• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
              • القسم الفرعي : الإمام عين الحياة .
                    • الموضوع : 206. عرفاءٌ حُسَّاد! للإمام وشيعته! .

206. عرفاءٌ حُسَّاد! للإمام وشيعته!

بسم الله الرحمن الرحيم

قال إمام البيان والكلمة، مولى الموحدين، وسيد العابدين في نهجه الشريف قولاً يستحق أن يُكتب بماء الذهب:

زُهْدُكَ فِي رَاغِبٍ فِيكَ نُقْصَانُ حَظٍّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِدٍ فِيكَ ذُلُّ نَفْس‏.

كلماتٌ واضحةٌ، عميقة الدلالة، كثيرة الأبعاد، تكشف عن نقصان حظّ الإنسان إذا زهد فيمن رغب فيه، وعن ذُلِّ نفسه إن رغب فيمن زهد فيه.

وههنا لقائل أن يخاطب الإمامية فيقول:

إذا كان هذا كلامُ إمامكم أيُّها الشيعة، فما بالكم تزهدون فيمن رَغب فيكم؟ وهم فِئامٌ من الناس يسمّون بالصوفية والعرفاء؟!

ما بالكم أيها الشيعة صرتم قديماً وحديثاً أشدَّ الناس خلافاً مع المتصوِّفة؟ وهم محبون لآل محمد عليهم السلام، قد اتخذوهم أئمةً وقادةً وقدوة.

لماذا تخالفون قول إمامكم فتزهدون فيمن رغب فيكم؟ فينقص حظكم في الدنيا والآخرة.. وتخسرون صديقاً في الدنيا، ومعيناً على نيل الآخرة وبلوغ درجاتها العليا؟

أليس الأجدى هو فتح أبوابكم المقفلة بوجههم؟ والكفّ عن طرق أبواب الخلاف معهم؟

هي أسئلةٌ افتراضيةٌ قد تبتني على حديث الإمام عليه السلام، إمام الحديث، لطالما سمعنا ما يشبهها.. وليس يمكن الإجابة عليها إلا بالتمييز حقيقةً بين هاتين الفئتين اللتين ذكرهما الإمام، الراغبة فينا والزاهدة.

ونحن ننقل السؤال للقائل فنقول:

مَن قال أنّ هؤلاء راغبون فينا؟ أليس هؤلاء ممن زهد بنا وبأئمتنا عقيدةً وسلوكاً؟!

أليس هؤلاء من أصحاب الشبهات التي يؤخذ مِنها ضِغثٌ فيمزج مع الحق ويُبَثُّ إلى الناس فيستولي الشيطان على أهله منهم؟

وإن كان كذلك، وكان المؤمن عزيز النفس لقول الله تعالى: ﴿ولله العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾، ولم يكن المؤمن مفوَّضاً أن يذلّ نفسه كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ فَوَّضَ إِلَى المُؤْمِنِ أُمُورَهُ كُلَّهَا، وَلَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِيلا (الكافي ج5 ص63).

وإذا كانت الرغبة فيهم ذلّ نفس، أفلا يكون تكليف الشيعة هو الحذر منهم والزهد فيهم؟! وإن فتح الشيعة أبوابهم كما يفعلون لكلِّ مَن طرقها طمعاً في هدايته وإرشاده، إلا أنهم يحذرون منه على دينهم.

إذا كان الأمر كذلك.. فنحن إذاً أمام رؤيتين مختلفتين تماماً، بل متناقضتين:

الأولى: ترى في المتصوِّفة وعرفائهم من يستحق المودة والتولي لكونهم من أهل الحق، بل أنهم مِن طرق المعرفة لله تعالى، والتقرُّب للأئمة المعصومين عليهم السلام، فمنهم تؤتى أبواب الكشف والشهود.

والثانية: ترى أنهم من أهل التلبيس، أتباع إبليس، مع أنهم يُظهِرون المودة لآل محمد عليهم السلام.

وهذان القولان متباينان لا يكادان يجتمعان.. فهل من كلمة حقٍّ تكون الفيصل في ذلك؟! وهل من رُكنٍ وثيق يُلجأ إليه في رفع غائلة الاختلاف هذه؟!

