استحباب البكاء أو كان لهدفٍ سامٍ وهو إحياء أمرهم ^، كل هذا يدخل ضمن (الاستغلال المخادع)!

ويلاحظ على كلامه أمور نتعل:

أولاً: أنه مخالف لمقتضى العقول!

حيث تقرّ العقول ويلتزم العقلاء بأن البكاء لغرض شريف ولو لم يكن حالة قهرية فطرية هو أمر راجح في نفسه مطلوب مرغوب دون شك وشبهة. فإن الفعل في نفسه إن لم يكن قبيحاً، وكان مقدمة لنتيجة حسنة يصبح راجحاً ومطلوباً كونه مقدمة لعمل راجح.

ثانياً: أنه مخالف للشريعة المقدسة.

حيث أن الثواب يترتب على الفعل المستحب كالبكاء على الحسين (عليه السلام) مطلقاً لا على كون البكاء حالة قهرية!

أي أن عنوان استحباب البكاء عنوان قائم في نفسه غير مقصور على الحزن الباطني وإن كان من أعلى مراتبه.

بل إن الشريعة المقدسة حثت على (التباكي) على الإمام الحسين (عليه السلام) لمن لم يقدر على البكاء حينها ورتبت على ذلك ثواباً جزيلاً، فالتباكي عند عدم البكاء يؤكد أن الإنسان لم يحد عن هذه الطريق ولو لم يتفاعل معها باطنياً، وأنه مشارك في إحياء هذه الشعيرة الهامّة ولو لم تكن نفسه متوجهة إليها، فهو في أعلى درجات الاستعداد للبكاء عند المقدرة وللتباكي عند العجز عن البكاء.

وقد ورد الأمر بالتباكي عند التوجه إلى الله تعالى كما في حديث إمامنا الصادق (عليه السلام): وصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وسَلْ حَاجَتَكَ، وتَبَاكَ ولَوْ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَاب(9)‏.

وكما في حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يَا أَبَا ذَرٍّ، مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُبْكِيَ قَلْبَهُ فَلْيُبْكِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيُشْعِرْ قَلْبَهُ الحزْن‏ وَلْيَتَبَاكَ(10).

ومثله عند البكاء على الحسين (عليه السلام): ومَنْ أَنْشَدَ فِي الحُسَيْنِ شِعْراً فَتَبَاكَى فَلَهُ الجَنَّةُ(11).

فكيف يكون المتباكي أو الباكي لأجل الثواب والجنة مستغلاً مخادعاً؟!

ثالثاً: أن كلام الدكتور شريعتي هنا مناقض لكلامه في كتابٍ آخر..

فهو يبرر في كتابه (التشيع مسؤولية) ما عبر عنه بـ(البكاء الكاذب)! ويعتبره أمراً مفهوماً!

قال:

..ما معنى التظاهر بالبكاء الكاذب؟! ودهشتنا لا مبرر لها، ينبغي أن نعود إلى عصر كانت قطرة الدمع فيه كلاماً يبلغ الشهادة رسالة إلى الناس.. وحيثما يعطي الأمر بالبكاء -حتى التظاهر بالبكاء- يكون البكاء علامة على أن كارثة قد حدثت وأن ظلماً قد ارتكب(12)..

فصارت كلماته في كتبه (الحسين وارث آدم) و(التشيع العلوي والتشيع الصفوي) و(فاطمة هي فاطمة) مخالفة للعقول وللشريعة ولكتابه الآخر (التشيع مسؤولية)!

ثم إنه ما اكتفى بذلك.. بل صار يستهزئ بما عدّه معتقداً صفوياً في تربة كربلاء حيث قال:

الشيعي الصفوي يرى أن تراب كربلاء له خواص مميّزة ينفرد بها عن سائر الأتربة ويتألف من مواد مختلفة عن تلك التي تتألف منها الأتربة الأخرى، وربما كانت له خواص فيزياوية وكيماوية فريدة من نوعها!  

