• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
              • القسم الفرعي : السيدة الزهراء عليها السلام .
                    • الموضوع : 49. إذا سمّيتها فاطمة.. فلا تضربها! .

49. إذا سمّيتها فاطمة.. فلا تضربها!

بسم الله الرحمن الرحيم

وَأْدُ البَنَات‏: عادةٌ جاهلية نهى عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما نهى، فقد بُعث إلى قوم: قَطَّعُوا أَرْحَامَهُمْ، وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَدَفَنُوا فِي التُّرَابِ المَوْءُودَةَ بَيْنَهُمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ(1).

لم ترتفع كلُّ تَرَسُّبات الجاهلية بعد عشراتٍ من السنين، فقد تَوَقَّفَ وأدُ البنات، لكن بقي شيءٌ من الكراهية لإنجابهنّ، وقد دخل (السكونيُّ) يوماً على الإمام الصادق (عليه السلام) وهو (مَغْمُومٌ مَكْرُوبٌ)، فسأله الإمام عن غَمِّه، فقال: وُلِدَتْ لِي ابْنَةٌ!

فقال الإمام (عليه السلام): يَا سَكُونِيُّ، عَلَى الأَرْضِ ثِقْلُهَا، وَعَلَى الله رِزْقُهَا، تَعِيشُ فِي غَيْرِ أَجَلِكَ، وَتَأْكُلُ مِنْ غَيْرِ رِزْقِكَ.

كلماتٌ عظيمةٌ من إمامٍ عظيم، فلا أنت يا سكوني تحمِلُها ولا أنت ترزقها، فمَن يرزقك يرزقها، لن تأخذ من عمرك شيئاً ولا تشركُك فيما أعطاك الله، بل الرازق لك رازقٌ لها.

سَرَّى الإمام بكلامه عن السكوني فانكشف غمُّه، لكنه (عليه السلام) سأله عن اسمها.

فَقَالَ لِي: مَا سَمَّيْتَهَا؟

قُلْتُ: فَاطِمَةَ.

قَالَ: آهِ آهِ.

يتأوَّهُ الصادق لمّا سمع باسم فاطمة، وكيف لا يتأوّه وهو العالم بمكانتها عند الله ورسوله، وهو العالم بحقيقة ما جرى عليها، كيف لا يتأوّه على مَن ظُلِمَت ولم تتمكّن من بثّ شكواها إلى أحد؟!

لقد بلغنا من ظلامتها عن لسانها في رواية واحدة أنهم:

- فَجَمَعُوا الحَطَبَ الجَزْلَ عَلَى بَابِنَا

- فَأَخَذَ عُمَرُ السَّوْطَ مِنْ يَدِ قُنْفُذٍ.. فَضَرَبَ بِهِ عَضُدِي‏

- فَالتَوَى السَّوْطُ عَلَى عَضُدِي حَتَّى صَارَ كَالدُّمْلُج‏

- وَرَكَلَ البَابَ بِرِجْلِهِ فَرَدَّهُ عَلَيَّ وَأَنَا حَامِل‏

- فَسَقَطْتُ لِوَجْهِي وَالنَّارُ تُسْعَرُ وَتَسْفَعُ وَجْهِي‏

- فَضَرَبَنِي بِيَدِهِ حَتَّى انْتَثَرَ قُرْطِي مِنْ أُذُنِي‏

- وَجَاءَنِي المَخَاضُ فَأَسْقَطْتُ مُحَسِّناً قَتِيلًا بِغَيْرِ جُرْم‏(2).

كلُّ هذه المصائب العظيمة وردت في روايةٍ واحدةٍ عن لسانها! فلو جُمِعَ ما ورد في سائر الروايات لكان عجباً.

رغم كل هذا، روينا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّهِ سَبِيلًا!(3).

فما الذي جرى عليها فوق ذلك مما اعتلج بصدرها ولم تجد إلى بثه سبيلاً؟!

