• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : الكتب والمؤلفات .
              • القسم الفرعي : الوديعة المقهورة .
                    • الموضوع : الفصل الرابع: مكانتها يوم القيامة .

الفصل الرابع: مكانتها يوم القيامة

 الفصل الرابع: مكانتها يوم القيامة

36. أوّلُ حاكمٍ يوم القيامة.. المحسنُ بنُ عليّ!

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى‏ يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبيلاً * يا وَيْلَتى‏ لَيْتَني‏ لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَليلاً﴾ (1).

ينقل القرآن الكريمُ بعضَ أحداث يوم القيامة، والحديثُ الشريفُ بعضاً آخر، فهو يومُ الندامة، يوم يعضّ الظالم على يديه.

يُخبرُ ربّ السماء والأرض حبيبَه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخليفتَه في أرضه وسمائه، عندما أسرى به إلى السماء، يُخبرُه عن محكمة العدل الإلهية في ذلك اليوم المَهول، فيخاطب الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما روي عن الصادق (عليه السلام):

وَأَمَّا ابْنَتُكَ، فَإِنِّي أُوْقِفُهَا عِنْدَ عَرْشِي، فَيُقَالُ لَهَا: إِنَّ الله قَدْ حَكَّمَكِ فِي خَلْقِهِ، فَمَنْ ظَلَمَكِ وَظَلَمَ وُلْدَكِ فَاحْكُمِي فِيهِ بِمَا أَحْبَبْتِ، فَإِنِّي أُجِيزُ حُكُومَتَكِ فِيهِمْ(2).

يوقف الله تعالى الخلائق ويعرضهم على الحساب يوم القيامة، وهو اليوم الذي وُصِفَ في القرآن بقوله تعالى: ﴿وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ * وَالمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى‏ مِنْكُمْ خافِيَةٌ﴾(3).

الله تعالى القادرُ المُمسِكُ للعرش، الحافظُ للملائكة، يوقف الزهراء (عليها السلام) عند العرش، وهو من أكبَرِ أبواب الغيوب، ويقال لها: إِنَّ الله قَدْ حَكَّمَكِ فِي خَلْقِهِ.

يعطي الله تعالى الحُكم للزهراء في (خلقه)، وهو البارئ لهم والخالقُ والمالك، فأيُّ عظمةٍ للزهراء (عليها السلام) حتى حَكَّمَها الله في خلقه يوم العرض؟!

يتفرع عن هذه الحكومة قول الله تعالى في الحديث: فَمَنْ ظَلَمَكِ وَظَلَمَ وُلْدَكِ فَاحْكُمِي فِيهِ بِمَا أَحْبَبْتِ، فَإِنِّي أُجِيزُ حُكُومَتَكِ فِيهِمْ..

ما أحبّت الزهراء من حكمٍ صارَ نافذاً! أيّاً كان هذا الحُكم، عطاءٌ لا حدّ له من الله تعالى.

فَتَشْهَدُ العَرْصَة (البقعة)، فَإِذَا وَقَفَ مَنْ ظَلَمَهَا أَمَرت بِهِ إِلَى النَّارِ.

فَيَقُولُ الظَّالِمُ: وَا حَسْرَتَاهْ عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله، وَيَتَمَنَّى الكَرَّةَ، وَ﴿يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى‏ يَدَيْهِ﴾ وَ﴿يَقُولُ: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يا وَيْلَتى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا﴾ وَقَالَ ﴿حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ القَرِينُ﴾. ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ اليَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي العَذابِ مُشْتَرِكُونَ﴾.

ههنا يُدركُ الظالم أنَّ ساعة الحسرة قد حانت، وأنّ الرجوع إلى هذه الدنيا أمَلٌ زائف، ويتلمَّسُ أن لا نجاة له في هذه المحكمة، ويخشى من العذاب، فينبري لِيُخادِعَ ربّه، مُحتَجّاً أن الله هو الحاكم بين عباده، فكيف يصير الحكم لغيره تعالى؟!

وكأنَّ حكمَ الزهراء كان عن غير أمر الله تعالى، أو كأنّه يريد أن يفرَّ من حكم الزهراء (عليها السلام) إلى حكم الله تعالى، لِما يسمع عن سَعَة رحمته تعالى.

وكأنّ ما وَقعَ عليها من ظلم قد يمرُّ بلا عقاب!

يقول الحديث: فَيَقُولُ الظَّالِمُ: أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ؟ أَوِ الحُكْمُ لِغَيْرِكَ؟

هؤلاء لا يخدعون إلا أنفسهم، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ.

ههنا ما يثير الدهشة، فإنّ الله تعالى قد جعل الزهراء حَكَماً، لكن الحُكم أوّل ما يصدُرُ لا يكون عن لسانها (عليها السلام)، بل عن لسان ولدها السقط محسن بن علي (عليه السلام)!

تقول الرواية: وَأَوَّلُ مَنْ يَحْكُمُ فِيهِمْ مُحَسِّنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَفِي قَاتِلِهِ، ثُمَّ فِي قُنْفُذٍ، فُيُؤْتَيَانِ هُوَ وَصَاحِبُهُ فَيُضْرَبَانِ بِسِيَاطٍ مِنْ نَارٍ لَوْ وَقَعَ سَوْطٌ مِنْهَا عَلَى البِحَارِ لَغَلَتْ مِنْ مَشْرِقِهَا إِلَى مَغْرِبِهَا، وَلَوْ وُضِعَتْ عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا لَذَابَتْ حَتَّى تَصِيرَ رَمَاداً فَيُضْرَبَانِ بِهَا(4).

فصارَ المحسن بن عليٍّ أول من يحكم فيمن ظَلَم أمّه الزهراء وظلم وُلدها (عليهم السلام)، فهل صدور الحكم من محسنٍ كان على قاعدة ما ورد في الحديث الشريف: إِنْ قُلْنَا لَكُمْ فِي الرَّجُلِ مِنَّا قَوْلًا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ، كَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ، فَلَا تُنْكِرُوا ذَلِك‏(5).

كما أوحى الله لعمران أني واهبٌ لك ذكراً مباركاً، لكنّ زوجته حنّى وضعت أنثى ولم تضع ذكراً، وجاء عيسى (عليه السلام) هبةً من الله لابنتها مريم، وصدق الله تعالى لما أوحى لعمران ما أوحى، فصار إعطاؤه لمريم (عليها السلام) إعطاءً لعمران.

أم أنّ مُحسناً نُزِّلَ منزلة الزهراء (عليها السلام) نفسها فما صدر منه فكأنّه صدرَ منها؟!

أم أنّ لها حكماً آخر يصدر بعد حكم المحسن، وإن كان حكمه متفرعاً عن حكمها؟!

كل هذا لا يغير في عظمتهم.

السلام عليكم يا آل بيت النبوة، السِّقطُ منكم يُصبحُ حاكماً يوم القيامة! بل أوّل حاكمٍ على ظالميكم! فأيُّ جزاءٍ عظيم هذا!

ولكن ماذا تحمّلتم وصبرتم حتى أعطاكم الله تعالى ما أعطاكم؟

عن الصادق (عليه السلام) عن ربّ السماء لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في ليلة المعراج:

وَأَمَّا ابْنَتُكَ فَتُظْلَمُ وَتُحْرَمُ، وَيُؤْخَذُ حَقُّهَا غَصْباً الَّذِي تَجْعَلُهُ لَهَا، وَتُضْرَبُ وَهِيَ حَامِلٌ، وَيُدْخَلُ عَلَيْهَا وَعَلَى حَرِيمِهَا وَمَنْزِلِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، ثُمَّ يَمَسُّهَا هَوَانٌ وَذُلٌّ، ثُمَّ لَا تَجِدُ مَانِعاً، وَتَطْرَحُ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ الضَّرْبِ، وَتَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ(6).

لقد صَبَرَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما ينزل ببضعته من مُصاب، وصَبَر عليٌّ (عليه السلام) وهو يرى ما يُفَتِّتُ الفؤاد، وصَبَرَت الزهراء (عليها السلام) وهي لا تَجِدُ مانعاً يمنع القوم عنها، فكان الله وليّها فحكّمها في خلقه يوم القيامة!

ما طالَ حُزنها بعد شهادة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)! إذ كيف يطول حزنُ من قَصّر الضّربُ عمرَها؟!

لكنّ حزن الشيعة طال عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.

