• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : الكتب والمؤلفات .
              • القسم الفرعي : الإلحاد في مهب الريح .
                    • الموضوع : مقال7: لماذا ظل الملحد منبوذاً؟ .

مقال7: لماذا ظل الملحد منبوذاً؟

مقال7: لماذا ظل الملحد منبوذاً؟

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

قال الله تعالى في سورة الحجرات: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى‏ وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ﴾(2).

لكنّ هذا التعارف (انقطع) مع أكثر المتجاهرين بجحود الله تعالى: الملحدون..

لقد حوّل هؤلاء أنفسهم إلى أعضاء غير مرغوب بهم في المجتمع، حتى تكوّنت لديهم عقدة النقص ودفعت بهم إلى رفع الصوت عالياً مصطنعين المظلومية متظاهرين بالوداعة والمسالمة..

فأن تكون شخصاً (منبوذاً) في المجتمع لهو أمرٌ عصيبٌ إن أدخلتَ نفسك فيه وكابَرتَ حتى لم تعد تعرف طريقاً للخروج منه..

لكن.. هل الملحد (منبوذ) فعلاً؟

ما الذي نسمعه إذاً عن تنامي ظاهرة الإلحاد؟! كيف يجتمع هذان الأمران؟!

رغم أن بعض الدراسات تحاول الترويج لتنامي ظاهرة الإلحاد، إلا أن دراسات أخرى تنفي ذلك تماماً وبشدة..

يتحدث الديموغرافي اريك كوفمان Eric Kaufman كما ينقل عنه موقع CNN الانجليزي في مقال عن الإلحاد منشور بتاريخ 9 نوفمبر 2006 عن تزايد سكان العالم المتدينين، لأن الأجيال الشابة في العالم النامي ترفض العلمانية.

ويتوقع ضعف الحالة العلمانية في منتصف القرن الحادي والعشرين في اوروبا واميركا بشكل كبير..

ومثله تشير التقارير الواردة من الدول العربية كليبيا نموذجاً.. فيتضمن تقرير CNN بتاريخ 6 يناير 2016 قولهم:

أن تكون ملحدا في ليبيا، يعني أن تعيش حياتا محفوفة بالمخاطر.. فأنت في مجتمع لا يقبل أبدا بوجود ملحدين داخله..

لكن.. ما هي نظرة الملحدين أنفسهم؟

نذهب مباشرة إلى واحد من رموزهم البارز: فيكتور ستينغر Victor Stenger: بروفيسور الفيزياء والفلك، الذي لطالما تهجم على المعتقدات الدينية وأساء لها بطرق مختلفة، يقول في كتابه عن الله:

آراء الملحدين، أحرار الفكر، والإنسانيين، نادراً ما تستشار وكثيراً ما تستهجن. والمعنى هو أن الملحدين والإنسانيين هم بشكل ما أعضاء غير مرغوب بهم في المجتمع. أشخاص لن ترغب بدعوتهم إلى منزلك(3).

إذاً يحسّ هؤلاء (الملحدون) بالعزلة فعلاً.. والعزلة الفكرية في الواقع قد تكون أشدّ بكثير من العزلة الاجتماعية.

لكن هل تتحمل المجتمعات الدينية مسؤولية عزلة الملحدين؟ أم أن الملحدون أنفسهم هم السبب في ذلك؟

إن الملحد قد أوقع نفسه في عصفٍ فكريٍّ هائل بإنكاره (ربه) و(نفسه التي بين جنبيه)، فجعل من نفسه كائناً غريباً في المجتمع، ما أدى به شيئاً فشيئاً إلى العزلة التي يتحدثون عنها.

إن الإنسان إجتماعيٌّ بطبعه يميل للتعامل مع سائر الخلق على أن لا يخرجوا عن حدود معينة من أنماط التفكير السوي، ولذا يَحذَر العقلاءُ من (المجنون) و(الأحمق) لأن الخلل الفكري الذي يصيبهما يجعل موارد الضرر المتأتية منهما على مستوى عالٍ من الخطورة..

وقد ألحق كثيرٌ من الناس (الملحدين) بهاتين الفئتين، وما ذلك إلا لما لمسوه من (عجائب وغرائب) تكاد لا تُصَدّق.. لا يؤمن معها من تصرفاتٍ أشد غرابة منهم..

فإن مما ينكره الملحدون أموراً عُرف عنهم إنكارها، كإنكارهم للخالق والمعاد والثواب والعقاب..

وأموراً لم تشتهر عنهم كثيراً نشير لثلاثة منها:

1. إنكارهم لوجود (الروح) و(النفس) و(الإرادة)!

وتشبيههم الإنسان بالآلات! وهذا من عجائبهم!