سلام الله عليك يا صادق آل محمد، وعلى تأوُّهك على أمك الصديقة الشهيدة المظلومة.

وبعدما تأوّه الصادق عليه السلام: وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حَقُّ الوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ.. إِذَا كَانَتْ أُنْثَى أَنْ يَسْتَفْرِهَ أُمَّهَا: إنَّ من معاني الاستفراه الإكرام، أي يكرمها، فيصير إكرامُ الأم من حقوق الولد على الوالد!

ما أعظم هذا المعنى! وهو حقٌّ مشتركٌ لو كان الولد ذكراً أو أنثى.

ومَن يؤدي حقَّهُ كأمير المؤمنين؟ ومن يُكرِمُ الأمّ أمام أبنائها كعليٍّ (عليه السلام)؟

لطالما رأى الحسن والحسين وزينب (عليهم السلام) أعظم إكرامٍ لأمهم من أبيهم، ثم رأوا ما يثير العجب: أجلافٌ على بابها! طغاةٌ يحرقون دارها! فآه آه مما جرى عليها، وعلى أولادها.

حقٌّ آخر للأنثى على أبيها، يقول (عليه السلام): وَيَسْتَحْسِنَ اسْمَهَا: وهل من اسمٍ أحسن من (فاطمة) يسميها به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

السكوني قد أسمى ابنته فاطمة فأدّى هذا الحق على أكمل وجه.

لكنَّ هذا الحق يستتبعُ أمراً آخر: إنّ تَسمِيَتَهَا ب(فاطمة) يوجب عليه حقاً جديداً، لخَصِيصةٍ في اسم (فاطمة)، أليس اسماً لسيدة النساء المظلومة المقهورة؟

يقول (عليه السلام) للسكوني: أَمَّا إِذَا سَمَّيْتَهَا فَاطِمَةَ فَلَا تَسُبَّهَا، وَلَا تَلْعَنْهَا، وَلَا تَضْرِبْهَا(4).

فمن أسمى ابنته فاطمة صار منهياً عن ضربها!

فكيف بفاطمة التي تُسمى الفتيات باسمها؟!

ما حال ضاربها؟! ومُحَرِّق بابها، ومُسقِط جنينها؟

أعرابٌ أجلافٌ، هَمَجٌ رعاع، جفاةٌ قُساة، لا رحمة عندهم ولا لين، لا ذمّة لديهم ولا دين.

الشريعة تنهى عن ضرب أيّ فاطمةٍ في الوجود، حتى في مثل ضرب الأب، وضربُ الأب رقيقٌ للتأديب، فينهى الإمام (عليه السلام) السكونيَّ عن أن يضرب ابنته فاطمة.. لكنّ فاطمة ابنة الرسول (ص) تضرب، وأيُّ ضربٍ!

فاستبدلت بعد العز مع الرسول وابن عمِّه ضرباً من القساة الجفاة.. فلا تُضرَبَنَّ بعد ذلك أيُّ فاطمة!

هي رسالةٌ لمن في قلبه مقدارُ ذرّةٍ من عَدلٍ وإنصاف: الفواطم مكرّمةٌ لاسمهنّ، وفاطمة الصديقة الكبرى تُهان ويعتدى عليها! ثم توالي الأمّة هؤلاء المعتدين، وتجعلهم خلفاء لله في أرضه؟!

أما فيكم عِرقٌ ينبض؟ أما فيكم ذَرَّةٌ من شرفٍ وضمير؟!

سيبقى الخنوع رفيقاً للمسلمين، ما لم يبرؤوا وسائر الدنيا ممن ضرب فاطمة (عليه السلام) وقَتَلَها.. وإنا لله وإنا إليه راجعون(5).

 

(1) الكافي ج‏1 ص61.

(2) بحار الأنوار ج‏30 ص348.

(3) الكافي ج‏1 ص459.

(4) الكافي ج‏6 ص49.

(5) الجمعة 17 جمادى الأولى 1442 هـ الموافق 1 - 1 - 2021 م.


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=108
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5