انقضى شهرُ المحرّم، وتَبِعهُ صفر، لكنَّ حُزنَ الشيعة طال وما انتهى.

هي أيامٌ ظُلِمَت فيها الزهراء (عليها السلام)، وأسقطت محسنها، ولكن.. أيُّ منزلةٍ للمحسن (عليه السلام)؟! لقد نال منصبَ الحكم في محكمة العدل المطلقة، فكانَ الحَكَمَ الأول.. فمن هو الذي يليق بهذا المنصب؟!

لقد روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قوله: اتَّقُوا الحُكُومَةَ، فَإِنَّ الحُكُومَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْإِمَامِ العَالِمِ بِالقَضَاءِ العَادِلِ فِي المُسْلِمِينَ، لِنَبِيٍّ أَوْ وَصِيِّ نَبِي(7).‏

منصبُ الحكومة في هذه الدنيا مُختَصٌّ بالنبيّ أو وصيّه الإمام المعصوم، والمحسن ليس نبيّاً ولا إماماً، فكيف أعطاه الله تعالى منصب الحكم لا في الدنيا بل في يوم العدل الإلهي؟!

أيُّ عظمةٍ بلغها محسنُ السقط حتى أعطاه الله ما أعطاه؟! والحُكمُ يوم الحساب لا يصدرُ إلا بعد الإطلاع على سرائر النفوس وبواطنها وخفايا الأعمال وحقائقها ونوايا العباد وأفعالهم.. فكم عَرَّفَكَ الله يا محسن وماذا أعطاك وكم أنعم عليك قبل ان يجعلك أول حَكمٍ فيمن ظلمكم؟!

وإذا كان هذا حال صغيرهم، فكيف بهم (عليهم السلام)؟!

اللهم إنّا سلّمنا أنا لا نحيط بهم علماً، ولا نحيط بك علماً، وأنّهم عبادُك المربوبون المطيعون لك، وأنهم بابك وطريقك، فوفقنا لاتباعهم، واحشرنا معهم، إنك نعم المولى ونعم النصير.

وعظم الله اجورنا وأجوركم(8).

 

37. نساءٌ خلف الزهراء.. في يوم الجزاء

بسم الله الرحمن الرحيم

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بضعته الطاهرة فاطمة (عليها السلام): لَوْ لَا أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) تَزَوَّجَهَا، لَمَا كَانَ لَهَا كُفْوٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، آدَمُ فَمَنْ دُونَه(9).‏

فَهِمَ الشيعة هذا المعنى، واعتقدوا به، وشَرِبُوهُ مع حليب أمّهاتهم، وصار دِيناً يدينون الله به.

لكن.. لماذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) (إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)؟! ونحن نعلم أن مفهوم الكفاءة هذا مختصٌّ بالدنيا. فهل يستمرُّ بين عليٍّ والزهراء.. حتى يوم الجزاء؟!

وكيف يُعقل ذلك؟ وهل مِن مكانَةٍ ومرتبةٍ تظهرُ فيها الكفاءة في يوم القيامة بينهما؟ سلام الله عليهما..

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليٍّ (عليه السلام): يَا عَلِيُّ أَنْتَ إِمَامُ أُمَّتِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْهَا بَعْدِي، وَأَنْتَ قَائِدُ المُؤْمِنِينَ إِلَى الجَنَّةِ(10).

ثلاثُ خصالٍ لعليٍّ (عليه السلام): ما كان في الدنيا منها فهو إمامة الأمة وخلافة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما أعظم هذه المرتبة.. ولمّا كان عليٌّ إماماً وخليفةً لسيِّد الكائنات، لم يكن لفاطمة كفوٌ سواه.

وحينما ذُكِرَت الخصلة الثالثة، في يوم القيامة: وَأَنْتَ قَائِدُ المُؤْمِنِينَ إِلَى الجَنَّةِ.. لم يكن غيره أيضاً كفواً لفاطمة! كيف ذلك؟

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ابْنَتِي فَاطِمَةَ، قَدْ أَقْبَلَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى نَجِيبٍ مِنْ نُورٍ:

1. عَنْ يَمِينِهَا سَبْعُونَ الفَ مَلَكٍ.

2. وَعَنْ يَسَارِهَا سَبْعُونَ الفَ مَلَكٍ.

3. وَبَيْنَ يَدَيْهَا سَبْعُونَ الفَ مَلَكٍ.

4. وَخَلْفَهَا سَبْعُونَ الفَ مَلَكٍ.

تَقُودُ مُؤْمِنَاتِ أُمَّتِي إِلَى الجَنَّةِ!

عليٌّ إذاً: قَائِدُ المُؤْمِنِينَ إِلَى الجَنَّةِ.

وفاطمة: تَقُودُ مُؤْمِنَاتِ أُمَّتِي إِلَى الجَنَّةِ.

الجنّةُ حرامٌ إذاً على من لم يُدخله إليها هذا الزوج المبارَك، فبينهما كفاءةٌ في الدنيا وكفاءةٌ يوم القيامة! حيث يشتركان في قيادة المؤمنين والمؤمنات إلى جنة الله تعالى، فيخصُّ عليٌّ رجال الأمّة، وتخصُّ الزهراء نساءها، فيرحمهنّ الله تعالى لضعفهنّ، بشفاعة الزهراء (عليها السلام).

يكمل (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: أَيُّمَا امْرَأَةٍ:

1. صَلَّتْ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ.

2. وَصَامَتْ شَهْرَ رَمَضَانَ.

3. وَحَجَّتْ بَيْتَ الله الحَرَامَ.

4. وَزَكَّتْ مَالَهَا.

5. وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا.

6. وَوَالَتْ عَلِيّاً بَعْدِي.

دَخَلَتِ الجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ ابْنَتِي فَاطِمَةَ(11)..

سلامُ الله عليك يا زهراء.. توالي المرأةُ بعلَك علياً وتأتي بتلك الواجبات، فتستحقُّ أن تكون في ركبك وتحت قيادتك إلى الجنة، فتشفعين لها في ما سوى ذلك.

ولا تنتهي كرامات الزهراء هنا، فهذا حالها مع الجنة.. أما مع النار!

عن الباقر (عليه السلام): لِفَاطِمَةَ (عليها السلام) وَقْفَةٌ عَلَى بَابِ جَهَنَّمَ..

آهٍ يا باب جهنم، تقف الزهراء عليك لكن لا ضارِبَ لها ذلك اليوم..

إنَّ في جهنم ناراً كما كان على باب فاطمة نارٌ، لكنّ بابَ جهنَّمَ لا يعصر الزهراء!

إنَّ لَهَبَهَا الذي يُحرق يَسيرُه الدنيا وما فيها، يكون طوعَ أمر فاطمة! فليست تلك النيران كنيران أبالسة الدنيا.. ولا حَطَبُها كالحطب الذي جُمِعَ على بابها!

سلام الله عليك يا زهراء، أُحرِقَ بابُكِ في الدنيا بالنار، لكن الله تعالى أعطاكِ كرامةً ما بعدها كرامة على باب تلك النيران.

يقول (عليه السلام): لِفَاطِمَةَ (عليها السلام) وَقْفَةٌ عَلَى بَابِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ كُتِبَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ رَجُلٍ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ، فَيُؤْمَرُ بِمُحِبٍّ قَدْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ إِلَى النَّارِ.

هكذا تفعلُ الذنوبُ بالمؤمن المُحبّ، حيث قد يستحق دخول النار لكثرة ما يرتكب من معاصٍ، لكنّ هناك عقبةً أمام دخوله النار.

يقول (عليه السلام): فَتَقْرَأُ فَاطِمَةُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُحِبّاً، فَتَقُولُ: إِلَهِي وَسَيِّدِي، سَمَّيْتَنِي فَاطِمَةَ، وَفَطَمْتَ بِي مَنْ تَوَلَّانِي وَتَوَلَّى ذُرِّيَّتِي مِنَ النَّارِ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَأَنْتَ لا تُخْلِفُ المِيعادَ.

فَيَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقْتِ يَا فَاطِمَةُ، إِنِّي سَمَّيْتُكِ فَاطِمَةَ، وَفَطَمْتُ بِكِ مَنْ أَحَبَّكِ وَتَوَلَّاكِ، وَأَحَبَّ ذُرِّيَّتَكِ وَتَوَلَّاهُمْ مِنَ النَّارِ، وَوَعْدِيَ الحَقُّ، وَأَنَا لَا أُخْلِفُ المِيعَادَ، وَإِنَّمَا أَمَرْتُ بِعَبْدِي هَذَا إِلَى النَّارِ لِتَشْفَعِي فِيهِ فَأُشَفِّعَكِ.