.. ما وراء هذا التراب ثمة (مانا)(13) غيبية وخاصية سحرية وإكسير كيماوي يفعل في المريض فعل الدواء ويؤثر أثره في الشفاء بصورة أسرع(14)..

لكنه لا يوافق على هذا الرأي، فيقول:

بيد أن الشيعي العلوي يدرك جيداً أن تراب الحسين لا يفرق عن باقي الأتربة أصلاً، ليس فيه قوة غيبية وخاصية إعجازية ولا ميزة ما وراء الطبيعة، إنه تراب مثل سائر الأتربة، غير أن هذا التراب فيه تذكير للشيعي العلوي صاحب الروح الحسينية (15)..

وكذا يقول في كتابه الآخر (تاريخ ومعرفة الأديان):

هناك بعض الناس يقدسون التربة التي يسجدون عليها، والحال أن هذه لم تكن شيئاً مهماً سوى قطعة من التراب!(16).

ثم ينفي أي خواص لهذه التربة كالشفاء فيها ويتأسف لهذا الحال داعياً لتركها لأنها ليست من الدين!! فيقول:

ولكن من شديد أسف نرى أن هذه التربة تُرجمت إلى مفاهيم غير معقولة، فأصبحت مقدّسة مباركة بذاتها، وأصبحت من الأمور المرموزة والتي تحمل أسراراً.

ونرى أن هذه التربة التي أصبحت يابسة ومملوءة ببعض ما تعلق بها من مواد فتغير شكلها ولونها، فإن البعض ومن شديد أسف يقطعون جزءاً منها ويخلطونه مع الماء ويضعونه في أذن أو عين الطفل، والبعض يستعملونه كدواء للشفاء من الأمراض.

هناك عادات كثيرة يجب التخلص منها لأنها ليست من الدين(17)..

ويلاحظ على كلامه أمور منها:

أولاً: أنّه يناقض كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليس الدكتور شريعتي أولى بالتصديق من خاتم المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي حين ينفي شريعتي أي خصوصية في تربة الإمام الحسين (عليه السلام)، بل ينفي خاصية الشفاء منها صريحاً، نرى الروايات الصريحة تؤكد على أن الشفاء في تربته (عليه السلام)، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يَا ابْنَ عَبَّاسٍ كَأَنِّي بِهِ وقَدْ خُضِبَتْ شَيْبَتُهُ مِنْ دَمِهِ.. أَلَا وإِنَّ الْإِجَابَةَ تَحْتَ قُبَّتِهِ والشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِه(18)‏..

ومثله عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام): إِنَّ الله (تَعَالَى) عَوَّضَ الحسَيْنَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ قَتْلِهِ أَنْ جَعَلَ الْإِمَامَةَ فِي ذُرِّيَّتِهِ، والشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ، وإِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ قَبْرِه‏(19).

ثانياً: دلت التجربة والعيان بعد الدليل والبرهان على تحقق الشفاء لمن تناول تربة الحسين (عليه السلام). فمقتضي الشفاء تامٌّ في التربة.

أما من لم تنفعه فلأنه أوجد مانعاً من ترتب أثرها، كما دل عليه الحديث الشريف عن صادق آل محمد (عليه السلام):

وإِنَّمَا يُفْسِدُهَا مَا يُخَالِطُهَا مِنْ أَوْعِيَتِهَا وقِلَّةُ الْيَقِينِ لِمَنْ يُعَالِجُ بِهَا فَأَمَّا مَنْ أَيْقَنَ أَنَّهَا لَهُ شِفَاءٌ إِذَا يُعَالِجُ بِهَا كَفَتْهُ بِإِذْنِ الله‏(20).

وقد تواتر النقل بحصول الشفاء بتربة الحسين (عليه السلام) وقبول الدعاء تحت قبته، فلا عبرة لاستبعاد مستبعِدٍ نفى ما لم يحط به علماً.

