• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : الكتب والمؤلفات .
              • القسم الفرعي : قبسات الهدى .
                    • الموضوع : مقال10: شريعتي ومحمد عبده والقرآن الكريم .

مقال10: شريعتي ومحمد عبده والقرآن الكريم

مقال10: شريعتي ومحمد عبده والقرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

ظهر في القبسات السابقة كثرة استشهاد الدكتور شريعتي بروايات المخالفين الذين كتبوا التاريخ بقلم البلاط المأجور.. ما أوقعه في مخالفات كبيرة لمعتقد الشيعة الحق.

ثم ما لبث الدكتور شريعتي أن خاطب (المفكّر الواعي) وأرشده للاستماع لكلمات (القادة الثوريين) في عصرنا لفهم القرآن..

لكنك عندما تبحث عن هؤلاء القادة الثوريين عنده تجد أن القدوة فيهم (محمد عبده)، حيث يقول:

لقد بدأت حركة اليقظة وحركة التحرير المضادة للاستعمار في شمال أفريقيا تماماً يوم أن جاء محمد عبده -المنتمي إلى مدرسة سيد جمال الدين والذي كان شعاره عودة كل المسلمين إلى القرآن- إلى شمال أفريقيا، وجمع كل علماء الإسلام ودعاهم قائلاً:

بدلاً من الاستغراق في الفلسفات القديمة والاقتصار على الفقه والأصول والكلام والحكمة وطرح قضايا ميتافيزيقية ومسائل دقيقة وذهنية بشكل مبالغ فيه في الأحكام الفرعية.. إذهبوا إلى القرآن..

ومنذ ذلك الوقت طرح القرآن مرة ثانية في مجتمع المسلمين، وفي الحلقات الدراسية(2)..

فدعوة علماء المذاهب الأخرى أتباعهم للعودة إلى القرآن إن أريد منها الاهتمام بالمعنى بعد الاستغراق في اللفظ، وأخذ القرآن من معدنه، كان لها وجه وجيه..

لكن تكرار هذه الدعوة في الوسط الشيعي من قبل الدكتور شريعتي ومن قبل بعض الأسماء الشيعية اليوم لا يخلو من أحد أمور:

1. إما أن يكون مرادفاً آخر لقول ثاني القوم (حسبنا كتاب الله) ما يعني العمل بالقرآن الصامت مجرداً عن القرآن الناطق، وهم نبي الله وآل بيته ^. فيكون في ذلك طعن بالسنة الشريفة والعترة المباركة.

2. وإما أن يكون لغواً لأن الشيعة هم من عمل بالقرآن عندما تمسكوا به وبالعترة معاً.

3. وإما أن يكون ترديداً لشعارات الآخرين دون إدراك حدودها ودراسة جدواها.

وبنظرة أدق.. نرى أن من تأثّر ببعض علماء الآخرين وأراد استنساخ تجربتهم إلى الوسط الشيعي قد سُلِبَ التوفيق في ذلك، إذ أن المؤمن كيّس فطن ينبغي أن يدرك حقائق الأمور قبل الغوص فيها..

وأصحاب هذه الدعوة لم يدركوا بعض نقاط الاختلاف بين السنة والشيعة حول موقعية القرآن الكريم، فإن الفكر العامي الذي تأثر بمقولة (حسبنا كتاب الله) قد وجه ضربة قوية للسنة النبوية حتى مسخها وشوّهها.

فصرت ترى في أصح الكتب عندهم بعد كتاب الله من الخرافات والأساطير ما لا يمكنهم التملص أو التخلص منه.. وما يخالف المقطوع به من فروع المذهب والدين بل أصوله.. فأرادوا مجدداً (على فرض حسن الظن بهم) إعادة تنظيف بعض هذه المثالب من كتبهم.. فدعوا للعودة إلى القرآن ونبذ تلك الخرافات..

لكن التراث الشيعي الذي لم يبتن منذ البداية على تقديس الاشخاص كما دأب رجال البلاط لم يلتزم بما يعارض القرآن من الروايات، ولم يعمل بما يعارض المقطوع به من طريق العقل أو الشرع..

فليس في الوسط الشيعي ما يدعو لاستنساخ تجربة المخالفين إلينا.. عند التنبه لهذا الفارق بين المذهبين.

على أن الدكتور شريعتي نفسه كان قد دعا إلى اليقظة وإعداد الجو المناسب قبل محاولة استقدام التجارب الغربية إلى مجتمعنا لاختلاف الظروف والمعطيات..

 وإلا كان في استنساخها خراب ودمار للمجتمع.. فما باله هنا أغفل هذا الاختلاف الهائل بين المجتمعين من الناحية الفكرية والعقائدية؟!

فإن قيل: الدعوة في كلامهم هنا ليست لترك السنة إنما للعودة للقرآن الكريم الذي صار مجهولاً.

أجبنا: الكلام هو الكلام، فإن الشيعة لم ينفصلوا عن القرآن يوماً، كما فعل المجتمع المخالف كي توجه لهم الدعوة التي توجه إليه..

وإذا كان أصحاب المذاهب المخالفة قد انطبق عليهم أنه ليس عندهم من القرآن الا اسمه أو رسمه..

