• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
              • القسم الفرعي : الأسرة والمرأة .
                    • الموضوع : 263. السيدة زينب.. ونساء الشيعة .

263. السيدة زينب.. ونساء الشيعة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام السجاد عليه السلام لعمَّته زينب عليها السلام:

أَنْتِ بِحَمْدِ الله عَالِمَةٌ غَيْرُ مُعَلَّمَةٍ! فَهِمَةٌ غَيْرُ مُفَهَّمَةٍ! (الإحتجاج ج‏2 ص304).

لَم تصدُر هذه الكلمة في سياقٍ طبيعيٍّ.. بل في ظَرفٍ استثنائيٍّ تماماً.. لقد قُتِلَ سيِّد الشُّهداء عليه السلام وأخوته وصحبُه في عاشوراء، ورأت زينب المصيبة الكبرى بعينها.

لقد كانت عليها السلام مفجوعةً بأخوتها وأهلها وأقرب الناس إليها.. ثمَّ أتى الإمام السجاد عليه السلام بها وبسائر النِّساء إلى الكوفة مع ما فيه من مرض.

هناك.. كان نساءُ أهل الكوفة: يَنْتَدِبْنَ مُشَقَّقَاتِ الجُيُوبِ!

وَالرِّجَالُ مَعَهُنَّ يَبْكُونَ!

كانت العلَّةُ قد أنهكت إمامنا السَّجاد عليه السلام، فقال بصوت ضئيل: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَبْكُونَ عَلَيْنَا! فَمَنْ قَتَلَنَا غَيْرَهُمْ؟!

حينها أومَت زينب عليها السلام إلى الناس بالسكوت.. وأشارت لهم أن ينصتوا.. فَارْتَدَّتِ الْأَنْفَاسُ، وَسَكَنَتِ الْأَجْرَاس!

ثمَّ خطبت خطبةً عجيبة ليس هذا محلُّ ذكرها..

اللافت أنَّ السامع كان يصفُ حالها حين نُطقها فيقول:

لَمْ أَرَ وَالله خَفِرَةً قَطُّ أَنْطَقَ مِنْهَا!

كَأَنَّهَا تَنْطِقُ وَتُفْرِغُ عَلَى لِسَانِ عَلِيٍّ (ع)!

ويصفُ حال النَّاس بعد خطبتها فيقول:

فَرَأَيْتُ النَّاسَ حَيَارَى قَدْ رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِم‏!

لا عجب أن يُدهش هؤلاء من كلام زينب عليها السلام، وهي الخَفِرَةُ الشَّديدةُ الحياء! ما دامت تُفرِغُ عن لسان عليٍّ عليه السلام.

ولقد قال الإمام السجاد عليه السلام لها تلك العبارة بعد انتهاء خطبتها..

قال لها: يَا عَمَّةِ اسْكُتِي! فَفِي الْبَاقِي مِنَ المَاضِي اعْتِبَارٌ!

وَأَنْتِ بِحَمْدِ الله عَالِمَةٌ غَيْرُ مُعَلَّمَةٍ! فَهِمَةٌ غَيْرُ مُفَهَّمَةٍ!

إِنَّ الْبُكَاءَ وَالْحَنِينَ لَا يَرُدَّانِ مَنْ قَدْ أَبَادَهُ الدَّهْرُ! فَسَكَتَتْ! (الإحتجاج ج‏2 ص304).

ويُلاحظ في كلامه عليه السلام أمران:

الأمر الأوَّل: أن كونها عالمة غير معلَّمة ظاهرٌ في أنَّها أهلٌ لتلقِّي الإلهام الإلهي، بل في كون الله تعالى قد ألهمها العلوم والمعارف دون الحاجة إلى مُعلِّم.

وأنَّ كونها فَهِمَة غير مفهَّمة قد يشير إلى رجاحة عقلها وصفاء فطرتها وكمالها..

لقد قيل أنَّها عليها السلام كانت تعلم علم المنايا والبلايا، وليس هذا عنها ببعيد.

وقيل أنَّه كان كان لها مجلسٌ خاصٌّ لتفسير القرآن الكريم للنساء.. ولا ريب أنَّها العالمة بحقائق القرآن إن كان تعليمها من الله تعالى.