ألم يترك الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله والمعصومون عليهم السلام لنا طريقا لحلّ هذا الاختلاف؟ أم تركونا والعياذ بالله نتخبط وما من طريق نسلكه ولا باب نقرعه يوصلنا ويأخذ بيدنا الى طريق الهداية؟

وإنما نقول هذا: لأن الشيعة هم أتباع الثقلين، ولأن في الثقل الأكبر كلاماً عظيماً نصه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات6).

فصار الشيعة من أوّل أيامهم أهل التَثَبُّت والتحقُّق والتبيُّن، وإنما يحصل ذلك بالنظر في كلمات القوم وفي كلمات المعصومين عليهم السلام، أي في مواقف الطرفين، وهذه جولةٌ مع أئمة العرفاء الصوفية لنرى موقفهم من شيعة آل محمد، ثم لنرى موقفهم من آل محمد عليهم السلام، عَلَّ النزاع يرتفع، بعدما تبيّن أن الأئمة هم المحسودون في كتاب الله، وأنّ مِن حُسَّادِهِم من هو مخالفٌ، ومنهم مؤالفٌ في الظاهر.

1. موقف المتصوفة والعرفاء من الشيعة

لِزاعمٍ أن يزعم أن كثيراً من المتصوفة يدّعون حبّ آل محمد عليهم السلام.

ولمّا يجاب:

ألا ينبغي لمن أحب محمداً وآله عليهم السلام أن يُحبَّ شيعتَهم وأتباعهم وأحبابهم؟! فلماذا يزعم هؤلاء المودة والمحبة ثم يطعنون في شيعتهم ومحبيهم!

يقول:

ما الدليل على ذلك؟ ومن أين جئتم بهذه الادّعاءات؟

فنقول:

هذه بعض كلمات أكابرهم! ونحن لا نأخذ الجميع بجريرة البعض، لكنّ قول جملةٍ من الأئمة في كلّ مذهبٍ وفنٍّ يكشف الكثير من معتقداته..

الشبلي

الشبليُّ رَمز من أكابر رموز التصوف، ولهم في الثناء عليه كلامٌ عجيب، وله في ذَمِّ الشيعة ما هو أعجَب!

نُقل عنه في تذكرة الأولياء ما نصُّه:

ليس في فرق أهل الملل والنِّحَل طائفةٌ أخسُّ ولا أنزل وأذلُّ وأحقرُ من الروافض والخوارج! (تذكرة الأولياء ص542).

ثمّ عدّ الروافض ممّن: يضيّعون أعمارهم، ويصرفون أوقاتهم في الخلق، غافلين عن الحقّ، ومع هذا فهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً (تذكرة الأولياء ص543).

لم يذهب الروافض الشيعة إلى عقيدة المتصوفة في وحدة الوجود، فزعم هو وأمثاله أن الشيعة غافلين عن الله تعالى، وأنّهم أخسّ وأنذل وأحقر مَن عليها!

ابن عربي: وذم الشيعة

أمّا إمامهم الأكبر ابن عربي، فإنّ له كلاماً شهيراً يُشَبِّهُ فيه الشيعة بالخنازير! ويزعم دخول شياطين الجن عليهم بحب أهل البيت!

يقول: وأكثر ما ظهر ذلك في الشيعة ولا سيما في الإمامية منهم، فدخلت عليهم شياطين الجن أولاً بحب أهل البيت واستفراغ الحب فيهم.. (الفتوحات المكية ج1 ص282).

ويتحدث عن حقيقة صورة الشيعة عند الكشف فيقول: فإن الله كشف له عن بواطنهما في صورة خنازير! وهي العلامة التي جعل الله له في أهل هذا المذهب! (الفتوحات المكية ج2 ص8).

فهذا إمام المتصوِّفة الأكبر يعتقد أن علامة الشيعة هي ظهور بواطنهم بصورة الخنازير! فلا عجب أن يكونوا أخسَّ مَن عليها! وهو الذي يرفعه المتصوِّفة إلى ما يقرب من مرتبة النبوة!

وقد روينا عن إمامنا الصادق عليه السلام قوله:

لَيْسَ النَّاصِبُ مَنْ نَصَبَ لَنَا أَهْلَ البَيْتِ، لِأَنَّكَ لَمْ تَجِدْ رَجُلًا يَقُولُ أَنَا النَّاصِبُ (أُبْغِضُ‏) مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ، وَلَكِنَّ النَّاصِبَ مَنْ نَصَبَ لَكُمْ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَتَوَالَوْنَا وَأَنَّكُمْ مِنْ شِيعَتِنَا (ثواب الأعمال ص207).