الكلام لله الواحد الأحد: إِنَّمَا أَمَرْتُ.. وإنما يستفاد منها الحصر، فغاية الأمر وسببه هو أن تشفع له فاطمة (عليها السلام)، لماذا كلُّ هذا؟ لإبراز مكانتها وعظمتها عند الله تعالى.

وَلِيَتَبَيَّنَ لِمَلَائِكَتِي وَأَنْبِيَائِي وَرُسُلِي وَأَهْلِ المَوْقِفِ مَوْقِفُكِ مِنِّي، وَمَكَانَتُكِ عِنْدِي، فَمَنْ قَرَأْتِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِناً فَخُذِي بِيَدِهِ وَأَدْخِلِيهِ الجَنَّةَ(12).

إنّها ظُلامات الجهل نعيشها اليوم، حيث نجهلُ قدر فاطمة!

مَن أنتِ يا فاطمة، وقد فُطِمَ المُحبّون والموالون بك عن النار!

مَن عَرَف قَدرَك؟ ونورُكِ من نور الله، ومكانتك يعجب لها أهل الموقف العظيم، وفيهم جميع الأولين والأخرين، ومعهم الملائكة المقربون.

نساؤنا كرجالنا يا زهراء، يطمعون بشفاعتك وشفاعة أبيك وبعلك وبنيك.

صلوات الله عليكم من آلِ بيتِ طُهِّرتُم مِن كلِّ دَنَس، طِبتم وطابت الأرض التي فيها دُفنتم.

حشرنا الله معكم، وفي زمرتكم، ورحم موتانا وموتى المؤمنين بشفاعتكم، إنه سميعٌ مجيب.

والحمد لله رب العالمين(13).

 

38. يومَ يُعرَفُ قَدرُ فاطمة!

بسم الله الرحمن الرحيم

عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، أنَّ جابراً طَلَبَ من الإمام الباقر (عليه السلام) أن يحدِّثَه حديثاً في فضل جدَّته الزهراء (عليها السلام)، لكن جابرَ لا يريدُ أيَّ حديث، يريدُ حديثاً إذا حدَّثَ به الشيعة (فَرِحُوا بِذَلِكَ)!

الأحاديث حول الزَّهراء (عليها السلام) عظيمةٌ، فمنها ما يُدخل السُّرور على قلب المؤمن، ومنها ما يُدخِلُ الغَمَّ لعِظَمِ ما جرى عليها.

يستجيب الإمام الباقر (عليه السلام)، فينقل حديثاً عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيه: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نُصِبَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، فَيَكُونُ مِنْبَرِي أَعْلَى مَنَابِرِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ الله: يَا مُحَمَّدُ اخْطُبْ.

فَأَخْطُبُ بِخُطْبَةٍ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ بِمِثْلِهَا(14).

يُظهِرُ الله تعالى فضلَ وعَظَمَةَ حبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك الموقف المهيب، حيثُ يرتفعُ منبره على كل المنابر، ويخطبُ بما لم يسمع به أحدٌ من الأنبياء والرُّسل، ثم يُنصبُ لعليٍّ (عليه السلام) منبرٌ أعلى من منابر الأوصياء، ويخطب بما لم يسمع به أحدٌ من الأوصياء، ثم للحسنين (عليهما السلام)، ويظهر منهما ما ظهر من أبيهما وجدِّهما من الفضل.

ثُمَّ يُنَادِي المُنَادِي وَهُوَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام): أَيْنَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ؟

أوَّلُ سيِّدَةٍ يؤتى على ذكرها يوم القيامة هي هذه السيِّدة العظيمة، سيِّدة النِّساء على الإطلاق، يُنادى بعدها باسم أمِّها الجليلة المكرَّمة خديجة بنت خويد، والسيدة الطاهرة مريم بنت عمران، وغيرهنّ من الكُمّل.

فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا أَهْلَ الجَمْعِ، لِمَنِ الكَرَمُ اليَوْمَ؟

سؤالٌ في يوم القيامة، يعقبُ زلزلة الساعة التي قال عنها تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَت‏﴾(15)، فمَن سيجيبُ اللهَ تعالى في ذلك اليوم؟! مَن يتجرَّأ على الخطاب في حضرة الرحمن تعالى؟!

إنَّهم أهلُ الفضل والكمال، الذين أُذِنَ لهم في الكلام، وهم أهلُ هذه الآية ﴿لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً﴾(16).

فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ وَفَاطِمَةُ: لله الواحِدِ القَهَّارِ.

الكَرَمُ كَرَمُ الله تعالى، واليوم يومُ الموقف العظيم الذي يوقفُ الله تعالى الخلق فيه للحساب، فلا ينطق من كلِّ الخلائق في الجواب إلا هؤلاء الخمسة!

فَيَقُولُ الله جَلَّ جَلَالُهُ‏: يَا أَهْلَ الجَمْعِ، إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ الكَرَمَ لِمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ!

ماذا تعني هذه العبارة العجيبة؟ الله تعالى هو ذو الجلال والإكرام ﴿وَيَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرام‏﴾(17)، فالكَرَمُ لله تعالى، ثم يُعطي هذا الكَرَمَ مَن يشاء، ولكنَّه لا يُعطي إلا وِفقَ ميزان التقوى، أسمى وأرفع ميزان ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ﴾(18).

هؤلاء أعرف خلق الله تعالى به، وأطوعهم لأمره، وأتقاهم له، وقد استحقوا في ذلك اليوم أن يجعل سبحانه وتعالى (الكَرَمَ) المختصّ به لهم!

فكلُّ عطاءٍ من الله تعالى في ذلك اليوم يكون بهم! وكلُّ مظاهر الجود الإلهي تظهرُ على يديهم! لا يُنافسهم فيه منافسٌ، فالكريمُ الجوادُ قد (جَعَلَ الكرم لهم)!

ثمَّ يقول الله تعالى: يَا أَهْلَ الجَمْعِ طَأْطِئُوا الرُّءُوسَ، وَغُضُّوا الأَبْصَارَ، فَإِنَّ هَذِهِ فَاطِمَةُ تَسِيرُ إِلَى الجَنَّةِ!

في الجَمع أنبياء الله ورسله، وفيهم المؤمنون الكُمَّل والصدِّيقون والشهداء والعلماء، كلُّ هؤلاء يطأطئون رؤوسهم! إنَّها فاطمة.. أوَّل من يسيرُ إلى الجنة.

لا تَسيرُ الزَّهراءُ على قَدَمَيها، كما سارت إلى باب بيتها عندما لاذَت وراءه! ليست خطواتها اليوم كخطواتها إلى المسجد لما قادوا عليَّاً.. فاليوم يوم الكرامة الإلهية.

ليس اليوم كالأمس، تلك أيامٌ تجرَّأَ فيها الطغاة على إحراق بابها، واقتحام دارِها، وعصرها بين الحائط والباب.

وهذا يومٌ لا تسيرُ فيه على قَدَمَيها، بل يأتي لها جبرائيل بناقةٍ من نوق الجنّة (فَتُنَاخُ بَيْنَ يَدَيْهَا فَتَرْكَبُهَا)، ويبعث الله إليها مائة ألف ملك على يمينها ومثلهم على يسارها، يَحْمِلُونَهَا عَلَى أَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يُصَيِّرُوهَا عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ.

إنَّ بابَ الجنَّة أَمَلُ البَشَريَّة، والكُمَّلُ من المؤمنين يسألون الله تعالى أن يصلوا إلى هذا الباب، ومَن وَصَلَ إليه سارعَ في الدخول إلى جَنَّةٍ عرضها السماوات والأرض، أليس سَعيُ كلِّ مؤمنٍ هو للوصول إلى هذا الباب وولوجه؟!

لكنَّ الزَّهراء ليست كسائر الخلق:

فَإِذَا صَارَتْ عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ تَلْتَفِتُ!

فَيَقُولُ الله: يَا بِنْتَ حَبِيبِي، مَا التِفَاتُكِ؟ وَقَدْ أَمَرْتُ بِكِ إِلَى جَنَّتِي؟

الله تعالى العالِمُ بكلِّ شيء، يسألُ فاطمةَ (عليها السلام) لكي تُفصِحَ عن سرِّ هذه الإلتفاتة، فلا يصدُرُ عن هؤلاء العُظَماء فِعلٌ بلا سَبَب.

