بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها﴾(1)، ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُم﴾(2).
إنّ للناس في تعاملها مع البيوت والأبواب نهجين:
وتُمَثِّلُه الآيات المتقدّمة، فقد أقرَّ الله تعالى حرمة البيوت، ومَنَعَ من دخولها بغير استئذان، فمن سلَّم وأُذِنَ له دخل، ومَن لم يؤذن له رجع، وقد خصّت الآية الثانية بالذكر بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فحرمة النبيّ أعظم من كلّ حرمة في الوجود.
وكان مِن أَدَبِ المؤمن وقوفُه عند الأبواب وانتظاره أن تُفتح أو يؤذن له، بل كان من آداب الزيارة طَرقُ الأبواب، حتى صار طرقُها مقروناً بفتح أبواب السماء!
ففي الخبر عن الباقر والصادق ‘: أَيُّمَا مُؤْمِنٍ خَرَجَ إِلَى أَخِيهِ يَزُورُهُ عَارِفاً بِحَقِّهِ، كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً، وَمُحِيَتْ عَنْهُ سَيِّئَةٌ، وَرُفِعَتْ لَهُ دَرَجَةٌ، وَإِذَا طَرَقَ البَابَ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ(3).
هكذا تُحفظ الحُرُمات، ويرضى الرب العزيز، بِطَرقِ المؤمن بابَ أخيه المؤمن، والاستئذان قبل دخوله، فيفتح الله له أبواب السماء، وتنزل عليه رحمة الله من أوسع أبوابها.
وتمثِّلُه فئتان:
1. بنو إسرائيل.
2. قوم لوط.
لقد روى أبو ذرٍ الغفاري رحمه الله، مَن لم تقلّ الغبراء أصدقَ لهجةً منه، حديثاً عن سيّد الكائنات (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قال: إِنَّ مَثَلَ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ كَسَفِينَةِ نُوحٍ، وَكَمَثَلِ بَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ(4).
أهلُ البيت.. كَمَثَلِ بَابِ حِطَّةٍ، فما قصة باب حطة؟
قال تعالى عن بني إسرائيل: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا البابَ سُجَّداً﴾(5).
وروينا عن الباقر (عليه السلام) قوله: كان بنو إسرائيل أخطئوا خطيئة، فأحب الله أن ينقذهم منها إن تابوا، فقال لهم: إذا انتهيتم إلى باب القرية فاسجدوا وَقُولُوا حِطَّةٌ تنحط عنكم خطاياكم، فأما المحسنون ففعلوا ما أمروا به، وأما الذين ظلموا فزعموا (حنطة) حمراء، فبدَّلوا، فأنزل الله تعالى عليهم رجزاً(6).
فأمرهم الله بالسجود أولاً، وبأن يقولوا (حِطَّة) ثانياً ليحطّ ذنوبهم، لكن بنو إسرائيل ما رضوا أن يتأدّبوا بآداب الله ويلتزموا بأمره، ويسجدوا أمام بابه ويمتثلوا أمره، فأنزل الله عليهم رجزاً، فكانوا نموذجاً لأهل الكفر والنفاق.
وقد ورد في الخبر عن الإمام العسكري (عليه السلام) قوله: مَثَّلَ الله تَعَالَى عَلَى البَابِ مِثَالَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) وَعَلِيٍّ (عليه السلام) وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا تَعْظِيماً لِذَلِكَ المِثَالِ(7).
فكان الأمرُ بالسجود لله تعالى تعظيماً لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليٍّ (عليه السلام).
ثم جعل الله آل محمد في هذه الأمة كَبَابِ حطّة في بني إسرائيل، فحَقَّ على من أراد أن يقف على أبوابهم أن يسجُدَ لله تعالى تعظيماً لهم.
ولمّا كانت هذه الأمة قد حَذَت حذو الأمم السابقة حذو النعل بالنعل، فإنّها ما خالفت بني إسرائيل في ذلك.
أما بنو إسرائيل، فإنهم: لَمْ يَسْجُدُوا كَمَا أُمِرُوا، وبدّلوا قولاً غير الذي قيل لهم.
وأمّا هذه الأمة، فما سجدت لله تعالى عندما وقفت على (باب حطّتها)، بل جمعت الحطب وأحرقت باب دارِ من كانوا أبوابها لله تعالى!
بابُ حطّة هذه الأمة، بِهِ تُغفر الذنوب وتُمحى السيئات، وأمامه ينبغي لله السجود.. به تنزل رحمة السماء إلى الأرض، ويستحق العباد الزيادة من ربهم.
لكنّ الأمة كبني إسرائيل، ما احترمت باب من كان باباً لعلم النبيّ، وما وقفت عند باب الزهراء رحمةِ الله في الأرض.
وقد كان لهم آدابهم الخاصة، إنهم أهل (اقتحام الأبواب)!
ففي الخبر عن الباقر (عليه السلام) أنّهم اجتمعوا على باب لوط (عليه السلام) فقال: لَوْ أَنّ لِي أَهْلَ بَيْتٍ يَمْنَعُونِّي مِنْكُمْ..