يقول عالمي الرياضيات والفيزياء الملحدين (ستيفن هوكنغ Stephen Hawking) و(ليوناردو ملودينو Leonard Mlodinow):

يبدو أننا لسنا أكثر من آلات بيولوجية، وأن الإرادة الحُرَّة مُجرَّد وهم(4).

إذاً ليس في الإنسان شيء وراء المادة، فهو (آلة بيولوجية) تماماً ك(الروبوت) الذي صنعه الإنسان!

وليس للإنسان (إرادة حرّة).. إن ذلك وهم وخيال!

أما زميلهم في الإلحاد فيكتور ستينغر Victor Stenger (بروفيسور الفيزياء والفلك) فيحاول الإطاحة ببديهية وجود (الروح) في الإنسان: يقول في كتابه عن الله:

ترجح وفرة من الأدلة التجريبية اليوم أن العقل هو في الواقع مجرد ظاهرة سطحية لهذه المادة! فالمادة وحدها تبدو قادرة على إجراء كل الفعاليات التي كانت تنسب تقليدياً إلى الروح. والبيانات لا تطالب بأي عنصر روحي.

إن نتيجة أننا (نحن) مجرد أجساد وأدمغة مركبة من ذرات ولا شيء أكثر ربما يكون جديداً جداً، مقلقاً جداً مع التصورات الشائعة ليكون متضمنا في المعارف العامة.

ولكن لو كنا بالفعل نملك نفساً خالداً أو نفساً مادية ذات صفات خاصة لا يمكن أن توجد في المادة الجامدة، فيجدر بنا توقع أن نجد أدلة عليها(5).

ليعود ويخلص إلى النتيجة التالية:

بعد أكثر من قرن من المحاولات الفاشلة لإيجاد أدلة علمية مقنعة على النفس الخالدة غير المادية التي يبحث عنها المعظم، يبدو غير محتمل جداً أنها -والإله الذي يمدنا بهبة كهذه- موجودة! (6).

ويقول:

العمليات العقلية البشرية والحيوانية تبدو لنا كما يتوقع لو لم تكن هناك روح أو مركب غير مادي آخر(7).

ويقول:

لا يزال الدالاي لاما يعتقد بثنائية العقل والجسد التي لا يدعمها العلم! (8).

ويقول:

الحقيقة الظاهرة اليوم أن البشر هم بالفعل مكائن بيولوجية هي نتيجة للصدفة(9).

فلا نفس ولا روح ولا إرادة.. الإنسان آلة تماماً! وفوق ذلك.. بالصدفة!

لقد خالف في ذلك (الوجدان).. ومهما يكن تعريف العلماء للعلم فإن الوجدان من أقوى الأدلة عند عامة الناس، فإن سألت شخصاً ما الدليل أنك موجود؟ يقول لك الوجدان!

وقد أخرج هؤلاء الوجدان عن الاعتبار..

كأنهم يقولون للإنسان.. إن صرت شفافاً لا تُرى مثلاً ولم يتمكن العلم من إثبات وجودك بطريق ماديّ فلا يصح لك ان تعتقد أنك موجود، بل عليك حينها أن تنكر وجودك أصلاً!

فكيف لا (يتنفر) الناس من الملحدين وحال (العلماء) منهم كما ترى؟!

2. إنكارهم لوجود الأنبياء السابقين!

ودعواهم أن هذه شخصيات خيالية لا واقع لها..

ففضلاً عن إنكار أب البشر آدم وأمهم حواء.. وهو ما عرف عن جماعة منهم، ترقوا في ذلك لينكروا وجود إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء!

يقول فيكتور ستينغر Victor Stenger:

باختصار فإن قصص موسى وخلفائه المباشرين هي أساطير بالتأكيد، ففي ميدان العلم غياب الأدلة التي تتطلبها فرضية ما يشكل تخطئة لهذه الفرضية.

بعد موسى وإبراهيم (وهو على الأرجح شخصية أسطورية أيضاً) (10)..

وينقل عن وليام ديفر William Dever:

.. لم يظهر على الاطلاق أي دليل على موسى، أو بالفعل على وجود بني إسرائيل في مصر، وعلى الخروج والتيه في البرية(11)..

ويقول:

في اجتماع حديث في روما، أعلن عالم الآثار نيلز بيتر لمتشي أن البيانات الآثارية قد أكدت تماماً أن مملكة داود وسليمان لم توجد أبداً (12).

وقد أنكر الكثير من الملحدين وجود عيسى أصلاً، من (برونو باور Bruno Bauer) وغيره كما في قصة الحضارة، إلى كتب معاصرة ككتاب (يسوع في التاريخ والأسطورة) وغير ذلك من كتب الملحدين.

3. التحول من لا شيء إلى شيء دون فاعل أمر طبيعي!

يصل الامر عند هؤلاء الملحدين إلى التفوّه بما يجعل المؤمنين يشككون في القدرات العقلية لهؤلاء الملحدين بشكل واضح..