فالناصبُ العداء للشيعة مُنزَّلٌ في الرواية منزلة الناصب لهم عليهم السلام، وإن لم يكن حكمه في الدنيا كالناصب العداء لهم، لكنَّه في الآخرة من أهل العذاب..

وإن فتّشت عن السبب، وجدت في هؤلاء حِقداً دفيناً يعجزون عن إخراجه، وموقفاً قلبياً من المعصومين، يظهر في طيّات كلماتهم، وإنّما أبغضوا الشيعة لأنهم أهل الحق، وقد قال الصادق عليه السلام للشيعة: نَظَرْتُمْ حَيْثُ نَظَرَ الله، وَاخْتَرْتُمْ حَيْثُ اخْتَارَ الله، وَأَحْبَبْتُمُونَا وَأَبْغَضَنَا النَّاسُ، وَوَصَلْتُمُونَا وَقَطَعَنَا النَّاسُ، أَنْتُمْ- وَالله- شِيعَتُنَا، وَأَنْتُمْ شِيعَةُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ (الأصول الستة عشر ص246).

هذا كلام الصادق في مدح الشيعة الذين اختاروا ما اختار الله، وهذا كلام إمام المتصوِّفة، يزعم فيه أن الشيعة في صورة الخنازير! وهذا مصداقٌ من مصاديق الردّ على الإمام، فهؤلاء هم الرادون على الله ورسوله وإمامه.

2. حسدهم للمعصومين

لقائلٍ آخر أن يقول ههنا:

لماذا زعم الشيعة أن عرفاء المتصوفة حسادٌ لآل محمد وهم يُظهرون حبّهم؟ وما تبرُّؤهم من الشيعة إلا موقفٌ مذهبيٌّ لا يكشف عن عداوة مع آل محمد عليهم السلام.

فنقول:

لا ريب في أنّ معاوية كان من حُسَّاد عليٍّ عليه السلام، وقد صرّح أمير المؤمنين عليه السلام بذلك في رسالته له حينما قال: نَحْنُ آلُ إِبْرَاهِيمَ المَحْسُودُونَ، وَأَنْتَ الحَاسِدُ لَنَا.

فهل كان حسد معاوية حالة نفسانية فقط؟ أم أنّها تجلّت وظهرت في سلوكه، فكانت كاشفةً عن هذا الحسد؟

إنَّ من علامات حسد معاوية هو طمسه لفضائل أمير المؤمنين، واختراعه فضائل تقابلها لمخالفيه، فقد روى ابن ابي الحديد عن معاوية أنه:

كتب إلى عماله: .. إذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقضٍ له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليّ، وأقرّ لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته (شرح نهج البلاغة ج‏11 ص45).

فما أراد أن يتركَ معاويةُ فضيلةً مختصّةً بأمير المؤمنين عليه السلام، وقد سعى في نشر الأخبار المكذوبة حتى تطبق شهرتها الآفاق، فما من فضيلةٍ لعليٍّ إلا وقد شاركه فيها غيره لكثرة الكذب.

هذه واحدةٌ من أهمّ علامات الحسد عند معاوية، وقد اشترك معه فيها المتصوِّفة والعرفاء!

ما سار هؤلاء على طريق النور التي انتهجها الآل الأطهار، بل على طريق معاوية في اختراع الفضائل لغير المعصومين، ثم الانتقاص من مكانة الأطهار!

من هنا يُعلم أنّهم من أهل المودة فعلاً أم من أهل الحسد والنفاق والشقاق.

فههنا مبحثان:

الأول: موقفهم من فضائل الآخرين.

الثاني: موقفهم من فضائل آل محمد.

أ. اختراع الفضائل لغير المعصومين

 أولاً: زعموا ثبوت مقام النبوة لأئمتهم

لقد قَضَّ مضجع رموز المتصوِّفة أن يكون محمدٌ صلى الله عليه وآله مختصاً بالفضل من الله تعالى، ومن بعده عترته الطاهرة.. فبدؤوا بالنبوة..

