• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
              • القسم الفرعي : السيدة الزهراء عليها السلام .
                    • الموضوع : 155. ولاية الزهراء.. بشارة السَّماء .

155. ولاية الزهراء.. بشارة السَّماء

بسم الله الرحمن الرحيم

يروي الشيخ الطوسي رحمه الله عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه أوصى بأن تُزار جدَّتُه الزَّهراء (عليها السلام) بهذا اللفظ: وَزَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصَابِرُونَ لِكُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وَأَتَانَا بِهِ وَصِيُّهُ (عليه السلام).

السيدة المُمتَحَنة الصابرة هي المخاطَبَةُ في الزيارة الشريفة.

والزائر في هذه الفقرة يزعَمُ أنّه يتَّصفُ بصفاتٍ ثلاثة:

الصفة الأولى: أنَّه وَليٌّ لفاطمة!

أي أنَّ الموالاة في دينِ الزّائر لا تكون للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام (عليه السلام) فقط، بل ينبغي لتكتمل ولاية النبي والإمام أن تنضمَّ إليها ولاية الزَّهراء، فهي سيدة الزائر المؤمن ومولاته، وهي التي نخاطبها في زيارة أخرى بقولنا: يَا سَيِّدَتَنَا وَمَوْلَاتَنَا إِنَّا تَوَجَّهْنَا بِكِ إِلَى الله(1).

فموالاةُ المؤمن للزَّهراء قرين موالاة أبيها وبعلها وبنيها المعصومين (عليهم السلام)، لتكون الولاية والتَّبَعية لأربعة عشر نوراً من أنوار الله تعالى.

الصفة الثانية: أنَّه مصدِّقٌ للنبي والإمام

فالمؤمن يعتقدُ أنَّ كل ما أتى به النبيُّ والإمام هو أمرُ الله تعالى، ولا يسأل النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كسؤال رؤوس الضلال له: هذا منك أم من عند الله؟!

فمَن لم يكن على هذه المثابة مُصَدِّقاً بكلِّ ما أتى به النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن من المؤمنين حقاً.

الصفة الثالثة: أنَّه صابرٌ على ما جاء به النبي والإمام

فلا يُكتفى بهذا التّصديق دون التزامٍ به وصَبرٍ عليه، فإبليس اللعين نفسه مُصَدِّقٌ بفضلهم مخالفٌ لهم، كمن جحد بآيات الله واستيقنت بها نفسه.

فمَن اتَّصَفَ بهذه الصفات الثلاثة، أكمَلَ الخِطاب مع الزهراء (عليها السلام) فقال كما علَّمَه الباقر (عليه السلام):

 فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا الحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لهمَا بِالبُشْرَى، لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِولَايَتِكِ (2).

وههنا معانٍ عظيمة منها أمران:

الأمر الأول: أنَّ تصديق فاطمة تصديق الرَّسول والإمام

لقد اقترنَ التّصديق بالزَّهراء (عليها السلام) بالتصديق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام (عليه السلام)، وكلاهما معصومٌ، فكانت الزَّهراء (عليها السلام) بذلك شريكتهم في العصمة، وصار تصديقُهما سبباً في أن تُلحِقَنا الزَّهراء بالبُشرى!

أي أنَّ التَّصديق لهما يحتاجُ إلى إمضاءٍ من الزَّهراء (عليها السلام)، فدونَها لا يُبشَّر المؤمنُ بهما، فمَن زعَمَ أنَّهُ آمن بهما وصدَّقَهُما واتَّبَعُهما ولم يتّبع فاطمة (عليها السلام) كان في دعواه كاذباً!

ثمَّ يشيرُ الحديث إلى أن صاحبة البُشرى للمؤمن هي الزَّهراء (عليها السلام)، فهي التي تُلحقُ المؤمن بأسياده الأطهار، ودون ولايتها والتصديق بها لا تكتملُ ولايتهما.