لقد وَصَلَت إلى باب الجنة لكنَّها تلتفتُ راغبةً بشيء آخر، ليس هو الجنّة.

في النَّفسِ شيءٌ تُظهرُهُ الزَّهراء جواباً لسؤال رب العزّة والجلال.

فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَحْبَبْتُ أَنْ يُعْرَفَ قَدْرِي فِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ!

الله أكبر، ما أعظَمَ هذه الكلمة وأخطَرَها، أحبَّت الزَّهراء أن يُعرَفَ قَدرُها، لا حقيقتها، فتِلك لا يعرِفُها إلا خالقُها ووالدُها وبَعلها والأئمة من ذرِّيتها.

ولكن.. ألَم يُعرَف قَدرُها بعد كلِّ ما جرى؟!

ففي الدُّنيا أظهرَ النبيُّ لها من الفضل ما طبَّق الخافقين شهرةً، وفي الآخرة غضَّ الخلائقُ أبصارهم تعظيماً لها، وتقدَّمَت الخلائقَ إلى باب الجنة، لكنَّها تُريدُ أن يظهر شيءٌ آخر من قَدرها! هل السببُ في ذلك هو ما جرى عليها؟!

هل الظُّلامات التي وَقَعَت عليها هي السِّرُّ في أن تحين منها هذه الإلتفاتة؟!

أيُعقَلُ أن تدخُلَ الجنَّة مَن جَعَلَ الله لها (كَرَمَهُ) دون أن يظهر هذا الكَرَمُ العظيم؟!

فَيَقُولُ الله: يَا بِنْتَ حَبِيبِي، ارْجِعِي فَانْظُرِي مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حُبٌّ لَكِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِكِ، خُذِي بِيَدِهِ فَأَدْخِلِيهِ الجَنَّةَ!

تستديرُ الزَّهراء بناءً لأمر الله تعالى، بابُ الجنَّة ينتظرُها، والجنان تتزيَّن لاستقبالها، ويتشرَّفُ خُدّامُها بها، لكنَّها كما يقول الباقر (عليه السلام):

وَالله يَا جَابِرُ إنَّهَا ذَلِكَ اليَوْمَ لَتَلْتَقِطُ شِيعَتَهَا وَمُحِبِّيهَا كَمَا يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الحَبَّ الجَيِّدَ مِنَ الحَبِّ الرَّدِيِّ!

شيعتُها خلقوا من فاضل طينتها، شيعتها أحيوا أمرَها في الدّنيا فأخذت بيدهم إلى باب الجنة، شيعتها تبرؤوا من أعدائها فنَظَرَت إليهم في تلك الساعة المهيبة.

فَإِذَا صَارَ شِيعَتُهَا مَعَهَا عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ يُلْقِي الله فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَلْتَفِتُوا!

ليست التفاتة فاطمة إلا بإيحاءٍ من الله تعالى، كما هي التفاتة شيعتها، فالله تعالى أراد أن يظهَرَ قدرُها، فأوحى لها بذلك، وإن لم ينصّ الخبر على ذلك، فإنَّها لا تصدر إلا عن أمره تعالى، فقالت ما قالت، وأظهَرَ عزَّ وجلَّ قَدرَها، والآن حانَ وقتُ ظهور فضلِ شيعتها:

فَإِذَا التَفَتُوا يَقُولُ الله: يَا أَحِبَّائِي مَا التِفَاتُكُمْ وَقَدْ شَفَعَتْ فِيكُمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ حَبِيبِي؟

هؤلاء أحبابُ الله، شيعة الزَّهراء، أيُّ منزلةٍ عظيمةٍ هذه؟ لقد نالَ هؤلاء قَبَساً من نور فاطمة، فَبِفَضلِهَا بلغوا ما بلغوا، فأرادوا أن يظهَرَ فضلهم أيضاً:

فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ أَحْبَبْنَا أَنْ يُعْرَفَ قَدْرُنَا فِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ!

فَيَقُولُ الله: يَا أَحِبَّائِي ارْجِعُوا:

1. وَانْظُرُوا مَنْ أَحَبَّكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ.

2. انْظُرُوا مَنْ أَطْعَمَكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ.

3. انْظُرُوا مَنْ كَسَاكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ.

4. انْظُرُوا مَنْ سَقَاكُمْ شَرْبَةً فِي حُبِّ فَاطِمَةَ.

5. انْظُرُوا مَنْ رَدَّ عَنْكُمْ غِيبَةً فِي حُبِّ فَاطِمَةَ.

خُذُوا بِيَدِهِ وَأَدْخِلُوهُ الجَنَّةَ!

هكذا يظهرُ قَدرُ فاطمة، وقَدرُ شيعتها، حيثُ يَصيرُ أحدُهم شفيعاً لمن أحبَّه وأحسن إليه، لحبِّ فاطمة، فَحُبُّهَا واتِّباعُها هو الميزان.

هنيئاً لمن ثَقُلت موازينه بحبِّ فاطمة (عليها السلام).

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: والله لَا يَبْقَى فِي النَّاسِ إِلَّا شَاكٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مُنَافِقٌ!(19).

تُفتَحُ أبوابُ الجنَّة في ذلك اليوم لفاطمة (عليها السلام) وشيعتها ومحبيِّها والمحسنين إليهم على حبِّها، فما أعظمَ هذه المحبَّة التي تُكسِبُ رضا الرحمان، وما أشدَّ العذاب الذي سينال مُبغضيها وظالميها وسالبي حقِّها.

ههنا تجلّت الرحمة الإلهية، وكَرَمُ الإله، وعلى أولئك يظهر غضبُ الله وشديد عقابه، أعاذنا الله من ذلك. والحمد لله رب العالمين(20).

 

39. يومَ يَوَدُّ الخَلقُ.. لو كَانوا فَاطِمِيِّين!

بسم الله الرحمن الرحيم

إِلَهِي.. إِذَا جِئْنَاكَ:

1. عُرَاةً! حُفَاةً! مُغْبَرَّةً مِنْ ثَرَى الْأَجْدَاثِ رُءُوسُنَا!

2. وَشَاحِبَةً مِنْ تُرَابِ المَلَاحِيدِ وُجُوهُنَا!

3. وَخَاشِعَةً مِنْ أَفْزَاعِ الْقِيَامَةِ أَبْصَارُنَا!

4. وَذَابِلَةً مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ شِفَاهُنَا!

5. وَجَائِعَةً لِطُولِ المُقَامِ بُطُونُنَا!

6. وَبَادِيَةً هُنَالِكَ لِلْعُيُونِ سَوْءَاتُنَا! ...

فَلَا تُضَعِّفِ المَصَائِبَ عَلَيْنَا بِإِعْرَاضِ وَجْهِكَ عَنَّا! (21).

هذه فقراتٌ تُنقَلُ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، يُعطي فيها دروساً للعُصاة، الذين قابلوا نِعَمَ الله تعالى بالكُفران، وإحسانه بالإساءة، وإقباله بالإدبار.

يصفُ فيها (عليه السلام) حالَ العباد يوم القيامة.. وفي كلِّ كلمةٍ منها ما تقشعرُّ له الأبدان.. ويستدعي التأمُّل مليّاً، سيَّما من أهل التمرُّد والعصيان على الله تعالى.

نقفُ هنا عند كلمةٍ واحدةٍ.. وهي أوَّلُ كلماته (عليه السلام)، حيث يجيء الناس يومَ القيامة (عُرَاةً) كما يقول (عليه السلام).

إنَّ تَصَوُّرَ الأمر مُرعبٌ عند أهل الحياء والعفَّة، فهل يُعقلُ أن يأتي الحييُّ المستور في الدُّنيا مُجرَّداً يوم القيامة أمام الأشهاد؟!

إنَّ الغبرة والشحوب والخضوع والذبول والجوع والعطش في ذلك اليوم ليس كما نعهده في هذه الأيام، لكن رغم ذلك لا يخشى الإنسانُ منه خشيته من ظهور سوءته وانكشافه أمام العباد!

لقد روي عن الباقر (عليه السلام): إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ الله النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَهُمْ حُفَاةٌ عُرَاةٌ، فَيُوقَفُونَ فِي المَحْشَرِ حَتَّى يَعْرَقُوا عَرَقاً شَدِيداً، وَتَشْتَدُّ أَنْفَاسُهُمْ، فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ خَمْسِينَ عَاماً، وَهُوَ قَوْلُ الله: ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً﴾(22).