يقول ابن عربيّ، الذي يُطبِقُ جلّ المتصوفة لولا كلّهم على تنزيل كلماته منزلة القرآن الكريم، ويعتقدون بعصمته، يقول:

إنّ النبوة التي انقطعت بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي نبوّة التشريع لا مقامها، فلا شرع يكون ناسخاً لشرعه صلى الله عليه وسلم.. وهذا معنى‏ قوله صلى الله عليه وسلم: إن الرسالة والنبوّة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي، أي لا نبيّ بعدي يكون على شرعٍ يخالف شرعي، بل إذا كان يكون تحت حكم شريعتي! ولا رسول: أي لا رسول بعدي إلى أحد من خلق الله بشرعٍ يدعوهم إليه، فهذا هو الذي انقطع وسُدَّ بابه لا مقام النبوة (الفتوحات المكية ج‏2 ص3).

هي نبوَّةٌ تحت نبوة النبي صلى الله عليه واله، ولا تنافيها بزعمه، وبعدما اعتقد بإمكانها هنا عاد وصرَّح بثبوتها ووقوعها فقال: ان الله تعالى لطف بعباده، فأبقى لهم النبوة العامة، التي لا تشريع فيها (كتاب المعرفة ص54).

فلم يتحمّل هؤلاء اختصاص النبي صلى الله عليه وآله بصفة خاتم الأنبياء، فزعموا أنهم أنبياء أيضاً، ولكن لما كان القول بنبوة نبيٍّ غير نبينا صلى الله عليه وآله خروجاً عن الإسلام، زعموا أنها نبوَّة عامة في قبال نبوته الخاصة!

ثانياً: زعموا ثبوت مقام الإمام لأئمتهم

يزعم ابن عربي أن أبا بكر وعمر كانا وزيرا رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته، ولما توفي أخذ أبو بكر منصب النبي! وأضيف وزيرٌ آخر مع عمر اليه! ولا يزال هذا هو الحال الى يوم القيامة، فقطب الدنيا اليوم هو أبو بكر ابن ابي قحافة!!

أما مكانة القطب أبي بكر عنده فيقول فيها:

فأمّا القطب.. فهو المنعوت بجميع الأسماء تخلُّقا وتحقُّقاً، وهو مرآة الحق ومَجلى النُّعوت المقدسة، ومجلى المظاهر الإلهية، وصاحب الوقت، وعين الزمان، وسرّ القدر، وله علم دهر الدهور.. لا تعتريه شبهةٌ، ولا يخطر له خاطرٌ يناقض مقامه (الفتوحات المكية ج2 ص573).

ويزعم أنَّ الوزير إمامٌ فيقول:

ولهذا الإمام الشدّة والقهر، وله التصرف بجميع الأسماء الإلهيّة التي تستدعي الكون مثل الخالق والرازق والملك والبارئ على بعض وجوهه!

ثم يزعم ابن عربيٍّ هذا أن أبا بكرٍ كان أعرف الناس برسول الله صلى الله عليه وآله، فيقول: وعلم أنَّ الله تعالى قد نعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه وهو كان أعلم الناس به! (الفتوحات المكية ج1 ص181).

وينسب للنبي (ص) قوله: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً (الفتوحات المكية ج2 ص22).

أبو بكر هذا وصاحبه عمر، مِن أبرز غُصّاب الخلافة، المعتدين على الإمامة، السالبين حقَّ علي ابن أبي طالب، المقتحمين لبيت الزهراء، والمسقطين جنينها، والمحرفين لكلام الله، هؤلاء صاروا أقرب الناس للنبي صلى الله عليه واله!

هكذا يرى إمام المتصوِّفة!

ولما كَبُرَ على المتصوِّفة أن يكون عليٌّ عليه السلام قد نشأ في حجر الرسول (ص) نسب إمامهم العزّ بن عبد السلام هذه المنقبة للقوم أيضاً فقال:

وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما كان طفلاً في حجر تربية النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يلقمه مما كان يلقمه من لقم الغيب بواسطة قوله: ما صب الله فى صدري شيئاً إلا صببته في صدر أبي بكر! (حل الرموز ومفاتيح الكنوز ص165).

ثالثاً: زعموا أن لهم كتباً كالقرآن الكريم

ثم انهم لم يكتفوا بذلك، فزعموا أنّ لهم كتباً تضاهي القران الكريم، كفصوص الحكم: كتاب ابن عربي، ويزعم المتصوفة والعرفاء ذلك حتى لو كانوا شيعة! يقول السيد حيدر الآملي حول كتاب فصوص الحكم:

هو منسوبٌ الى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأعطاه للشيخ الكامل المكمّل، محيي الحق والملة والدين، أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن محمّد، المغربي الأندلسي الحاتمي الطائي- قدس الله سرّه- في النوم! (المقدمات من كتاب نص النصوص‏ ص12).

