• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : الكتب والمؤلفات .
              • القسم الفرعي : الإلحاد في مهب الريح .
                    • الموضوع : مقال8: الملحد عدو نفسه .

مقال8: الملحد عدو نفسه

مقال8: الملحد عدو نفسه

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: أَعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْك(2).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: مَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ وَيَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَة.. لَا يَنْزَجِرُ مِنَ الله بِزَاجِرٍ وَلَا يَتَّعِظُ مِنْهُ بِوَاعِظٍ(3)..

لقد عشق الملحدُ الإلحادَ فأمرَض قلبه، لذا تراه في كلّ وادٍ يهيم.. يتخبط خبط عشواء، ولا يهتدي للحق سبيلاً..

فتارةً يعترف أن قوانين الكون (دقيقة وعظيمة) وتارة أخرى ينفي أن يكون لها (صانع عظيم)!

فيما يلي جملة من كلمات رموز الإلحاد التي تبيّن مقدار التناقض، الذي أوصلهم إليه حُبُّ الإلحاد فأعشى بصر بعضهم وأعمى عيونهم حتى لم تعد تنفعهم المواعظ..

أولاً: دقة نظام الكون بلا خالق!

هذه كلمات جملة من الملحدين كـ(ستيفن هوكنغ Stephen Hawking) و(ليوناردو ملودينو Leonard Mlodinow) في كتابهما: التصميم العظيم، والفيزيائي (فيكتور ستينغر Victor Stenger) في كتابه: الله.. الفرضية الفاشلة! واللا أدري (برايان غرين Brian Greene) في كتابه: الكون الأنيق:

1. يمكن فهم الكون لأنه محكوم بقوانين علمية(4)..

2. إن نظامنا الشمسي لديه خصائص أخرى (محظوظة) لم يكن من الممكن أن تتطور اشكال الحياة المعقدة من دونها(5)..

3. إذا كانت كتلة شمسنا أقل أو أكثر من 20 %، فإن الارض ستكون أبرد من المريخ أو أسخن من الزهرة(6).

4. معظم الثوابت الأساسية في نظرياتنا تبدو مضبوطة بدقة، بمعنى أنها لو ُعدِّلت بمقادير بسيطة فإن الكون سيختلف كيفياً، وسيكون في حالات عديدة غير ملائم لتطور الحياة(7).

5. تُكّوِّنُ قوانين الطبيعة نظاماً منضبطاً بدقة فائقة... وإن لم توجد تلك السلسلة من التوافقات المذهلة لتفاصيل القانون الفيزيائي الدقيقة، فسيبدو أنه لن يظهر أبداً لا البشر ولا أشكال الحياة المماثلة إلى الوجود(8).

6. من الواضح أن المعاملات الفيزيائية لبيئتنا لو كانت مختلفة قليلاً لما كانت الحياة كما نعرفها على الأرض قد تطورت(9).

7. سيصبح العالم مكاناً مختلفاً جداً إذا تغيرت خواص المادة وجسيمات القوى ولو تغيراً طفيفاً(10).

هذه 7 نماذج من كلماتٍ كثيرةٍ لهؤلاء يؤكدون فيها على أن تغييراً طفيفاً في نظام الكون الأساسي يؤثر على أشكال الحياة كلها ولن يكون هناك مجال لوجود البشر ولا أي حياة في الوجود!

ويقر بهذا أغلب علماء العصر بمن فيهم الملحدون واللا أدريون الآخرون..

وهذا ما يستوجب على العقلاء التفكير ملياً، إذ من الطبيعي أن تؤدي هذه الأقوال إلى الاعتقاد بوجود خالق عظيم لهذا الكون الدقيق..

ولا يجد العاقل بداً من الاعتقاد بالإله بعدما يرى هذه الدقة المتناهية في نفس الإنسان وفي الكون الفسيح..

وإذا ما احتججت بذلك على الملحدين فلا يمكنهم إنكار أن كل الدلائل تشير إلى الخالق، فيصرح هوكنغ Hawking وملودينو Mlodinow بقولهما:

يبدو أن كوننا وقوانينه كليهما مصَّممان على يد خياط ماهر لدعم وجودنا(11)..