ليس العجبُ مِن خفوت صوتِهم وكلامهم همساً، بل العجبُ من صدور الكلام منهم وهم في ذلك الموقف المهيب!

يعلمُ الله سببَ تعرُّقهم واشتداد أنفاسهم، هل هو فقدان الساتر؟ أم هيبة الاجتماع العظيم؟ أم الوقوف بين يدي الرحمان؟ أم غير ذلك؟

لكنَّ تصوُّر المشهد بنفسه يبعثُ على الاضطراب والقلق، بل على الخوف والرُّعب!

لقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل هذا المعنى، وقد بيَّنَ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّ العرق يبلغ شحوم الآذان! أي أنَّ الناس تكادُ تغرقُ في عَرَقِها ذلك اليوم!

حينها: قَالَتْ سَوْدَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم): ..يَا رَسُولَ الله، صَلَّى الله عَلَيْكَ، وَا سَوْأَتَاهْ! يَنْظُرُ بَعْضُنَا بَعْضاً؟!

فَقَالَ: شُغِلَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ، ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه‏﴾(23).

إنَّ حال الناس حينها يمنعُ بعضَهم من النَّظَر إلى بعض، فمنهم مَن يكون مسحوقاً على وجهه، ومنهم مَن يوطأ بالأقدام، ومنهم من يُصلَبُ على شفير النار حتى يفرغ الناس من الحساب، فأنّى لهم أن يشتغلوا بالنظر؟!(24).

لكنَّ المؤمنَ العفيف الستِّير الخجول يستحي حتى من ذلك، فكيف يُتَصَوَّرُ أن يكون على تلك الحال؟!

تكشفُ نصوصُ آل محمدٍ (عليهم السلام) أنَّ المؤمنَ الموالي لعليٍّ (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) يكون مستوراً، آمناً حين يخاف الناس.

فمِنَ النّاس مَن يُجدِّدُ الله تعالى كفنه بعد البلى فيستره به، فقد روي عن الصادق (عليه السلام): بَلْ يُحْشَرُونَ فِي أَكْفَانِهِمْ.. إِنَّ الَّذِي أَحْيَا أَبْدَانَهُمْ جَدَّدَ أَكْفَانَهُمْ(25).

ومِنهم مَن يستره الله تعالى بالنور، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يُسْتَرُ عَوْرَةُ المُؤْمِنِينَ، وَتَبْدُو عَوْرَةُ الْكَافِرِين.

وأنّ الذي يسترهم: نُورٌ يَتَلَأْلَأُ لَا يُبْصِرُونَ أَجْسَادَهُمْ مِنَ النُّور(26).

إنَّ الميزان في ذلك هو ولاية عليٍّ (عليه السلام)، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): يُحْشَرُ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً إِلَّا شِيعَةَ عَلِيٍّ(27).

وشيعة عليٍّ (عليه السلام) ليسوا إلا شيعة فاطمة (عليها السلام)، حيثُ سيكون لهم موقفٌ يومَ القيامة، يَظهرُ فيه فضلُهم عند الله تعالى، حتى يتمنى كلُّ الخلق لو كانوا منهم!

ففي الحديث الشريف أن فاطمة (عليها السلام) تأتي وقد لبست حُلَلاً من نورٍ أتاها بها إسرافيل، وركبت نجيبةً من نور، ثمَّ تستقبلها مريم بنت عمران، وأمُّها خديجة بنت خويلد، وحواء، وآسية بنت مزاحم، وبين يديها (عليها السلام) ويدي كلِّ واحدة منهنَّ سبعون ألف حوراء.. ثمَّ يُنصبُ لها منبرٌ من نور.

تطلبُ الزَّهراءُ حينها أن ترى حسناً وحُسيناً! فيأتيانها: وَأَوْدَاجُ الحُسَيْنِ تَشْخُبُ دَماً، وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَبِّ خُذْ لِيَ اليَوْمَ حَقِّي مِمَّنْ ظَلَمَنِي.

فَيَغْضَبُ عِنْدَ ذَلِكِ الجَلِيلُ، وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِ جَهَنَّمُ وَالمَلَائِكَةُ أَجْمَعُونَ، فَتَزْفِرُ جَهَنَّمُ عِنْدَ ذَلِكِ زَفْرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ فَوْجٌ مِنَ النَّارِ فَيَلْتَقِطُ قَتَلَةَ الحُسَيْنِ وَأَبْنَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَ أَبْنَائِهِمْ.. فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ عَلَى أَوْلِيَاءِ الحُسَيْنِ مِنْ آبَائِهِم..

في هذا الموقف المَهيب يخاطبُ جبرائيل فاطمة (عليها السلام) ليقول لها: سَلِي حَاجَتَكِ.

فتقول: يَا رَبِّ شِيعَتِي..

فيغفرُ الله لهم.. ثمَّ تطلب المغفرة لشيعة وُلدها.. فيغفر الله لهم.. ثمَّ تطلب المغفرة لشيعة شيعتها..

فَيَقُولُ الله: انْطَلِقِي، فَمَنِ اعْتَصَمَ بِكِ فَهُوَ مَعَكِ فِي الجَنَّةِ!

فَعِنْدَ ذَلِكِ يَوَدُّ الخَلَائِقُ أَنَّهُمْ كَانُوا فَاطِمِيِّينَ!

فتسيرُ ومعها شيعتها وشيعة وُلدِها وشيعة أمير المؤمنين: آمِنَةً رَوْعَاتُهُمْ مَسْتُورَةً عَوْرَاتُهُمْ، قَدْ ذَهَبَتْ عَنْهُمُ الشَّدَائِدُ وَسَهُلَتْ لَهُمُ المَوَارِدُ، يَخَافُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَخَافُونَ، وَيَظْمَأُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَظْمَئُونَ(28).

حينما يُوقَفُ الناس يوم القيامة يكون شيعتها (عليها السلام) قد جلسوا على موائد من جوهرٍ، على أعمدةٍ من نور، يأكلون منها والناس في الحساب.

أفلا يودُّ الخلائق لو كانوا فاطميين؟!

إنَّ في مُشايعتها نجاةً للعبد من أن يجوع ويعرى يوم القيامة.. ونجاةً من الفزع والخوف يوم الحساب.. وفوزاً بكرامة الله ورحمته.

ولكن..

هَل يُكتفى في ولايتها بلقلقة اللِّسان؟

يقول الصادق (عليه السلام): مَعَاشِرَ الشِّيعَةِ، كُونُوا لَنَا زَيْناً، وَلَا تَكُونُوا عَلَيْنَا شَيْناً، قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً، احْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ وَكُفُّوهَا عَنِ الْفُضُولِ وَقَبِيحِ الْقَوْلِ(29).

ينبغي على مَن يريدُ الاعتصام بفاطمة يوم القيامة أن يكون لها زيناً، وينبغي على مَن يُريد أن يُنسبَ إليها يوم القيامة ويكون آمناً مستوراً أن لا يكون لها شيناً!

هل ترضى عمَّن لا ينطق لسانه إلا بالكذب والقبيح والفضول؟!

هل يحبِّبُ الفاطميُّ فاطمة إلى الناس أم يبغِّضهم بها؟! هل يجرُّ إليها وإلى شيعتها كلَّ مودّة ويدفع عنها وعنهم كلَّ قبيحٍ أم يخالف ذلك؟!

ألا ينبغي للموالي لها أن يقفَ وقفةً صادقةً بين يدي ربِّه يُصلحُ بها أموره كي يثبت على ولايتها؟!

ألا يخشى العاصي من أن يودي به عصيانه إلى الانحراف عن مُشايعتها ومُبايعتها فيكون مستودَعَ الإيمان؟!

ليس لأعدائها وأعداء وُلدها وأعداء شيعتها مِن خلاقٍ ولا نصيبٍ يوم القيامة، فإنَّهُم كانوا بأعظم آيات الله من الكافرين.

لكنَّ مَن آمن بأعظم آيات الله: بمحمدٍ وعليٍّ وفاطمة، وجبَ عليه أن يمتثل أمرَهم وأمر بارئهم ويطيعه، فينتهي عمّا نهى الله، ليكون يوم القيامة من الفاطميين الذين يسكنون دوراً بيضاء أعدَّها لهم ربُّهم، بجوار فاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها (عليهم السلام).