وَتَدَافَعُوا عَلَى البَابِ وَكَسَرُوا بَابَ لُوطٍ وَطَرَحُوا لُوطاً!(8).
هي (ثقافة كسر الأبواب) مِن أخسِّ خلق الله وأحقرهم، انتقلت مِنهُم إلى هذه الأمة، حين أَبَى رموز السقيفة إلا أن يقلِّدوهم عندما وقفوا على باب الزهراء.. بل زادوا عنهم أضعافاً مضاعفة!
في أيام لوطٍ تَدَخّل جبرائيل بأمر الله تعالى فقال: ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾ فَأَخَذَ كَفّاً مِنْ بَطْحَاءَ، فَضَرَبَ بِهَا وُجُوهَهُمْ وَقَالَ: شَاهَتِ الوُجُوهُ، فَعَمِيَ أَهْلُ المَدِينَةِ كُلُّهُمْ..
لكن جبرائيل لم يؤمر بأن يُعمي أبصار أمة خاتم الأنبياء، المبعوث رحمة للعالمين، وإن عَمِيَت بصيرتهم، فوقع منهم على عليٍّ والزهراء من الظُّلم ما لم يقع على أنبياء الله ورسله.
ولمّا سأل لوطٌ رُسُلَ ربه عن أمر الله قالوا: أَمَرَنَا أَنْ نَأْخُذَهُمْ بِالسَّحَرِ.
فأمهل الله تعالى قوم لوط حتى السحر قبل أن يأخذهم، لكنّه ادّخر للظالمين من هذه الأمة عذاباً مؤجلاً ليس فوقه عذاب، لأنَّ ظلمهم ليس فوقه ظلم.
ما سلكت أمَّةُ خير الأنبياء مع باب الزهراء نهج أهل الإيمان، بل اقتحمت بابها، وأضرمت فيه النيران.. حتى سَعَّرت النارُ وجه الزهراء!
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ ع: يَا عُمَرُ مَا لَنَا وَلَكَ؟
فَقَالَ: افْتَحِي البَابَ وَإِلَّا أَحْرَقْنَا عَلَيْكُمْ بَيْتَكُمْ! .. وَدَعَا عُمَرُ بِالنَّارِ فَأَضْرَمَهَا فِي البَابِ ثُمَّ دَفَعَهُ فَدَخَلَ.
لقوم لوط ثقافة (كسر الأبواب)، ولأهل السقيفة ثقافة (حرق الأبواب) والبيوت!
فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَاطِمَةُ (عليها السلام) وَصَاحَتْ: يَا أَبَتَاهْ يَا رَسُولَ الله.
فَرَفَعَ عُمَرُ السَّيْفَ وَهُوَ فِي غِمْدِهِ فَوَجَأَ بِهِ جَنْبَهَا، فَصَرَخَتْ: يَا أَبَتَاهْ.
فَرَفَعَ السَّوْطَ فَضَرَبَ بِهِ ذِرَاعَهَا، فَنَادَتْ: يَا رَسُولَ الله، لَبِئْسَ مَا خَلَّفَكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر.
فَوَثَبَ عَلِيٌّ (عليه السلام) فَأَخَذَ بِتَلَابِيبِهِ ثُمَّ نَتَرَهُ فَصَرَعَهُ وَوَجَأَ أَنْفَهُ وَرَقَبَتَهُ، وَهَمَّ بِقَتْلِهِ، فَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وَمَا أَوْصَاهُ بِهِ، فَقَالَ: وَالَّذِي كَرَّمَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ يَا ابْنَ صُهَاكَ، لَوْ لا كِتابٌ مِنَ الله سَبَقَ، وَعَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيَّ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لَعَلِمْتَ أَنَّكَ لَا تَدْخُلُ بَيْتِي(9).
هو العهدُ المعهود، الذي غشي عليٌّ لما سمع به وصَبَرَ، ثمّ صَبَرَ لما رأى ما رأى.
لقد أمهل الله تعالى قومَ لوط حتى السحر، لكنَّ تلك الليلة كانت صعبةً على لوط، حتى طلب من ملائكة الله حاجته فكانت: تَأْخُذُونَهُمُ السَّاعَةَ!
فقالوا له: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيب﴾
ثم أخذهم الله أخذَ عزيزٍ مقتدر.
فمتى سيأتي السَّحَرُ لِلَيلِكِ يا زهراء؟! متى سيأتي صُبح الانتظار؟! متى خروج الآخذ بالثار؟!
اللهم عجِّل لوليك الفرج، وسهل له المخرج، واجعلنا معه من الآخذين بالثار. وإنا لله وإنا إليه راجعون(10).
(6) قصص الأنبياء عليهم السلام للراوندي ص174.
(7) التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ص260.
(9) كتاب سليم بن قيس ج2 ص585.
(10) السبت 2 جمادى الثاني 1442 هـ الموافق 16 - 1 - 2021 م.
بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
|