لكنهما سرعان ما يبادرا إلى نقض هذه الكلمات الذهبية التي أقرا بها، ونفي ذلك عند الحديث عن أن الله هو الخالق فيقولان:

ليست تلك هي إجابة العلم الحديث(12)!

وإن سألتهما لماذا؟

سينفيا أن يكون الكون مصمماً ليلائم الجنس البشري!

ويقولا:

إن كوننا (قد) يكون واحداً من عدّة أكوان، لكل منها قوانين مختلفة(13)!

وبالتالي يرجع الأمر (بحسبهم) للصدفة لا للمصمم الماهر! رغم كل هذه الدقة العجيبة.

إذاً قد جعلا احتمال وجود أكوان أخرى لها قوانينها المختلفة سبباً لإنكار دليل الخلق!!

والحال أنه على فرض وجود الاكوان المختلفة التي تتعدد قوانينها، فينبغي ان يكون ذلك مؤيدا لأدلة وجود الله تعالى، فإنه يدل على عظمة الله تعالى حيث خلق أكواناً مختلفة لكل منها قانونها الخاص الذي يتكيف معها.

إن كلامهم يشبه قول الطفل: الجمع بين الرقمين 1+1=2 هو حساب صحيح إن لم يوجد في الدنيا أي حساب غيره!

لكن إن وجد جمعٌ آخر مثل 2+2=4 فإن الجمع الأول 1+1=2 سيكون خاطئاً!!

إن احتمال تعدد الأكوان أو الجزم بوجودها لا يكون نافياً لكل الدقة الموجودة في الكون، فإن كانت الدقة مُسَلَّمة في كونٍ واحد لن يكون بإمكاننا نفيها إن أثبتنا أكواناً أخرى! وستكون هي طريقاً آخر لإثبات الخالق.

مجدداً.. السبب في هذا التهافت.. أن الملحد عدو نفسه!

ثانياً: من أوجد قوانين الكون؟

بعد أن يسلم الملحد بأن خلق الكون لا بدّ أن يكون وفق قوانين خاصة، كما يقول الملحدان هوكينغ وملودينو:

كيف يتم خلق مجمل الكون من لا شيء؟ لهذا يجب أن يكون هناك قانون كقانون الجاذبية(14)..

تكاد تتصور أنهما قد اهتديا إلى مَن سنّ هذه القوانين، إلا أنهما يفاجئانك بالقول أن:

بداية الكون كانت محكومة بقوانين العلم، وأن الكون ليس بحاجة للانطلاق بمعرفة إله ما(15)!!..

ولا ينقضي تعجبك إن سألتهم كيف ينبغي ان تكون البداية محكومة للقوانين ولا تكون القوانين بحاجة إلى إله؟!

يزداد تمسّكهم بالتناقض في قولهم أنّ (مجمل الكون) يمكنه أن يظهر من (لا شيء) لكن (النجوم) وسائر الأجسام لا يمكنها ذلك؟!

أي منطق وعلم يمكن استفادته من هذه الكلمات؟!

ففي كتابهما:

أجسامٌ مثل النجوم أو الثقوب السوداء لا تستطيع الظهور وحسب من لا شيء. لكنّ مجمل الكون يمكنه ذلك...

لا توجد قيود على خلق مجمل الكون. لأن هناك قانوناً مثل الجاذبية، فإن الكون يمكنه أن يخلق نفسه من لا شيء...

ليس من الضروري أن نستحضر إلهاً لإشعال فتيل الخلق ولضبط استمرار الكون(16).

ولا يتمكن هؤلاء من تفسير ظهور الكون الذي نعيش فيه بسبب وجود قانون الجاذبية، وعدم ظهور أكوان جديدة تنطلق من الكرة الأرضية كل يوم طالما أن قانون الجاذبية لا يزال محفوظاً على الأرض..