قال عليٌّ (عليه السلام) في نهجه: أَلَا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَغَداً السِّبَاقَ!

وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ، وَالْغَايَةُ النَّارُ، أَ فَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ؟! أَ لَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِه؟!(30).

‏ها هُمُ الفاطميون اليوم سبّاقون في العَودِ إلى الله، والتوبة إليه، واتِّباع أوليائه. هُمُ الصادقون في قولهم، المخلصون في عَمَلِهم، المحسنون إلى إخوانهم.

هم أهل الشفقة والمحبة والمودة، يرحمون عباد الله فيرحمهم الله برحمته.

جعلنا الله منهم، وثبتنا على ولاية فاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها، وعجَّلَ فرج المنتقم لها. والحمد لله رب العالمين(31).

 

40. الإنتقام.. لفاطمة!

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد روي عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثٌ يستغربُهُ كثيرٌ من الناس، قال فيه (صلى الله عليه وآله وسلم):

لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَهْلِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَعِتْرَتِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ عِتْرَتِهِ!(32).

ولئن اتَّصَفَ الكُمَّلُ من المؤمنين بذلك، فإنّا لا نَلحظُ أنَّ جميع أهل الإيمان قد صاروا على هذه الشاكلة، فهل يُنفى الإيمان عنهم؟!

لقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثٌ آخر يُبيِّنُ صِفَةً تكشفُ وجهاً آخر لهذا الخبر، حيثُ يصيرُ المؤمن فيه مُحبَّاً له (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر من نفسه، ولعترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر من عترته.. ذاك حيث يُخاطب (صلى الله عليه وآله وسلم) قوماً فيقول لهم:

أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَطَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْكُمْ فَنَالَ مِنْهُ بِاللِّسَانِ وَاليَدِ، كَانَ العَفْوُ عَنْهُ أَفْضَلَ؟ أَمِ السَّطْوَةُ عَلَيْهِ وَالِانْتِقَامُ مِنْهُ؟

قَالُوا: بَلِ العَفْوُ، يَا رَسُولَ الله.

إنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حثَّ الناس على العفو، وفضَّلَهُ على الإنتقام، فصارَ العفوُ لمن يقدرُ عليه أفضل وأكملَ من الانتقام، لكنَّ هذه القاعدة لا تسري إذا ما كانت الأذية واقعةً على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنَّ العفو لا يظلُّ راجحاً، بل يكون الإنتقام أفضل. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم:

أَ فَرَأَيْتُم لَوْ أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَنِي عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ بِسُوءٍ، وَتَنَاوَلَنِي بَيْدَهُ كَانَ الِانْتِقَامُ مِنْهُ وَالسَّطْوَةُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ أَمِ العَفْوُ عَنْهُ؟

قَالُوا: بَلِ الِانْتِقَامُ مِنْهُ أَفْضَلُ.

قَالَ: فَأَنَا إِذَنْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ(33).

يؤسِّسُ هذا الحديثُ لقاعدةٍ تفيد أن العفو عمّن يتناول النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بسوء قولاً أو فعلاً هو أمرٌ مرجوح، وأنَّ الانتقام منه هو الراجح، وأنَّ مَن يتنازل عن حقِّه ويعفو عنه ولا يتنازل عن حقَّ النبي ولا يعفو عنه هو محبٌّ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر من حبِّه لنفسه.

وكذا مَن عفا عن ظلمٍ أصابَه أو أصاب عترته، ولم يعفُ عن ظُلمٍ أصابَ العترة الطاهرة، فإنَّهُ أكثرُ حباً لهم من عترته. وهكذا يتسامى العبدُ في مراتب الإيمان بحسب معرفته بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الأطهار.

وإذا كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولعترته الطاهرة خصوصيةٌ عند الله تعالى، تجعل العفوَ عن ظالميهم قبيحاً، لم يكن دُعاءُ النبيِّ على هؤلاء بدعاً من القول، وقد أكثر من دعائه على ظالمي ابنته الزَّهراء (عليها السلام)، فقال تارة:

اللهمَّ العَنْ مَنْ ظَلَمَهَا، وَعَاقِبْ مَنْ غَصَبَهَا، وَذَلِّلْ مَنْ أَذَلَّهَا، وَخَلِّدْ فِي نَارِكَ مَنْ ضَرَبَ جَنْبَهَا حَتَّى القَتْ وَلَدَهَا!(34).

فخَرَجَ هؤلاء من رحمة الله تعالى بلَعنِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم، ثم استحقوا أليم عقابه لسوء فِعالهم.

لقد قدَّمَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الشكوى لربِّه على ظالمي بضعته، وقد قال لها قبل وقوع الظُّلم: مَنْ ظَلَمَكِ فَقَدْ ظَلَمَنِي، لِأَنَّكِ مِنِّي وَأَنَا مِنْكِ، وَأَنْتِ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَرُوحِيَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ، ثُمَّ قَالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): إِلَى الله أَشْكُو ظَالِمِيكِ مِنْ أُمَّتِي(35).

ثم يصيرُ النبيُّ خصيماً لهؤلاء يوم القيامة، فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لها (عليها السلام): والّذي بعثني بالحقّ، لأقومنّ بخصومة أعدائك، وليندمنّ قومٌ ابتزّوا حقّك، وقطعوا مودّتك، وكذبوا عليّ(36).

فإن قال قائلٌ:

إنَّ هذا يتنافى مع عظمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد وصفه تعالى بأرفع الأوصاف فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظيمٍ﴾(37)، فهَل ينسجمُ الإنتقام مع الخُلُقِ العظيم؟

إنَّ عظمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تتناسب مع خصومته لهؤلاء، ودعائه عليهم، فما ينسبه له الشيعة هو كذبٌ وافتراءٌ عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، يحاولون به تبرير عداوتهم لأعداء الزهراء (عليها السلام).

قلنا:

لقَد غابَ عن القائل أنَّ الإنتقام بالحقّ لأهل الحقّ حَقٌّ راجحٌ، قَد وَقَع مِن إلهِ محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف لا يقع منه صلوات ربي وسلامه عليه؟! فلماذا يُنهى الشيعة عنه؟!

لقد وَصَفَ الله تعالى نفسه في القرآن الكريم بأنَّهُ ﴿عَزيزٌ ذُو انْتِقامٍ﴾(38)، وقد انتقمَ مِن أقوامٍ كذَّبوا بآياته في هذه الدُّنيا، فهؤلاء قوم فرعون قد قال عنهم: ﴿فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي اليَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلينَ﴾(39).

بل كان الإنتقامُ الإلهيُّ سَيّالاً شمَلَ المجرمين الذين كذَّبوا برسله، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى‏ قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ المُؤْمِنينَ﴾(40).

لقد أبكت مُصيبةُ الزَّهراء سيِّدَ الكائنات ليلة وفاته بكاءً عجيباً، حتى هملت عيناه مثل المطر! وقد ضمَّ الزهراءَ إليه، وقبَّلَ رأسها وقال: فِدَاكِ أَبُوكِ يَا فَاطِمَةُ! فَعَلَا صَوْتُهَا بِالبُكَاءِ، ثُمَّ ضَمَّهَا إِلَيْهِ وَقَالَ:

أَمَا وَالله لَيَنْتَقِمَنَّ الله رَبِّي، وَلَيَغْضَبَنَّ لِغَضَبِكِ، فَالوَيْلُ ثُمَّ الوَيْلُ ثُمَّ الوَيْلُ لِلظَّالِمِينَ.

فإذا لم يُسامح المؤمن ظالمي آل محمد، ورأى أنَّهم يستحقون الإنتقام، فلأنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى ذلك.

والمنتقِمُ حقاً هو الله تعالى: (أَمَا وَالله لَيَنْتَقِمَنَّ الله رَبِّي)، فليس للمخالف أن يؤاخذ الشيعة على رغبتهم بالإنتقام من ظالمي الزَّهراء، لأنهم تبعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك.

لقد أبكَت مصيبتها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكاءً عجيباً لا يمكن تصوُّره، حتى قال فيه أميرُ المؤمنين (عليه السلام):

فَوَ الله لَقَدْ حَسِبْتُ بَضْعَةً مِنِّي قَدْ ذَهَبَتْ لِبُكَائِهِ، حَتَّى هَمَلَتْ عَيْنَاهُ مِثْلَ المَطَرِ، حَتَّى بَلَّتْ دُمُوعُهُ لِحْيَتَهُ وَمُلَاءَةً كَانَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَلْتَزِمُ فَاطِمَةَ لَا يُفَارِقُهَا(41).