الأمر الثاني: أنَّ إسكاتَ السجاد للحوراء عليهما السلام لم يكن حال نطقها.. فالعالمة غير المعلَّمة تعرفُ متى تنطق ومتى تسكت، ولا يُسكتها المعصوم حال نُطقها.

بل قال لها عليه السلام ذلك بعد انتهاء خطبتها.. كأنَّه يشير إليها أنَّها أتمّت الحجة بما لا مزيد عليه.. فلا موجبَ لمزيدٍ من الكلام مع هؤلاء..

لكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه.. هو السَّبَبُ في نُطق الحوراء عليها السلام مع وجود السجَّاد عليه السلام.

فإنَّ التَّعَبَ لا يمنع الإمام من بيان ما يلزم إن كان ذلك راجحاً.

لا بدَّ إذاً أن هناك ما دعى الحوراء إلى أن تقوم بهذا الدَّور.. وهي التي عُرِفَ عنها السِّترُ والحياء، واقترن ذكرها بالخدر والعفاف.

نسيرُ مع الزَّمَن لاستجلاء ذلك.. فننتقل إلى سنة 262 للهجرة، بعد ولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه..

ينقل الشيخ الصدوق دخول (أحمد بن إبراهيم) على (السيدة حكيمة) أخت الإمام الهادي عليه السلام، وعمَّة الإمام العسكري عليه السلام، ذاك حيث كَلَّمَها من وراء الحجاب، وسألها عن دينها.

فسمَّت له من تأتمّ به، ثم ختمت بالإمام المنتظر ابن الإمام العسكري عليه السلام.

سألها عن المولود، فقالت أنَّه مستور.

فقال: إِلَى مَنْ تَفْزَعُ الشِّيعَةُ؟!

فَقَالَتْ لِي: إِلَى الجَدَّةِ أُمِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع)!

فَقُلْتُ لَهَا: أَقْتَدِي بِمَنْ وَصِيَّتُهُ إِلَى امْرَأَةٍ؟!

فَقَالَتْ: اقْتِدَاءً بِالحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع)!

فَإِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (ع) أَوْصَى إِلَى أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ فِي الظَّاهِرِ، فَكَانَ مَا يَخْرُجُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (ع) مِنْ عِلْمٍ يُنْسَبُ إِلَى زَيْنَبَ سَتْراً (تَسَتُّراً) عَلَى عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (ع) (كمال الدين ج2 ص507).‏

يتضمَّنُ هذا الحديثُ إشارات عديدة منها:

1. أنَّ النِّساء الكاملات العفيفات، الطاهرات الجليلات القدر، يستطعن الجمع بين عفافهنَّ وبين تعلُّم ما يجب عليهنَّ وتعليمه إذا ما دعت الحاجة لذلك. وأنَّ التعلُّم لا ينافي الستر والحياء والعفاف.

2. أنَّ الإمام المعصوم قد يوكل إلى النِّساء أدواراً هامَّةً وخطيرةً في حالاتٍ استثنائية، لا تنافي عفَّتَهن، وذلك حينما يكون ممنوعاً عن أداء هذه الأدوار بحسب الظاهر..

3. أنَّ هذا الأمر تكرَّر أكثر من مرة، فمن ذلك ما فعلته الزَّهراء عليها السلام حينما أجابت القوم من خلف الباب دون عليٍّ عليه السلام، فحفظته وحفظت الأسرة الطاهرة من الإحراق والقتل جميعاً.

ثمَّ لما خرجت خلفه إلى المسجد وأخذت بيده وأرجعته سالماً فحفظته من القتل..

وكذا فعلت زينب عليها السلام حينما نطقت لمّا لم يُتَح للسجاد عليه السلام ذلك، ولمَّا أرادوا قتله حفظته بأن أظهرت استعدادها ورغبتها بالموت معه..

وكذا ما فعلته السيدة حكيمة حينما بيَّنت لمن يسألها أخطر المسائل العقائدية، وهي مسألة الائتمام بالأئمة الأطهار عليه السلام.

وكما فعلت الجدَّةُ حينما كان الشيعة يرجعون إليها فكانت بمثابة الواسطة بين الإمام المعصوم وشيعته..

ولئن كانت زينب عليها السلام عالمةً غير معلَّمة.. فإنَّ سيرة شريفات الأسرة الطاهرة كانت قائمةً على تعلُّم العلوم وتعليمها.. مع مراعاة تمام الحياء والحشمة والستر والعفاف.