يحاول بروفيسور الفيزياء والفلك فيكتور ستينغر Victor Stenger التخلص من هذا الإشكال بطريقة أكثر غرابة.. يقول:

فمن أين أتت قوانين الفيزياء؟ ... لا يوجد سبب يمنع قوانين الفيزياء من أن تنشأ من داخل الكون نفسه! (17).

مغالاة ستينغر في الإلحاد أوقعته في التناقض الواضح:

1. إذا كان الكون بحاجة إلى قوانين الفيزياء ليوجد.

2. وقوانين الفيزياء ستنشأ من داخل الكون نفسه.

فتوقف الكون على وجود القوانين، وتوقفت القوانين على وجود الكون!

وتَوَقُّفُ الشيء على نفسه مستحيل عند كافة أهل المنطق والعقل.. لكن من يدري.. لعل ستينغر Stenger يلتزم بامكان حصول المستحيل كما بإمكان اجتماع النقيضين!

الدجاجة تنتظر البيضة.. والبيضة تنتظر الدجاجة! والبيضة والدجاجة موجودتان!

فلا بدّ من وجود الدجاجة أولاً، أو البيضة أولاً، فإن كان وجود الدجاجة متوقفٌ على وجود البيضة، ووجود البيضة متوقف على وجود الدجاجة، ولم يوجد أحدهما قبل الآخر، لم نكن لنرى دجاجاً ولا بيضاً أبداً، ولكننا لما رأينا الدجاج والبيض علمنا أن أحدهما قد تقدّم في الوجود على الآخر.

وفي حالتنا كذلك، وجود الكون متوقف على وجود القوانين، ووجود القوانين متوقف على وجود الكون، ولم يوجد أحدهما قبل الآخر، النتيجة أننا لن نرى كوناً أبداً، ولكننا نعيش في الكون فعلاً، فواحدة من المقدمتين باطلة، ولا بدّ من موجد لهذه القوانين وإلا لم تكن القوانين قد وجدت ولا الكون. وليس الخالق إلا ربّنا عزّ وجل.

يحاول ستينغر Stenger الدفاع عن فكرته بالقول:

إن أكثر قوانين الفيزياء أساسية ليست تقييدات لسلوك المادة. بل هي تقييدات للطريقة التي قد يفسر بها الفيزيائيون هذا السلوك(18).

فيخلط بين (القانون) وبين (تفسير القانون)، ليزعم أن (أكثر) القوانين هي تفسيرات للظواهر الموجودة وليست قوانين فعلاً.

لكن..

إذا كانت قوانين الفيزياء هي مجرد (تفسير لسلوك المادة)، فإننا ننقل الكلام لـ(سلوك المادة) نفسه وفق نظام معين، وهذا هو القانون الذي كان لا بدّ منه بحسب هؤلاء العلماء.

فالجاذبية مثلاً تفسر سقوط الاجسام، ولكن كلامنا ليس عن (تفسير السقوط) إنما الكلام في السقوط نفسه، فالتفسير لا يكون سبباً في السقوط إنما يكون شرحاً وتوضيحاً للجاذبية.

لكن من الذي أوجد (حقيقة الجاذبية) و(سلوك المادة) في سقوطها؟

هناك حقيقة وهي أن الجاذبية موجودة والاجسام تسقط الى الارض. وهذه لا تتغير مهما كان (القانون الفيزيائي).

فمن أوجد هذه الجاذبية؟

فإذا نقلنا الكلام الى (سلوكيات المادة) نفسها، وليُسَمِّها ستينغر بما شاء، إذ عليه أن يخبرنا كيف تخرج من الكون الذي توقف وجوده عليها؟!

وكيف للإنفجار الكوني أن يولد الكون دون أن يكون محكوماً لـ(سلوكيات المادة) التي تولد منها الانفجار؟

كأنه يقول بعبارة أخرى: قانون الجمع يفسر لنا كيف يكون 1+1=2 وهذا القانون بشري.