ويصفه بأنه: جامعٌ لأعظم الأسرار الإلهية، وأشرف الحقائق الربانية! (المقدمات من كتاب نص النصوص‏ ص32).

ويقول:

انّ الكتاب النازل عليه، الذي هو القرآن، أعظم كتب الله السماوية وأشرفها، وأنّ الكتاب الصادر منه، الذي هو الفصوص، أشرف الكتب المنسوبة الى الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين‏! (المقدمات من كتاب نص النصوص‏ ص43).

أيُّ دينٍ هذا يوضع فيه كتاب الفصوص لابن عربي الذي يتضمن الكفر وتقديم المنافقين جنباً إلى جنب كتاب الله! ويصبح أشرف الكتب المنسوبة الى الانبياء والرسل!

هذه عقيدة من يتلبس من المتصوفة بالتشيع أيضاً، حيث يعتقد الآملي بأنّ من أنكر نسبة كتاب الفصوص للنبي فهو متابعٌ للشيطان مطيع له!

رابعاً: زعموا أن لأئمتهم علوم المعصومين

ما اكتفوا بذلك، بل زعم هؤلاء أن لأئمتهم علوم المعصومين، ففي عوارف المعارف:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق أبي بكر رضى الله عنه: (من أراد أن ينظر إلى ميتٍ يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى أبي بكر) إشارة منه عليه الصلاة والسلام إلى ما كوشف به من صريح العلم‏! (عوارف المعارف ج2 ص602).

أما روزبهان الشيرازي‏ فإنّه ينسب حديثاً للنبي (ص) يزعم فيه أن أبا بكر من الصفوة أصحاب العلوم الإلهية اللدنية السرّية النوريّة الملكوتية! وممن سكر وصحى في لقاء سبحات ذات الله! حتى صار مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْراتِ﴾ (الأنبياء73).

وما أكثر اختراعهم للفضائل مقابل فضائل العترة الطاهرة، ومن ذلك أنّه لما ساءهم أن يُكتب اسم علي ابي طالب على ساق العرش، زعموا أن اسم البسطامي أبو يزيد رمز التصوف قد كتب على كل ورقة تحت العرش! ومكتوب على كل ورقة وِرد: أبو يزيد ولي الله! (تذكرة الأولياء ص404).

خامساً: حسدهم للزهراء واختراع فضائل لعائشة وحفصة

لقد قرأوا كما قرأنا آيةً في كتاب الله تقول:

﴿وإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاهُ وجِبْرِيلُ وصالِحُ المُؤْمِنِينَ والمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ﴾ (التحريم4).

فساء إمامهم ابن عربي أن تكون المتظاهرتان معروفتان، فجعلها منقبة! حيث ينقل عمن يعبر عنه بـ (الثقة الأمين الصادق الصاحب) الذي عاهده على أن لا يذكر إسمه، ينقل عنه كلاماً يدلّ على جلالة قدرهما! وعظمة أمرهما! حتى جعل الله تعالى نفسها في مقابلتهما! فيقول:

وعلمت لمن استندتا، ومن يقويهما، ولو لا ما ذكر الله نفسه في النصرة ما استطاعت الملائكة والمؤمنون مقاومتهما! وعلمت أنهما حصل لهما من العلم بالله والتأثير في العالم ما أعطاهما هذه القوة! وهذا من العلم الذي كهيئة المكنون! فشكرت الله على ما أولى!! (الفتوحات المكية ج1 ص180).

نَظَرَ إمام الصوفية هذا في الآية المباركة فرأى في قوله تعالى: ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾ قوةً من الله تعالى تستند عليها الأولى والثانية في التظاهر على النبي!! فجعل ذم الله سبحانه وتعالى لهما مدحاً!! وزعم أنهما قد أوتيتا من العلم الشيء الكثير!

ثم زعم أن عند عائشة وحفصة من العلم ما لا يوجد عند الناس فقال:

وعرفتاه عائشة وحفصة، فلو علم الناس علم ما كانتا عليه لعرفوا معنى هذه الآية: ﴿والله يَقُولُ الحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيل﴾‏ (الفتوحات المكية ج1 ص180).