ومن لطائف ذلك أحاديث (المُسَلْسَلَاتِ)، وفي واحدٍ منها حَدَّثت:

فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (ع)

قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ وَزَيْنَبُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ بَنَاتُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (ع)

قُلْنَ: حَدَّثَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (ع)

قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (ع)

قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (ع)

قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ وَسُكَيْنَةُ ابْنَتَا الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع)

عَنْ: أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيٍّ (ع)

عَنْ: فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ الله (ص)

هو واحدٌ من الأسانيد العجيبة.. التي تروي فيه كلُّ واحدة من الفاطميات عن عمَّتها.. بنات الأئمة تحفظن الأحاديث وتروينها.. عن فاطمة الزهراء عليها السلام..

وفي هذا الحديث تنقل لنا الفاطميات بشرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ذاك حيث أسري به إلى السماء، فرأى قصراً من درَّةٍ بيضاء لعليٍّ عليه السلام.. كُتِبَ على بابه:

لَا إِلَهَ إِلَّا الله،‏ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، عَلِيٌّ وَلِيُّ الْقَوْمِ.

وَإِذَا مَكْتُوبٌ عَلَى السِّتْرِ: بَخ بَخ، منْ مِثْل شِيعَةِ عَلِيٍّ! (بحار الأنوار ج‏65 ص77).

فِعلُ الفاطميات هذا في نقل علوم آل محمدٍ عليه السلام، هو اقتداءٌ بالزَّهراء عليها السلام، وهي التي حضرتها امرأة تسألها عن أحكام الصلاة لوالدتها الضعيفة، فسألتها ثمَّ ثنَّت وثلّثت حتى عَشَّرت..

ثُمَّ خَجِلَتْ مِنَ الْكَثْرَةِ! فَقَالَتْ: لَا أَشُقُّ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ رَسُولِ الله.

قَالَتْ فَاطِمَةُ (ع): هَاتِي وَسَلِي عَمَّا بَدَا لَكِ، أَ رَأَيْتِ مَنِ اكْتُرِىَ يَوْماً يَصْعَدُ إِلَى سَطْحٍ بَحَمْلٍ ثَقِيلٍ، وَكِرَاؤُهُ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ، أَ يَثْقُلُ عَلَيْهِ؟

فَقَالَتْ: لَا.

فَقَالَتْ: اكْتُرِيتُ أَنَا لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ مِلْ‏ءِ مَا بَيْنَ الثَّرَى إِلَى الْعَرْشِ لُؤْلُؤاً، فَأَحْرَى أَنْ لَا يَثْقُلَ عَلَيَّ!

اللافت أنَّ الزهراء عليها السلام بعد بيان ذلك قالت: سَمِعْتُ أَبِي [رَسُولَ الله‏] (ص) يَقُولُ:

إِنَّ عُلَمَاءَ شِيعَتِنَا يُحْشَرُونَ، فَيُخْلَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلَعِ الْكَرَامَاتِ عَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ عُلُومِهِمْ، وَجِدِّهِمْ فِي إِرْشَادِ عِبَادِ الله (تفسير الإمام العسكري ص340).

إنَّ الله تعالى يثيب المرأة التي تعلَّمت وعَلَّمت كما يثيب الرَّجل.. فلكلِّ واحدةٍ من الفاطميات ثوابٌ عند نقلهنَّ لهذه الأحاديث الشريفة.. إلى يوم القيامة.

ولقد كُنَّ تقتدين بالزهراء عليها السلام، حين كانت تُعَلِّم النِّساء في أيامها من علوم السماء..

لكنَّ أسئلةً قد تُطرَح في أيامنا.. حول تعلُّم النساء والفتيات..

1. فهل يجب على الفتيات في عصرنا طلبُ العلم؟ أمَّ أنَّه مخصوصٌ بالرِّجال؟

2. وهل ما فعلته الفاطميات كان خاصاً بهنَّ؟! أم أنَّهُنَّ أسوةٌ لنسائنا المؤمنات؟

3. وهل تعلُّمُ العلوم أمرٌ راجحٌ للفتيات في أيامنا أم مرجوح؟!

قد يستدلُّ بجملةٍ من النصوص على اختصاص طلب العلم بالرِّجال، وعلى النهي عن تعليم النِّساء..

