• الموقع : موقع العلم والإيمان.. مقالاتٌ وأبحاثٌ ومؤلفات.. بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والأبحاث .
              • القسم الفرعي : مقالات عامة ومتنوعة .
                    • الموضوع : 44. أمين الريحاني.. والخرافة الشيعية! .

44. أمين الريحاني.. والخرافة الشيعية!

بسم الله الرحمن الرحيم

أمين الريحاني.. اسمٌ شهيرٌ في بلادي.. لمفكِّرٍ وأديبٍ وروائي ومؤرّخ ورحّالة، يعدُّه بعضهم من (دعاة الإصلاح)، وآخرون من (عمالقة الفكر) مطلع القرن العشرين.. 

يقال أنّه سعى للتآلف بين الأديان بقلمه وأفعاله، وأنّه من روّاد حوار الحضارات، ومن (أعداء النعرات الطائفية) حتى عدّها علة العلل، فنقل عنه قوله: (ما زالت النعرات الطائفيّة حيّةً فينا قويّة، ظاهرة كانت أم خفيّة. وهذه في نظري علّة العلل..).

لقد تنقّلَ الريحاني في بلاد الله الواسعة، وكتب عمّا شاهد ورأى، وعبّر عمّا يجول في قرارة نفسه حيث أعطاه الله قلماً سيّالاً، فدعا الشرقيين والغربيين ليأخذ كلٌّ منهم من الآخر (ما هو جميلٌ في أديانهم)..

ههنا تستوقفُ الباحثَ بعضُ مواقف الريحاني، ومنها ما قاله حول فرقةٍ من أبرز فرق وطني ووطنه لبنان، إنهم (الشيعة)، حيث تحدّث عنهم وعن إمامهم الثاني عشر بما يستحق التأمُّل، فقال:

قالت فرقة الشيعة: لا إمام بعد الامام الثاني عشر، وهو صاحب الزمان، فأمسَت من العقائد الدينية التي ينمو فيها مكروب الخرافة! فيفسد الحياة الروحية! ويشين أساليب العبادة فيجعلها سخرية !! (ملوك العرب ج1 ص140-141)

ههنا ساغ لنا أن نقف مع الريحاني في قوله الخطير هذا فنقول:

ماذا وجد في عقيدة (الإمام الثاني عشر) حتى عدّها بيئةً ينمو فيها مكروب الخرافة؟! ووجدها مما يفسد الحياة الروحية ويشين العبادة ويجعلها سخرية؟!

الاحتمالاتُ متعدِّدة في منشأ كلامه.. فنقف معها واحداً تلو الآخر:

1. هل رأى الريحاني في عقيدة الرقم (12) (مكروباً للخرافة)؟!

لعلّ الأمر كذلك، ولعلّ الريحاني قد أصيب بعقدةٍ من هذا الرقم، حينما وجد التناقض حوله جليّاً في (كتابه المقدّس)، إذ أنّه عدد الحواريين الذين خاطبهم عيسى عليه السلام تارة بقوله: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي.. تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ (متى19: 28).

وتارة أخرى بقوله لهم: مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ (متى8: 26)

فصار قليلو الإيمان هؤلاء، الذين ليس عندهم حبّة خردلٍ من إيمان كما في (متى17: 19و20)، صار هؤلاء ممن يجلس جنب عيسى عندما يجلس (عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ)!

ثمّ لما دخل الشيطان في يهوذا فانحرف وأسلم عيسى عليه السلام للقوم، وهو من جملة الاثني عشر (لوقا22: 3) اجتمع البقية وأدخلوا (مَتِّيَاسَ) معهم بناء على القرعة! ليبقى عددهم إثني عشر رسولاً.

لعلّنا بهذا نفهم (عقدة) الأستاذ الريحاني من الرقم (12) ومن الإمام الثاني عشر عند الشيعة، ولعلّه (قاس) عقيدة الشيعة بعقيدة النصارى كما في الإنجيل، ولما كان في الإنجيل مناقضةٌ عجيبةٌ، تجعل الحواريين في أعلى الدرجات وأدناها معاً! وتجعل أحدهم قابلاً للانحراف والاستبدال، وأحدهم شيطاناً مطهّراً، صَبَّ جام غضبه من تلك العقيدة على الإمامية الإثني عشرية، لأنّهم وحدهم بين المسلمين من يؤمنون باثني عشر إماماً كما بشّرهم نبيّهم محمد صلى الله عليه وآله.
فأين العدل في ذلك يا ترى؟!

2. أم رأى الريحانيّ في طول حياة الإمام مكروباً وخرافة؟!