ثالثاً: أن تخصيص تربة الحسين (عليه السلام) بالشفاء ليس بدعاً في القول بعدما فضل الله تعالى كربلاء نفسها على مكة المكرمة لأنها تضمنت قبر الحسين (عليه السلام)، ففي الحديث القدسي الوارد في كتاب كامل الزيارات خاطب تعالى مكة المكرمة: فَوَ عِزَّتِي وجَلَالِي مَا فَضْلُ مَا فُضِّلْتِ بِهِ فِيمَا أَعْطَيْتُ بِهِ أَرْضَ كَرْبَلَاءَ إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَةِ غُرِسَتْ غُمِسَتْ‏ فِي الْبَحْر.. ولَوْ لَا مَا تَضَمَّنَتْهُ أَرْضُ كَرْبَلَاءَ لَمَا خَلَقْتُكِ ولَا خَلَقْتُ الْبَيْتَ(21).

بل إن خلق كربلاء كان متقدماً على خلق الكعبة، وقد جعلها الله أفضل أرض في الجنة.

فعن الإمام الباقر (عليه السلام): خَلَقَ الله كَرْبَلَاءَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْكَعْبَةَ بِأَرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ أَلْفَ عَامٍ وقَدَّسَهَا وبَارَكَ عَلَيْهَا، فَمَا زَالَتْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الله الخلْقَ مُقَدَّسَةً مُبَارَكَةً ولَا تَزَالُ كَذَلِكَ وجَعَلَهَا الله أَفْضَلَ الْأَرْضِ فِي الْجَنَّةِ(22).

فما يجب تجنّبه فعلاً هو نفي الاعتقاد بأي خصيصة لتربة كربلاء، لأن نفي الخصوصية مخالف للدين الحنيف..

فثبت لزوم التخلص مما يعتقد به الدكتور شريعتي في هذه المسألة عملاً بشريعة رب العالمين.

 


(1) نشر المقال في 11-6-2016.

(2) الحسين وارث آدم ص263.

(3) الحسين وارث آدم ص264.

(4) الحسين وارث آدم ص244.

(5) التشيع العلوي والتشيع الصفوي ص167.

(6) الكافي ج2 ص43.

(7) فاطمة هي فاطمة ص30-31، وذلك حين يقول: أما ذلك الذي يعد للبكاء مشروعاً وبرنامجاً، ويعتبره هدفاً له فيبرز على شكل عادة وتقليد، أو واجباً دينياً، أو عملاً أساسياً، أو وسلة لجلب منفعة، دفع ضرر، تلافي نقص، تقصير، وصول إلى غاية خاصة، نتيجة وثواب، فليس إلا مستغلاً مخادعاً!.

(8) فاطمة هي فاطمة ص29.

(9) الكافي ج4 ص444.

(10) أمالي الطوسي ص529.

(11) كامل الزيارات ص105.

(12) التشيع مسؤولية ص97.

(13) المراد من (مانا) قوة تأثير غيبية، وهي مأخوذة من أدبيات الديانة المانوية التي أسسها ماني وهي من الديانات القائلة بالثنوية.

(14) التشيع العلوي والتشيع الصفوي ص274.

(15) التشيع العلوي والتشيع الصفوي ص275.

(16) ص165.

(17) تاريخ ومعرفة الأديان ص167.

(18) كفاية الأثر ص17.

(19) أمالي الطوسي ص317، إعلام الورى ج1 ص431.

(20) كامل الزيارات ص281، ويعد هذا الكتاب من أهمّ الكتب الشيعية الروائية وأكثرها اعتباراً، وهو أحد أهمّ مؤلفات ابن قولويه القمّي تلميذ الشيخ الكليني وأستاذ الشيخ المفيد، ومن كبار رواة الشيعة في القرن الرابع الهجري.

(21) كامل الزيارات ص267.

(22) تهذيب الأحكام ج6 ص72، والكتاب واحدٌ من الكتب الأربعة التي تعدّ أكثر المجاميع الروائية الشيعية اعتباراً، لمؤلفه شيخ الطائفة الطوسي أحد أبرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري.


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=44
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5