فإن الشيعة الذين أخذوا فهم القرآن عن العترة الطاهرة لم يبتعدوا عن روحه يوماً حتى في أحلك الظروف.. فعادتهم في أيام الظلم والقهر أن يقدموا الغالي والنفيس، ويبذلوا ما يقدرون عليه في سبيل تعلم أحكام الله..

وإذا ما انقشع الظلم عن رؤوسهم رأيتهم يتوجهون أفواجاً نحو تعظيم شعائر الله..

ولا يؤاخذ هؤلاء بأنهم لم يصلوا إلى أعلى مراتب الفضل والكمال في شؤون الدين.. لأنهم أدوا تكليفهم وإن خالفتهم الظروف وحاربتهم الأمم.. فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها..

ثم يعود الدكتور شريعتي ليقول:

كل هذه الانتصارات في نفس هذه السنوات وفي مواجهة نفس هذا الغرب قد تمت لأن المسلمين تعلموا أن القرآن كتاب قراءة لا كتاب تبرّك، رسالة ينبغي أن تُسمع وليس شيئاً مقدَّساً.. أو طوطم(3) ينبغي أن يعبد، هو كلام وفي ثنايا هذا الكلام فكر وليس في داخله سر مقدس (مانا) (4) قوة غامضة تحل في الأشياء والأشخاص وتترك أثراً غيبياً نتيجة للمس والمسح باليد(5).

وهنا يتكرر الخلط بين المفاهيم عند الدكتور شريعتي.. والكلام في جهتين:

الأولى: أن كون القرآن كتاب تدبّر وتفكّر لا يتنافى مع كونه كتاباً مقدّساً يترك آثاراً غيبيةً حتى في مثل اللمس باليد..

فليس بين الأمرين تعارض ولا للقول الثاني دلالة على تخلف ورجعية مزعومة.. ذلك أن الله تعالى وإن أمر الناس بالعمل وفق الأسباب الطبيعية إلا أن هذه الأسباب فيها جنبة غيبية لا تخفى على أحد..

مثاله ما أشار إليه الحديث الشريف حول العلم والتعلم..: لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ التَّعَلُّمِ وإِنَّمَا هُوَ نُورٌ يَقْذِفُهُ الله تَعَالَى فِي قَلْبِ مَنْ يُرِيدُ الله أَنْ يَهْدِيَه(6)‏..

وسواء أريد من الحديث العلم الذي يستتبع عملاً (فيخرج الذي آتيناه علماً فانسلخ منه) أو ما يشمل العلم المجرد عن العمل.. فلا تعارض بين تقديس الكتاب وبين التفكر بآياته والتدبر فيها.

وكما ورد الارشاد الى أهمية التدبر في آيات كثيرة، وردت جهات لها جنبة غيبية لا تقبل الشك في جملة من النصوص..

فمن ذلك استحباب القراءة من المصحف ولو كان القارئ حافظاً للقرآن الكريم.

ففي الحديث: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي المصْحَفِ مُتِّعَ بِبَصَرِهِ وخُفِّفَ عَنْ وَالِدَيْهِ وإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ(7).

وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ:

قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَحْفَظُ الْقُرْآنَ عَلَى ظَهْرِ قَلْبِي فَأَقْرَؤُهُ عَلَى ظَهْرِ قَلْبِي أَفْضَلُ أَوْ أَنْظُرُ فِي المصْحَفِ؟

قَالَ: فَقَالَ لِي: بَلِ اقْرَأْهُ وانْظُرْ فِي المصْحَفِ فَهُوَ أَفْضَلُ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّظَرَ فِي المصْحَفِ عِبَادَةٌ(8).

ويتبين من هذه الآثار ما لنفس النظر في المصحف بنفسه، فكيف باللمس الذي حرم على غير المتطهرين؟! ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَريمٌ * في‏ كِتابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ المطَهَّرُونَ﴾(9).

والجهة الثانية: أن توقيف انتصارات المسلمين على فهمهم للقرآن هو مجازفة، فإن من كانوا أصحاب رسل وشرائع كانوا على أعلى درجات الفهم والإدراك بل والإلتزام بالشرائع السماوية لكن المجتمعات كانت فاسدة ونبذت دعوتهم، فتحملت جزاء فعالها دونهم.

فليس من الصواب الاقتداء بالمخالفين وهم المعرضون عن الثقلين الذين أوصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باتباعهما، وقد قال باقر علوم آل محمد يوماً: شَرِّقَا وغَرِّبَا فَلَا تَجِدَانِ عِلْماً صَحِيحاً إِلَّا شَيْئاً خَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ(10).

 


(1) نشر المقال في 19-6-2016.

(2) أبي وأمي نحن متهمون ص128.

(3) الطوطم هو الكيان الذي يمثّل دور الرمز للدين أو القبيلة، وأحياناً يقدّس باعتباره المؤسس أو الحامي، وكان لبعض القبائل طوطم هو عبارة عن صنم خاص بها على صورة حيوان أو جزء من الإنسان.

(4) المراد من (مانا) قوة تأثير غيبية، وهي مأخوذة من أدبيات الديانة المانوية التي أسسها ماني وهي من الديانات القائلة بالثنوية.

(5) أبي وأمي نحن متهمون ص133.

(6) منية المريد ص167.

(7) الكافي ج2 ص613.

(8) الكافي ج2 ص614.

(9) الواقعة 77-79.

(10) الكافي ج1 ص399.


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=43
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5