ومن هذه النصوص:

1. طلب العلم فريضة على كل مسلم

لقد ورد في أمَّهات مصادرنا وكتبنا المتقدِّمة (كالمحاسن وبصائر الدرجات والكافي) وغيرها حديث عن الصادق عليه السلام: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ (المحاسن ج‏1 ص225).

وقد اختصّ المسلم بالذكر، فيكون طلب العلم فريضةً عليه دون المسلمة.

ويلاحظ على ذلك أمور منها:

أولاً: أنَّ المراد من المسلم هو الإنسان المسلم، لا الرجل فقط، كما هو حال سائر التكاليف، فأدلة وجوب الصلاة والصوم والحج والخمس والزكاة وغيرها على المسلم كلُّها تفسَّرُ بالإنسان المسلم، فتشمل المسلم والمسلمة، لاشتراك الرَّجل والمرأة في الأحكام والتكاليف، وان اختصَّ كلٌّ منهما ببعض الأحكام.

ثمَّ إنَّه قد ورد هذا الحديث في جملةٍ من المصادر بلفظ: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَة (مصباح الشريعة ص13)، وكان هذا هو اللفظ الذي اشتهر به الحديث.

ثانياً: دلَّت أحاديث كثيرة على أنَّ المرأة مُكلَّفَةٌ بالمعرفة، فتكون شريكةً للرجل في ذلك، وهذه الأحاديث أكثر من أن تحصى، ومنها ما ورد عن الصادق عليه السلام:

1. إِذَا صَلَّتِ المَرْأَةُ خَمْساً

2. وَصَامَتْ شَهْراً

3. وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا

4. وَعَرَفَتْ حَقَّ عَلِيٍّ (ع)

فَلْتَدْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الجَنَّةِ شَاءَتْ (الكافي ج5 ص555).

ومن الجليِّ أنَّ المرأة مكلَّفةٌ كالرجل بمعرفة حقِّ أمير المؤمنين عليه السلام، كما كُلِّفَت بالصلاة والصوم، وان اختُصَّت بالأمر بطاعة الزوج.

وكلُّ حديثٍ عن المعرفة يشترك فيه الرجال والنساء إلا ما خرج بالدليل، وقد قال الصادق عليه السلام: مَا أَعْلَمُ شَيْئاً بَعْدَ المَعْرِفَةِ أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاة (الكافي ج3 ص264).

فصارت المعرفة أول ما يسأل عنه العبد في قبره أو في يوم القيامة.. وهل يتصوَّر أن المرأة لا تسأل عن معرفة ربها ونبيها وإمامها؟!

ألا تُسأَلُ كذلك عن تقصيرها في تعلم أحكام دينها؟! فإن كانت من أهل المعصية لجهلها وتقصيرها.. ألا تحاسب كما يحاسب الرجل لتقصيره؟!

إنَّ هذا ثابتٌ بالوجدان.

2. ذروهن بلها

ورد في الخبر عن الصادق عليه السلام: أَلْهِمُوهُنَّ حُبَّ عَلِيٍّ (ع) وَذَرُوهُنَّ بلهاء (بُلْهاً) (الفقيه ج3 ص442).

وقد يتصوَّرُ أنَّ الحديث يأمر بترك النساء دون تعليم، وأنَّ الجهلَ لهنَّ خيرٌ من العلم! وأنَّهن حمقاوات! وأنَّ بقاءهن على ذلك هو ما تأمر به الشريعة!

لكنَّ الحديث لا يدلُّ على هذا المعنى بحال.. وليس في مقام الذمِّ أبداً كما قد يُتوَهَّمُ منه.. فمن راجَعَ كتب اللغة وجد أنّ:

البَلَهُ: الغفلة عن الشر (كتاب العين ج‌4 ص55).

وأنَّ الأبله: هو الذي غَلَبَتْ عليه سلامةُ الصدر (الصحاج ج6 ص2227).

فيكون الحديث في مقام بيان لزوم الحفاظ على المرأة ورعايتها لئلا تقع في الشرور، ولئلا تتلوَّثَ فطرتها، وتخسر سلامة الصدر والنَّفس..