فلم يكتفِ بتبرئتهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو ما يجعلهما مستحقتين للعقاب الإلهي، بل عدّهما ممن عرفتا معاني الآيات حين جهلها الآخرون! وزعم أن الله أعطالهما القوة والعلم الذي كهيئة المكنون!!

وقد ساء المتصوّفة أن تختص الزهراء عليها السلام بأعظم الألقاب والصفات، فأغدقوا على رابعة العدوية وغيرها كثيراً من الألقاب العظيمة، ووصفوها بأنّها (المخدرة بالخدر الخاص) و(المستورة بستر الإخلاص) وغير ذلك (تذكرة الأولياء ص259).

ولو أردنا التعرُّض للمزيد من اعتقادهم فيمن خالف الأئمة عليهم السلام لطال بنا الحديث..

ومن ذلك أنهم:

  • يزعمون أن النبي نودي بصوت أبي بكر!
  • وأنّ عمر محدّث! وأن له القدم الراسخة في علوم الغيب!
  • وأنه معصومٌ لا تأخذه في الله لومة لائم!
  • وأن الشيطان يفر من ظلّه، وما لقيه الشيطان في فَجٍّ إلا سَلَكَ فَجَّاً غيره!
  • وأنّ الحق ما ترك له من صديق!
  • وأنّ الغطاء لو كشف له لم يزدد يقيناً!
  • وأنه لا يتحرك إلا عن أمر إلهي!

ولعمري هل كان تحركه لحرق باب الزهراء عن أمرٍ إلهيٍّ أيضاً؟

ثم إنهم يزعمون العصمة لرموزهم! بل للسالكين! لذا يصير اتّباع أمر أساتذتهم واجباً لازماً، لأن الواحد منهم يفنى في الله تعالى، فيصير أمره أمر الله، ونهيه نهي الله!

وهكذا يُلَبِّسُون على الناس ويتحكمون بهم، ويبثّون الرعب في قلوب أتباعهم، بزعمهم أن من يخالفهم ينزع الله نور الإيمان من قلبه، وأن إنكار فضائلهم يودي إلى الكفر والزندقة!

هذا غيضٌ من فيض ما يقوله أئمة المتصوفة، ويذهب كثيرٌ من عرفاء الشيعة إلى قولهم هذا! وقد تسربت كثيرٌ من هذه المفاهيم لعرفاء الشيعة، حتى نقلوا عن حدادٍ عارفٍ قولاً يقول فيه:

نحن في مقامٍ لا يقدر جبرائيل على الدنوّ منه، وإنّه عاجز عن إدراك مرتبتنا الوجودية (حريم القدس ص57).

على أنَّ مِن (عرفاء الشيعة) من يزعم أنه أفضل من كليم الله موسى!

بل أن مكان كليم الله لا يُعَدُّ مقاماً رفيعاً نسبةً لما هم عليه!

ويزعم بعضهم أنَّ منهم من وصل ليكون نفس أمير المؤمنين!

وأن عندهم الولاية التكوينية المطلقة!

وأنهم مطلعون على الضمائر!

لقد نسبوا لهؤلاء مثل هذه المقامات دون بيّنة ولا برهان، وزعموا ثبوت ذلك بكشفٍ وشهودٍ يزعمونه!

نغضي عن كل ذلك لنرى كيف تعاملوا مع مقامات الإمامة.

ب. تنزيل مقام الإمامة

بعدما اكتملت خطة الأُوَل، ومعاوية، وأشقاؤه المتصوفة، في اختراع الكرامات والفضائل لمن سوى المعصومين عليهم السلام، كان الشقُّ الآخر هو الانتقاص من مكانة الأئمة والإمامة.

ابن عربي ونقض عصمة الأئمة

إن أرفع رموز المتصوفة هو ابن عربي، وهو يزعم أنَّ عصمة الأئمة عليهم السلام منقوصة! فإنها عصمةٌ يمكن معها أن يعصي هؤلاء بالظاهر فيعاقبوا!

يقول:

ولا يظهر حكم هذا الشرف لأهل البيت إلا في الدار الآخرة، فإنهم يُحشَرون مغفوراً لهم، وأما في الدنيا فمن أتى منهم حداً أقيم عليه! (الفتوحات المكية ج1 ص196).

هي ليست عصمة عن ارتكاب المعاصي إذاً، بل قد يرتكب أحدهم المعصية فيقام عليه الحد بزعمه (نعوذ بالله)! إذ كيف يجتمع ذلك مع التطهير من الرجس الذي يعني كل قذر كما يعترف هو؟!