فنقول له: نعم (تفسير) كيفية كون 1+1=2 أمر بشري، لكن نفس كون النتيجة 2 هي أمر تكويني واقعي خارجي، لا دخل لنا به، إنما قد يكون لنا دخل في تفسيره.

فيرجع الأمر لا محالة إلى الدور وإلى توقف الشيء على نفسه.. ولا نجد من الملحدين إلا (تلاعباً بالألفاظ) لا يسمن ولا يغني من جوع.

يحاول ستينغر الدفاع عن كلماته بما يخالف فيه سائر علماء الفيزياء..

فيقول:

نحن عادة ما نفكر في قوانين الفيزياء كجزء من تركيب الكون. ولكني أجادل هنا بأن قوانين الحفظ الثلاثة الكبرى ليست جزءاً من أي تركيب. بل إنها تنبع من انعدام التركيب ذاته في أول لحظة.

لا شك أن هذه الفكرة صعبة الفهم. وآرائي في هذا الموضوع بالذات لا يتقبلها إجماع الفيزيائيين(19)..

كيف يريد الملحدون الذين يتمسكون بما يسمونه (العلم الحديث) منا أن نترك (يقيننا) بديننا لأجل كلمات يرددها عالم فيزياء ملحدٍ فاقد للإنصاف والموضوعية، وهو مقرٌّ بأنها (آراء خاصة) لا يقبلها (إجماع الفيزيائيين)!

إن ستينغر Stenger يبقى عاجزاً عن تفسير كيفية تحول (انعدام التركيب) أي العشوائية التي يتحدثون عنها في انطلاق الكون إلى (سلوكيات منتظمة) نراها كل يوم في الكون يؤدي أيّ اختلال فيها إلى خراب هائل لا يمكن توقعه..

لقد زعموا كابن ابي العوجاء أن ليس من آثار تدل على الله تعالى.. حيث روى الكليني قوله للإمام الصادق (عليه السلام):

مَا مَنَعَهُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ (من الإيمان بالله والمعاد..) أَنْ يَظْهَرَ لِخَلْقِهِ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ حَتَّى لَا يَخْتَلِفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ؟

وَلِمَ احْتَجَبَ عَنْهُمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ وَلَوْ بَاشَرَهُمْ بِنَفْسِهِ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ؟

قَالَ لِي (عليه السلام): وَيْلَكَ وَكَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِي نَفْسِكَ؟

1. نُشُوءَكَ وَلَمْ تَكُنْ.

2. وَكِبَرَكَ بَعْدَ صِغَرِكَ.

3. وَقُوَّتَكَ بَعْدَ ضَعْفِكَ.

4. وَضَعْفَكَ بَعْدَ قُوَّتِكَ.

5. وَسُقْمَكَ بَعْدَ صِحَّتِكَ.

6. وَصِحَّتَكَ بَعْدَ سُقْمِكَ(20)..

ولعلّ أفضل ما توصف به كلمات كلّ واحد من هؤلاء الملحدين هو عبارة أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما نهى عن مؤاخاة بعض أصناف الناس.. ومنهم من كان: سُكُوتُهُ خَيْرٌ مِنْ نُطْقِه‏(21).

 


(1) نشر هذا المقال في الخامس والعشرين من صفر 1439 للهجرة.

(2) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام‏ ج1 ص59.

(3) نهج البلاغة (للصبحي صالح) ص160.

(4) التصميم العظيم ص109.

(5) التصميم العظيم ص180.

(6) التصميم العظيم ص183.

(7) التصميم العظيم ص192.

(8) التصميم العظيم ص194.

(9) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص141.

(10) الكون الأنيق ص28.

(11) التصميم العظيم ص195.

(12) التصميم العظيم ص197.

(13) التصميم العظيم ص197.

(14) التصميم العظيم ص215.

(15) التصميم العظيم ص165.

(16) التصميم العظيم ص216.

(17) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص125.

(18) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص126.

(19) كتاب: الله.. الفرضية الفاشلة! ص127.

(20) الكافي ج1 ص75.

(21) الكافي ج2 ص376


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=31
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5