ولمّا كان الرجل هو القيِّمُ عليها، وهو المعينُ لها، وهو الذي يقفُ إلى جنبها للحفاظ عليها ودرء السوء عنها، صار مأموراً بأن يرعاها كي تحافظ على سلامتها، وتظلّ بعيدة عن كلّ شرّ، ففي ذلك سلامة دينها ودنياها.

أليست المرأة ريحانةً يأمر الله تعالى برعايتها؟

أليست ضعيفة فرحمها الله لضعفها؟

أفلا يرحمها الرجل ويعينها ويحافظ عليها؟!

3. لا تعلموهن الكتابة.. وسورة يوسف

إنَّ من أصرَح النصوص التي تنهى عن تعليم المرأة هو قول النبيِّ صلى الله عليه وآله عن النِّساء: وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَةَ، وَعَلِّمُوهُنَّ الْمِغْزَلَ وَسُورَةَ النُّورِ.

وقول أمير المؤمنين عليه السلام: لَا تُعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ يُوسُفَ، وَلَا تُقْرِءُوهُنَّ إِيَّاهَا، فَإِنَّ فِيهَا الْفِتَنَ، وَعَلِّمُوهُنَّ سُورَةَ النُّورِ، فَإِنَّ فِيهَا المَوَاعِظَ (الكافي ج5 ص516).

ومن الواضح أنَّ النهي ليس عن مطلق التعليم هنا، بل عن تعليم الكتابة، وتعليم سورة يوسف.

أمَّا تعليمُ الكتابة، فلم يُبَيَّن الوجه في النهي عنه في الخبر، وقد احتمل بعضُ العلماء أن يكون السبب هو عدم كتابتهن ما لا يجوز كتابته، أو مراسلتهن لمن لا يجوز مراسلته.. أو أن يكون الأمرُ تعبُّدياً محضاً لا يُعلمُ الوجه فيه.

ولكن:

1. لمّا كان تعليم القراءة ملازماً عادةً لتعليم الكتابة، فمَن قدر على القراءة غالباً كان قادراً على الكتابة.

2. ولمّا كانت قراءة القرآن من المصحف راجحةً ومستحبَّة للمرأة كما للرَّجل دون خلاف، وقد ورد في الحديث: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي المُصْحَفِ مُتِّعَ بِبَصَرِهِ، وَخُفِّفَ عَنْ وَالِدَيْهِ وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْن‏ (الكافي ج2 ص613).

احتمل أن يكون تعليم الكتابة بنفسه غير منهيٍّ عنه للمرأة، فهو راجحٌ كما للرَّجل، إلا في عناوين خاصَّة، فيكون النهي حكماً ثانوياً.

بيان ذلك:

أنَّ المرأة إذا خُشي عليها وخيف عليها من الوقوع في الحرام بتعليمها القراءة كان منهيَّاً عنه، وكان مرجوحاً، وإن أمنت من ذلك لم يكن منهياً عنه.

ويحتمل مثل ذلك أيضاً في تعليمهنّ سورة يوسف.

فلا شكَّ باستحباب قراءة سورة يوسف للرجال والنِّساء، فهي سورة من سور القرآن الكريم، وقد ثبت استحباب قراءة القرآن الكريم للرِّجال والنِّساء، واستحباب ختم القرآن، دون فرق بينهما، وقد ورد لختم القرآن ثوابٌ وأثر عظيم، من ذلك أنَّ من: خَتَمَ الْقُرْآنَ لَيْلًا صَلَّتْ عَلَيْهِ المَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَإِنْ خَتَمَهُ نَهَاراً صَلَّتْ عَلَيْهِ الحَفَظَةُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَكَانَتْ لَهُ دَعْوَةٌ مُجَابَةٌ، وَكَانَ خَيْراً لَهُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْض (الكافي ج2 ص611).‏

نعم ثبت أنَّ الله تعالى يعطي من لا يقدر على قراءة كلِّ القرآن فيقرأ ما يعلم هذا الثواب أيضاً تفضُّلاً، ويعدُّه ختماً للقرآن.

على أنَّه يُحتملُ أيضاً أن يكون المراد من النهي عن تعليمهنّ سورة يوسف، وتعليل ذلك بقوله عليه السلام (فَإِنَّ فِيهَا الْفِتَنَ) الإشارة إلى أنَّ النساء في الجملة: لَا وَرَعَ لهُنَّ عِنْدَ حَاجَتِهِنَّ، وَلَا صَبْرَ لهُنَّ عِنْدَ شَهْوَتِهِن‏ (الفقيه ج3 ص554) كما عن أمير المؤمنين عليه السلام، فيكون في تعليمهنّ ذلك فتحُ بابٍ مُغلَقٍ، يُخشى به عليهن من الشرّ.