لا بدَّ أن يتناسبَ العقابُ مع الجُرم، فليس جُرمُ فرعونَ عندما لحقَ موسى (عليه السلام) وقومه فانتقم الله منهم وأغرقهم كجُرمِ من آذى محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) في بضعته.

إنَّ الإنتقام الحقَّ سيأتي يوم تأتي السماء بدخانٍ مبين، ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرى‏ إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾(42).

هناك، في ذلك اليوم العجيب، يبطشُ الله تعالى بمَن استحقوا الإنتقام، وأوَّلهم من بين كلِّ البشر ظالمي الزهراء (عليها السلام).

إنَّ البطشَ هو: التناول عند الصولة. والأخذ الشديد في كل شيء(43).

فالبطش بنفسه هو الأخذ الشديد، لكنَّ الله تعالى يصفُ بطشه الشديد بأنّه شديد! فيقول تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَديدٌ﴾(44).

فهو بَطشٌ ليس كأيِّ بطش، بَطشٌ شَديدٌ لا يُمكن الإحاطة بحدوده، لكنّ هذا البطش على مراتب، فمنه البطش الشديد، وأما أعظمه فهو ﴿البَطْشَةَ الكُبْرى﴾.

فما هو مصيرُ مَن استحقَّ بطش الله الشديد، بل بطشة الله الكبرى، وكان قد ارتكب أعظم جريمةٍ في تاريخ البشرية وحاضرها ومستقبلها؟!

كيف بمن أسَّسَ أساس الظُّلم والجور على آل محمد؟! كيف بِمَن أبكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل وفاته، ثم أبكى آل محمد أجمعين وشيعتهم إلى يوم الدين؟!

لقد استحقَّ هؤلاء إنتقاماً رهيباً في الدنيا، وآخر في الآخرة:

أما انتقام الدّنيا، فعند خروج الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، واستخراج جثتيهما، حيث: يَأْمُرُ بِهِمَا فَيُقْتَصُّ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ بِمَظَالِمِ مَنْ حَضَرَ، ثُمَّ يَصْلِبُهُمَا عَلَى الشَّجَرَةِ، وَيَأْمُرُ نَاراً تَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ فَتُحْرِقُهُمَا والشَّجَرَةَ، ثُمَّ يَأْمُرُ رِيحاً فَتَنْسِفُهُمَا فِي اليَمِّ نَسْفاً».

ثمَّ يُرَدَّان كي يقتصَّ وينتقم منهما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)والعترة الطاهرة والمؤمنون الكمّل: حَتَّى إِنَّهُمَا لَيُقْتَلَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ الفَ قَتْلَةٍ، وَيُرَدَّانِ إِلَى مَا شَاءَ الله(45).

أما يوم القيامة، فإنَّ أول من يدخل النار: إِبْلِيسُ وَرَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ وَرَجُلٌ عَنْ يَسَارِهِ.

وإنَّ أشدَّ الناس عذاباً ذلك اليوم: اثْنَانِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَحَدُهُمَا شَرُّهُمَا، فِي تَابُوتٍ مِنْ قَوَارِيرَ تَحْتَ الفَلَقِ فِي بِحَارٍ مِنْ نَارٍ(46).

لهذا يؤمن الشيعة بالإنتقام، إنتقامٌ إلهيٌّ لا دافع له، فكانوا بهذا ممَّن أحبَّ النبيَّ وآله حقاً وصِدقاً، أمّا مَن يزعم أنَّه يُحِبُّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو لا يتبرأ ممَّن آذاه في حياته وبعد وفاته، بل يوالي ويحبّ من اعتدى على بضعته، فإنَّه كَذوبٌ في دعواه، فإنَّ ميزانَ محبَّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اتِّباعه، والبراءة من أعدائه وأعداء عترته، وتفضيل الإنتقام منهم على العفو عنهم.

تلكَ إرادة السَّماء، لا يحيدُ عنها المؤمنُ دهره، ثبَّتنا الله عليها، وحشرنا مع الزَّهراء وأبيها وبعلها وبنيها، وعَجَّلَ في فَرَج الآخذ بثأرها، إنّه سميعٌ مجيب.

والحمد لله رب العالمين(47).

 

41. الله يعزي الزَّهراء .. لما جرى في عاشوراء!!

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما تحينُ سَاعَةُ الكرامة، لسَيِّدَة النِّساء في يوم القيامة، ينادي مُنادٍ من بطنان العرش:

يَا مَعْشَرَ الخَلَائِقِ، غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ حَتَّى تَمُرَّ بِنْتُ حَبِيبِ الله الى قَصْرِهَا!(48).

لا يتركُ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمر مُبهَماً، فيُسَمِّيها بشَخصها ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم): فَاطِمَةُ (عليها السلام) ابْنَتِي. حينَها تمرُّ ومعها سبعون الف حوراء، الى أن تبلُغ بابَ قَصرِها، وههنا يحصَلُ ما يُفاجئ المتأمِّل في أحداث يومِ القيامة، فهذه الزَّهراء التي أكرَمَها الله تعالى بأن أمر الخلائق بِغَضِّ الأبصار لأجلها، ترى ما يسوؤها عندما تبلغ باب قَصرها! فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

فَإِذَا بَلَغَتْ الى بَابِ قَصْرِهَا وَجَدَتِ الحَسَنَ قَائِماً، وَالحُسَيْنَ نَائِماً مَقْطُوعَ الرَّأْسِ!

أمرٌ يُثير الدّهشةَ والغرابة! هذا محلُّ النَّعيم في الآخرة، فلماذا ترى الزَّهراءُ ابنَها الحسين مقطوعَ الرَّأس؟!

كيف تتهنَّأُ ذلك اليوم في قصرها إذا كان الحسينُ بلا رأسٍ على بابها؟!

وأين الكرامةُ من الله تعالى في ذلك إذاً؟ ألا يَحجِبُ المُحبُّ كلَّ سوءٍ عمّن يحبُّه؟ فلماذا لم يحجب الله تعالى ذلك عنها؟!

ما يلبَثُ أن يأتيها النداءُ من عند الله تعالى، فيَدفَع لنا استغرابنا: إِنِّي إِنَّمَا أَرَيْتُكِ مَا فَعَلَتْ بِهِ أُمَّةُ أَبِيكِ، إِنِّي ادَّخَرْتُ لَكِ عِنْدِي تَعْزِيَةً بِمُصِيبَتِكِ فِيهِ.

التعزية هي ما يفعله أحدٌ ليُصَبِّر أحداً على ما رُزِئَ به وفَقَدَه، والله تعالى ينادي الزهراء (عليها السلام) في ذلك اليوم ليبيِّنَ أنَّهُ ما أراد لها الأذى، وهو الذي يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، بل إنّ رؤيتها للحسين (عليه السلام) مقطوعَ الرأس في ذلك اليوم مُقدّمَةٌ لمزيدِ كرامةٍ من الله تعالى لها، وهذا صوتُ النداء من الله تعالى يكشف ذلك: وَإِنِّي جَعَلْتُ تَعْزِيَتَكِ اليَوْمَ أَنِّي لَا أَنْظُرُ فِي مُحَاسَبَةِ العِبَادِ حَتَّى:

1. تَدْخُلِي الجَنَّةَ أَنْتِ.

2. وَذُرِّيَّتُكِ.

3. وَشِيعَتُكِ.

4. وَمَنْ وَالاكُمْ أَوْلَاكُمْ‏ مَعْرُوفاً مِمَّنْ بمن‏ لَيْسَ هُوَ مِنْ شِيعَتِكِ قَبْلَ أَنْ أَنْظُرَ فِي مُحَاسَبَةِ العِبَادِ!(49).

ليست تَعزيةُ الإله الغنيِّ العظيم القدير كتَعزِيَةِ مَن دونَه من خَلقه!

لن تُنصَبَ الموازينُ التي قال عنها تعالى: ﴿وَنَضَعُ المَوازينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَة﴾(50)، ولن ينظر الله في أعمال العِباد ليحاسبهم شديداً أو يسيراً، حتى يكتملَ دخولُ أفواجٍ من الناس للجنة: الزّهراءُ سيِّدةُ النِّساء، يتبعها ذريّتها وشيعتها الذين اتّبعوا أباها وبعلها وابنيها والأئمة المعصومين جميعاً.