أوَتعني العصمة في مفاهيمها أنّ لهم أن يعصوا ثم لا يعاقبهم الله تعالى أبداً فيغفر لهم ذنوبهم؟

ومن قال أنّ مغفرة الذنوب تُعَدُّ عصمةً؟!

وكيف يجتمع التطهير مع الذنب؟!

أيُّ عقيدةٍ شيعيةٍ أخذها هؤلاء من إمام المتصوِّفة الأكبر؟

ثم يعود ليؤكد هذه العقيدة بقوله:

وينبغي لكلِّ مسلمٍ مؤمنٍ بالله وبما أنزله أن يصدِّق الله تعالى في قوله ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ فيعتقد في جميع ما يصدر من أهل البيت إن الله قد عفا عنهم فيه! (الفتوحات المكية ج1 ص196).

فهي عنده معاصٍ عفا الله عنها بعد ارتكابها!

الأئمة ليسوا بمعصومين

ثم يترقى أكثر فيصرح في محلٍّ آخر بنفي عصمة أئمة الشيعة الإمامية، حين يقول:

الإماميّة يقولون بعصمة الإمام، والواقع خلاف ذلك، فإنَّه ما من إمام إلا ويسهو في صلاته، وإن لم يسه عن صلاته (الفتوحات المكية ج‏3 ص194).

الطريقة الخَلوتية والبكاء على الحسين

لقد قَضَّ قَتلُ الإمام الحسين عليه السلام مضاجعهم، وأزعجهم بكاء الشيعة عليه على مر التاريخ ولم يناسبهم.

ولمّا كان في (مِصر) مقامٌ للإمام الحسين عليه السلام، يزوره الآلاف من المتصوِّفة وغيرهم، كَرِهَت بعض فرق المتصوفة ذلك حسداً للحسين عليه السلام.

يقول شيخ إحدى الفرق وهو (البروسوي) صاحب تفسير روح البيان:

وكذا الرافضة قد تغالت في الحزن لمصيبة الحسين رضي الله عنه، وأحَدَّت عليها، حيث اتَّخذوا يوم عاشوراء مأتماً لقتله رضي الله عنه، فيقيمون في مثل هذا اليوم العزاء، ويطيلون النوح والبكاء، ويظهرون الحزن والكآبة، ويفعلون فعل غير أهل الإصابة، ويتعدّون إلى سَبِّ بعض الصحابة، وهذا عمل أهل الضلال، المستوجبين من الله الخزي والنكال، كأنهم لم يسمعوا ما ورد في النهي عن الحداد! ومن الله الرشاد (تفسير روح البيان ج1 ص367).

يريد هؤلاء أن يكفّ الشيعة عن البكاء على الامام الحسين عليه السلام واتخاذ مأتمه، والدين قد حُفِظَ بدم الحسين، وبالعزاء عليه.

وقد تأثّر بعض الشيعة بمثل هذه الكلمات فأراد أن يُغَيِّر حالة البكاء إلى حالة الفرح في يوم عاشوراء! بحجة أنّه يوم الوصال!

هكذا تنطق بعض كتب العرفان الشيعيّ اليوم!

خلاصة القول وختامه

أن يُرَوَّجَ للتصوُّف نهجاً أو رموزاً أو عقيدةً في بيئتنا الشيعية.. فهذه جريمة بحق التشيع..

حقُّ هؤلاء المتعرّضين لسخط ربهم، الضالين عن معرفة أئمتهم، الصادِّين عن سبيل الله، أن يكونوا في صفوف المخالفين لآل محمد عليهم السلام.

لقد روينا قول الإمام الصادق عليه السلام لما سئل:

قد ظهر في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفية، فما تقول فيهم؟

فقال:

إنهم من أعدائنا، فمن مال إليهم فهو منهم، وسوف يُحشَر معهم، وسيكون أقوامٌ يدّعون حبّنا، ويميلون إليهم، ويتشبّهون بهم، ويلقّبون أنفسهم بلقبهم، ويؤولون أقوالهم، ألا فمن مال إليهم فليس منا، وإنّا منه برآء، ومَن أنكرهم وردّ عليهم كان كمن جاهد الكُفَّار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (حديقة الشيعة ص747).