ولكن هذا لو تمَّ فإنَّه قد لا يتم في أيامنا، فإنَّ النِّساء تطَّلع فيه على كَمٍّ من العجائب لا يبعد أن تصيرَ سورة يوسف معه درءاً للفتنة لا باعثاً على الوقوع فيها!

وكيفما كان.. فلا شكَّ أنَّ الشريعة إنما تهدفُ إلى الحفاظ على المرأة، وتحثُّ الرَّجل على معونتها في ذلك، وعلى تأمين الأجواء المناسبة لها، لأنها ريحانةٌ ضعيفةٌ رقيقةٌ، سريعة التأثر.. يسعى الرِّجال لخديعتها بكلِّ وسيلة.

وكلُّ ما كان عاملاً في الحفاظ عليها كان راجحاً، وان اختلف من ظرفٍ لآخر.

ولعلَّ تعليم المرأة اليوم أمور دينها، وما تحتاجُ إليه في حياتها لصلاح دنياها وآخرتها، بما في ذلك القراءة والكتابة، وإحكام معرفتها بالمقدار الذي أوجبه الله عليها، يكون خير درعٍ لها أمام سيل الشُّبهات الجارف.

4. النساء نواقص العقول

لقد وُصِفَت النساء في نهج البلاغة بأنَّهن: نَوَاقِصُ الْعُقُول‏!

وقد يقال أنَّ كونهن نواقص العقول لا يتناسب مع تعليمهنّ، بل مع تركهنَّ على ما هُنَّ عليه.

لكنَّ أميرَ المؤمنين عليه السلام قد فَسَّرَ نقص عقولهن بأنَّه إشارةٌ إلى كون شهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد.

ولئن كان يطيب لبعض الرجال أن ينتقص من النِّساء بمثل هذا الحديث، فإنَّ الأعجب منه هو قول النبيِّ صلى الله عليه وآله للنِّساء: مَا رَأَيْتُ.. أَسْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ! (الكافي ج5 ص322).

فلئن كان الرَّجُلُ يرى نفسه قَيِّماً على المرأة، وهو كذلك..

ولئن كان من الرجال من يرى أنَّهُ قد يوصف بالكمال دون المرأة!

فإنَّ العجب هو في كون هذه المرأة هي التي تسلب ألباب الرِّجال!

فمَن يكون الأضعف إذاً؟!

الضعيف بنفسه؟ أم القويّ الذي يسلبُ الضعيفُ لبَّه؟!

إنّ المعيار الواضح في الشريعة هو قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏﴾ (آل عمران195).

وقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَة﴾ (النحل97).

وقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى‏ وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ﴾ (الحجرات13).

فمعيار الصلاح عند الله تعالى هو العمل الصالح، ولا كرامة عند الله إلا بالتقوى، فبمعرفة الله وامتثال أمره وتقوى الله بلغ الرجال والنساء المراتب العالية..

لذا.. كانت زينب عليها السلام أسوةً للنساء المؤمنات.. وهي العالمةُ غير المعلَّمة.. العاملةُ بما عرَّفها الله تعالى..

فكانت أسوةً في العلم.. والتعليم.. وأسوةً في الستر والحياء..

أسوةٌ تتعلَّمُ منها النِّساء قمَّة العفَّة بما لا مزيد عليه..

وتتعلم منها أنَّ المرأة تحتاج إلى المعرفة كذلك.. إلى خصوص المعرفة النافعة.. فهي مشتركةٌ بين الرجال والنساء..

وتحتاج إلى أن تجتنب كلُّ ما يلوث صفاءها، مما امتلأ به الإعلام المعاصر من مفاسد.. سيَّما ما كان مظنَّة الفتنة.. وما يعرِّضها للوقوع في الشباك والحبائل الخبيثة..

أجارنا الله تعالى، وحفظ نساءنا وفتياتنا وأبناءنا من مضلات الفتن في هذا الزمن.

والحمد لله رب العالمين

الجمعة 10 جمادى الأولى 1445 هـ، الموافق 24 – 11 – 2023 


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=329
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 11 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5