لعلّه إذاً لم يتصفّح كتابه المقدّس، ليرى طول الأعمار فيه، ففي سفر التكوين: فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ آدَمَ الَّتِي عَاشَهَا تِسْعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَمَاتَ (التكوين5: 5)

وكذا عاش كلٌّ من (شيث) و(أنوش) و(قينان) و(يارَد) و(متوشالح) و(نوح) أكثر من (900 عام).. وسواهم ممن عاش أعماراً طويلة كما في سفر التكوين..

لم يقل أحدٌ من المسلمين أن في طول حياة هؤلاء خرافةٌ، وقد نسبنا الريحاني إلى الخرافة والمكروب وهو من يُزعَم أنه من (محاربي النعرات الطائفية)!

3. ثم ماذا نقم الريحاني على (الحياة الروحية) للشيعة؟!
وأين وجد في عبادتهم سخرية؟!

أظننتهم يا ريحانيُّ من أهل الخواء الروحي؟! فانظر صحيفتهم السجاديّة وأدعيتهم الكثيرة المأخوذة عن أئمتهم، التي لو فتّشت الأرض شرقها وغربها ما وجدت لها نظيراً في صفاء الروح والنفس، والرقي في مراتب القرب من الله تعالى..
وانظر إلى شعائرهم الدينية لترى مقدار الإخلاص فيها والقرب من الله تعالى..

ألست أنت من قلت في ريحانياتك: تعال يا أخي المسيحي الفقير، تعال معي إلى الجامع! (الريحانيات ص343)
فهل وجدت في مساجد المسلمين من يمتلك روحاً صافية كالشيعة؟!
هل هناك من اقتبس من أبَوَي هذه الأمة ورمزَي الطهارة فيها محمد (ص) وعلي (ع) كما فعل الشيعة؟!

ما هي مآخذك على دين الشيعة أيها الريحاني؟ وأنت تراهم أقرب الناس إلى المساكنة والموادعة بأمر امامهم.. 
وهم أتباع صاحب المقولة الشهيرة التي يصف فيها الرعية بقوله:
إِنَّهُمْ صِنْفَانِ: 
1. إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ.
2. وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ.
يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِه‏ (نهج البلاغة الخطبة 53)

فهل تجرّدت أيها الريحاني وأنت تطلب من القارئ في رسالة ريحانياتك أن يتجرّد عمّا أورثه إياه الأجداد؟! ليرى نور الشمس.. فأين أنت من هذا النور الوضّاح عند الشيعة حتى وَسَمتَهم بما ليس فيهم؟!

هل وجدتَ في أحدٍ من العفو والتجاوز والصفح كما وجدت في الشيعة تَبَعَاً لأئمتهم؟!

لعلّنا نعذرك أيها الريحاني.. 
فلعلّك عجزت عن التجرُّد، وسمعت من أعدائنا الكثير من التشنيع علينا..
لكن هيهات.. أن يصدُق من سمع من الحسود دون تثبّت..

لئن عُرِفَ عن الريحاني جرأته على كثير من أخطاء رجال الدين في أيامه، أو العادات الدينية السائدة في مجتمعه، فليس له أن يسلّط لسانه على فرقةٍ بريئةٍ من كل اتهاماته، ولا على عقيدتها ولا عبادتها ولا حياتها الروحية.. 

فيصير مصداقاً لما قاله كتابه المقدس: 
لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا! (متى7: 3)
هي خصلةٌ ذميمةٌ، لا تكاد تفارقُ كثيراً من الباحثين والكتّاب..

لقد لفت الريحاني يوماً إلى أنّه: ليس في البلاد العربية اليوم رجلٌ واحدٌ يعرف البلاد العربية كلها!.. غير الحكومة البريطانية، أو بالحري: وزارة المستعمرات فيها. (ملوك العرب ج1 ص14)

وليس هو بأحسن حالاً من هؤلاء الرجال الذين حكموا على ما لا يعلمون، فصارت أحكامهم أحكاماً شيطانية!

والريحاني هذا بنفسه يرى أن: ليس هناك شياطينُ غير بشرية.. الشياطين الموهومةُ غير المحسوسة وغير المنظورة هي ناتجة إما عن اضطراب في المعدة أو اختلال في العقل أو عن جهل بربري (الريحانيات ص87)

لسنا نعرف منشأ هذه الشيطنة لمذهب الحق والتسامح عنده! 
لكنّا نعلم أنه سقط في محكمة التاريخ التي لا ترحم المتعلّمين أمثاله، والحَكَمُ في محكمة العدل الإلهية هو الله تعالى.. 

فليعتبر معتبر.. 
فإن للأرض والسماء إلهٌ واحد، هو الله ربُّنا، جلّ عن مشابهة البشر، وتنزّه عن التصوُّر بأشكالهم.. 

والحمد لله رب العالمين

السبت 4 جمادى الثانية 1442 هـ
19 - 12 - 2020 م


بقلم: الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

  • المصدر : http://www.aliiman.net/subject.php?id=103
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5