هُم من أعداء آل محمد، وأعداؤهم حُسّادُهم، وههنا تحذيرٌ شديدٌ من الإمام من (الميل) إليهم، ونظرةٌ ثاقبةٌ يعلمها بتعليم من الله تعالى حين يقول عليه السلام (وسيكون أقوامٌ يدعون حبناويكذِّبُ الإمام هذه الدعوى.

وتقع الطامة الكبرى عند تأويل كلمات هؤلاء، والتعامل معها كأنّها آيات الكتاب الكريم، أو كلمات المعصومين التي تتضمن محكماً ومتشابهاً.

يتبرأ الإمام من هؤلاء، ونحن نعيش بين أظهرهم، لكن لا نخدع بأساليبهم وتلاوينهم.

فالمؤمن كَيِّسٌ فَطِن.. عارفٌ بزمانه، لا تهجم عليه اللوابس.

المؤمن لا يغرُّه تظاهر بعض الناس بحب محمد وآل محمد، وإقامة المآتم على ذكرهم، ما لم يرتكز في حُبِّهِ لهم على ركنٍ وثيق، فيواليهم ويعادي عدوهم، ويأخذ منهم دون أعدائهم.

إنَّ في ذَمِّهِ عليه السلام لمن يُؤَوِّلُ أقوالهم جواباً كافياً لمن يقول:

لم تفهموا كلامهم، ونَسَبتُم لهم ما هم منه براء.

إنَّ الدين ليس دين ألغاز..

فمن يزعم أن مخالفي الصوفية والعرفاء لم يفهموا كلماتهم فليبادر وليوضح مُرادَهم بلسانٍ عربي مبين.

لقد تصفحنا كتبهم، وقلّبناها ظهراً لبطن، فما وجدنا شيئاً منها خلى مِن حَسَدِ الآل الأطهار، ومِن مَزج الحق بالباطل، ومِن تَصَيُّد المؤمنين لإضلالهم..

فبرئنا من أصحابها أجمعين، ونَبَّهنَا أحبَّتَنَا إلى عدم الميل إليهم، ولا تأويل كلامهم، لئلا يبرأ منهم الإمام المعصوم، فنبرأ منهم تبعاً لإمامنا.

فإن قيل: الحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث وجدها..

قلنا: يأخذها حيث وَجَدَها.. لكنَّه يَذَرُ سنبلها..

يقول الصادق عليه السلام:

إِنَّ لَنَا أَوْعِيَةً نَمْلَأُهَا عِلْماً وَحُكْماً، وَلَيْسَتْ لَهَا بِأَهْلٍ، فَمَا نَمْلَأُهَا إِلَّا لِتُنْقَلَ إِلَى شِيعَتِنَا؛ فَانْظُرُوا إِلَى مَا فِي الأَوْعِيَةِ فَخُذُوهَا، ثُمَّ صَفُّوهَا مِنَ الكُدُورَةِ، تَأْخُذُوا مِنْهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً صَافِيَةً. وَإِيَّاكُمْ وَالأَوْعِيَةَ؛ فَإِنَّهَا وِعَاءُ سَوْءٍ فَتَنَكَّبُوهَا (الأصول الستة عشر ص124).

لقد بَثَّ الأئمة إذاً شيئاً من علومهم في أوعية سوءٍ عندما انحصر إيصال هذا العلم للشيعة بهذه الطرق، كالمخالف الذي لا يكذب، فإنه مأمونٌ على نقل الخبر والعلم، وإن لم يكن من أهل الحق..

ولئِن تَخَيَّلَ بعض المؤمنين أنَّ في الواردات والمكاشفات الصوفيَّة شيئاً من الحق، فإنّ ما خالفَ طريقة المعصومين كان باطلاً محضاً، ولمّا ثبت أن أوعيته أوعية سوءٍ تَنَكَّبنَاها وتَجَنَّبنَاها وتَبَرَّأنا منها.. براءتنا من كل مخالف للعترة الطاهرة.

موقفنا هذا ليس موقف انفعال، بل هو موقف الامام الصادق عليه السلام وسائر أئمة الهدى عليهم السلام، بالجمع بين ركني الولاية والبراءة.

هذا هو طريق محمد وآل محمد، جَعَلَنا الله وإياكم أيها الأحبة من شيعتهم حقاً حقاً، وعجل الله تعالى فرج سيِّدنا ومولانا صاحب العصر والزمان، كي يملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.. إنه سميع مجيب.

7 شهر رمضان 1441 هـ


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=271
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 01 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5