وكذا لا تكتمل هذه الولاية بغير البراءة ممن تبرأت منه: أُشْهِدُ الله وَرُسُلَهُ وَمَلَائِكَتَهُ أَنِّي رَاضٍ عَمَّنْ رَضِيتِ عَنْهُ، وَسَاخِطٌ عَلَى مَنْ سَخِطْتِ عَلَيْهِ، وَمُتَبَرِّئٌ مِمَّنْ تَبَرَّأْتِ مِنْهُ، مُوَالٍ لِمَنْ وَالَيْتِ، مُعَادٍ لِمَنْ عَادَيْتِ، مُبْغِضٌ لِمَنْ أَبْغَضْتِ، مُحِبٌّ لِمَنْ أَحْبَبْتِ(3).

الأمر الثاني: أن ولاية فاطمة سبيلُ الطَّهارة!

إنَّ ثمرة البشارة من الزهراء (عليها السلام) لمحبيها هو أن: نُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِولَايَتِكِ!

وههنا معنى في غاية العظمة، فالأشياء تنقسم إلى ما يكون طاهراً وما لا يكون كذلك، والطاهرُ قَد يكون مُطَهِّراً وقد لا يكون كذلك.

والزَّهراء (عليها السلام) بنفسِها من أهلِ بيتٍ أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرَهُم تطهيراً، وأورثهم علم الكتاب الذي لا يمسّه إلا المطهّرون.

ثمَّ جَعَلَ ولايتَهم باباً لطهارة عباده! فصاروا أطهاراً مُطهَّرين بأنفسهم، مُطَهِّرين لغيرهم.

كيف ذلك؟

لقد جعَلَ الله تعالى الماء طَهوراً فقال عزَّ وجل: ﴿وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً﴾(4)، وقال تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾(5).

فثبت أنَّ الماء يُطهِّرُ النجاسات بظاهر القرآن، ودلَّ الخبر على أنَّهُم (عليهم السلام) يُطَهِّرون قلوب المؤمنين في الباطن، كما عن الصادق (عليه السلام) في الآية الشريفة:﴿ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ قال: فذلك عَليٌّ يُطَهِّرُ الله به قلبَ من والاه(6).

فليتأمَّل عاقلٌ في هذين اللفظين (عَليٌّ يُطَهِّرُ الله به قلبَ من والاه) و(طَهُرْنَا بِولَايَتِكِ)، ليرى أنَّ علياً وفاطمة صِنوان، لا يطهُرُ عبادُ الله إلا بمعرفتهما وولايتِهما، بعد معرفة الرَّسول والتصديق به والصبر على ما جاء به.

هكذا يصيرُ شيعتهم من أهل الطهارة، ومَن قابَلَهُم هُم أهل الخباثة والقذارة!

ولا يستوحشُ المؤمنون لقلَّتهم بعد ذلك، فإنَّهم يؤمنون بقول الله تعالى: ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الخَبيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبيثِ فَاتَّقُوا الله يا أُولِي الالبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(7).

ويعلمون مآلَهم حيثُ يحشرُهم الله تعالى في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، ويجمع أعداء آل محمد وأولياءهم والراضين بأفعالهم معاً يوم القيامة!

قال تعالى: ﴿لِيَميزَ الله الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الخَبيثَ بَعْضَهُ عَلى‏ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَميعاً فَيَجْعَلَهُ في‏ جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾(8).

هكذا صارَت ولاية الزهراء.. بشارة السَّماء..

هكذا صارت سبيل النجاح والفلاح، والحشر مع الأطهار.

ثَبَّتَنا الله على ولايتها، وعرَّفنا شأنها وعَظَمَتَهَا، وحشرنا معها بحقِّها عليها السلام. والحمد لله رب العالمين(9).

 

(1) البلد الأمين ص325.

(2) تهذيب الأحكام ج‏6 ص10.

(3) تهذيب الأحكام ج‏6 ص11.

(4) الفرقان48.

(5) الأنفال11.

(6) تفسير العياشي ج‏2 ص50.

(7) المائدة100.

(8) الأنفال 36-37.

(9) الأربعاء 7 رجب 1443 هـ الموافق 9 2 2022 م.


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=213
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5