ثم يلحقُ بهؤلاء مَن أولاهم مَعروفاً ولم يكن منهم!

أيُّ كرامةٍ وتعزيةٍ هذه؟! في يومٍ ﴿يَجْعَلُ الوِلْدانَ شيباً﴾(51)، يفرُّ المرء فيه من أخيه، وأمّه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكنَّ مَن كان للزهراء مُوالياً، ولها مُحباً، كان من الآمنين الذين ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَر﴾(52).

أيُكتفى في يومِ الجزاء وفي عزاءِ الله لها بذلك؟! وهل تَنسى الزَّهراءُ من قَتَلَ وَلَدَها الشهيد؟! أتدخُل الجنّة قبل أن يُعاقَبَ هؤلاء؟!

يكشفُ لنا الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) حَدَثاً آخر يسبقُ هذه الواقعة، قبل أن تصل الزهراء الى باب قصرها، وقبل أن تُقبِل الى الجنة، وبعد أن يغضّ الخلقُ أبصارَهم وينكسوا رؤوسَهم: تَقِفُ مَوْقِفاً شَرِيفاً مِنْ مَوَاقِفِ القِيَامَةِ، ثُمَّ تَنْزِلُ عَنْ نَجِيبِهَا، فَتَأْخُذُ قَمِيصَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) بِيَدِهَا مُضَمَّخاً بِدَمِهِ، وَتَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا قَمِيصُ وَلَدِي، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا صُنِعَ بِهِ!

تقفُ الزَّهراء التي يرضى الله لرضاها في موقفٍ (شريفٍ) وهي تحملُ هذا القميص، ولا تطلُب عقاباً محدَّداً لهؤلاء، بل تشتكي الى الله تعالى.

لا تذكر ما جرى على ولدها: يا رَبّ.. قَدْ عَلِمْتَ مَا صُنِعَ بِهِ!

ماذا صُنِعَ به يا زهراء؟! هل ستقيمين حينها مأتماً يُذكَرُ فيه ما صُنِعَ به؟! أم أنّ الخلائق كلّهم سيرون ذلك رأي العين ﴿فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَديد﴾(53)؟!

أم أنّ الموقف الشريف هذا لا يُناسب ذكر مصيبته فتُذكر في محلٍّ آخر؟!

هذا ما لا سبيل لنا لمعرفته.. لكنّ ما نعرفه هو أنّ الله تعالى يناديها: يَا فَاطِمَةُ لَكِ عِنْدِي الرِّضَا!

هناك التعزية، وهنا الرضا، وهل رضاهُ أمرٌ جديد مع هذه الأسرة الطاهرة؟!

لقد سبق أن قال الحسين (عليه السلام)لما عزم على الخروج الى العراق: رِضَى الله رِضَانَا أَهْلَ البَيْتِ، نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ وَيُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ(54).

يَعِدُ الله تعالى فاطمة بالرضا، فتقول (عليها السلام): يَا رَبِّ انْتَصِرْ لِي مِنْ قَاتِلِهِ.

فما حال من ينتصرُ الله تعالى له؟! وما حال من ينتصر الله تعالى منه؟!

فَيَأْمُرُ الله تَعَالى عُنُقاً مِنَ النَّارِ، فَتَخْرُجُ مِنْ جَهَنَّمَ، فَتَلْتَقِطُ قَتَلَةَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) كَمَا يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الحَبَّ، ثُمَّ يَعُودُ العُنُقُ بِهِمْ الى النَّارِ فَيُعَذَّبُونَ فِيهَا بِأَنْوَاعِ العَذَابِ.

إنَّ لكلِّ معصيةٍ نوعٌ من أنواع العذاب، لكنّ هؤلاء يعذّبون (بأنواع العذاب) المختلفة، ولا تنتظِرُهُم النّار أن يدخلوها، بل يخرج عُنُقٌ منها الى خارجها ويلتقطهم ويأتي بهم اليها! فهؤلاء ممّن اشتدّ غضب الله عليهم لقتلهم ابن بنتِ نبيِّهم، والله شديد العقاب.

بعدَ هذا الموقف الشريف، تَرْكَبُ فَاطِمَةُ (عليها السلام) نَجِيبَهَا حَتَّى تَدْخُلَ الجَنَّةَ، وَمَعَهَا المَلَائِكَةُ المُشَيِّعُونَ لَهَا، وَذُرِّيَّتُهَا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَأَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ النَّاسِ عَنْ يَمِينِهَا وَشِمَالهَا(55).

يجتَمِعُ بهذا أمران: العقاب على الأعداء، والإكرام للأولياء.

الحديث الثاني يُبَيِّن انتصار الله تعالى للزهراء وعذاب قاتلي ولدها الحسين (عليه السلام)، والحديث الأول يُبَيِّن تعزية الله تعالى لها، حين يُدخل الى الجنة ذريّتها ومحبيها ومَن أحسن اليهم.

ولا يزال البابُ مفتوحاً في هذه الأيام للانضمام الى كلا الصنفين:

فمؤمنٌ ينضمُّ الى شيعتها، ويحي أمرَها وأمرَ قرة عينها الحسين (عليه السلام).

ومنافقٌ يرضى بأفعال قتلة الحسين (عليه السلام) فيكون معهم.

ومُذَبذَبٌ بينَ هؤلاء وهؤلاء، لا يُدرى كيف تُختم حياته!

اللهم اجعلنا من شيعتهم، وادفع عنّا أذى أعدائهم، وعظِّم لنا أجورنا بمصابهم، واحشرنا معهم قبل أن تنظر في محاسبة العِباد.

وإنا لله وإنا اليه راجعون(56).

 


(1) الفرقان27-28.

(2) كامل الزيارات ص334.

(3) الحاقة16-18.

(4) كامل الزيارات ص334.

(5) تفسير القمي ج1 ص101.

(6) كامل الزيارات ص332.

(7) الكافي ج7 ص406.

(8) ثاني ربيع الأول 1442 للهجرة الموافق 19 - 10 - 2020 م.

(9) الأمالي للصدوق ص592.

(10) الأمالي للصدوق ص486.

(11) الأمالي للصدوق ص486.

(12) علل الشرائع ج‏1 ص179.

(13) الخميس 21 جمادى الثاني 1442 هـ الموافق 4 - 2 - 2021 م.

(14) تفسير فرات ص298.

(15) الحج2.

(16) النبأ38.

(17) الرحمن27.

(18) الحجرات13.

(19) تفسير فرات ص298.

(20) الخميس 18 جمادى الأولى 1443 هـ الموافق 23 - 12 - 2021 م.

(21) البلد الأمين ص314.

(22) تفسير القمي ج‏2 ص64.

(23) مجموعة ورام ج‏1 ص294.

(24) عدة الداعي ص175.

(25) الإحتجاج على أهل اللجاج للطبرسي ج‏2 ص350.

(26) جامع الأخبار ص175.

(27) بحار الأنوار ج‏65 ص77.

(28) تفسير فرات الكوفي ص446.

(29) الأمالي للصدوق ص400.

(30) نهج البلاغة ص71.

(31) الخميس الرابع عشر من ربيع الثاني 1444 هـ، الموافق 10 - 11 - 2022م.

(32) الأمالي للصدوق ص335.

(33) الأمالي للطوسي ص416.

(34) الأمالي للصدوق ص114.

(35) كشف الغمة ج‏1 ص498.

(36) طرف من الأنباء والمناقب ص193.

(37) القلم4.

(38) آل عمران4.

(39) الأعراف136.

(40) الروم47.

(41) طرف من الأنباء والمناقب ص191.

(42) الدُّخان16.

(43) العين ج‌6 ص240‌.

(44) البروج12.

(45) مختصر البصائر ص450.

(46) ثواب الأعمال ص215.

(47) الثلاثاء 23 جمادى الاولى 1443 هـ الموافق 28 - 12 - 2021 م.

(48) تفسير فرات ص269.

(49) تفسير فرات ص269.

(50) الأنبياء47.

(51) المزمل17.

(52) الأنبياء103.

(53) ق22.

(54) نزهة الناظر ص85.

(55) الأمالي للمفيد ص130.

(56) الخميس 3 محرم 1443 هـ الموافق 12- 8 – 2021 م.


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=256
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 12 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5