يقول ستينغر Stenger مثلاً:

هذا التحول من لا شيء إلى شيء هو أمر طبيعي ولا يتطلب أي فاعل! (13).

ليصل إلى ما هو أغرب وأعجب فيقول:

باختصار: فالحال الطبيعية للأشياء هي شيء بدلا من لا شيء. والكون الفارغ يتطلب تدخلا فوق طبيعي، وليس الكون المليء!

وبالعمل المستمر وحده لفاعل خارج الكون مثل الله يمكن لحالة من العدم أن تدوم!

وحقيقة أن لدينا شيئاً هي بالضبط ما نتوقعه لو لم يكن الله موجوداً! (14).

 لقد جعل الليل نهاراً والنهار ليلاً! إذ صار عنده وجود الاشياء في الكون لا يتطلب وجود الخالق لهذه الاشياء! وعدم وجودها يتطلب خالقاً!

انه انهيار كامل في المنظومة العقلية والعلمية..

كأننا نقول:

لو كان ستينغر موجوداً فلن يكون له كتاب.. لكن لو كان ستينغر غير موجود وغير حقيقي فإننا سنرى كتابه!

وهكذا تصبح كل الأفعال متوقفة على عدم وجود الفاعل لها!

إذاً من الطبيعي جداً أن يتحول هؤلاء الملحدون المنكرون لأوضح الحقائق إلى حالات غير سوية في المجتمع، يتم نبذهم شيئاً فشيئاً.. فبعد إنكارهم لله تعالى وللآخرة أنكروا النفس والروح والإرادة والأنبياء والقواعد العقلية والمنطقية!!

وكيف يثق الإنسان بموضوعيتهم وبالنتائج التي يتوصلون إليها وهم يصفون أغلب الباحثين بقولهم:

معظم الباحثين يبدؤون على أمل القيام باكتشاف ذي أهمية سيعود عليهم بالمال والشهرة. وكثيراً ما يكونون متقاعسين بالطبع عن تقبل النتائج السلبية التي تتصف بها في العادة معظم البحوث.

قد يتجه الباحثون لهذا الى تنقيب البيانات مستمرين في البحث إلى أن يقنعوا أنفسهم بأنهم قد وجدوا ما كانوا يبحثون عنه(15).

إن ما يتحدث عنه ستينغر هو عين ما أصاب الملحدين.. فقد تقدّمت في مقالات سابقة تصريحاتهم بأنهم (يفضلون) كوناً لا إله فيه، فلَووا عنق العلم وأقنعوا أنفسهم بأنهم وجدوا الإلحاد في العلم، (متقاعسين بالطبع) كما يقول ستينغر عن تقبل النتائج التي يؤدي إليها كل علم وهو وجود خالق لكل مخلوق..

فضلاً عن أنه يمكن أن يكون هؤلاء أنفسهم ممن يسعى وراء (المال والشهرة) كما يقول، وأنّهم يروجون لكتبهم بقوة في الشرق والغرب من أجل الفائدة المادية او الشهرة وحب الظهور..

وما زاد الطين بلّة هو سوء الخلق الشديد عند هؤلاء.. وهبوط مستوى الخطاب عندهم بشكل هائل..

يقول مُنَظِّرُهم الأول في عصرنا ريتشارد دوكنز Richard Dawkins:

أنا لا أهاجم نوع معين من الآلهة، أنا أهاجم الله، كل الآلهة، أي نوع من الآلهة، كل ما هو خارق وماورائي أينما وحيثما وجد أو سيوجد(16).

ثم ينقل سخريتهم اللاذعة من الأديان مؤيداً زميله في الإلحاد عالم الأعصاب الأمريكي سام هاريس Sam Harris فيقول:

لم يكن سام هاريس مبالغاً في سخريته عندما كتب في نهاية الإيمان: .. لا أريد أن أقول بأن المتدينين مجانين، لكن معتقداتهم هي الجنون بعينه(17).

فماذا يُتوقع ممن أنكر الخالق والوجدان والمسلمات التاريخية والقواعد العقلية والمنطقية؟

أيتوقع الملحدون من المجتمعات البشرية شيئاً سوى أن تجعلهم في أدنى قائمة (المنبوذين) اجتماعياً بعد أن نبذوا أنفسهم فكرياً؟!

 


(1) نشر هذا المقال في العاشر من صفر 1439 للهجرة.

(2) الحجرات 13.

(3)  كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص187-188.

(4) التصميم العظيم ص44.

(5) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص86.

(6) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص104.

(7) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص105.

(8) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص239.

(9) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص226.

(10) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص182.

(11) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص181.

(12) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص183.

(13) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص129.

(14) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص130.

(15) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص30.

(16) وهم الإله ص38.

(17) وهم الإله ص90.


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=32
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5